يكشف الجدل حول ما اصطلح على تسميته في الإعلام بشائعة مرض رئيس الجمهورية عن حالة متلبسة, لا يصح فيها التوقف فقط أمام صحفي نشر معلومات أو آراء غير دقيقة, ولكن القضية لها أبعاد أخرى, تتصل في مجملها بحالة الشفافية العامة في المجتمع المصري.
رئيس الجمهورية, هو شخصية عامة, بل هو أهم شخصية محورية في النظام السياسي المصري, وبالتالي فإن شائعة مرضه – وهو في النهاية بشر يجري عليه ما يجري على غيره من البشر – ليست شأنا خاصا, ولكنها مسألة عامة, تهم كل مواطن. سريان شائعة مرضه لا يجب التعامل معها بخفة. فلماذا لم يخرج مسئول رسمي لتفنيد الشائعة منذ بداية سريانها؟ وفي المجتمع المصري عشرات المسئولين, لم نر أيا منهم, رغم أن كلا منهم حريص على نفى ما قد يلحق بثوبه من شائعات أو أخبار غير صحيحة بشكل مباشر أو من خلال الأقلام المحيطة به. الغريب في الأمر أن تصل الشائعات إلى بيت الرئيس حالته الصحية ولا تجد من ينفيها أو يكذبها. في السنوات الأخيرة اعتدنا على أن نتعامل مع الشائعات – بدرجة عالية من الخفة – ولا يظهر مسئول يتحدث إلى الجماهير المتحيرة. نتذكر شائعات عديدة, منها علي سبيل المثال ما كان يتردد على منابر الكنائس وفي أوساط المسيحيين وامتد إلى المسلمين ووسائل الإعلام بشأن وجود محلات تجارية تغرر بالسيدات والفتيات القبطيات. سارت الشائعة لشهور, ولم يتحدث أحد. ألم يكن الموضوع من الخطورة بحيث يخرج علينا وزير الداخلية أو أي مسئول آخر لطمأنة الناس ونفي الشائعة. ألم تؤد الشائعات إلى أحداث طائفية كبرى من الكشح إلى بمها مرورا بكفر دميانة والعديسات؟. وألم تدفع الشائعات مئات من القرويين البسطاء إلى تزويج بناتهن, وهن في مرحلة الطفولة, بسبب شائعة سرت بأن رسوم عقد القرآن سوف ترتفع أضعاف قيمتها؟ لا يكاد يوم يمر حتى أتلقى على البريد الإلكتروني أو الهاتف المحمول شائعات متعددة المصادر والموضوعات.
كيف يتسنى الحديث عن حرية الإعلام في هذا المناخ الموبوء بالشائعات؟ الصحف تفترش الأرصفة, والفضائيات تعج بالحوارات, ورغم ذلك المعلومات الحقيقية غائبة أو مغيبة. هل يستقيم ذلك؟ هل يجب أن تتحول الصحف أو الفضائيات إلى ساحة لإعادة إنتاج شائعات العوام؟ وهل الإعلام مسئول عن الشائعة كما يتردد أم أن مناخ الصمت هو الذي أدى بشائعة مرض الرئيس إلى أن تصبح حديثا يردده الناس, وينسجون حوله الأساطير والأوهام.
الموضوع- باختصار- أن المسئولين يستخفون بهذا الشعب, ولا يحترمون رغبته في المعرفة, يتركونه فريسة للشائعات, ويحجبون عنه المعلومات, والدليل على ذلك صمتهم بشأن شائعة مرض الرئيس, وما ثار حولها من جدل, وحكايات, وروايات.
الكل يتفرج من بعيد. أليس غريبا أن تتهم الصحافة السفير الأمريكي بأنه مصدر الشائعة, ويسكت وزير الخارجية أو أي مسئول آخر عن الرد أو التعليق؟ أليس غريبا أن تنسب هذه التهمة الخطيرة إلى سفير دولة – يقال إن بينها وبين مصر تحالفا استراتيجيا – ولا أحد يعلق ولا أحد يرد؟
المشكلة بوضوح أنه لا توجد حرية تداول معلومات.