مقدمة:
يتقدّم حزب الشعب الديمقراطي السوري ببرنامجه إلى الشعب السوري، طالباً الحوار حوله، وطالباً تأييده ودعمه بجميع الأشكال الممكنة، من الانضواء في صفوفه إلى التعاطف والتشجيع، إلى الانتقاد والتعبير عن الاختلاف، الذي يكرّس الحرية والتعدّدية ويضعنا على مسار التقدّم.
كما يتقدم بهذا البرنامج إلى حلفائنا وأصدقائنا وجميع القوى السياسية والاجتماعية، والفعاليات الاقتصادية والثقافية والمهنية، طالباً متابعة الحوار وتوسيعه والعمل المشترك من أجل بلورة برنامج وطني للتغيير الديمقراطي في البلاد.
وليس سهلاً بلورة برنامج جامع وفعّال وواضح المعالم، في مرحلةٍ انتقالية، مازال الاستبداد سيّداً فيها.
يحاول هذا البرنامج أن ينطلق من الوضع الراهن فيرسم ملامح التغيير وآلياته ومهامه، و يحاول أيضاً تحديد طموحاته بعد التغيير.
لقد وضعنا هذا البرنامج، آخذين في الاعتبار ضرورة الانفتاح على المجتمع و ملاقاة الحركة الديمقراطية في سوريا بطيفها المتنوع وضرورة الوصول إلى برنامج مشترك في أيّ ائتلاف ديمقراطي واسع لقواها أو مؤتمر وطني لأطرافها.
إن الضعف الذي يسم الحياة السياسية السورية الراهنة يعود، في أحد جوانبه، إلى التردد حيال الخط الواضح والمتماسك، الذي يبرز هدف التغيير الديمقراطي في هذه المرحلة، ويساعد على تجنب الانتهازية والتطرف.
ومهما اكتسى برنامجنا من ملامح خاصة، فهو يؤكد أن ما يجمع قوى التغيير أكثر بكثير مما يفرّقها، ويبرز المهمة المركزية الجامعة: الانتقال بالبلاد من نظام الاستبداد والتأخر إلى نظام الديمقراطية والتقدم.
حزب متجدّد.. وقيم متجدّدة وجديدة
يهدف حزب الشعب الديمقراطي السوري إلى الإسهام في إعادة بناء مجتمعنا بصورة يكون قادراً معها على إنتاج وتكريس نظام سياسي مؤسس على المبادئ الديمقراطية والمساواة. يقوم هذا المجتمع على تضامن أناسٍ أحرار ومتساوين، لكلّ فردٍ منهم أن يتطوّر بحرية، ويتحكّم بحياته ويؤثّر في مجتمعه. هذه الحرية هي في الوقت نفسه: تحرر من الاضطهاد والقمع والجوع والجهل والخوف من المستقبل، وحريّة المشاركة والقرار والمساءلة مع الآخرين.
تبدأ السلطة من أولئك الذين يكوّنون المجتمع. وليس للمصالح الاقتصادية أن تضع حدوداً للديمقراطية، في حين أن على الديمقراطية أن تضع حدوداً للاقتصاد ولمفاعيل السوق.
يعمل حزبنا من أجل نظام اقتصادي يستطيع فيه كلّ مواطن، منتجاً أو مستهلكا،عاملاً بأجر أو مالكاً أو مستثمراً، أن يؤثّر في اتّجاهات الاقتصاد وإعادة توزيع الثروة بشكل دائم وعادل، وتوفير فرص العمل وتنظيم شروطه بالوسائل السلمية والشرعية وفي إطار القانون. ويعمل أيضاً على نبذ التعصّب الحزبي وضيق الأفق السياسي والتناحر، في سعيه من أجل مجتمع خالٍ من التمييز على أساس الثروة أو الانتماء الحزبي أو الدين أو الطائفة أو الجنس أو القومية، مجتمع يضمن مكاناً متساوياً بالحقوق والقيمة والفرص، يستطيع أبناؤنا فيه أن يتشرّبوا ويعيشوا قيم النزاهة والحرية واستقلال الشخصية والكرامة القائمة على حقوق الإنسان و مبدأ المواطنة.
ويؤكد حزبنا انتماءه إلى عالم الطبقات الشعبية والوسطى، من عمال وفلاحين وحرفيين وجميع المنتجين بسواعدهم وأدمغتهم، وإلى مصالح الفقراء والمهمشين، وإلى عالم المعرفة والثقافة والأخلاق والانفتاح والإبداع، وإلى قيم العمل والإنتاج، ويتطلع إلى المستقبل بعزيمة وتفاؤل، وبتمسّك نهائي بقيم الحرية والمساواة والعدل، والتضامن والعمل المشترك.
نحو الديمقراطية والتقدّم
من أجل إنهاء الاستبداد والانتقال بالبلاد إلى وضع جديد، لا بدّ من تحقيق وحدة القوى الديمقراطية، ووحدة المعارضة، على خط واضح لا لبس فيه، وبرنامج للتحرّك من أجل تحقيق التغيير الديمقراطي السلمي اعتماداً على الشعب ولمصلحته، بعيداً عن العمل الانقلابي والعنف في ممارسة العمل السياسي، والعمل على منعه وتجنّبه بأيّ شكل، ومن أيّ طرفٍ كان.
وفي المرحلة الحالية، لا بدّ من تشجيع أيّة مبادرة لكسر حاجز الخوف والعودة بالمجتمع إلى السياسة، وبالناس إلى الاهتمام بالشأن العام، وتنشيط المجتمع المدني. إن تشكيل اللجان والمجالس والهيئات المختلفة، محلّياً وعلى مستوى البلاد، هو ظاهرة لا بدّ من ملاقاتها ومساعدتها والعمل من أجلها، حتى ولو بدت متفارقة إلى هذا الحدّ أو ذاك مع بعض خطنا ورؤيتنا بتفاصيلها. مثل هذا النشاط والحراك، هو الأساس الذي يمكن أن يؤسس لمؤتمر وطني ويجعله ناجحاً، وذا صفة تمثيلية، وقادراً على تحقيق مهمته، وتحسين شروط المستقبل في جميع الأحوال.
إن إنهاء الاستبداد والانتقال إلى الديمقراطية مهمة أولى قائمة وراهنة، بل تكاد تكون المحور الذي يتأسس عليه جدول العمل الراهن. من الضرورة بمكان أن تكون هذه العملية سلمية ومتدرجة ومبنية على التوافق، قائمة على مبادئ الحوار والاعتراف المتبادل والتطلع إلى المستقبل لتحقيق دولة الحق والقانون، دولة المواطنة والديمقراطية.
ويرى حزبنا أن المرحلة الانتقالية تمر عبر الإجراءات التالية:
1- إنهاء حالة الطوارئ ووقف العمل بالأحكام العرفية وإلغاء كل ما ترتب عليها وبني في ظلها من إجراءات وقوانين ومحاكم استثنائية.
2- إطلاق معتقلي الرأي والسجناء السياسيين جميعاًً، وطي ملف الاعتقال السياسي.
3- إلغاء القانون 49 لعام 1980 وجميع استطالاته، وما ترتب على تنفيذه من أحكام وقرارات وإجراءات.
4- عودة جميع المنفيين طوعاً أو كرهاً إلى البلاد بضمانات قانونية، وتقديم كل التسهيلات لعودة كريمة وآمنة، وإلغاء إجراءات منع المغادرة لأسباب سياسية.
5- الكشف عن المفقودين وتعويض ذويهم.
6- رد المظالم إلى أهلها، وإعادة الاعتبار والحقوق المستلبة نتيجة تصرفات أجهزة الأمن وتسلط أصحاب النفوذ وأحكام المحاكم الاستثنائية، والمحاكم العادية الأخرى بحق المعارضة السياسية والرأي الآخر.
7- إعادة هيكلة أجهزة الأمن وتطهيرها من الفاسدين والمجرمين، ووضعها في الإطار القانوني وبما يتناسب مع دخول البلاد الحياة الديمقراطية السليمة، وإلغاء الغطاء القانوني لتجاوزاتها، واستصدار قوانين صريحة بمنع التعذيب وكل أشكال الإكراه المادي والمعنوي، ومعاقبة مرتكبيه والآمرين به وفق القانون.
8- إطلاق الحريات العامة في المجتمع بما فيها حرية المعتقد والرأي والتعبير، وحرية التظاهر والإضراب، وحرية التجمع، وحرية النشر ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية والإلكترونية.
9- إنهاء كل أشكال التمييز القومي والحزبي والفئوي والطائفي، وإلغاء احتكار السلطة والعمل السياسي بإلغاء المادة الثامنة من الدستور، التي جعلت من حزب البعث قائداً للدولة والمجتمع.
10- إصدار قانون عصري ينظم عمل الأحزاب والجمعيات، بشكل يضمن إمكانية التأسيس والعمل العلني الحر على قاعدة المساواة بين الجميع.
11- رفع الوصاية عن العمل النقابي والمهني وتأمين حريته واستقلاله.
12- استعادة أصحاب الحقوق من الأقليات القومية لحقوقهم في مسائل الجنسية وتعلّم اللغة القومية، وفي التعبير عن ثقافتهم و تأسيس مدارسهم ومؤسساتهم الثقافية الخاصة.
13- الشروع في حوار وطني شامل ومتكافئ، يبحث في آليات وبرنامج التغيير الديمقراطي والعودة إلى سيادة الشعب وتداول السلطة. يؤسس لبناء دولة ديمقراطية عصرية وعادلة.
سوريا الديمقراطية.. كما نراها
يناضل حزب الشعب الديموقراطي السوري من أجل نظام وطني ديمقراطي، مؤسس على مبادئ الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية. لقد دللت تجارب العقود الخمس الماضية على فشل تجربة الدولة الشمولية دولة الاستبداد والقمع المرتكزة على التسلط وسيطرة الأجهزة الأمنية، القائمة على حكم الفرد وفكرة الحزب الواحد “القائد”، التي أرجعت المجتمع السوري إلى الوراء في جميع ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومزقت نسيجه الوطني، وأغرقته في أزمات داخلية وعربية ودولية. إن تجاوز هذه الحالة يتطلب بناء الدولة الوطنية الديمقراطية.
ومهما أثير من جدل حول الديمقراطية والخصوصيات المحلية، فليس هنالك ديمقراطيات مختلفة في الجوهر ومفصّلة على قياس كلّ شعب، بل هي ديمقراطية واحدة. إنها النظام الحديث العالميّ القيم والأسس، والذي يقوم على مبادئ الحرية وسيادة الشعب ودولة المؤسسات وتداول السلطة من خلال انتخابات حرة ودورية. يختار فيها الشعب حكومته، ويحاسبها ويراقبها ويبقى جاهزاً لإعادة النظر فيها. نظام قائم على مبدأ حكم القانون وسيادته، وخضوع الجميع له دون تمييز أو استثناء، يضمن الحريات الأساسية والتعددية. إن هذا النظام الذي نناضل من أجله، يتشكّل عبر اعتماد المبادئ التالية:
1- إعادة بناء الدولة الدستورية، التي تتأسّس على دستور ديمقراطي، يكون أساساً لنظام برلماني، يضمن الحقوق المتساوية للمواطنين ويحدّد واجباتهم، وتنعدم فيه أسس الاستبداد والاحتكار، ويغلق طريق العودة إليهما. تُقِرُّه جمعية تأسيسية منتخبة بحرية ويعرض على الاستفتاء العام. يكفل هذا الدستور استقلال السلطات بعضها عن البعض الآخر وخضوع السلطة التنفيذية لسلطة تشريعية منتخبة بحرية. كما يضمن استقلال القضاء وسيادة القانون وتساوي المواطنين أمامه.
2- إصدار قانون انتخابات عصري وعادل وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة لاختيار ممثلي السلطة التشريعية بشكل مباشر وسري، تشرف عليها هيئة وطنية للانتخابات، تنبثق عن السلطة القضائية وترتبط بها.
3- كفالة مبدأ الحرية بتعزيز حقوق المواطنين ومنظمات المجتمع المدني بالوصول إلى المعلومات والإحصاءات والمشاركة في العمل العام. وتشجيع ازدهار الثقافة والفنون وتأمين ما يلزم لإطلاق الطاقات الإبداعية للفنانين والأدباء والمثقفين جميعاً، ودعم الدولة للثقافة والفنون والآداب والعلوم والمعارف كلّها.
4- إبعاد الجيش عن العمل السياسي بعد أن حولته الانقلابات العسكرية على مدى أكثر من خمسين عاماً إلى أداة بيد المتسلطين والمغامرين وأساءت إلى دوره الوطني، ليكون بأمرة السلطة الشرعية المنتخبة في البلاد. إن الجيش مؤسسة وطنية ليست حكراً لحزب من الأحزاب ولا لأية طائفة أو فئة أو جماعة، تتحدّد مهمّته في الدفاع عن حدود البلاد واستقلالها وأمنها الوطني، وفي حماية الدولة ومؤسساتها وصون الدستور. الأمر الذي يشكل قطعاً كاملاً مع مبدأ وتجربة الجيش العقائدي.
5- العمل من أجل تحرير الأراضي المحتلة باعتباره مهمة وطنية عليا، ينبغي أن تبقى في مقدمة الاهتمامات الوطنية، وتوفير كل مايلزم من إمكانات عسكرية وسياسية واقتصادية من أجل استعادتها إلى السيادة الوطنية.
6- احترام حقوق الإنسان، والالتزام بجميع الشرائع والمواثيق العربية والدولية المرتبطة بها وتطبيقها، وإعطاؤها السند القانوني الكافي في الدستور والقوانين جميعها، والنضال من أجل تحويلها إلى قوة في الواقع وفي الحياة العملية، لمنع انتهاكها.
7- تشريع حقوق الطفل والمرأة على أسس عصرية وتحقيق المساواة بين المرأة والرجل في الاعتبار والفرص وأمام القانون، بما فيه حقها في منح الجنسية لوليدها من أب غير سوري، وضمان الأجر المتساوي للعمل المتساوي، وتأمين الرعاية اللازمة للأمومة والطفولة وأصحاب الاحتياجات الخاصة.
8- اعتماد قانون للإدارة المحلية يضمن تأسيس حكم محلي عن طريق الانتخاب الحر، يقوم على اللامركزية الإدارية، وبصلاحيات فعلية.
9- احترام حقوق الأقليات القومية والدينية وتأسيسها على قاعدة المساواة التامة أمام القانون، ومحاربة العنصرية والتمييز والتعصب.
10- تكريس حكم القانون وتأكيد سيادته، والعمل على تحديث القوانين وأنسنتها، وضمان استقلال القضاء، واستئصال الفساد وتصفية آثاره، وتأكيد حياد القضاة ومنع تحزبهم.
11- إقامة العلاقة بين الدولة والأفراد على قاعدة المواطنة المتساوية بين الجميع في الحقوق والواجبات، وإلغاء كل أشكال التمييز القائمة.
12- إعادة الجنسية لمن حرم منها نتيجة إحصاء 1962 من المواطنين وخاصة الكرد منهم، وإلغاء كافة القرارات والإجراءات التي تحول دون تمتعهم بحقوق المواطنة الكاملة.
التنمية وحاجات الشعب.. الاقتصاد الوطني
تواجه البلاد أزمة اقتصادية حادة نتيجة لتراكم مفاعيل النهج السياسي والاقتصادي القائم منذ عقود، وقد عمقتها تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية الدولية. فسوريا تعاني من اقتصاد راكد، وتراجع مستمر في مؤشرات النمو إلى درجات متدنية جداً وفي بعض الأحيان إلى درجة نموٍ سلبي، في الوقت الذي يتزايد فيه عدد السكان بنسبة هي من أعلى النسب في العالم. ولقد بدأ الاقتصاد السوري يدخل في مراحل خطرة بعد أن بات الدخل من النفط والمساعدات الخارجية لا يشكل مصدراً يمكن الاعتماد عليه لتلبية حاجات الدولة والمجتمع في عالم قائم على الربح والمنافسة و تعاظم الحاجات. وفي أساس الخراب الذي يعاني منه الاقتصاد الوطني، السياسات المنهجية للمافيات من أصحاب السلطة والمتنفذين وأتباعهم، التي عملت على احتكار واقتسام مصادر الثروة ونهبها، وتسخير مؤسسات الدولة الاقتصادية لخدمة مصالحها الخاصة والمباشرة. الأمر الذي آل إلى تمايز طبقي خطير، يظهر بتراكم ضخم وغير مسبوق للثروات المنهوبة من مقدرات الوطن وجيوب المواطنين، وإلى تدهور مريع في أوضاع الطبقات الشعبية والوسطى في المدينة والريف. من هنا نرى أن طريق التنمية والنهوض بالاقتصاد الوطني أصبح راهناً وملحاً إن لم نقل حتميا، ويرقى إلى مسألة الحريات السياسية والمدنية في أهميته، بل يرتبط بها برباط لا ينفصم.
ويرتبط طريق التنمية الحديث في الظروف الحالية باقتصاد السوق، وبفتح الأبواب للقطاع الخاص والاستثمار الرأسمالي، ودخول المغامرة التي لا غنى عنها في منظمة التجارة العالمية والشراكة الأوربية والمناطق الحرة المختلفة، رغم ما يرتبه ذلك من مصاعب وتحديات وآلام، مع الاحتفاظ بدور ريادي هام لمؤسسات الدولة المالية في مراقبة حركة الأسواق والتدخل لضبط أعمال الغش والتلاعب والفساد.
لقد تدهورت الأوضاع المعاشية للفئات الشعبية في العقدين الأخيرين بشكل كبير، وانزاح القسم الأكبر من الطبقة الوسطى إلى حالة الفقر والحاجة واللهاث وراء تأمين الحاجات الأساسية، وهجر هذا القسم الحياة السياسية والاهتمامات الثقافية والروحية. وأصبحت نسبة السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر عالية جداً إذا قيست بالمعايير العالمية. لذلك لا بد من إصلاح الاقتصاد الوطني وإعادة هيكلته بالشجاعة والسرعة الكافيتين، ولا بد من تحسين شروط حياة الملايين المحتاجين من الناس ومنع تدهور أوضاعهم أكثر في أية ظروف جديدة ناشئة. رغم ما يبدو من تناقض هاتين المهمتين في هذه المرحلة.
ولإجراء الإصلاح المطلوب لا بد من العمل في هذا المجال، كما نرى، على المهام التالية:
1- تدخل الدولة في الاتجاهات العامة للاقتصاد، باعتماد أساليب مرنة في التخطيط ( التخطيط التأشيري ) بدون مركزية كابحة ومعرقلة، في إطار القانون العام واقتصاد السوق، لكفالة المصلحة الوطنية وحماية البلاد من الأزمات الكبرى، وفي كل الأحوال يجب ألاّ يؤثر هذا التدخل على مناخ الاستثمار الخاص وحمايته وتطويره. واعتماد العلم والمصلحة معيارين متلازمين لاتخاذ القرار.
2- دراسة وضع قطاع الدولة وإصلاحه، وتصنيفه إلى شركات خاسرة لا إمكانية لإصلاحها ولا ضرورة للاحتفاظ بها. وأخرى يمكن تعديل وضعها مع إعادة هيكلتها، لابد من إصلاحها وإعادتها إلى حقل الإنتاجية والربح. وثالثة هي المؤسسات الاستراتيجية، يجب التمسك بها وتطويرها لتكون مرتكزاً قوياً للتنمية.
3- عدم التفريط في ملكية الدولة والشعب للثروات الوطنية، والحؤول دون هدرها أو تسليمها إلى القوى التي تحاول جاهدة السيطرة عليها عن طريق نفوذها وامتيازاتها وثرواتها التي ورثتها وكرستها عقود الاستبداد. هذا لا يعني الامتناع عن الخصخصة عندما تكون حلاً عملياً واقتصادياً يخدم مصلحة التنمية.
4- دعم القطاع الخاص وطمأنته بإقامة بنية مستقرة، قانونية وإدارية ومالية، لتأسيس مناخ جاذب للاستثمار الداخلي والخارجي. وتشجيع الاستثمارات والمشاريع المتوسطة والصغيرة. وحتى يكون هذا القطاع قادراً على النهوض، لابد من تنظيمه واعتماده المعايير العالمية في الإنتاج والجودة، ودخوله عالم المعرفة والتكنولوجيا والمنافسة.
5- العمل على الحد من هجرة الشباب من أصحاب الكفاءات خارج البلاد، وتوفير الشروط اللازمة لعودتهم وتوطين خبرة السوريين في وطنهم.
6- رفع أجور العاملين في الدولة والقطاع الخاص بما يتناسب مع تكاليف المعيشة. واعتماد مبدأ ربط الأجور بالأسعار.
7- إصلاح مالي، يكفل استقلال المصرف المركزي والمجلس الأعلى للنقد والتسليف، وتوسيع وتنشيط الادخار وتوظيف المدخرات، وتحديث المؤسسات المالية والمصرفية. وكذلك تطوير قوانين ضريبية عادلة تخدم تحديث الدولة ونمو الاقتصاد الوطني وتراعي المواطنين الأقل دخلاً. و يتطلب هذا الإصلاح وضعَ حدودٍ للتهرب الضريبي وكذلك تأسيس مؤسسات رقابة حقيقية وحديثة.
8- توحيد سعر الصرف للعملات الأجنبية مع تغطية آثاره السلبية على الاقتصاد والمواطن، وإدارة سوق الأوراق المالية وفق المعايير العالمية المعروفة، وقوننة محاربة تبييض الأموال.
9- إصلاح قطاع الزراعة الذي يعاني من تراجع وتفاوت في إنتاج المحاصيل الزراعية، ومن صغر الحيازات والاستثمارات ونقص الرساميل وشح المياه. يتطلب هذا الإصلاح تشجيع الاستثمار الزراعي التعاوني، والاستثمار الرأسمالي الزراعي الكبير. وكذلك لابد من إعادة هيكلة هذا القطاع وتحديثه بما يخدم الفلاحين الأفراد والاستثمارات التعاونية والاستثمارات الزراعية الكبيرة. إن المعيار الأكثر أهمية في إصلاح هذا القطاع هو دعم الفلاح والمنتجين الزراعيين بكل ما يتطلبه استمرار الإنتاج وتطويره لضمان توفير الأمن الغذائي للشعب، و تحديث أساليب ووسائل الإرشاد الزراعي وتعميمها، وضمان الإنتاج الاقتصادي للسلع الزراعية، واعتماد استراتيجية للتصدير وتوفير مستلزماتها.
إن تنمية الريف والزراعة، ومن ثم، تشجيع الارتباط بالأرض وتأمين متطلباته، تساعد على إصلاح الخلل الناتج من هجرة الريف الزائدة إلى المدينة. تمدين الريف بدلاً من ترييف المدينة هي جوهر هذه المسألة وحلها في الوقت نفسه.
10- إيلاء الأهمية لمسألة المياه التي هي عماد الزراعة، وبما لها من أبعاد متشابكة فنية واقتصادية وسياسية ومؤسسية وبيئية واجتماعية، وهي تتطلب تحسين شروطها باستمرار وتعميم وسائل الري الحديثة والبحث عن مصادر جديدة للمياه.
11- محاربة الفساد وتصفية آثاره في الدولة والمجتمع. والقضاء على النشاط الطفيلي واقتصاد الظل الذي وصل إلى مستويات تهدد الاقتصاد الوطني.
12- دعم الاستثمار السياحي وتشجيع السياحة الثقافية، وتوفير سبل ومستلزمات السياحة الداخلية عبر تنظيمها وتخفيض تكاليفها.
13- تحديث الإدارة وبنى الدولة، وتطوير مفهوم الخدمة العامة ووظيفتها في توسيع دور الدولة الاجتماعي.
14- إعادة النظر بسياسة استملاك الأراضي وحصرها وفق معطيات الدستور وقانون الاستملاك، شرط توفر النفع العام والتعويض العادل لأصحاب الأرض.
إن تكريس مفهوم الدولة ومؤسساتها الأكثر ثباتاً، وتمييزه عن مفهوم السلطة، يساعد في إزالة العداء التاريخي بين الدولة والمواطن في بلادنا.
في مجال القضاء والقانون
يمكن توصيف القضاء والقانون في بلادنا بأنهما أصبحا بعد عدة عقود من التسلط وقوننة الاستبداد أسيرين للسلطة والأجهزة، ومرتعاً للمحسوبيات والفساد والرشوة. وتم تسييس القضاء خلافاً للمبادئ الدستورية. ونتيجة لذلك تخلفا عن مواكبة العصر وتلبية حاجات المجتمع. وانتشال القضاء من وضعه الراهن، كما في المجالات الأخرى، يكون ممكناً في إطار إصلاح سياسي شامل، وعملية تغيير ديمقراطية جذرية.
ومن أولى المهام التي تشكل القاعدة الرئيسة لأي إصلاح قضائي وقانوني في سوريا هي:
1- العمل على مبدأ فصل السلطات الثلاث، وتحريرالسلطتين التشريعية والقضائية من طغيان السلطة التنفيذية والأجهزة وتكريسها كسلطة مستقلة. وتنظيم آلية لاختيار مجلسٍ للقضاء الأعلى من كبار القضاة ذوي النزاهة والكفاءة. وأن يكون مستقلاً عن وزارة العدل.
2- حصر مهمة سن القوانين والتشريعات بيد السلطة التشريعية. وإعادة الاعتبار لدور المحكمة الدستورية لكي تمارس سلطتها بشكل حر ومستقل للنظر في دستورية القوانين وشرعية الانتخابات.
3- تأكيد النظر إلى حالة الطوارئ على أنها حالة مؤقتة لا يمكن استخدامها إلا في حالات استثنائية جداً أثناء الحروب الفعلية والكوارث وقوننة ذلك، وهذا يكون بتحديد المسائل الإجرائية وآليات استخدامها مكانياً وزمانيا ً.
4- إلغاء المحاكم الاستثنائية والعودة إلى القضاء العادي مرجعاً وحيداً، والعمل على حصر القضاء العسكري بالجرائم ذات الطابع العسكري.
5- الربط المحكم بين منظومة قوانين الحريات وحقوق الأفراد في بلادنا والعهود والمواثيق العربية والدولية لحقوق الإنسان والحريات السياسية والمدنية. وفق ما ورد في المادة السادسة من الفقرة / 3 / لهذا البرنامج.
6- تنظيم آلية لتعيين القضاة تكفل حيادهم ونزاهتهم وتؤمن حصانتهم وتوفر لهم حياة لائقة، وفي نفس الوقت تمنع تحزبهم وتنهي مقولة ” تبعيث القضاء ” التي أسهمت إلى حدٍ كبير في تفاقم انحداره وفساده.
7- تحديث القوانين على كل المستويات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبناؤها على الأسس الأكثر عدالة وملاءمة لحاجات التقدم. وإلغاء المواد والقوانين الاستثنائية والتعسفية مثل القانون 49 لعام 1980، والمادة 16 من المرسوم 14 لعام 1969، والمرسوم 64 لعام 2008، والمادة 137 من القانون الأساسي للعاملين وغيرها.
8- العمل على إنفاد الأحكام القضائية المعطلة بسبب حالة الطوارئ وتسلط الأجهزة وأصحاب النفود.
9- تعديل القوانين بما يتلاءم مع تفعيل دور المرأة في المجتمع، وفي استكمال حقوقها وإنهاء الغبن التاريخي الواقع عليها.
10- تحديث قوانين الأسرة والأحوال الشخصية بما يتلاءم مع تطور المجتمع والدولة الديمقراطية الحديثة والشرعة الدولية لحقوق الإنسان، بما يضمن المساواة بين المرأة والرجل.
11- إخضاع المراسيم التشريعية والقوانين للنقد والتدقيق والتعديل لتتواءم مع الحياة الدستورية السليمة وإرادة المجتمع والمصلحة الوطنية العليا.
12- إعادة الاستقلال لنقابة المحامين كنقابة حرة، وتعديل قانون المحاماة باتجاه إلغاء أي وصاية عليها من قبل الحزب والسلطة.
13- نقل مهام الضابطة العدلية ومسؤولياتها، ووضعها تحت إشراف النيابة العامة.
التربية والتعليم والبحث العلمي
تعرض التعليم في سوريا خلال العقود الماضية إلى تطورات متناقضة، ففي الوقت الذي انتشر أفقياً بشكل واسع، خصوصاً في الريف، تدنى في وظائفه التربوية والعلمية، فازدادت الهوة بيننا وبين العالم من حيث نوعية التعليم ودرجة تطوره.
كان للشمولية والاستبداد وحكم الحزب الواحد وعبادة الفرد دور بالغ الأذى على العملية التعليمية والتربوية وعلى عقول الشباب. فقد جعلت السلطة المؤسسات التعليمية من أدناها إلى أعلاها منبراً للدعاية لها ولأفكارها ونهجها، وحاملاً لمشروعها السياسي ومعبرة عنه، من خلال برامج عمل وسياسات تقررها بمعزل عن المؤسسات التربوية والمجتمع. وجنوح نحو فرض مصالحها على تلك المؤسسات كما تفرضها على المجتمع، مما أدى إلى خلل علائقي بين السلطة والمؤسسات التعليمية والمجتمع. فتوسع التعليم الخاص بعد تدهور التعليم الرسمي وعلى حسابه، وأضحى العلم في جميع مراحله لبعض المجتمع بعد انعدام تكافؤ الفرص طبقياً وفئوياً مما يلغي ديمقراطية التعليم.
لذلك فإن تصفية أثار هذه المرحلة وإصلاح التعليم في مختلف مراحله يتطلب الشروع في خطوات رئيسة لابد منها وهي:
1- اعتماد فلسفة تعليمية وتربوية قائمة على العقلانية والحداثة والمنطق والتجريب والعلوم المعاصرة، وتكريس الفكر النقدي بعيداً عن التعصب والتقديس وعن التسفيه والعدمية فيما يتعلق بتاريخنا وثقافتنا وقيم مجتمعنا.
2- اعتماد مبادئ الفهم المنطقي والتحليل والتركيب في العملية التعليمية والتربوية، والعمل على التخلص من أساليب التلقين والحشو والبصم والاستظهار.
3- إعادة نظر شاملة في مناهج التعليم ضمن منظور وآلية يجعلانها بشكل دائم عرضة للمراجعة والتطوير والتغيير، بما يخدم توطيد القيم النهضوية.
4- إعادة الكادر التعليمي والتربوي في مختلف المراحل إلى قلب العملية التعليمية، وذلك بضمان حسن الاختيار، وبالتأهيل والتدريب المستمر والاهتمام بحاجاته ومستوى معيشته بحيث تتامن له الكفاية من أجل تكريس معظم اهتماماته ضمن وظيفته ورسالته وليس خارجهما.
5- ربط التعليم بكل أنواعه، وخاصة التعليم العالي، بحاجات البلاد وإمكاناتها وآفاق تطورها.
6- إصلاح التعليم العالي انطلاقاً من مبدأ استقلال الجامعات وبما يعيد السمعة العلمية والأكاديمية والأخلاقية للجامعات السورية كون الجامعة مؤسسة حضارية حرة ومفتوحة لا يجوز تقييدها بانتماء حزبي أو أيديولوجي. وهي أيضاً فضاء تتعايش فيه الرؤى ووجهات النظر وتتحاور فيه مختلف التيارات الفكرية والسياسية والثقافية في جو من الحرية والديمقراطية.
7- نزع آثار الفئوية والحزبية من المناهج والكتب. وإخراج الأجهزة الأمنية ومكاتب الحزب الحاكم من الحرم الجامعي ومنع أي تدخل لها في الحياة الجامعية. واعتماد سياسات جديدة في المنح والبعثات والقبول في الجامعات والمؤسسات التربوية بشكلٍ عام تقوم على الكفاءة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز.
8- توظيف القدرات التي تؤسسها نظم التعليم في حقل المعرفة ومؤسسات البحث العلمي، وجعل الإنفاق عليها من الأولويات في ميدان التعليم العالي والبحث العلمي.
9- تشجيع التعليم الخاص مع الأخذ بعين الاعتبار الإشراف عليه وتنظيمه وإخراجه من دائرة الاستثمار البحت.
10- حصر حق الإشراف والتقرير ومعالجة شؤون التربية والتعليم في كل من وزارتي التربية والتعليم العالي، وكف يد جميع مراكز الهيمنة والتسلط عن هذا القطاع، وإلغاء كل الأساليب والوسائل المعتمدة لذلك.
11- معالجة ظاهرة التسرب الدراسي، ومكافحة انتشار الأمية في المجتمع.
13- إعادة الاستقلال لنقابة المعلمين كنقابة حرة، وتعديل قانونها باتجاه إلغاء أي وصاية عليها.
التنمية الاجتماعية
التنمية مسؤولية وطنية في المقام الأول، تقوم بالاعتماد على النفس وتعبئة جميع القوى والإمكانيات والطاقات الوطنية لتحقيق نمو مقبول في الناتج القومي. أما التنمية الشاملة فهي ثمرة تفاعل مادي وفكري تتخطاها لتصل إلى تحقيق تبدلات جوهرية في المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية.
تتلخص فكرة التنمية البشرية بأنها تنمية الناس ومن أجل الناس ومن قبل الناس. وهي تتضمن بناء قدرات الأفراد وتنميتها وتوظيفها في النمو الوطني العام، ثم قياس مستوى الرخاء الإنساني المحقق عليها.
من هنا تأتي أهمية التغيير الجذري في البنية السياسية والاقتصادية، باتّجاه تنمية اجتماعية شاملة، تبحث في ميادين الشباب والمرأة والضمان الاجتماعي والصحة والبيئة، وضمن أفق مجتمع عصري، تزدهر فيه المعرفة والثقافة والفنون والتفكير الحر العقلاني البعيد عن التطرف والتعصب.
أولاً- الشباب:
إن أوضاع الشباب في سوريا مزرية وفاجعة. فبعد عشرات السنين من القهر والاستبداد، وتفريغ التعليم من محتواه وفرض مفهوم عبادة الفرد والحزب “القائد”، وغياب الاستقلال الفكري وثقافة الحوار وحرية التعبير، وسيادة النفاق والخوف والتقليد وأنماط الاستهلاك بأبشع صوره، وتشويه سوق العمل وطغيان البطالة وانتشار الفقر… بعد كل ذلك من الطبيعي أن يكونوا هم الضحية الأولى، والأكثر غربة وتهميشاًً، والأكثر اندفاعاً إلى السلبية والعدمية والتطرف والأكثر حلما بالهجرة من الوطن. والخروج بالشباب من هذه الحلقة المفرغة يتطلب الشروع في خطوات ملحة هي:
1- معالجة أزمة البطالة والفقر وخلق فرص للعمل بنسب قياسية، وهذا يحتاج إلى زيادة كبرى في أحجام الاستثمار وفي طبيعته وميادينه.
2- تأمين معاشات حدٍ أدنى للعاطلين عن العمل تكفي حاجاتهم الضرورية إلى أن يجدوا فرصاً لهم.
3- تطوير التعليم وتنويع أشكاله وتزويده بالمهارات والخبرات اللازمة بما يساعد على توسيع الآفاق والفرص أمام الشباب.
4- إفساح المجال أمام الشباب للتزود بعلوم التقانة والمعلوماتية للحصول على البيانات ومشاركة أقرانهم في الوطن العربي والعالم التطلعات المستقبلية والطموحات.
5- إعادة السياسة إلى المجتمع تلعب دوراً مركزياً في إعادة الثقة بالنفس إلى الشباب، وتمنحهم فرصة الانخراط في العمل العام والقدرة على المشاركة الإيجابية وتوسيع المدارك والإبداع.
6- تحرير المنظمات الطلابية والشبابية من الوصاية الحكومية والحزبية، في السلطة والمعارضة.
7- توفير شروط العمل الحر والمستقل لمنظمات المجتمع المدني والنشاطات الاجتماعية والثقافية والبيئية على اختلافها مما يساعد على انتشال شبابنا من الفراغ القاتل، ومن التقوقع واللامبالاة والتعصب، وتوفير شروط نشوء منظمات جديدة.
8- تحرير قطاع الرياضة من قبضة الدولة ومن الدمج القسري، وإعادته قطاعا مدنيا واجتماعياً.
ثانياً- المرأة:
لا تزال المرأة السورية مهمشة إلى هذا الحد أو ذاك. واستمرار تهميشها هذا يأتي في الأساس من فشل عملية التحديث في مجتمعنا السوري، ومن النكوص الفكري والاجتماعي الذي تزامن مع هذا الفشل، وبالتالي فقد بقيت إلى الآن تحت رحمة القوانين السائدة المجحفة والموروث التاريخي والتقاليد المتخلفة، وتحت وطأة الغبن فيما يتعلق بحريتها وحقوقها وحضورها الاجتماعي المساوي للرجل، وبفرص تعليمها وتأهيلها وتدريبها على المهارات.
إن زيادة دور المرأة في مجتمعنا، يتطلب تمكينها سياسيا واقتصادياً، ويكمن في الأمور التالية:
1- تنمية وتعزيز دورها في الحياة العامة، وزيادة حصتها في المناصب العمومية وداخل الأحزاب، وفي مجلس النواب والوزارة والسلك الدبلوماسي والتمثيل الخارجي، وفي جميع أوجه النشاط المجتمعي، ولو بتحديد حصة للنساء يمكن زيادتها باستمرار ليتعزز دورها في جميع مستويات التمثيل الديمقراطي والسياسي.
2- تمكينها اقتصادياً في سوق العمل بمختلف أنواعه. وينبغي التخلص من تأنيث البطالة وتذكير فرص العمل، والتحيز المهني.
3- العمل على تقليص الفجوة بين الجنسين في التعليم والتأهيل المهني.
4- ضمان حرية التنظيمات النسائية وقوننتها والعمل على تحرير” الاتحاد النسائي” القائم من الوصاية الحكومية والحزبية.
5- محاربة التمييز والعنف ضد المرأة بجميع أشكاله وإدخال هذه المسألة ضمن الأطر القانونية.
6- تطوير قوانين الأسرة والأحوال الشخصية لتلافي ما يلحق بالمرأة من غبن وإجحاف فيما يتعلق بالزواج والطلاق والإرث. وإلغاء القوانين التي تحابي مرتكبي ” جرائم الشرف “.
7- الاهتمام بنشر الوعي الجنسي وتنظيم الأسرة وتحديد النسل.
ثالثاً- الضمان الاجتماعي:
لم يعد ما يحصل عليه العاملون والمتقاعدون في سوريا قادراً على تلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم في الوقت الراهن، لذلك نرى أنه لابد من إعادة النظر في قوانين الضمان الاجتماعي المطبقة حاليا ً، لتامين مستوى المعيشة اللائق والقادر على تجديد قوة العمل وتطويرها.
وفي الواقع لا يتناقض تطوير الاقتصاد الوطني أبداً مع تحسين مستلزمات الضمان الاجتماعي والصحي، بل على العكس، فكلما تحسَّن الوضع المعاشي للعاملين وتحسنت أحوالهم، انعكس ذلك على الإنتاج كماً ونوعاً.
وسوريا الآن بأمس الحاجة إلى قانون جديد للتامين الاجتماعي، أكثر اتساعاً وشمولاً، يطال فئات اجتماعية مختلفة لم يشملها أي تأمين حتى الآن، مثل الفلاحين والعمال الزراعيين والحرفيين وجميع العاملين في القطاع الخاص وربات البيوت. كما يضمن هذا القانون أيضاً الحفاظ على أموال التأمينات الاجتماعية، واستثمارها لمصلحة العاملين. وإزاء تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد، وازدياد معدلات البطالة، أصبح من الضروري تشميل العاطلين عن العمل بتأمين بطالة يكفل الحد الأدنى من احتياجاتهم الإنسانية.
رابعاً- الصحة العامة:
1- البرنامج الصحي لحزبنا يستند في محتواه إلى ضرورة فك ارتباط الفقر بدرجة الرعاية الصحية، وبتوفير مستلزمات الاستطباب والوقاية لأولئك الأكثر حاجة وعجزاً عن توفير أسباب هذه الرعاية، وبتكافؤ وعدالة اجتماعيين.
2- يتمثل الاتجاه الرئيس في ميدان الرعاية الصحية إلى زيادة الكفاءة وتعزيز الرعاية الوقائية والاستثمار في ميدانها في مقابل الرعاية العلاجية. وفي المجال العملي، لا بد من الاهتمام بأعداد وكفاءات العاملين في ميدان الصحة من أطباء اختصاصيين وأطباء عائلة، ومن ممرضين وجهاز إداري وتجهيزات وافية وحديثة.
3- تعزيز دور الدولة في الرعاية الصحية لتأمين خدمات أفضل في المشافي العامة، وتفعيل دورها في المحافظات كافة، باتجاه تقديم خدمات لائقة.
4- توفير مستلزمات التأمين الصحي للعاملين في القطاع الخاص من جهة، وتشجيع الاستثمار في القطاع الصحي من جهة أخرى، ضمن معايير تضمن التجديد والتنوع، وتخضع لقيم الطب ومثله، ولمتابعة وإشراف مباشرين من الأجهزة الصحية للدولة.
5- تعزيز الرقابة على مشافي القطاع الخاص ومعامل الصناعات الدوائية والصيدليات من النواحي العلمية والاختصاصية والمعايير الصحية وفي ما يتعلق بأجور الخدمات وأثمان الأدوية والفواتير.
6- تطوير الطب النفسي وافتتاح مراكز للمعالجة النفسية مختلفة نوعياً عن مشافي الأمراض العقلية القائمة.
7- افتتاح مراكز لمعالجة المدمنين على المخدرات والمهدئات وأدوية الهلوسة.
8- إخضاع قطاع المعالجة الفيزيائية وطب الأعشاب ضمن الإشراف التام لوزارة الصحة، وإدخاله ضمن المعايير الطبية والعلمية.
خامساً- البيئة:
أدى التطور السريع والعشوائي وفوضى برامج وسياسات الحكومة والإدارة وتخلف الثقافة البيئية، إلى تدهور الوضع البيئي في سورية وعدم وجود برنامج وقائي ومعالج لهذا التدهور. فكان أن أصبحنا في مواجهة مشاكل كبرى تتعلق بشح الموارد المائية في مجال المياه الصالحة للشرب وتلك اللازمة للرّي، وتدهور مساحة ونوعية الأراضي الزراعية بسبب التصحر والملوحة وسوء استخدام الدورة الزراعية. وازدادت نسبة تلوث الهواء بشكل دراماتيكي، لا سيّما في دمشق وحمص وحلب، وازداد تلوّث الشواطئ السورية بسبب الارتجال في استثمارها واستخدام الأراضي الساحلية واستنزافها من قبل النافذين والإدارات الفاسدة. ومع معرفة أنه لا يمكن وقف تدهور البيئة وشح الموارد من دون تطور سياسي واجتماعي مرافق، يؤسس للمحاسبة والمراقبة ويعزز حكم القانون والمبادرات الاجتماعية، غير أنه يمكن دعم التوجه نحو الاستخدام الرشيد لموارد البيئة ووقف هدرها، والالتزام باستخدام موارد الطبيعة بمقدار ما تستطيع إعادة إنتاجها منها إضافة إلى الالتزام بقدرة البيئة على التعامل المأمون مع ما نلقيه إليها من الفضلات والملوثات ومن الأمثلة الهامة والملحة:
1- حماية الغابات والشواطئ والأملاك العامة من الاعتداء والتشويه والتلوث.
2- استخدام وسائل الري الحديثة، وتشجيع الري بالتنقيط وتوفير وسائله وآلياته.
3- دعم استخدام الطاقة البديلة.
4- إلزام جميع الوزارات والإدارات المعنية بمنح التراخيص للاستثمارات والمشاريع المختلفة بمصادقة هذه التراخيص من وزارة البيئة.
5- تسهيل منح التراخيص لجمعيات حماية البيئة وجميع المنظمات المماثلة ودعمها بكل السبل الممكنة. والاهتمام بنشر الوعي البيئي شعبياً عبر برامج خاصة.
6- دراسة أوضاع المؤسسات الصناعية والمهنية القائمة بيئياً باتجاه إزالة الأضرار الناتجة عنها وتحديد مصيرها على ضوء ذلك.
7- تعميم معامل معالجة القمامة على جميع المحافظات السورية. ومعالجة أوضاع شبكات الصرف الصحي.
سادساً- الثقافة:
بذل نظام الاستبداد كل ما بوسعه لتحييد الثقافة والمثقفين في سوريا. فقد قام برشوة بعضهم، وعمل على إرهابهم جميعاً بالتجويع والتشريد والسجن، وعلى احتواء مواضيعهم وتفريغها من مضمونها، وعلى تشجيع الأنانية والانتهازية في أوساطهم بهدف منع اتحادهم وحراكهم سياسياً واجتماعيا ً.
مع ذلك لم يستطع النظام قتل الثقافة، فلقد ظلت قادرة على الحياة بشكل أو بآخر، ولم يتمكن من منعها على معاودة النهوض، ومن تبني الدعوة للإصلاح والتغيير الديمقراطي على الرغم من كل العيوب التي خلفها في جسمها.
فمهما حاول الحاكم تحييد الثقافة وتدميرها، فهي تبقى حاضنة لفعل النهوض والرفض إلى جانب فعل الإبداع، ورفض التخلف والفساد والاستبداد والقمع والتمييز والتعليب وتعاطي التفاهة.
إن الثقافة روح الشعب ومعارفه المتشكلة عبر التاريخ والجغرافية، وفي الوقت ذاته هي الجديد والحديث المتفاعل مع المنتج الثقافي العالمي كله.
من هذا المنطلق ومن أهمية دور الثقافة في تقدم المجتمع يركز برنامجنا على القضايا التالية:
1- العمل على إطلاق الثقافة وضمان حريتها وانفتاح فضائها وتوسيع آفاقها.
2- ضرورة دعم الدولة معنوياً ومادياً كل المجالات الثقافية في الآداب والفنون والعلوم والمعارف الإنسانية كلها. وحماية الآثار وإحياء التراث الشعبي.
3- إطلاق حرية التجمعات الثقافية والإفساح في المجال لتأسيس الجمعيات والنوادي الفنية والسينمائية والأدبية.
3- تحرير اتحاد الكتاب ونقابة الفنانين والمؤسسات العلمية واللغوية والثقافية الأخرى من السيطرة والوصاية الحكومية والحزبية.
4- جعل المراكز الثقافية ميداناً للحضور الثقافي الحر والمتعدد، وللنشاط المجتمعي العام وعدم إبقائها احتكاراً للسلطة ونشاطاتها وتوجهاتها.
مهامنا العربية
شهد الوضع العربي صعوداً ملحوظاً في أواسط القرن المنصرم، لكنه منذ ستيّناته، وبصورة خاصة بعد هزيمة حزيران في عام 1967، دخل في مسار من الانحدار أوصلنا إلى ما نشهده الآن من تفكك وتمزق يهدد النظام العربي ومؤسساته بالانفراط. إن الاستبداد الذي وسم أنظمته المتسلطة التي حظيت بدعم القوى الخارجية طوال هذه العقود، كان في أساس التدهور والتردي الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه الآن. فقد ضعفت مجتمعاتنا، وفقدت عناصر قوتها وتضامنها، بعد أن أنهكت القوى الوطنية والقومية الديمقراطية وعجزت عن إنهاء الاستبداد والانتقال ببلدانها إلى وضع ديمقراطي جديد. وكان من المنطقي أن يؤول مسار الاستبداد إلى فتح الأبواب أمام تدخلات القوى الخارجية على اختلافها، وبالتالي إلى الاحتلال الأمريكي للعراق، والتدخل العسكري الإثيوبي في الصومال، وتنامي النفوذ الإيراني وتدخلاته في الشأن العربي. لقد ترافق هذا أيضاً مع انفلات العدوانية الإسرائيلية وإطلاق يد العدو في الفتك بالشعب الفلسطيني في ظل التبدل الخطير الذي طرأ على موازين القوى المحلية والدولية… وبعد أن تحول العرب إلى أشلاء لا وزن ولا فعل لها.
1- ونحن، في حزب الشعب الديمقراطي السوري، على رغم كل التردي الذي أوصل الوضع العربي إلى التمزق والانقسام وانعدام الفعالية، ورغم كل ما يتهدده من مخاطر انفراط، نظل نتمسك بالوحدة العربية كمبدأ وهدف نسعى إليه، وبرؤية واقعية، نرى ضرورة إعادة تأسيس الجامعة العربية على نظام جديد، وآليات عمل جديدة تشتغل على المصالح المباشرة للشعوب والمصلحة العليا للأمة العربية وأمنها القومي، انسجاماً مع الميل العالمي وما يتطلبه من تكتل وتجمع على أساس إقليمي يقوم على المنافع المتبادلة والمصالح المشتركة. من أجل هذه المسألة لا بد من دعم اتجاهات الالتقاء والتعاون الثقافي والنقابي والسياسي وفي جميع مجالات مؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، وفتح الحدود للانتقال الحر والتبادل المتنوع الأشكال.
2- التعاون الاقتصادي والعمل المشترك الهادف إلى تحقيق التكامل والتنسيق من أجل تنمية شاملة هو أساس المسار نحو الوحدة في عالم اليوم. فلا بد من تشجيع وتسريع استكمال المنطقة التجارية العربية الحرة، والسير نحو الاتحاد الجمركي وصولاً إلى السوق العربية المشتركة. إن تطوير العلاقات البينية العربية والتوجه نحو الوحدة الاقتصادية أصبح ضرورياً وحاسماً في ظروف المنافسة الحادة التي تفرضها الأوضاع الإقليمية والدولية للسوق العالمية.
3- الاستخدام الأمثل للثروات الطبيعية والأموال المكدسة والأيدي العاملة الماهرة عبر قرارات جريئة، واستئناف عملية التنمية على أسس جديدة تتجاوز سوء الاستثمار والتفاوت والتعارض وتجعل المشاريع المشتركة والمبادرة إلى التكامل عملية ممكنة، وتضعها في موقع الأولوية.
4- التوجه في عملية التعاون والتكامل في إطار الأقاليم الطبيعية العربية أولاً لسهولتها وواقعيتها ولتوفر أسباب نجاحها (بلاد الشام والعراق – الجزيرة العربية – وادي النيل – المغرب العربي ) بمنظور قومي ديمقراطي، يحترم إرادة الشعوب وسيادة الدول واستقلالها، ويقوم على التكافؤ والاحترام المتبادل والمعاملة بالمثل، ويتأسس على حركة المجتمعات وفعالياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلى جانب التوجهات الحكومية.
5- من العوامل الحافزة والضامنة لهذه التوجهات، تقدم القوى القومية الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني والنخب الثقافية والفكرية في مختلف الأقطار بمبادرات شجاعة وخلاقة تعيد ربط العلاقات الشعبية على أسس جديدة، وتقيم أوسع العلاقات النضالية بينها مستهدفة النهوض العربي العام والمصالح المشتركة. وتدفع بالحكومات نحو مزيد من التوجه على هذا الطريق، تمهيداً لخطوات وحدوية متدرجة ومدروسة وقائمة على الاختيار الحر للشعوب.
6- لقد أرخى الوضع العربي السائد كل أثقاله على مسار نضال شعبنا في فلسطين المحتلة، وساعد آلة العدوان الإسرائيلي الرهيبة على الانفلات من كل عقال، وأخذ القتل والتشريد والدمار يدور في حلقة مفرغة على مرأى ومسمع من حكامنا الذين يقفون متفرجين، لا حول ولا قوة، مع الاستمرار في استثمار هذه المسألة الشائكة كذريعة لرفض إصلاح أوضاع البلاد ولاستمرار التسلط والنهب والاستبداد. وكذلك على مرأى ومسمع من العالم الذي يقف متفرجاً وشاهداً على الجرائم التي ترتكب دون أي ردع أو حراك ( العدوان الإسرائيلي على لبنان 2006، والحرب على غزة 2008 – 2009 ).
وسوف يظل حزبنا يعمل من أجل توفير الأوضاع والسبل الكفيلة بتعزيز وحدة وصمود شعبنا الفلسطيني على أرضه ومقاومته للاحتلال، ودعم نضاله المتنوع الأشكال بما فيها الكفاح المسلح من أجل تحقيق أهدافه في الاستقلال وبناء الدولة الوطنية القابلة للحياة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس، وضمان حق العودة وفق القرارات الأممية ذات الشأن.. ومن أجل سلام مبني على العدل يعم المنطقة بأسرها بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة.
6- وكما كان الاستبداد عائقاً أمام التقدم، وعقبة أمام تحقيق الأهداف القومية، كان أيضاً عائقاً أمام تطور العلاقات العربية بشكل طبيعي ومنتج. لذلك لابد من دمقرطة العلاقات بين الدول العربية ( حكومات وشعوباً ). من هنا تأتي أهمية إعادة تأسيس العلاقات السورية – اللبنانية بالاستناد إلى المصلحة المشتركة للبلدين، وبما يحفظ العلاقات التاريخية والأخوية بيبن الشعبين، ويعمل على تطويرها انطلاقاً من الاختيار الحر والاحترام المتبادل والتكافؤ في شتى المجالات. ويمكن للعلاقات الدبلوماسية التي أقيمت بين البلدين الشقيقين، أن تمنع التوتر وتعيد العلاقات المميزة بين البلدين، تؤمن المصالح المشتركة، وتحفظ سيادة واستقلال كل من الدولتين.
7- تفاقمت جميع مظاهر الأزمة العربية مع الاحتلال الأمريكي للعراق، وحضور إيران بقوة في المعادلة العراقية، ومضى الوضع العربي عميقاً في مرحلة التشتت والتدمير الذاتي وهدر الطاقات والإمكانيات، وأصبح العراق موضوعاً للتدخلات الخارجية والأطماع الدولية. وإزاء ما يجري لابد من ربط النضال ضد الاحتلال ومن أجل الاستقلال الوطني بالتحول الديمقراطي في العراق. ولذلك نعلن تأييدنا لحق الشعب العراقي باعتماد الوسائل المناسبة لإنهاء الاحتلال وإخراج الجيوش الأجنبية، وتضامننا مع نضاله من أجل عراق موحد ديمقراطي ومستقل بعيداً عن التجاذب الإقليمي والمحاصصة الطائفية. إن اتفاق الأحزاب والقوى الوطنية والديمقراطية العراقية على برنامج سياسي قائم على هذه الأهداف من شأنه أن يكسب القضية العراقية التفافاً شعبياً داخلياًً ودعماً عربياً وتعاطفاً دولياً، الأمر الذي يساعد على إضعاف الأعمال الإرهابية التي تطال المدنيين الأبرياء، ويعزل المتطرفين والطائفيين من جميع الأطراف الذين يسيؤون إلى وطنهم وشعبهم، ويحول دون عودة الاستبداد من جديد.
8- لقد آلت النظم العسكرية والاستبدادية إلى تصدع الوحدة الوطنية لبلدانها، وبروز مشاريع الحروب الأهلية، سافرة أو مستترة، نتيجة القمع طويل الأمد. كما أن هدر حقوق الأقليات القومية والدينية جعل البلاد عرضة للتمزق والتدخلات الخارجية ( العراق – الصومال – السودان ). من هنا فإن حل القضايا العادلة لهذه الأقليات باستكمال حقوقها السياسية والثقافية على قاعدة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات بين جميع الجماعات المكونة للسكان في مختلف الأقطار، يشكل المخرج الوحيد باتجاه التوحد والديمقراطية والسلام.
9- ارتبط العرب تاريخياً بعلاقات متنوعة مع دول الجوار لم تكن دائماً ذات طبيعة سلمية وبناءة رغم ما يجمع بيننا وبين هذه الشعوب من علاقات تاريخية، وعوامل ثقافية. وتبادل متنوع. ونرى اليوم ضرورة إرساء هذه العلاقات على أسس حسن الجوار والتعاون المثمر في القضايا المشتركة، فقضايا الأمن العربي مرهونة بنجاح مثل هذه العلاقات. إن ما يجمع شعوب هذه المنطقة من مصالح مشتركة أكثر مما يفرقها، لذلك فإن معالجة القضايا العالقة فيما بينها بمزيد من التفاهم والحوار يعود بالخير على المنطقة ويخفف من آثار تدخل القوى المهيمنة على المسرح الدولي.
إن السياسات المتطرفة فكرياً وسلطوياً التي انتهجتها أنظمة الاستبداد العربي، وسياسات التفريط والتنازلات المجانية والانصياع لرغبات الخارج التي تمارسها وجهان لعملة واحدة. وتستهدف إطالة عمر الأنظمة والبقاء في السلطة بأي ثمن، ولو كان ذلك على حساب وحدة الشعب ومصالح الوطن ومستقبل الأمة.
أيّ عالم نريد…
في ظل الأحادية القطبية، وبعد الحادي عشر من أيلول، قادت السياسة الأمريكية للمحافظين الجدد النظام العالمي بشكل استنسابي بعيداً عن المبادىء والقيم وبمعايير مزدوجة باتجاه مراعاة مصالحها ومصالح أحلافها والدول التي تسير في ركابها، معتمدة خيار استخدام القوة أو التهديد بها. تستخدم المنظمات الدولية عندما تسيطر على قرارها، وتلجأ إلى القانون الدولي عندما يخدم سياساتها، وتنخرط في المنظومة الدولية عندما تهيمن عليها وتضعها في إطار استراتيجيتها، وانفردت في التسلط والهيمنة على القرار الدولي. فأصبح العالم أقل أمناً واستقراراً، بسبب تعقد العلاقات الدولية وبروز بؤر التوتر والتفجر في العديد من الأماكن. وانتهكت مصالح الشعوب والسيادة الوطنية للدول.
كانت هذه السياسة وبالاً على الولايات المتحدة وحلفائها ومخططاتها وعلى العالم أجمع. مما حدا بالإدارة الأمريكية الجديدة إلى التوجه نحو نهج معلن أساسه الحوار والدبلوماسية النشطة والتعاون الدولي أملاً في إرساء العلاقات الدولية على أسس جديدة أكثر مراعاة للمصالح المتبادلة وتأميناً لقواعد الأمن والسلام في العالم.
ونتيجة لاندفاع سياسة العولمة المتوحشة، وإطلاق حرية الأسواق المنفلتة من أي ضوابط أو مراقبة، التي رعتها اللبرالية الجديدة، تفاقمت المشاكل والصعوبات التي يعاني منها الاقتصاد العالمي. فالأزمة المالية التي تفجرت قرب نهاية عام 2008 وتداعياتها الاقتصادية، ألحقت الضرر بحياة جميع الشعوب، وطالت مختلف القطاعات في جميع أنحاء العالم بالبطالة والكساد والركود الاقتصادي. وشكلت تحديات كبرى للدول وبرامجها وخططها الإنمائية، وللمؤسسات المالية والاقتصادية الدولية، تذكر بالأزمة الاقتصادية الكبرى في ثلاثينات القرن الماضي.
أما المجتمعات الفقيرة فمعاناتها أشد وأكثر مرارة. حيث تتسع باستمرار دائرة انتشار الفقر وسوء التغذية وتردي الشروط الضرورية لحياة لائقة بالإنسان، وعدم توفر البنى التحتية اللازمة للعيش، وتراجع مستوى الخدمات الأساسية كالتعليم والطبابة والتأمين الاجتماعي في أماكن متزايدة من أنحاء الكوكب. وتضخم في الحياة المعاصرة عالم الفقراء والمحرومين والمهمشين حتى شمل دولاً وشعوباً بأسرها، في سابقة لم تحصل من قبل بمثل هذه الأعداد. لذلك فمن أجل عالم أفضل، نرى ما يلي:
1- تأييد الجهود الدولية لإنهاء نظام الأحادية القطبية وما يفرزه من علاقات قائمة على سطوة القوة، والعمل على إقامة نظام دولي أكثر توازناً وأكثر عقلانية.
2- دعم العمل للحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل في العالم، والتخلص من الموجود منها، والنضال لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من جميع هذه الأسلحة.
3- مساندة الجهود العالمية في محاربة الإرهاب والقرصنة والجريمة المنظمة ونشاطات المافيا الدولية وعمليات تبييض الأموال والفساد وأعمال التلاعب في البورصة.
4- دعم حق الشعوب في تقرير مصيرها وحقها في استخدام كافة الوسائل لمقاومة العدوان عليها ومن أجل تحرير أرضها المحتلة. والتفريق الواضح بين أعمال المقاومة والإرهاب.
5- اعتماد الحلول السياسية للمشاكل الدولية وإنهاء بؤر التوتر والنزاعات بالوسائل السلمية بعيداً عن المعايير المزدوجة. وتمكين المؤسسات الحقوقية الدولية من العمل بفعالية واحترام وتنفيد قراراتها مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الخاصة التي تنشأ بإشراف الأمم المتحدة.
6- الدعوة إلى حل الأحلاف العسكرية ( حلف الأطلسي ) لأنها أداة تهديد بيد القوى العظمى.
7- تكريس المنظمات الإقليمية والدولية ذات المنحى التضامني مثل منظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة التعاون الآفروآسيوي. وتعزيز دورها في حفظ مصالح الشعوب وصيانة السلام العالمي.
8- إقامة علاقات مع الأحزاب والمنظمات السياسية والاجتماعية والنقابية والثقافية، التي تشاركنا الرؤى والأهداف من أجل عالم يسوده الأمن والسلام والعدالة.
9- دعم جهود منظمات المجتمع المدني الدولية ومنظمات حقوق الإنسان وجمعيات حماية البيئة والتعاون معها.
10- التعامل الجدي والمسؤول مع المكتشفات العلمية الحديثة مثل الهندسة الوراثية وتأطيرها وقنونتها، بحيث تتمكن البشرية من الاستفادة القصوى من نتائجها وتتجنب في نفس الوقت آثارها السلبية على الصعد الاجتماعية والإنسانية والأخلاقية.
11- زيادة المساعدات التي تقدّمها الدول الغنية كجزء من واجبها والتزامها رداً للدين الذي استحقّ أداؤه للشعوب الفقيرة التي طالما نهبت خيراتها. فهذه المساعدات هي مساهمة الدول الغنيّة في إنقاذ العالم وضمان توازن سيرورته في عصر العولمة والتجارة الحرّة، لإنهاء الفقر والعوز في العالم، إنها التزام صغير ومحدود، يجري التهرّب من أدائه رغم ذلك، بتأثير المصالح السياسية الضيقة وغير المسؤولة.
12- إلغاء الديون المترتبة على الدول النامية وفي حال تعذر ذلك تخفيضها وجدولتها بحيث تكون محتملة وطويلة الأجل وهذا جزء من الاستراتيجية اللازمة لاستعادة العالم توازنه، وتناسق حركته، في الحدود الدنيا لمواجهة العقود المقبلة العصيبة، والتي ستلقي بآثارها السلبية على الشعوب الفقيرة. ويعزز من هذا التوجه العمل على وجود آليات تحد من الفساد في بلدان العالم الثالث.
13- التعامل الجدي والمسؤول مع الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها، بما يساعد على التخفيف من مفاعيلها على البلدان والمجتمعات والطبقات الفقيرة، والعمل على إيجاد حلول استراتيجية لها، تحول دون تكرار الأزمة وآثارها المدمرة.
14- ما زالت الديمقراطية وحقوق الإنسان تتطور في معدّلات منخفضة، قياساً إلى درجة تردّدها في الإعلام الدولي والدعاية الإيديولوجية في الغرب. كما أن الديمقراطية في العلاقات الدولية قد تراجعت إلى وراء، نتيجة سياسات الأحادية القطبية للولايات المتحدة. فمن دون شيوع وتشريع هذين المستويين من الديمقراطية، لن يكون ممكناً تحسين شروط الحياة على الكوكب، بل لن يكون ممكناً منع الانفجارات الاجتماعية والحروب والنزاعات الدولية وأعمال الإرهاب التي سوف تتولّد بسرعة أكبر وبشدّة أكثر عنفاً.
15- العمل على توقيع الاتفاقيات الدولية ( مثل اتفاقية كيوتو ) والبروتوكولات الأساسية، التي تؤمن سلامة الكوكب، وتحفظ البيئة عليه وتوقف تدهورها. حيث تستمر الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة في مقاومتها، لمصلحة الشركات الكبرى، في سلوك أناني يتنافى مع الادعاءات الحضارية والحرص على مستقبل البشرية.
16- مواجهة الوجه القبيح للعولمة، الذي يعمل على استغلال الحداثة وانفجار التقدم التقني، وتسخيرها لتكون أداة جديدة ومتطورة لتعظيم الاستغلال، وكسر توازن توزّع الثروة بشكل لم يسبق له مثيل، ودعم وجهها الجميل القائم على التواصل الإنساني، والتضامن، وتعميم المنجزات العلمية والمنتجات الحضارية، وتحوّل العدالة إلى مفهوم كوني، يحمل المضامين الإنسانية في الأممية القديمة، ويوسّعها إلى آفاق لم تكن البشرية لتحلم بها في السابق.
17- توفير إمكانية الوصول إلى عالم أفضل، وتقصير زمن الإجماع عليه، أو ما أمكن من تضامن. من أجل ذلك لابدّ من تطوير شبكة معقّدة من أطراف المجتمع المدني الدولي، والقوى الديمقراطية في العالم كلّه، للضغط المتواصل الهادف إلى كوكبٍ أكثر إنسانية وعدالة وأماناً.
18- إن استئصال الفقر والجوع، وتحسين الفرص التعليمية اللازمة، والقضاء على الأمراض السارية والأوبئة، وضمان سلامة البيئة الدائمة، وتطوير شراكة عالمية متوازنة تهدف إلى تقليل الفروق ما بين الشعوب وضمن الشعوب ذاتها، وخلق نظام دولي عادل يوقف النزاعات ويساعد على تقديم الحلول والتسويات العادلة لها، نظام تتقدّم فيه المؤسسات الحيادية الإنسانية، وفرص التجارة وتعميم التقانة والمعلومات، وتعميم ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان.
19- إصلاح منظمة الأمم المتّحدة وتطوير عملها كنظام رسمي للمجتمع السياسي الدولي، وتقويته وتشريعه ومنحه القوة الأخلاقية والسياسية الكافية لفرض احترامه على الجميع، وباتجاه دمقرطة العلاقات السياسية الدولية وتوسيع قاعدة القرار، والوقوف ضدّ ميول الانفراد والاستغلال والتحكّم النفعي قصير النظر في العالم ومقدّراته.
20- مواجهة كل أشكال العنصرية والإرهاب وجميع أعمال التطرف والتعصب والكراهية التي تشكّل الخطر الأكبر في وجه التقدم الأممي والإنساني، والنضال ضدّ جميع أشكال التمييز العرقي والقومي والديني وعلى أساس الجنس أو اللون أو الثروة.
21- الانخراط بشكل أكبر في الشأن العام للإنسان، وبلورة أممية جديدة مفتوحة ومنفتحة، للعمل والتضامن المشترك من أجل الأهداف الموحّدة للبشر على الكوكب: ضدّ الظلم من أجل العدالة، وضد الحرب من أجل السلام، وضدّ الإمبريالية والاستبداد من أجل الحرية والديمقراطية، وضدّ الفقر والمرض وتلوّث البيئة والجانب المتوحش من العولمة من أجل عالم أفضل وأكثر إنسانية للجميع.
إن خلق الأدوات اللازمة والآليات الملائمة من أجل هذا النضال، مسؤولية الجميع، وبخاصة مسؤولية المنظمات الإقليمية والدولية والقوى الأكثر تقدّماً وديمقراطية وإحساساً بما هو عام واستعداداً للمساهمة النشيطة والفاعلة فيه.
هكذا، تتبلور أممية جديدة معاصرة متلائمة مع القرن الجديد ومهامه الكبرى، وتنغلق الطرق أمام التعصّب والكراهية والعنف، وتضيق تدريجيّاً أمام الاستغلال والاستبداد والجوع والاغتراب.
خاتمة
وبعد، فهذه خطوط لمشروع، نبقيه عرضةً لإعادة النظر، استناداً إلى تطورات الواقع والحوار الوطني المسؤول، ومن خلال ازدياد جماعية العمل السياسي، وطاقاته المتجمّعة وفاعليته.
وما يهمّنا بالذات، هو إنهاء مرحلة الاستبداد، و إقلاع عملية التغيير الديمقراطي، واستعادة الأراضي المحتلة، والحفاظ على الاستقلال الوطني.
تبدو سورية، وفق التطورات الداخلية والإقليمية والدولية، بحاجة ملحة لأن تتضافر جهود جميع أبنائها في التعاطي مع تحديات الحداثة والعولمة والأمن والسلام. لذلك فإن المطلوب هو التحول السلمي الهادىء من الدولة الشمولية إلى الدولة الديمقراطية، بما يوفر إمكانية الانفراج التدريجي والمحافظة على الوحدة الوطنية وإعادة الاعتبار لدولة الحق والقانون المتصالحة مع مجتمعها. مما يستوجب الشروع في مصالحة وطنية شاملة، وإصلاح النظام بجدية وعمق، وإعادة تحديد المشكلات التي يجب أن تعالجها سورية بجهود أبنائها، الذين لن يتمكنوا من التعاطي مع الأخطار والتحديات بغير تحول نظامهم من نظام أمني إلى نظام سياسي، يعترف بحقهم في الحرية، وبحق أحزابهم في الشرعية والعلنية، ويقوم على نمط من الإدارة والتنظيم يستند على مشاركة المواطن في الشأن العام، دون قيود تبطل حريته أو تتعارض معها، ويسمح بمراجعة سياساته الداخلية والخارجية، وبتحويل الدولة من دولة فئة متحكمة إلى دولة حق وقانون ديمقراطي تخص كل واحد من مواطنيها.
عندها فقط تتمكن سورية من حشد طاقاتها وملاقاة استحقاقاتها القادمة داخلياً وخارجياً وعلى كافة الصعد بكفاءة عالية وإجماع وطني واسع، وتتمكن من استعادة ألقها الوطني ودورها العربي ومكانتها الإقليمية والدولية.
من أجل ذلك، نتمسّك برؤيتنا لتحسين الواقع وفتح الآفاق نحو مستقبل أفضل، وبوحدة القوى الديمقراطية، وتطوير قدراتها ومناعتها، ونلتزم بالعمل على تحقيق هذا البرنامج بالطرق الديمقراطية، ونحن على ثقة بأنفسنا وبشعبنا.
اللجنة المركزية