ﻷﻥ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻳﺖ ﻣﺮﻳﻀﺔ، ﻓﻬﻲ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻋﻼﺝ. ﻣﺮﻳﻀﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺤﻮﻟﺖ ﻣﻦ ﻗﻴﻤﺔ ﺇﻟﻰ ﻭﺳﻴﻠﺔ للإستغلال. من ثابت قيمي كوني إلى كُرة يركلها أنصار التيار الديني بمعية الحكومة أينما يودّون لها أن تتجه.
فالحرية تُستغل اليوم كوسيلة لخنق الرأي والتعبير بمبرر المحافظة على ثوابت الدين والمجتمع. في حين كان من المفترض أن تكون هي القيمة التي يجب أن تقف في وجه كل محاولات وأد الرأي والتعبير، أو بعبارة أخرى وأد حقوق الإنسان.
وإلغاء محاضرة المفكر المصري يوسف زيدان لن يكون المشهد الأخير في سيناريو الخنق هذا. فقبل أشهر قليلة، تم جلب المفكر المصري أحمد سعد زايد من الفندق الذي كان يسكن فيه والتوجه به إلى المطار وترحيله. وقبل ذلك تم منع العديد من الفعاليات. وأي محاضرة مستقبلية لمفكر حداثي يختلف مع رؤية أنصار التيار الديني، لن يكون مصيرها ومصير مفكّرها إلا المنع والإهانة بالترحيل.
إن التيار الديني، وبالتعاون مع الحكومة، يستغل الحرية ﺃﻳّﻤﺎ ﺍﺳﺘﻐﻼﻝ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺃفكاره الضيقة. فهو يريد لها أن تكون مجرد وسيلة لتكريس وصايته وهيمنته على الواقع الثقافي/الاجتماعي في الكويت، ضاربا بعرض الحائط أحد نتاجات الحرية، والمتمثل بالتنوّع، ومكرسا الدور المحوري الحكومي في تنفيذ مطالبه وأوامره.
فالتيار الديني، وبالتعاون مع الحكومة، يناهض قيمة ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺼﺒﺢ ﺳﻼﺣﺎ ضد ﺃفكاره الضيقة ﻭﺷﺮﻃﺎ ﻻ ﻳﺨﺪﻡ ﺗﺤﺮﻛﺎته، وهدفا يحقق التنوّع ويكرّس الاختلاف ويواجه الوصاية والهيمنة. لكن الحرية تعتبر ﻻﺯﻣﺔ ﻣﻦ ﻟﻮﺍﺯﻡ حياة التيار ﺣﻴﻨﻤﺎ تصبح وسيلة لتمرير أفكاره وتحقيق مصالحه وتوسيع حضوره.
ﺇﻥ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻫﻲ ﻓﻮﻕ ﻫﺬﺍ ﻭﺫﺍﻙ. ﻫﻲ ﺍﻷﺻﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺘﻤﺨﺾ ﻋﻨﻪ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ ﺍﻟﻌﻨﺎﻭﻳﻦ، ﺑﻤﺎ في ذلك تلك المتعلقة باختلاف الفهم الديني وبتنوّع النظرة نحو القيم الثقافية والاجتماعية. ﻫﻲ ﺣﺎﺟﺔ ﻣﺠﺘﻤﻌﻴﺔ ﺩﺍﺋﻤﺔ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺣﺎﺟﺔ ﻣﺆﻗﺘﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﺃﻭ ﻏﻴﺮﻫﺎ.
ونحن لا نحتاج إلى الحرية ﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ ﻭﺍﻟﻤﻐﻠﻮﺏ ﻓﻲ ﺻﺮﺍﻋﺎﺗﻨﺎ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﺤﺴﺐ، ﺑﻞ نعتقد بأن الحرية ﻫﻲ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻻﺑﺪ ﺃﻥ ﺗﺘﻐﻠﻐﻞ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ المناحي، ﻭﻣﻄﻠﺐ ﻓﻜﺮﻱ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺆﺛﺮ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻣﺠﺮﻳﺎﺕ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ.
نحن نعتقد بأنه لا ﻳﻤﻜﻦ للحرية ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺸﺮﻭﻃﺔ ﺑﻠﻌﺒﺔ الهيمنة والسيطرة، ﻭﻻ ﺃﻥ ﻳﺘﻢ ﺍﺳﺘﻐﻼﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻌﻴﻦ، ﻛﺎﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ، ﺑﻞ لابد أن ﺗﻔﺘﺢ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﻟﻠﺪﻳﻦ في ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺣﺮﺍ في مخرجات فهمه بما يعكس الطيف الثقافي الكويتي، من أجل أن تكرس الاختلاف والتنوع بمختلف عناوين ذلك، وأن تعاﺭﺽ ﺍﺳﺘﻐﻼﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻟﺪﻋﻢ ﻣﻮﻗﻒ ﻗﺪ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺑﻪ ﺍﻟﻤﻄﺎﻑ ﺇﻟﻰ ﺧﻨﻖ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ.
ﻭﻷﻥ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻛﺤﺎﺟﺔ ﻣﺠﺘﻤﻌﻴﺔ، ﻻ ﻓﻘﻂ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ، يتعمّد الكثيرون تجاهل محوريّتها في الحياة، خاصة التيار الديني، والحكومة، ﻭيهمّش البعض الآخر من الوصوليين دورها ﺣﻔﺎﻇﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﻢ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﻣﺪﺧﻼ ﻣﻬﻤﺎ لتكريس مفهوم التنوّع بهدف دعم الوحدة الوطنية. فمن دون التنوّع الثقافي والاجتماعي، سيذبل عود هذه الوحدة.
ssultann@hotmail.com
- كاتب كويتي