يقال، وهو قول واستدلال الغالبية العظمى من أنصار الإسلام السياسي في الكويت، بأن فتح باب حرية الفكر والنشر والتعبير على مصراعيه سيؤدي إلى دخول أفكار فاسدة في المجتمع، التي من شأنها أن تتغلغل إلى العقول ما يؤدي بالنتيجة إلى فساد المجتمع. وهو باعتقادي استدلال باطل. فثقافة حركات وجماعات الإسلام السياسي في الكويت تستند إلى الهيمنة القائمة على الوصاية على العقول، لذا هي تسعى إلى أسر الفكر والتعبير في سجنها الكبير لكي تتحكم بما يجب أن يقال ويقرأ وينشر وما يجب أن يفكَّر فيه بالمجتمع. وبالمحصلة هي تستهدف قتل الحرية الحقيقية، لكنها لاتستحي من المشي في جنازتها. والمثير للدهشة أيضا أنها تزعم وجود سلبيات للحرية، لكنها لا تشير إلى آفات ثقافة الوصاية والهيمنة. فإذا كانت الحرية تجلب الفساد فإن الاستبداد يجلب فسادا كبيرا أيضا. وإذا كان إنشاء لجنة دراسة الظواهر السلبية في مجلس الأمة يستند إلى فهم ديني الضيّق لمعالجة أوجه الفساد الناتجة عن الحرية، فالأولى بها معالجة أوجه فسادها الناتج عن استبدادها وتضييقها على حرية أفراد المجتمع. فمواجهة آفات الاستبداد أولى من مواجهة آفات الحرية.
إن من الخطورة بمكان أن تستند ثقافة الوصاية والهيمنة إلى الدين، لأنه سيتم رفض أي نقد يوجه إليها، وسيكون ذلك بمثابة نقد موجّه إلى الدين. وهنا يكمن الخطر إذ سيصبح الاستبداد دينيا وستتلطخ سمعة الدين وستتهدد مكانته الروحية في المجتمع.
إن أعداء الحرية يربطون بين سلامة الجسم وسلامة المجتمع. فيعتقدون بأنه مثلما يجب منع وصول الأمراض والسموم إلى جسم الإنسان وأنه لابد أن نكون حذرين تجاه ما يمكن أن يؤذي أبداننا ويعرض سلامتها للخطر، يجب أيضا أن نكون حذرين تجاه سلامة المجتمع وأن نواجه ما يمكن أن يعرض أمن المجتمع الفكري للخطر.
قد يكون هذا الكلام صحيحا، لكن شريطة وجود إجماع على تشخيص ما يمكن اعتباره بأنه مضر وخطير على المجتمع. فالأفكار يجب أن تطرح، وإذا حصل إجماع على أن البعض منها يضر بالمجتمع، عندها يجب منعها. وهو أمر شبيه بأنواع الأغذية التي يُعتقد بأنها خطيرة على كل أفراد المجتمع ويجب منع دخولها إلى البلاد. وفي غير هذه الحالة فإن الممارسات التي تعكس وصاية انتقائية على الفكر وسجنا للحرية والتعبير لأن مجموعة من الجماعات الإسلامية تعتقد بضررها وخطورتها على المجتمع لكنها لا تمتلك إجماعا على تلك المضرّة والخطورة، فإن تلك الممارسات لا تعكس إلا استبدادا مشينا.
إن ما يهدد حرية المجتمع وأمنه واستقراره قبل أي شيئ هو أن تقوم مجموعة من الحركات والتنظيمات والجماعات، التي لا تعكس الإجماع في المجتمع، بفرض إرادتها ووصايتها وشروطها الاستبدادية على حرية الفكر والنشر والتعبير تحت ذريعة المحافظة على عادات المجتمع وسلامته. فلا يمكن لهذه المجموعة أن تصدر قرارات وصائية استبدادية تحدّد شكل الحرية التي يجب أن يسود وما يجب أن ينشر من أفكار وما يجب ألا ينشر.
إن المفكرين الغربيين في القرون الوسطى حينما طرحوا رؤيتهم حول دوران الأرض وسكون الشمس، تمت معارضتهم على أساس أن تلك الفكرة تخالف وجهة النظر الدينية السائدة في الكنيسة آنذاك، إذ بدلا من نقد تلك الرؤية وصفت بالجرثومة التي تهدد أمن المجتمع ولابد من وأدها. وجميعنا يعلم بأن عملية الوأد لم تأد إلى أي نتيجة، بل إن رؤية غاليليو في هذا الإطار انتشرت على نطاق واسع حتى أصبحت من أهم النظريات العلمية في العصر الحديث. بالتالي فإن التضييق على الأفكار والحريات بطريقة وصائية وإلغائية هي طريقة فاشلة. فمن الخطورة على سلامة المجتمع وحريته واستقراره أن تعتقد مجموعة من الناس بأنها وصيّة على الفكر والحرية، وبأنها هي الوحيدة التي لها حق تحديد الحق من الباطل، وبأنها هي التي تستطيع أن تكتشف مكامن الخلل في طريق الحرية بالمجتمع، أي تعتقد بأنها المطبخ الوحيد الذي يجب أن يصار إليه موضوعات الأفكار ومسائل الحرية، وكأنها تقول بأن الأغذية فاسدة قبل أن تصل إلى جميع المختبرات الخاصة بذلك.
إن المشكلة الرئيسية تكمن في أن جماعات الإسلام السياسي حينما تمتلك سلطة معينة وقوة خاصة فإنها تمارس سلطتها وهيمنتها ووصايتها على أمور الفكر وقضايا النشر والتعبير، في حين أن تلك الأمور يجب أن تصار إلى المراكز الفكرية الأكاديمية لا إلى قوى الهيمنة في المجتمع. فالصراع العلمي حول الأفكار والحريات هو الذي يجب أن يسود، في حين أن الصراع السياسي يجب أن ينأى عن الدخول إلى هذا المجال. فصراع الأفكار والحريات هو علمي ومكانه بين المتخصصين ووسيلته الرئيسية هي النقد، قبل أن يكون صراعا سياسيا سلطويا وسيلته هيمنة جهة على أخرى. لكن للأسف، نحن لا نسمح للمختبرات العلمية أن تخوض هذا الصراع بل نحيل الأمر إلى صراع القوى الذي نجد صوره في مجلس الأمة وفي لجنة دراسة الظواهر السلبية. ففي المختبرات العلمية يوجد النقد العلمي والصراع الفكري، حتى تنضج الرؤى إما لجهة قبول فكرة ما أو رفضها، في حين أن النصر في القاعات السياسية حول هذا الإطار الفكري العلمي هو دائما للأقوى وللأكثر هيمنة.
ssultann@hotmail.com
كاتب كويتي
الحرية كلها ضحية الهيمنة العلمانية
يا استاذ فاخر … بلد تعداد سكانه سبعين مليون …وحزب يحكم باغلبية 350 نائب من 550 ..ويعدل فقرة من الدستور باغلبية 410 نواب والتعديل لجهة منح الشعب حرية لبس ما يشاء وتقوم العلمانية المهيمنة بالغاء قرار نواب الشعب بحجة مخالفته لثوابت العلمانية المقدسة بل واكثر من ذلك سيتم اقفال الحزب الحاكم بقرار من المحكمة الدستورية لنفس السبب