خاص بـ”الشفاف”- عبدالله الصالح
تحول المنطقة إلى بؤرة اهتمام أمريكية ودولية خاصة بعد 11 سبتمبر
أوزبكستان هي قلب آسيا الوسطى .. وهي بالمقاييس كلها أهم دولة في منظومة الجمهوريات التي استقلت حديثا عن الاتحاد السوفياتي. إنها طشقند عنوان الخلافة وسمرقند، إنها بخارى مولد النجباء العلماء.
فلم يعد يخفى على أحد ان بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 عودة الاهتمام الدولي الى قلب آسيا الوسطى ، وانطلاق الحرب الأمريكية على ما يسمى “الإرهاب” بهدف اقتلاع “حركة طالبان” وتنظيم “القاعدة”، تحول الجوار الأفغاني الى دائرة الاهتمام الأمريكي، واكتسبت آسيا الوسطى بذلك بعداً استراتيجياً، إضافة الى الاهتمام بالموارد النفطية وخطوط إمدادها.
فالمنطقة كانت الساحة التي قررت الولايات المتحدة استخدامها في حربها على ما أسمته الإرهاب الدولي في أفغانستان، والمتمثل بتنظيم “القاعدة” و”حركة طالبان”. وبما ان آسيا الوسطى الجوار القريب لأفغانستان، ولا يمكن إغفال حقيقة ان أكثر من 40 في المئة من عرقيات أفغانستان ذات أصول مرتبطة بجمهوريات آسيا الوسطى، (طاجيك، أوزبك، تركمان، وقيرغيز)، فإن العلاقة بين هذه الدول وأفغانستان معقدة للغاية.
الأوزبك ظلموا في زمن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز فأنصفهم، وتم تهميشهم في أفغانستان فأنصفهم الملا عمر:
لقد ظلت الدولة الإسلامية هي الدولة الأولى في العالم ردحاً طويلاً من الزمن، سطرت خلالها أروع صور العدل والرعاية للبشرية جمعاء – لمن كان يحمل تابعيتها، ولمن كان خارج سلطانها كذلك – ونعِم العالمُ بالراحة والطمأنينة ما لم يشهد مثله من قبل، وكانت سمعة الدولة الإسلامية تفوح بالمسك والعنبر على جميع الأصعدة. ما فتحت بلداً إلا وجلبت عليه الخير والصلاح والفلاح، وما خاضت معركة إلا في سبيل الله، لدحر الشرك والظلم، وتحقيق سيادة الحق والشرع، وليس طمعاً في خيرات أحد، فالأرض أرض الله، والمال مال الله، ولا يصح أن يتصرف أحدٌ في شيء من ذلك إلا بإذن الله.
ومن روائع ما حصل في أيام الفتح الإسلامي زمن عمر بن عبد العزيز أن قتيبة بن مسلم لما تولى إمارة خراسان وما وراء النهر سنة 86 هـ فتح سمرقند سنة 87 هـ وولى عليها سليمان بن أبي السري، فلما قدم سليمان إلى سمرقند قال له أهلُها: إن قتيبة ظلمنا وغدر بنا وأخذ بلادنا، وقد أظهر الله العدل والإنصاف، فأْذَنْ لنا ليقدُم وفدٌ منا على أمير المؤمنين فأذِنَ لهم، فوجهوا وفداً منهم إلى عمر بن عبد العزيز وكان قد تولى الخلافة سنة 99هـ وشكوا إليه أمرهم، فكتب عمر إلى سليمان بن أبي السري يقول له: إن أهل سمرقند شكوا ظلماً وتحاملاً من قتيبة عليهم حتى أخرجهم من أرضهم، فإذا أتاك كتابي فأجلس لهم القاضي لينظر في أمرهم، فإن قضى لهم فأخرج العرب من معسكرهم كما كانوا قبل أن يظهر عليهم قتيبة.
فأجلس لهم سليمانُ القاضي جُمَيْعَ بنَ حاضر، فقضى أن يخرج العرب من سمرقند إلى معسكرهم وينابذوهم على سواء، فيكون صلحاً جديداً أو ظفراً عنوة، فقال أهل سمرقند: “بل نرضى بما كان ولا نُحدِث حرباً”، وتراضوا بذلك.
ولقد احتفظ وادي فرغانة الخصب على مدى القرون الماضية بتقاليد التفكير الإسلامي المستقل، ووسطه تقع بلدة نامنجان، وهي موطن اثنين من زعماء الحركة الجهادية الاوزبكية، وموضع تركيز جهود الحكومة ضد النشاط الاسلامي.
ذكرت في الحلقة الماضية أن مصير طاهر يولداش ارتبط بحركة طالبان بأفغانستان ارتباطاً تاماً، إلا أن حركة أوزبكستان الإسلامية كانت محتفظة بأهدافها الخاصة، وأن الملا عمر كان يضع الحركة الاسلامية الاوزبكية وقائدها طاهر يولداش في مكانة عالية، قد لا تدانيها حركة طالبان نفسها ، والكثير من قياداتها.
لذا لم يكن مستغرباً – لم يحظ برضا العرب – أن يضع الملا عمر كل الفصائل والمجموعات غير الأفغانية المتواجدة على الأراضي الأفغانية بما فيهم أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري تحت إمرة جمعة نمنكانى الأوزبكي خاصة بعد وصول تقارير للملا عمر بعدم دخول تلك القيادات إلى المعارك وعدم ارسال أولادهم الى الخط الأول للقتال .
وذلك لأسباب عدة منها جلد وقوة وثبات الأوزبك في القتال وثقة الملا عمر في الأوزبك فضلاً عن انتمائهم لنفس مذهب حركة طالبان ألا وهو المذهب الحنفي ، وأيضاً لمعرفة الملا عمر بأن العرب أصحاب مشاكل وخلافات وأن فكرهم يكفّر الحركة .
فللأسف الشديد كافة المجموعات العربية سواء إسلامية أو غير إسلامية تهاجر لخارج الوطن بنفس أمراض وثقافات وبيئات الوطن العربي فتجد المعارضة للأنظمة تعارض لأن هذه الأنظمة مستبدة وديكتاتورية في نفس الوقت التي تمارس هذه المعارضات هذا الشيء مع نفسها، وداخل كيانتها فتكثر المشاكل والخلافات .
ولا يكاد احد من المسلمين خارج آسيا الوسطى يعرف شيئاً عن حركة جهادية فعالة ومؤثرة هي – حركة اسلامي اوزبكستان – حركة أوزبكستان الإسلامية .
وكانت قيادتها وجزء كبير من قوتها المسلحة يعمل من داخل الأراضي الأفغانية وواجهت الغزو الأمريكي بأشد مقاومة مسلحة، وبينما شارك ما لا يقل عن ستمائة أوزبكي مسلح ومنظم بشكل أفضل من القوات العربية او قوات الإمارة الاسلامية، شاركوا في قتال عنيف ضد القوات الامريكية في طالقان وقندوز ومزار شريف ، وانحازوا من كابول الى ولايات لوجار وباكتيا فقاتلوا بعنف في زورمات وشاهي كوت.
ولقد كان الأوزبك هم المحور الاساسي الذي قاتل ضد الأمريكان وتحالف الشمال في الحملة التي اسماها الأمريكان حملة آنا كوندا التي تكبدوا فيها أشد خسائر بشرية في حربهم الأفغانية.
لم توف حركة أوزبكستان الإسلامية حقها في أفغانستان كما لم توف الحركة الاوزبكية حقها أيضاً في بلدها اوزبكستان. وتم التعتيم على دورها في اوزبكستان ودورها السابق والحالي فيما حول اوزبكستان خاصة في طاجيكستان وقرغيزستان اللتان كانا في حاجة الى قوات امريكية لحماية انظمتها بشكل مباشر من اخطار تلك الحركة الجهادية الشابة ذات التنظيم الحديدي، والموقف الفقهي الواضح بأنه الموقف القائم على المذهبي الحنفي الذي استوطن تلك المناطق منذ قرون.
ولقد رفض الأوزبك بوضوح أي مدارس فقهية أخرى. فلم تتبنّ السلفية السعودية التي زحفت بسرعة نحو الحركة من الأراضي السعودية مباشرة او من التنظيمات العربية في أفغانستان، وكان الصدام الأوزبكي مع الرمز العربي الاول أسامة بن لادن والقاعدة.
لقد كان ذلك الصدام والخصام اسوأ استقبال قبل عدة أشهر من الغزو الأمريكي لأفغانستان. فالقاعدة لم تكن لتطيق ظهور جهاد اسلامي ذي مرجعية غير عربية!! ولم يكن بن لادن ليطيق ظهور قيادة شابة منظمة جيداً لتسيطر على جزء من العالم قد يخرج عن هيمنته الدولية على المنطقة.
والأوزبك العنيدون رفضوا مرجعية العرب ، كما رفضوا الغرور والتعالي الذي عاملتهم به القاعدة. ورغم أن العديد من كوادرهم الذين تأثر تكوينهم بالسلفية المبكرة للصحوة الاسلامية في اوزبكستان، الا انهم تمسكوا بأصولهم الحنيفية وبايعوا الملا محمد عمر أميراً للمؤمنين ومرجعية سياسية لحركتهم. وهو بدوره وثق في الحركة الأوزبكية وقائدهم الشاب محمد طاهر وقائده العسكري جمعه نمنكاني العسكري السابق في الجيش السوفيتي والذي شارك عن كثب في الحملة الأفغانية التي ايقظت روحه الاسلامية، فشارك لاحقا في “جماعة التبليغ” التي صقلت روحه الاسلامية، وهذبت من خشونته العسكرية حيث أنه ذو خلفية عسكرية صارمة كعسكري ، وجعلت روحه اكثر رقة وشفافية.
ولقد شارك جمعة نمنكاني المجاهدين الطاجيك جهادهم ، بل كان احد قادتهم العسكريين البارزين والمظفرين حتى ابعدته قيادة “حزب النهضة” بعد انحرافها واغراقها الى المساومات وتقاسم مغانم السلطة مع الحكم الشيوعي الذي قتل آلافاً منهم ومن القطاعات الشعبية التي اتبعتهم في الجهاد. كما ابعدت النهضة الطاجيكية طاهر يولداش والذي كان احد اعضاء مجلس الشورى عندما كانت النهضة حركة اسلامية ترى تحرير وأسلمة آسيا الوسطى كلها، بل والقوقاز ايضاً ثم انتبهت الحركة الى اصولها الإخوانية الدولية، وفهمت ان قوانين اللعبة الدولية والاقليمية وضعت خطاً احمراً على الجهاد، وان المسموح به هو التعايش وتقاسم الكعكة مع الآخرين، والاكتفاء من الاسلام باسمه، ومن الدين برسمه، ومن المساجد بهياكلها ومآذنها المذكرشة..
ولكن طاهر يولداش وجمعة نمنكاني أسسا الجماعة الاسلامية الطاجيكية وقررا السير في طريق الجهاد.. بغير السلفية السعودية والعربية، وبغير أموال جزيرة العرب أو حتى وصايا بن لادن وتنظيم “القاعدة”.. فكان الصدام الذي كانت دلالاته أضخم من وقائعه.
والاشارة الاكبر ان أفغانستان وحركة طالبان قائدة الاصولية الجهادية بها، وآسيا الوسطى ممثلة في الحركة الاوزبكية الجهادية ترفضان الوصاية الآيديولوجية والمالية للعرب تلك الوصاية المتعالية والمغرورة، والجاهلة على اقل تقدير بمصالح وحقائق الساحة الاسلامية في أسيا الوسطى وأفغانستان.
صدام الأوزبك مع العرب في أفغانستان
أليس غريبا ان يكون هناك اشياء مشتركة بين المجاهدين والطواغيت أشياء مثل الجهل والتعصب والغرور وانعدام الكفاءة مع الاستبداد، فهل هذه الصفات أصبحت ثوابت لا محيص عنها في الثقافة العربية؟
اثبتت الاحداث ان الغرور والجهل الذي شاب الحركة الجهادية العربية في أفغانستان كان اعم واشمل من ذلك.. فأعاد مصالح الاسلام الى هاوية أعمق وأشد تهلكة مما قاده اليها العلمانيون والطواغيت العرب في هزيمتهم الأشنع في حرب 1967 التي ما زالت تجر العالم الاسلامي والعربي في هاوية لا قاع لها من الهزائم أمام اسرائيل .
فالحركة الاوزبكية شرعت في التحرك في صفوف الاقليمية الاوزبكية شمال أفغانستان فسحبت جزءاً مهماً من الارضية التي يتحرك فوقها عبد الرشيد دوستم ويجند ميليشياته، فكانت الحركة تتحرك ضمن فضائها الاجتماعي نفسه تقريباً، وهم اوزبك الشمال الافغاني الذين هاجروا من بلادهم خوفا من البطش السوفيتي. فكان ذلك مثار رعب للنظام الأوزبكي الذي اندفع اكثر من اي وقت مضى لدعم تحالف الشمال (أو أهل الشمال كما اطلق عليهم المجاهدون الاوزبك). ذلك التحرك وضع الحركة أيضاً على مرمى حجر من حدود أوزبكستان المشتركة مع أفغانستان والتي يشكلها نهر جيجون، إن وجود الحركة الاوزبكية خلف نهر جيجون وأمام الحدود الاوزبكية اثار حماس الشعب الاوزبكي، وهو الشعب ذو الطبيعة القتالية الشرسة والقلوب الشاعرية الرقيقة والميل الى التنظيم الاسبرطي (وهو ما تأباه الطبيعة البدوية للعرب).
وفي صفقة اقليمية ودولية كانت تستهدف القضاء على عدة مئات من الأسر وليس ترحيلهم مرت عبر الجبال الشمالية والشرقية الطاجيكية نحو الحدود الاوزبكية. ولكن ما تبقى من النخوة الإسلامية لدى عدد من كبار قادة المجاهدين السابقين في طاجيكستان والذين شاركوا ضمن النظام القائم حموا اخوانهم القدامى في قافلة مدنية هذه القافلة اصطحبها بنفسه جمعة نمنكاني القائد العسكري للحركة الاوزبكية والقائد العسكري البارز في الحركة الجهادية الطاجيكية سابقا (حزب النهضة)، لذا فان رفاق سلاحه القدماء حموه بأنفسهم في لفتة وفاء نادرة، تحت حماية الطاجيك انفسهم!! وعلى هذه الوتيرة من المثاليات الرفيعة، من شجاعة وتضحية وتنظيم ، تجمع الاوزبك في قوة قتالية يحسب لها الف حساب في افغانستان، تجمع مدني منضبط ومتكافل لا تحلم الأقلية العربية بمثله ولو بعد الف عام. عبروا النهر نحو افغانستان ارض الاحلام الاسلامية التي أجهضها العرب لاحقاً بعدم وعيهم واختلافهم فيما بينهم، وعدم الالتزام بالسمع والطاعة .
ومن الجدير ذكره ومما يدلل على كثرة وحجم قوة الأوزبك أن “أحمد خلفان غيلاني” – أحد المتهمين الرئيسيين بعلاقته بتفجير السفارات الأمريكية في شرق إفريقيا عام 1998م- قد تزوج بامرأة أوزبكية ! وقد ألقت الشرطة الباكستانية القبض عليه وعلى زوجته فيما بعد. وكان مصطفى أبو اليزيد المعروف بالشيخ سعيد ، وأحمد سعيد خضر المعروف أبو عبد الرحمن الكندي والذي قتل في وزيرستان ، وعبد الهادي العراقي الذي اعتقل في تركيا وسلمته لأمريكا والمعتقل حالياً في جوانتناموا من أقرب الناس للأوزبك وعلى علاقة جيدة معهم .
الأوزبك والشيشيان
تمكنت الحركة الجهادية الاوزبكية من بناء شبكة علاقات قوية ومتشعبة في الارض السوفيتية السابقة، وكذلك الشيشان وتركيا. ساعدت في ذلك الطبيعة الاجتماعية والذكاء الحاد لزعماء الشباب ذو الارادة الاوزبكية الصلبة. وكان للحركة الاوزبكية عدد ملموس من المتطوعين في صفوف المجاهدين الشيشان، وكان لهم بطولات خارقة. لكن لا الاعلام الدولي ولا اعلام المجاهدين العرب اعطاهم أي اهتمام .. الاعلام الدولي تجاهلهم حتى لا يلفت انظار الشعوب الاسلامية اليهم.. والاعلام الجهادي العربي تجاهلهم لرغبة عرب الشيشان الاستئثار بكل الاضواء لأنفسهم.
الأزمة بين الأوزبك والقاعدة
تطورت القدرة الأمنية للحركة فاستطاعت القاء القبض على العديد من الجواسيس أرسلهم الروس تارة، او الحكومة الاوزبكية تارة اخرى، او الحكومة السعودية تارة ثالثة.
ونظرا لاتساع شبكة العلاقات ومرونة الحركة والاتصال، كان الاستعلام عن أي وافد مجهول الحال لا يستغرق وقتاً طويلاً حيث أنن الوافد اليهم لا يجد الا تنظيماً اوزبكياً واحداً.
ولا يوجد لديهم حالة تنافس تنظيمي تدفع الى التنافس على الاعضاء الجدد مشكوكي الحال، وهو ما يحدث لدى التنظيمات العربية.
فقيادة المجاهدين الاوزبك كانت واضحة وصريحة امام المهاجرين الجدد وامام من رغب الانضمام اليها من مسلمي آسيا الوسطى، انها لا ترغم احدا على الانضمام اليها، ولكنها لن تسمح لأحد ان ينفصل عنها. لذا كان على كل شخص ان يتخذ قراره قبل أن ينضم للمجاهدين . وكان ذلك موضع انتقاد شديد من التنظيمات العربية الافغانية، خاصة تنظيم القاعدة، التي اتهمت طاهر يولداش بالفاشية والارهاب!
وازعجها وازعج الآخرون قرارا آخر له يقضي بأن لا يتسلم أي عضو بالحركة أي هدايا من الخارج حتى يخطر قيادة الحركة، وهي التي تنظر في حال قبوله الهدية او مصادرتها او اعادتها من حيث أتت. أباطرة الشريعة العرب دفعوا ببطلان القرار وعدم شرعيته. قائد الحركة، دافع بأنه في الوقت الذي كانت تقتات فيه الحركة بالقروض، فإن احد مساعديه تسلم هدية من احد العرب مقدارها عدة مئات من الدولارات! وتساءل هل هذه هدية ام رشوة.. ام شراء ذمة.. أم دعوة الى الانشقاق عن الحركة؟
وبالفعل كانت الحركة الاسلامية الأوزبكية واقعة تحت ضغط لا يطاق من جانب بعض التنظيمات الجهادية العربية في افغانستان، خاصة من “القاعدة”، من اجل خلق انشقاق سلفي يخرج من تحت القبضة الفولاذية لطاهر يولداش.. وان يلتحق ذلك الجناح بالقاعدة ومن هناك نشأت الازمة التي أودت بروح الاخوة الجهادية بين الاوزبك والعرب.
فقيادة الاوزبك ألقت القبض على اثنين من الجواسيس الروس واحتجزتهم في السجن الخاص بها للتحقيق. ولكن هؤلاء فروا والتحقوا بمضافة للقاعدة في كابول طالبين الحماية من طغيان تنظيمهم الاوزبكي الذي يضطهدهم لكونهم سلفيون!. ثم أرسلهم العرب الى خط الدفاع عن كابول في وسط المقاتلين العرب حتى يهدأ الحال في وسط التنظيم الاوزبكي.
لكن الأوزبك اصروا على تسلمهم واتهامهم بالتجسس.. ولم يفلح ذلك مع العرب وظلوا يبسطون عليهم الحماية. في اثناء وجود السجينين الفارين في مضافة القاعدة للاستراحة عائدين من خط النار ـ أمر زعيم الاوزبك رجاله بمداهمة المضافة واعتقال المطلوبين. وبالفعل نفذ رجال أمن التنظيم الاوزبكي أمر الهجوم وقبضوا على الفارين وأوشك الأمر ان يتحول الى فتنة دامية، لأن أمير المضافة العربية وهو يمني وكذلك معظم من كانوا في المضافة اعتبروها مأساة بشرية وثارت النعرة القبلية وشهروا السلاح، لولا أن أحد الكوادر المصرية في القاعدة ان هدأ مشاعرهم.. وتفادى حمام الدم بصعوبة.
ولقد هدد اليمنيون اذا لم يستعيدوا ضيوفهم ان يقتلوا كل أوزبكي يصادفوه في كابول!!
خبراء الكوارث العسكرية في وزارة الدفاع وقفوا الى جانب العرب نتيجة كراهيتهم للزعيم الاوزبكي الشاب الذي يحظى بثقة ومكانة خاصة لدى أمير المؤمنين الملا عمر أكبر مما يحظى وزير الدفاع وبطانته.
اضطرت الامارة في قندهار الى التدخل بشكل عاجل لوقف الفتنة وللبحث عن حل وسط.
الزعيم الأوزبكي الشاب ورغم اصراره على صحة موقفه وبأنه يتصرف في المسائل الأمنية وفقاً لتفويض خاص من “أمير المؤمنين”، وهذا صحيح ، الا أنه قدم بسرعة اعتذاراً للشباب العرب في المضافة وللقاعدة وزعيمها وطالب بالصلح وعودة المياه الى مجاريها. لكن زعيم القاعدة الذي قابل حتى “أمير المؤمنين” بتعنت متعال وفي غير موضعه حين طلبه للمثول معه أمام محكمة شرعية، كرر الشيء نفسه امام الشاب الأوزبكي رافضاً اي صلح قبل ان تقول محكمة شرعية كلمتها في القضية!!
وسطاء كثيرون حاولوا، والشباب الاوزبكي يقدم الاعتذار تلو الاعتذار رغم استناده الى تكليف من الامارة. ولكن بن لادن ومن خلفه جمهور شباب القاعدة يتعالون في الرفض والتحقير للزعيم الاوزبكي. ومع هذا قدم التنظيم الأوزبكي الكثير من الدعم والمساعدة للأسر العربية التي كانت تفر مذعورة امام الهجمة الشمالية والقصف الجوي الامريكي.. وكانت الادارة العربية عاجزة قاصرة ولا تتناسب مع القدرة المالية الكبيرة، بينما اظهرت الأسر المهاجرة الأوزبكية صلابة اكثر وانضباطاً أشد بكثير مما اظهرته الاسر العربية اثناء تلك الازمة الدامية.. ولكن الاعلام الدولي لم يتحدث عن أياً منهم.. بغير صفة الارهابيين الملاحقين في جبال افغانستان!
بعد اسابيع قليلة من الازمة العربية الاوزبكية دعا الملا عمر جميع زعماء الجماعات العربية للاجتماع به في قندهار. ورغم وجوده في المدينة، ارسل بن لادن وزير دفاعه نيابة عنه ربما للمحافظة على هيبته. فلا يتساوى مع من هم اقل منه مكانة، وايضا حتى لا يتورط في الجلسة في اي اتفاق يرغب التملص منه مستقبلا.. وتلك حيلة كان يلجأ اليها قادة الاحزاب الافغانية قديماً.
وكان موقفاً تاريخياً. فبعد ان أخذ الملا عمر العهد على الحاضرين ان يسمعوا ويطيعوا ، اتخذ قراره بأن يكون جمعة نمنكاني القائد العسكري للحركة الاسلامية الاوزبكية قائداً لجميع المتطوعين العاملين في صفوف حركة طالبان. وكانت قنبلة صاعقة للعرب خاصة، لأنهم توقعوا ان تعطى هذه المسئولية لتنظيم القاعدة. وحتى جمعة الذي حضر متأخراً صدمته المفاجأة وطلب إعفاءه.. ولكن قائد التنظيم الاوزبكي طاهر يولداش أمره بالقبول وتنفيذ أوامر الملا عمر.
اختلفت تفسيرات العرب للقرار واعتبره البعض انحيازا من جانب الامارة الى ناحية الاوزبك. لم يكن ذلك صحيحاً.. ولكن الامارة حاولت السيطرة على قضية المتطوعين الاجانب والتي اعطت العديد من الايجابيات والعديد من السلبيات. هؤلاء المتطوعون في غالبهم منتمون الى منظمات تقيم بشكل كامل ودائم على الارض الافغانية في ظل الامارة الاسلامية، او انها تقيم في باكستان، ولكن تحتفظ بمقار قوية ومعسكرات ومتطوعين يعملون مع الامارة وتحت قيادتها. فحركة التطوع الخارجي في صفوف الحركة مع حركة النزوح الجهادي الاسلامي الزاحف صوب الامارة، تسبب في مآزق خطيرة للامارة على المستويات السياسية والعسكرية، وان اكتسبت الامارة العديد من المزايا.
فتنظيم القاعدة مثلا ورط الامارة في مواجهة لم تكن في حساباتها او ترغب فيها مع الولايات المتحدة الامريكية، ومع الدول الثلاث التي تعترف بالحركة ونظامها، ومع ذلك اوقعت القاعدة حركة طالبان في عدة مآزق عسكرية، كما أن حماية الحركة للعرب وبن لادن اكسبهم تعاطفاً شعبياً اسلاميا كانوا في أمس الحاجة إليه أدبياً على الأقل.
ثم هناك الحركة الجهادية لمسلمي تركستان الشرقية (الصين) ورطوا الحركة في مأزق لا داعي له. وزاد المأزق السياسي للحركة، لأن الصين كانت مستعدة لمساعدة الحركة بشكل مباشر او غير مباشر على شرط تسليم او طرد افراد الحركة المذكورة.
ولكن الملا عمر رفض وفضل ان يبقى وحيداً بدون ذلك النصير القوي، لأنه رفض “تسليم مسلم لكافر”، وهو المبدأ الذي تمسك به ودفع ثمنه وفقد سلطانه ومملكته ثمنا للحفاظ على أحكام دينه.
فوضى العرب تسببت في انهيار أعصاب الملا عمر فكان لابد من العلاج النهائي ووضع كل قوات الامارة تحت قيادة موحدة للقائد الأوزبكي ذو الخبرة جمعة نمنكاني الذي اتخذ له نائبين: الأول طاجيكي من بقايا كوادر حرب النهضة سابقاً، والآخر عربي وهو مسئول القاعدة عن قوات العرب شمال كابول عبد الهادي العراقي ( اعتقل في تركيا وحالياً في قبضة لأمريكان وقد رحل إلى جوانتناموا)..
كان بن لادن قد وضع ثقلاً كبيراً خلف مشروع تكوين كتيبة العرب من اجل المساندة القتالية المنظمة لقوات الامارة، خاصة في شمال كابول، وذلك قبل صدور قرار الامارة بتنظيم قوات المتطوعين تحت أمرة الأوزبكي جمعة نمنكاني .
وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى أن أسامة بن لادن والقاعدة وجدا مشاغبة عربية من جانب أبو مصعب السوري احد العرب الطموحين والذي تبنى نفس المشروع وحصل على مساندة من أجنحة داخل حركة طالبان معارضة لابن لادن، غير ان بن لادن حسم المنافسة لصالح المشروع المذكور.
بن لادن يأمر أتباعه بالطاعة والتعاون مع جمعة نمنكاني
ولكن عندما ضاعت قيادة المجاهدين المتطوعين من بين يدي القاعدة توقف عن شراء المزيد وسلم جميع ما اشتراه للقيادة الجديدة، وأمر اتباعه الذين أصابهم الذهول ورفضوا التعاون مع جمعة جمنجاني في البداية أمرهم بالطاعة والتعاون. وقد تم ذلك فعلاً بشكل جيد، فساعد ذلك جمعة من الانتهاء سريعاً من اعداد قوات المتطوعين شمال كابول ثم الانتقال الى طالقان في شمال افغانستان لترتيب قوات المتطوعين هناك.
وكان من المنتظر ان تدور المعركة النهائية من اجل تطهير الشمال تماماً من المعارضة المسلحة في غضون الاشهر القليلة المتبقية من عام 2001. وقد حشدت الامارة ما بين 10ـ 15 ألف مقاتل لهذا الغرض وحشد المتطوعون الباكستانيون 800 مقاتل وحشد الأوزبك حوالي 300 مقاتل، وحشد العرب حوالي 150 مقاتل كلهم تقريباً متطوعون جدد قدموا حديثا الى افغانستان ولم يكونوا بعد قد انضموا الى القاعدة. وكان معهم عدد اقل من خمسة من كوادر القاعدة لمساعدة جمعة نمنكاني على تنظيم العرب.
وكانت تلك هي القوة التي خاضت الحرب في شمال افغانستان عند بداية الحملة الامريكية. وقد لقي جمعة نمنكاني مصرعه هناك.. وكان لذلك اثر سلبي بالغ على الموقف العسكري في الشمال وعلى الحركة الاوزبكية في افغانستان.
وكانت هذه القوات العربية المذكورة سابقاً، مع اعداد اضافية وصلت في الأيام الاخيرة، ربما تضمنت عدة عشرات من العرب دخلوا افغانستان ونقلتهم وزارة الدفاع مباشرة الى طالقان، بدون مرورهم على القاعدة او القيادة الجديدة للمتطوعين. وتم القضاء على جميع العرب قتلاً وأسراً واغتيالاً، وبنسبة لا تقل عن 90% للافغان والباكستانيين. ولا يعرف ناجون من بين العرب حتى الآن.. وربما قد تم ابادتهم بشكل كامل على يد القوات الشمالية والقوات الأمريكية.
إن تعيين قيادة اوزبكية للمتطوعين المسلمين عززت النزعة الانفصالية عن الامارة لدى أسامة بن لادن، وقد تكون أحد الأسباب التي دفعته للعمل بشكل مستقل.. ففي البداية انتشرت بين العرب، ان زعيم القاعدة يبحث لنفسه ولتنظيمه عن مقر آخر غير افغانستان، ربما كان اليمن. وكان ذلك مستحيل عملياً. وان صح القول، فانه كان مجرد تعبير عن الصدمة وخيبة الأمل بما قامت به الامارة، ولكن من وقتها والتحركات العسكرية في افغانستان توضح ان زعيمها يجهز بشكل مستقل لمواجهة ضربة عسكرية أمريكية محتمل وقوعها في أي وقت.
والنتيجة المهمة هنا أنه بعد تعيين جمعة نمنكاني في منصبه العسكري، وكان ذلك قبل المعركة الامريكية بحوالي ستة اشهر، عكف بن لادن على تكوين قوة عسكرية من الاعضاء الجدد في تتنظيم القاعدة. واستخدم قوته تلك في “تورا بورا”. وتفككت تلك القوة في معركتها الاولى غير المتكافئة، وسيئة الإعداد والادارة، بينما قاتلت القاعدة في قندهار تحت قيادة كوادر القاعدة القدماء، معارك دفاعية مقتدرة.. ولكن الوقت كان قد فات.
وفي ربيع 2001 كان هناك حدث آخر مهم ألا وهو اعلان الحركة الأوزبكية ومقر قيادتها كابول بدء عملياتها العسكرية ضد نظام طشقند بزعامة كريموف وهو من القادة الشيوعيين الكبار زمن السوفيت.
الحلقة القادمة عن أوزبكستان ومنظمة شنغهاي ، وعن تأثير الحركة الاسلامية على علاقة النظام الاوزبكي مع اسرائيل ، وعن كريموف اسمه ونسبه ونشأته وكيف وصل لمقاليد الحكم في أوزبكستان