اعترض عديد من القرّاء، ومنهم المُستشار الفاضل فؤاد راشد، على مُحتوى ونبرة مقالنا السابق، بعنوان “الحرب الشعبية وتطهّر حماس”. فمن حيث المُحتوى، كان الاعتراض على ما ذكرناه، حول أخطاء حماس في الماضي، وخاصة في صراعها مع حركة فتح، عام 2007، من قتل للأسرى، أو الإلقاء بهم من أسطح البنايات العالية في غزة، وحول إشاراتنا إلى الدعم الخارجي من إيران.
ويبدو أن هذا من “طبيعة الحب”. وهناك حالة حب في الشارع العربي مع المُقاومة الحمساوية “ولدينا في مصر، قول شائع، هو “حبيبك يبلع لك الزلط، وعدوك يتنمى لك الغلط”. وبما أننا في حالة الحب هذه، فإننا لا نرى، ولا ينبغي أن نرى أي أخطاء لمن نُحبه، وهو في هذه الحالة حركة حماس. أما من حيث النبرة، فقد كان التحفظ، هو أنه رغم الموافقة على مُحتوى المقال، فإن “نبرته جاءت باردة”. وردي على ذلك أن أحد أسباب كوارثنا العربية في الماضي، كانت لغياب النقد الهادف المُسند لمسيرة “ثورات” و”حركات” و”زعامات” نُحبها. بل وقدّسناهم، واعتربهم كثيرون، “أبقاراً مُقدسة”، لا يجوز المساس بها، حتى وقعت الواقعة لهذه “الثورات” و”الحركات” و”الزعامات”، مثلما حدث مثلاً من هزيمة 1967 فانقلب عليهم نفس من طبّلوا وزمّروا لهم في السابق. أما من حيث “النبرة”، فإن الساحتين المصرية والعربية لا ينقصهما الحماسة والحرارة والعنفوان الوجداني. لذلك فإن “حنجورية” إضافية تصيح وتهتف وتغضب، ولن تقدم كثيراً. ولكن ما ينقص هاتين الساحتين هو التحليل الهادئ، والخطاب العاقل. وهذا ما حاولت تقديمه في الماضي، وأستمر في محاولته حاضراً ومستقبلاً. وطبيعي أن هذا “اجتهاد” من جانبي، وليس بالضرورة هو “الحقيقة المُطلقة”!. وقد سبق لي أن مارست هذه “الخطب الحماسية الحارة” في مراحل مُبكرة، من حياتي، من ستينات القرن الماضي إلى ثمانيناته. وقد جمعتها في كتابين. أحدهما هو “سوسيولوجية الصراع العربي الإسرائيلي” (بيروت: دار الطليعة، 1973)، والثاني بعنوان “مصر تراجع نفسها” (القاهرة: دار المُستقبل، 1983). ومن حق الشباب، بل من واجبهم، أن يغضبوا. وهناك قول فرنسي مأثور هو “إن من هو دون الثلاثين من عُمره، ولا يغضب، فلا قلب له، ولكن من هو فوق الأربعين ومازال يغضب، فلا عقل له!”
في كل الأحوال، مع كتابة هذا المقال (13/1/2009) كانت الملحمة الاسطورية للمُقاومة في غزة، قد دخلت يومها العشرين. وهي مُدة تتجاوز أيام الهزيمة لثلاثة جيوش عربية نظامية في ستة أيام عام 1967، ثلاث مرات. ويُثير ذلك عدة أسئلة عن إدارة الصراع العربي الإسرائيلي عموماً، وعن دور الجيوش العربية النظامية في الحياة العربية المُعاصرة خصوصاً. فهذه الجيوش انشغل مُعظمها بالسياسة، فأفسدتها.
وبداية، فإن الأمر لا يتعلق بالشجاعة الفردية لجنود وضبّاط جيوشنا العربية. فهؤلاء شأنهم شأن مُقاتلي حركة حماس في فلسطين، ومن قبلهم مُقاتلي حزب الله في لبنان. فهم أخوة وأبناء يحملون نفس الجينات البيولوجية الوراثية. ولكن الأمر كله يتعلق باختيار أسلوب القتال وأسلحته، لتناسب موضوع المواجهة مع الخصم (العدو)، بالموارد المُتاحة، في لحظة زمنية مُعينة.
من ذلك أن اسلوب “الحرب الشعبية” هي الأمثل في مواجهة جيوش نظامية أكثر عدة وعتاداً. فالمُقاتلون في الحرب الشعبية ليسوا مُتفرغون مهنياً للعمل كجنود ومُقاتلين. ولكنهم مُتطوعون، بإرداتهم الحُرة، للقتال بعض الوقت. وفيما عدا ذلك، فهم يعيشون في بيوتهم مع عائلاتهم وذويهم، وليس مع جنود وضبّاط متفرغين في ثكنات ومُعسكرات وقواعد عسكرية. وهذه الخاصية وحدها تنطوي على توفير نفقات باهظة. فإذا أضفنا إلى ذلك أن مُقاتلي الحرب الشعبية يستخدمون، متى دعت الحاجة، أسلحة خفيفة ومتوسطة، وهي كل ما يستطيعون شراءه أو الاستحواز عليه من جنود الخصم… ولا يستخدمون آليات مُصفحة أو دبابات وطائرات ومدافع وأسلحة ثقيلة. وهذه الخاصية بدورها توفر على مُقاتلي الحرب الشعبية أموالاً هائلة. أي أن اقتصاديات الحرب الشعبية تكون في حدودها الدنيا، بينما هي عند الجيوش النظامية تكون في حدودها القصوى.
وتستعيض قوات المُقاومة في مواجهة الجيوش النظامية، الأكثر عدة وعتادة وتكلفة، بخفة حركتها، وقدرة مُقاتليها على الحركة الخفيفة السريعة، والكر والفر والاختفاء بين جموع الناس في المناطق المأهولة. وبهذا الشكل فإن المُقاتلين يستطيعون شغل قوات الجيش النظامي مدة أطول، واستنزافه تدريجياً، وخاصة نحو أطرافه، وتفادي المواجهات الواسعة والمُباشرة. ولذلك تُسمى هذه الحروب الشعبية أيضاً باسم “حروب الاستنزاف”.
وحينما دخلت الجيوش العربية النظامية فلسطين في أول حرب عام 1948، فإنها واجهت مُقاتلي حركات صهيونية مُسلحة، استخدمت أساليب الحرب الشعبية، المُشار إليها أعلاه، لعدة أشهر (مايو 1948- مارس 1949)، فاستنزفتها، وأوقعت بها الهزيمة، وتكرّست الدولة اليهودية الجديدة، تحت اسم “إسرائيل”، على أكثر من نصف أرض فلسطين. فقد كان قرار التقسيم (نوفمبر 1947) يُعطي الدولتين، اليهودية والعربية، المُقترحتان، نصف مساحة الأرض الفلسطينية تقريباً. أي أن الحركة الصهيونية فيما قبل إنشاء وتكريس الدولة، وتأسيس جيش نظامي لها، اختارت أسلوب الحرب الشعبية في مواجهة الجيوش العربية النظامية وقت ذلك (1948/1949)، ونجحت في تحقيق أهدافها. ثم بعد أن أصبحت دولة لها جيش نظامي، حديث التسليح والتدريب، فإنها اختارت أساليب جديدة في مواجهة الجيوش العربية النظامية، وهو أسلوب “الحرب الخاطفة”، والتفوق التكنولوجي، فانتصرت عليها في حربي 1956 و1967.
ومن ناحية أخرى انشغلت جيوشنا العربية المهزومة بالسياسة، منذ أول هزائمها (1948/1949). فبدأ مُسلسل انقلاباتها العسكرية: في سوريا (1949)، ومصر (1952)، والعراق (1958)، واليمن (1961)، والسودان (1964)، والجزائر (1966)، وليبيا (1969). والغريب هو أن بعض هذه البُلدان لم تكن قد شاركت في أي حرب مع إسرائيل من أجل فلسطين. بل إن بعضها لم تكن قد استقلت بعد كدول (مثل السودان، والجزائر، وليبيا، والصومال، وموريتانيا). ولكن عدوى أو غواية اشتغال ضبّاطها بالسياسة، انتقلت إليها. فأصبحت بدورها، تدخل مُعترك السياسة “من باب غسل عار الهزيمة وتحرير فلسطين”. ولكن الشاهد هو أن هذه الجيوش التي استولت على السُلطة بهذه الذريعة، لم تُحرر شبراً واحداً من فلسطين، خلال الستين عاماً التالية لإنشاء إسرائيل. ولم تنتصر عليها في أي حرب خاضتها، ربما باستثناء حرب أكتوبر 1973، التي خاضها الجيشان المصري والسوري، وحررا أجزاء من أراضي كانا قد خسراها عام 1967، في بلديهما، ولكن بعيداً عن فلسطين نفسها. أي أن جيوشنا العربية النظامية، التي انشغل بعضها بالسياسة، لا هي احتفظت بقدرات قتالية توازنها مع إسرائيل، ولا هي تركت مُجتمعاتها تتطور سياسياً على طريق الديمقراطية، كما فعلت بُلداناً كثيرة في العالم الثالث ـ مثل الهند، وتركيا وإندونيسيا، وماليزيا (في قارة آسيا)، والسنغال، ومالي، وغانا، ونيجريا، وجنوب إفريقيا (في قارة أفريقيا). والشاهد هو أن من يتصدى لإسرائيل، ويُحبط طموحاتها التوسعية ومُخططاتها للهيمنة على البُلدان العربية المُجاورة، ليس هي الجيوش النظامية، ولكن حركات المُقاومة الشعبية. وقد بدأ مُسلسل استنزاف إسرائيل بعد اجتياحها لبنان (1982)، على يد مُقاتلي حزب الله، والذي استمر حتى جلت قواتها عن لبنان تماماً وبلا قيد أو شرط عام 2000. ثم دخلت قوات حزب الله في مواجهة أخيرة، استمرت 33 يوماً عام 2006، خرجت منها إسرائيل شبه مهزومة. وها هي حركة حماس، تخوض مع إسرائيل، حرب استنزاف شعبية مُشابهة لتجربة حزب الله. ورغم أن المعارك ما زالت مُشتعلة إلى تاريخه، إلا أن الخلاصة واضحة، تنهزم الجيوش النظامية التي انشغلت بالسياسة، وتصمد حركات المُقاومة الشعبية.
والدرس الأساسي المُستفاد هو أنه حبذا لو بعدت الجيوش العربية عن السياسة، وتفرغت لبناء قدراتها القتالية والتكنولوجية، لتأدية وظيفتها الدفاعية عن التراب الوطني، وتركت لشعوبها أن تتطور سياسياً، لكي تلحق بديمقراطيات العالم.
اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد.
semibrahim@gmail.com
من سفر المنفى
حروب المُقاومة الشعبية والحروب العربية النظامية
Saad is amember of moslems brotherhood and he defends their agenda. Dr. Saad, come in, there is no need to have multi-colors and you know who is your master. Since trying to convience the American adminstration to have a dialouge with Moslems brotherhood. The masks have fallen and everyone shows his true colors now. Hamas is a gang has no consideration to life of oone ,their own people and Isreal, however, cawords and hide like rats within women and children.
حروب المُقاومة الشعبية والحروب العربية النظاميةكم هو محزن أن يفكر ويكتب رجل مثل الدكتور سعد الدين إبراهيم بهذه الكيفية الشعبوية وكأنه مثل عامة البسطاء أو كأنه من مثقفي النظم العربية القرون – أوسطية . أية مقاومة يا سعد ؟! إن ما سببته حماس لأهل غزة هو التخريب والتدمير ولم يكن قرار إطلاق صواريخ حماس الهزلية بعد إنتهاء الهدنة إلا قرارا إيرانيا … أنصحك أن تكتفي بتدريس علم الإجتماع (الذى تعرفه) وتترك الفكر السياسي لمن يملكون مؤهلاته المعرفية ويتسمون بالإتزان – كما أنصحك أن تطالع تعليق السيد / غسان كاخي وكذا تعليق المعلم الثاني عسي أن تكتشف إلى أي حد هبط… قراءة المزيد ..
حروب المُقاومة الشعبية والحروب العربية النظامية
صدقت استاذنا الكبير جيوشنا النظامية بناها الغرب واستعملها الحكام لقمع شعوبها
كما اثبتت التجارب الحالية عجز اسرائيل عن خوض حرب غير تقليدية مما يعني ان الدول العربية يجب ان تدعم هذه المقاومة وتعتبرها ذراع عسكري بديل يدعم المفاوض السياسي
حروب المُقاومة الشعبية والحروب العربية النظامية
يا سعد الدين ألم تتعب من تكرار هذااِلخطاب. أي مقاومه تلك التي تتكلم عنها، مقاومه تحتمي وراء الأطفال والنساء و في مبان الإغاثه وتطلق النار من المدارس والمشفيات وتمتدح الدكتاتوريات الممانعه؟ تشيد بحزب الله وبطولاته في المقاومه وما مقاومه حزب الله إلا لإثبات وجود طائفي للهيمنه على المجتمع اللبناني التعددي وإعاقه تطوره.
كالمستجير من الرمضاءيا أستاذ سعد الدين…ما هذه المقاومة الشعبية التي تدعو إليها؟ ألا يكفيك من مات ومن تشرد من المدنيين بسبب العصابات وحروب العصابات التي يخوضها الجبناء متخذين دروعا من اللحم والدم؟…إن ما تدعو إليه تنفذه حماس ومن على شاكلتها فهم يحاربون دون لباس عسكري متسترين بالمدارس والبيوت ثم يتبجحون عند إحصاء الضحايا مدعين أن اسرائيل تستهدف المدنيين… لنا وقفة مع كلمة(يستهدف) التي يسيء البعض فهمها أو يتعمّدوه…فصواريخ حماس تطلق على تجمعات سكانية و(هدفها) الوحيد إحداث أكبر قدر من الموت بالمدنيين ولا ذنب لاسرائيل في خيبة صواريخ حماس فالنية المبيتة على الأذى …أما ضحايا اسرائيل من المدنيين فتسأل عنهم العصابات… قراءة المزيد ..