خاص بـ”الشفاف”- عبدالله الصالح
بعد مرور سبعة عشر عاماً على بدء طاهر يولداش انتفاضته الإسلامية في مدينة نمنكان يجد نفسه على بعد مسافات طويلة عن تلك المدينة، إلا أن أوزبكستان لا تزال هدفه ولا يزال طاهر يولداش مصمماً على العودة إلى الوطن يوماً من الأيام!!
ففي شريطه المرئي الذي أصدره بمناسبة الذكرى الخامسة لأحداث 11 سبتمبر ظهر طاهر يولداش بلحية طويلة وعلى رأسه عمامة سوداء، وإلى جانبه رشاش “كلاشينكوف”.
قال “طاهر يولداش” في الشريط – ما معناه حسب الترجمة للعربية – ” بمناسبة مرور خمس سنوات على حدثٍ غيّر سياسة العالم كله – أعني تلك الضربة الشديدة بتاريخ 11سبتمبر/2001م التي تلقتها الإمبراطورية الأمريكية التي كانت تظن نفسها قوة لا تهزم وقلعة لا تخترق – نعلن هذا البيان للناس، لقد وقفت حركة أوزبكستان الإسلامية في وجه الغزاة الأمريكيين بقيادة رئيسهم “بوش” جنباً إلى جنب مع أمير المؤمنين الملاّ عمر وإمارة طالبان الإسلامية والمجاهدين في تنظيم القاعدة، وقد استشهد في هذه المعركة الكبيرة وتحت الهجمات الأمريكية كثير من أعضاء حركتنا وعلى رأسهم القائد الشهيد “جمعة نمنكاني” رحمه الله.
“هذا، ونؤكد نحن المجاهدين للمسلمين كلهم بأننا لم ولن ننسى إخواننا المسلمين الذين قُتلوا في تلك المذبحة الدموية التي ارتكبتها قوات “كريموف” في أنديجان العام الماضي، وإننا ماضون في الاقتصاص لدماء المسلمين التي تراق والدفاع عن إخواننا المضطهدين في آسيا الوسطى وروسيا!
“وإننا نطالب جميع الحكومات في المنطقة، ولا سيما حكومة طشقند(أوزبكستان)، وحكومة “بيشكيك” (قرغيزستان) وحكومة “دوشنبي” (طاجيكستان) بأن يوقفوا فوراً ظلمهم واضطهاداتهم وعملياتهم الإرهابية التي يقومون بها على رؤوس المسلمين) .
“كما أننا في هذه المناسبة نذكّر كلاًّ من كريموف (الرئيس الأوزبكي) ورحمانوف (الرئيس الطاجيكي) وباكييف (الرئيس القرغيزي) بأنهم سوف يعاقبون عاجلاً أم آجلاً على جرائمهم التي ارتكبوها…” إلى آخر ما جاء في بيان “طاهر يولداش”
الحركات الاسلامية في أوزبكستان:
تنقسم التنظيمات الإسلامية إلى تنظيم سياسي كحزب النهضة الإسلامي ، أو فكري كحزب التحرير ، أو جهادي كالحركة الإسلامية لأوزبكستان مجال حديثنا هذا .
وثمة منظمات أخرى تنشط في أوزبكستان ألا وهى منظمة الإكرامية (نسبة إلى أكرم يولداشوف العضو السابق في حزب التحرير الإسلامي في مدينة أنديجان) وحركة (الأكرمية) التي تتهمها الحكومة بقيادة التمرد في انديجان يصفها أبناء أوزبكستان بأنها أشبه بالجمعيات الخيرية أكثر منها جماعة دينية سياسية أو جهادية.
فضلاً عن كل مسلم متدين مستقل ولا ينضوي تحت أي مظلة ، وهم يشكلون مئات الألوف، كما أنهم أيضاً يشكلون أكثر السجناء وإن كان معظمهم سُجن بتهم ملفقة متنوعة إما بتهمة العضوية في حزب التحرير أو الوهابية أو الإرهاب أو غير ذلك، وهم جمهور الصحوة الإسلامية التي قادها مشايخ أوزبكستان الكبار، مثل الشيخ عبد الولي ميرزايف (إمام أنديجان وعالمها)، والشيخ عبد الأحد قاري (إمام نمنغان)، وهؤلاء المشايخ لم يشكلوا أية أحزاب أو جماعات، وإنما يبلغون دين الله ويؤدون واجبهم ويعلمون عقيدة أهل السنة والجماعة فقط، ويربون الناس بالتربية الإسلامية الصافية.
أما “منظمة الإكرامية” فقد تشكلت في العام 1996 على يد اكرم يولداشوف العضو السابق في “حزب التحرير الإسلامي” في مدينة انديجان، والذي كتب في أحد خطاباته تحت عنوان “الطريق الى الإيمان الحقيقي” ان “حزب التحرير” يتناسب مع واقع الدول العربية وهو لا يتماشى مع ظروف دول آسيا الوسطى.
وأكرم يولداشيف مدرس رياضيات اتهم بالمشاركة في سلسلة اعتداءات بالقنابل في العاصمة الأوزبكية طشقند عام 1999 قتل خلالها 18 شخصاً ويقضي حالياً عقوبة بالسجن مدتها 17 عاماً، والذي يقال إنه انضم إلى حركة “حزب التحرير” عام 1986، ولكنه غادر صفوفها بعد 10 أعوام بسبب خلافات معهم، وفي عام 1992 نشر يولداشيف كتاباً يحمل اسم “طريق الإيمان” يقول فيه: إن الإسلام يجب أن يعود بطريقة طبيعية إلى أوزبكستان.
طاهر يولداش ..الأمير الشاب وحركة اوزبكستان الإسلامية
بدأت حركة اوزبكستان الإسلامية بالتشكل مع بداية التسعينات على قاعدة مجموعات إسلامية في وادي فرغانة واتهمت الحكومة الحركة بمجموعة من الأعمال الإرهابية، من بينها محاولة اغتيال كريموف في عام 1999 .
ففي عام 1990م أعلن طاهر يولداش نفسه أميراً لحركة ” عدالة ” الإسلامية في مدينة نمنكان – إحدى أهم المدن في وادي فرغانه، وهي المدينة التي وُلد ونشأ فيها طاهر يولداش – وكان عمره (24) عاماً ، وحين سقوط الاتحاد السوفييتي كان طاهر يولداش واحداً من الشباب الأوزبك الذين أعلنوا معارضتهم للنظام المستبد الحاكم .
يعد وادي فيرغانا الخصب، الذي تحيط به المرتفعات الجبلية من كل جانب، ويقع على حدود ثلاث من الجمهوريات السوفياتية السابقة، هي أوزبكستان وقيرغستان وتاجيكيستان، مرتعا ملائما للنشاط الاسلامي ، فالوادي الخصب احتفظ على مدى القرون الماضية بتقاليد التفكير الإسلامي المستقل، ووسطه تقع بلدة نمنكان، وهي موطن اثنين من زعماء الحركة الجهادية الاوزبكية، وموضع تركيز جهود الحكومة ضد النشاط الاسلامي.
وحتى نهاية التسعينات كان معظم أعضاء حركة اوزبكستان الإسلامية ومقاتليها يتخذون من جبال طاجيكستان مقراً لهم.
وفي عام 1999 تحول مقرها الى قندهار في أفغانستان، ومع بداية العام 2002 أعلنت القوات الأميركية مقتل زعيمي الحركة جمعة نامنغان وطاهر يولداش، واعتبر ذلك نهاية لهذه الحركة، ولقد قتل جمعة ولكن طاهر يولداش ما زال على قيد الحياة، ولم تنته الحركة .
طاهر يولداش – الشاب الوسيم والجسيم الذي كان واثقاً من نفسه مع بعد نظرته – كان يهدف إلى جعل نمنكان مدينة المسلمين حسب مفهومه للإسلام ، وكان يتحدث مدافعاً عن حقوق الفقراء والمظلومين، وكان الشباب المؤيدون له والمسمون أنفسهم بـ”عساكر الإسلام” يحاولون تنفيذ القوانين والأنظمة التي وضعوها بأنفسهم ، ونصبوا محاكم مستقلة تحت إشرافهم يحاكمون فيها الأشخاص المتهمين بكونهم مرتكبي جرائم ومن ثم يعاقبونهم بعقوبات طبقاً للشريعة .
وعلى سبيل المثال، قاموا بإلقاء القبض على إحدى الداعرات وأركبوها على حمار بطريقة عكسية وأوقفوها أمام بوابة السوق لفضحها أمام الناس.
اشتهر طاهر يولداش بين الناس ولا سيما بين أهالي المدينة القديمة في نمنجان الذين كانوا يتميزون ببساطة عيشهم وتمسكهم بالتقاليد الإسلامية.
وفي خريف عام 1991م كان طاهر يولداش قد استولى مع مجموعته على المباني الحكومية بمدينة نمنكان، وكان يتحدث عن آمالهم في إقامة دولة إسلامية في وادي فرغانة.
أما “إسلام كريموف” الذي أزعجته هذه التطورات فقد ضطر للمجيء إلى نمنكان والوقوف أمام آلاف المتظاهرين الذين كان يلقي فيهم طاهر يولداش خطبته ، ويقوم إسلام كريموف بإعطاء الوعود الكبيرة والعروض الإسلامية والاقتصادية المغرية للناس، وهمه الأكبر أن يخرج من بين هذه الجموع سليماً ويخدع السذّج بكلماته المعسولة].
وبعد مرور شهر واحد فقط على هذه المظاهرة الضخمة يختفي طاهر يولداش عن الأنظار تماماً.
ومن الجدير بالذكر أن حركة أوزبكستان الإسلامية التي يتزعمها “طاهر يولداش” المطلوب رقم (1) لدى الرئيس الأوزبكي الديكتاتور “إسلام كريموف” تأسست في التسعينات من القرن الماضي كردة فعل للاضطهادات التي قام بها النظام الأوزبكي الحاكم لقلقه الشديد من الانتشار السريع والظهور القوي للصحوة الإسلامية في البلاد. وللاضطهادات في أوزبكستان مقال خاص .
طاهر يولداش والنزاعات في طاجيكستان وأفغانستان
وفي عام 1992م تحولت النزاعات السياسية في طاجيكستان إلى حرب أهلية بين الشعب الطاجيكي الذي كان يؤيد الإسلاميين وبين الحكومة الشيوعية العميلة لموسكو والمدعومة بكافة أنواع الأسلحة الروسية.
لم يجلس “إسلام كريموف” مكتوف الأيدي تجاه هذه الأحداث في طاجيكستان المجاورة بل كان له فيلق حربي خاص اشترك في الحرب الطاجيكية، وشرعت سلطاته في أوزبكستان بحملة اعتقالات واسعة للشباب المسلم في وادي فرغانه بتهمة “الاشتراك في الجهاد الطاجيكي”.
وبعد مضي فترة أخرى ظهر طاهر يولداش في أفغانستان المجاورة، حيث صارت له مراكز في العاصمة كابول وفي مدينة بشاور الباكستانية. ومنذ ذلك الوقت صار طاهر يولداش – وقد أتقن اللغات الفارسية والعربية – يعرّف نفسه للصحفيين بأنه “أمير حركة أوزبكستان الإسلامية التي تسعى إلى إسقاط نظام “كريموف”.
وبهذا بدأ كثير من الأوزبكيين المعارضين لحكومة “كريموف” والفارّين من الاضطهادات والمطاردات في أوزبكستان يفدون إلى أفغانستان، وكان أكثرهم من الرجال، بالإضافة إلى بعض العائلات المهاجرة بالنساء والأطفال، حيث قذفوا انفسهم الى نهر جيجون وعبروه الى حيث اخوانهم مجاهدي الحركة.. بعضهم وصل يذرف دما من جراء طلقات في جسده اطلقها حراس الحدود على الشاطئ الاوزبكي ومن فوق القوارب السريعة التي تمنع الهجرة نحو أفغانستان.
ارتباط مصير حركة أوزبكستان الإسلامية (طاهر يولداش ) بطالبان
ارتبط مصير طاهر يولداش بحركة طالبان بأفغانستان ارتباطاً تاماً، إلا أن حركة أوزبكستان الإسلامية كانت محتفظة بأهدافها الخاصة . ( من نافلة القول إنه عندما يرد ذكر اسم حركة أوزبكستان الإسلامية يعني ذكر طاهر يولداش مؤسسها والعكس صحيح ).
كان الملا محمد عمر يضع الحركة الاسلامية الاوزبكية وقائدها طاهر يولداش في مكانة عالية، قد لا تدانيها حركة طالبان، والكثير من قياداتها، والسبب هو ان الكثير ممن التحقوا واتبعوا حركة طالبان، قد دفعهم الى ذلك شهوة السلطنة وبريق النجاح الذي نالته الحركة.
وكان الأوزبك الذين التحقوا بأفغانستان وانضووا تحت طالبان يرددون كثيراً كلمة “الجهاد” لكونهم قسماً من أقسام القوات الإسلامية المتعددة الجنسيات هناك.
وأما عن عدد المقاتلين الأوزبك فإن ذلك يصعب تحديده ، إلا أنهم كانوا يعدون بالمئات، وكانوا مزودين بكافة أنواع الأسلحة والمتنوعة في نفس الوقت .
ولقد كانت انتهاكات حقوق الإنسان واختطاف العلماء وطلبة العلم في أوزبكستان واعتقالهم وتعذيبهم في السجون بدءاً من عام 1995م سبباً رئيسياً في انضمام مئات الشباب المسلم إلى الكفاح المسلح والتدرب في معسكرات حركة طاهر التي كانت وجدت ملجأ آمناً وجاهزاً للإعداد العسكري في ظل حركة طالبان الإسلامية في أفغانستان.
وفي عام 2001م حين بدأت القوات الأمريكية بالقصف الجوي على أفغانستان في حربها ضد حركة طالبان كانت حركة أوزبكستان الإسلامية تمتلك قاعدة عسكرية في مدينة “مزار شريف”.
وقد قاتلوا جميعاً إلى جانب قوات طالبان حتى اللحظة الأخيرة، وقد لقي الكثير من الأوزبكيين مصارعهم في مدينة “قوندوز” المجاورة لحدود طاجيكستان.
وبعد ذلك اضطر طاهر يولداش للاختفاء مرة أخرى.
انتقال إلى باكستان
وعن مصير حركة أوزبكستان الإسلامية بعد الغزو الأمريكي على أفغانستان وانسحاب طالبان فكان أغلب المحللين يرون أنها تفككت وتفرقت في مختلف مناطق أفغانستان وباكستان، إلا أن السنوات الأخيرة كشفت بأن الحركة استطاعت تنظيم صفوفها مرة أخرى ووجدت ملجأ لها في منطقة وزيرستان بباكستان على الحدود الأفغانية ومن هناك واصل طاهر يولداش حربه الإعلامية ، ففي الأفلام التي أصدرتها حركته ووزعت في مدينة بشاور كان يتحدث فيها طاهر يولداش عن أخبار الجهاد في العالم، بالإضافة إلى حديثه عن معاقبة حكومة “كريموف”. الأمر الذي دفع بالحكومتين الباكستانية والأوزبكية للتنسيق فيما بينهم لمواصلة مطاردة أعضاء الحركة في كل مكان تصل إليه أيديهم.
وفي الأشهر الماضية دارت مواجهات عنيفة بين مقاتلي طاهر يولداش حركة أوزبكستان الإسلامية وبين القبائل في وزيرستان، وكان سبب اندلاع هذه المواجهات في جنوب وزيرستان قرب مدينة وانا، هو التصعيد الذي بدأه زعيم قبلي يدعى “مالك صيد الله” بأمر من الحكومة الباكستانية ضد مجاهدي حركة أوزبكستان الإسلامية وعوائلهم محاولاًَ طردهم من المنطقة، حيث قام بحظر تقديم أي معونة أو إيواء للمهاجرين ومنع أهالي المنطقة من ذلك تماماً، وقام مقاتلوا الزعيم القبلي المذكور بالهجوم على مكتب حركة أوزبكستان الإسلامية في قرية “أعظم وردك” إلا أنهم فشلوا في مهمتهم وقُتل إثنان من أبناء الزعيم الموالي للحكومة الباكستانية “مالك صيد الله”، كما تم أسر الزعيم نفسه أيضاً من قبل المجاهدين المهاجرين”..
وأما عن عرض حركة طالبان للإصلاح بين الطرفين المتقاتلين بـ”دعوة أعضاء حركة أوزبكستان الإسلامية لترك المنطقة وعدم الاقتتال مع رجال القبائل والانتقال إلى ولاية هلمند بجنوب افغانستان والتي يسيطر عليها مجاهدوا طالبان ليكونوا تحت ضيافة الملا محمد عمر” فقال المتحدث الأوزبكي رداً لطلب الطالبان:” نحن سنبقى هنا ولا ننتقل إلى أي مكان آخر، وأن الكثير من القبائل المحليين هنا هم في طرفنا وينصروننا في مواجهة رجال القبائل المواليين للحكومة الباكستانية”.
وكعادة النظام الباكستاني الذي دائماً يبيع الوهم للأمريكان وللإعلام فقد إعلنت القوات الباكستانية عن جرح طاهر يولداش أثناء عملياتها في اقليم وزيرستان الباكستاني قبل عامين، كما سبق وأعلنت القوات الأمريكية في إطار حربها الإعلامية بجانب العسكرية في بداية العام 2002 مقتل زعيم الحركة طاهر يولداش، واعتبار ذلك نهاية لهذه الحركة . . ولكن ثبت عدم صحة ذلك وقتها ، حيث أن أمير الحركة طاهر يولداش قد غادر المنطقة منذ فترة وهو بخير وأن الأخبار التي نشرت في بعض وسائل الإعلام عن مقتله بعيدة عن الحقيقة، كما أن عدد القتلى الأوزبكيين ليس بكثير كما زعم الإعلام الباكستاني الحكومي.
وهذا يؤكد من جديد ان الحركة ما زالت نشطة ولها وجود، إضافة الى ظهور يولداش في تسجيل مصور توعد فيه ثلاثة رؤساء من دول آسيا الوسطى بالاغتيال (اوزبكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان) لجرائمهم بحق المسلمين.
في الحلقة القادمة الأوزبك والقاعدة . . موقف الملا عمر وتفضيله للأوزبك على العرب . . وتعييينه أوزبكي قائداً لجميع المتطوعين العاملين في صفوف حركة طالبان بمن فيهم العرب.
وللحديث بقية ..