في منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي استأذن “الشفاف” الكاتب التركي “بوراق بيكديل” في إعادة نشر مقال نشرته له جريدة “حرية” التركية بعنوان “جامع آجيا صوفيا”. ولم يكن المقصود الكاتدرائية الشهيرة في “استانبول” بل كنيسة تحمل نفس الإسم في “طرابزون” بتركيا.
الآن يطالب نائب رئيس حكومة تركيا بإعادة تحويل متحف كاتدرائية آجيا صوفيا، بقرار من “الغازي مصطفى كمال” في العام ١٩٣٤، إلى جامع يصلي فيه المسلمون! وللصدفة، فالمطالبة تـأتي قبل الإنتخابات المحلية! وكان قرار تحويل الجامع إلى متحف قد ورد في اقتراح قدّمه رئيس وزراء اليونان لرئيس حكومة تركيا، “جلال بايار”، الذي زار اليونان لدعم فكرة تحالف بلقاني ضد خطر إيطاليا موسوليني. ووافق مصطفى كمال على الإقتراح، خصوصاً أن أيا صوفيا كان قد تحوّل إلى خرائب ولم تكن تركيا تملك ميزانية لترميمه.
بصورة أو بأخرى، فإن حزب إردوغان يريد الخلاص من تراث أتاتورك الحداثي والعلماني!
لمناسبة هذه “الحلقة الجديدة من حرب الأديان”،
ارتأينا أن مقال الكاتب التركي “بوراق بيكديل” يمثل أفضل تعليق على هذا المزيج من التعصّب الشرقي والإنتهازية السياسية التي يرفع لواءها الآن نائب الطيب إردوغان. وبالمناسبة، “أجيا صوفيا” (أو”آيا صوفيا”) تشير إلى “تكريس” الكاتدرائية لـ”حكمة الله المقدسة” ولتجسيد “الكلمة” في المسيح.
وفي ما يلي مقدّمة المقال الذي يمكن قراءته كاملاً بالإنكليزية على الرابط التالي:
”جامع آجيا صوفيا”!
كيف سيبدو هذا الإسم؟ مثل إسم “جامع سان بول” في لندن، أو “جامع سان ماركو” في البندقية؟ وماذا ستعني هذه الأسماء للمسلمين؟ الفتح والعدالة. وكيف سيبدو إسم “كنيس الأقصى”، أو “كنيسة السلطان أحمد”، للمسلمين؟ كرمز للهزيمة والظلم. صحيح؟ صحيح.
أثناء تجوالي بين خرائب جامع عثماني، بدون مأذنة، وما يزال ينتظر ترميمه، في الشارع الرئيسي لجزيرة يونانية في شمال بحر إيجه، كنت دائماً أتساءل عما يعنيه الموضوع لليونانيين. ما هو التهديد الأمني الذي يمثّله ذلك المسجد لسكان الجزيرة- أو لأثينا- إذا ما تم ترميم المسجد وتحويله إلى متحف؟ عقدة الشك والإضطهاد. صحيح؟ صحيح. ثم، في يوم من الأيام، قرأت في جريدة تركية محافظة أن ”المسلمين الذين يزورون الجزيرة ويشاهدون الحالة المزرية للمسجد، الذي ما يزال يحمل كل آثار الهندسة العثمانية، يغصّون بدموعهم”. محزن؟ محزن.
في أقصى شرق البحر ”الأكثر زرقة” في العالم، توجد كنيسة ”آجيا صوفيا” في ”طرابزون” (إسمها الأصلي ”طرابيزونتا”)، التي بناها ”مانويل الأول” بين ١٢٣٨ و١٢٦٨، وتم تحويلها إلى جامع بعد فتح السلطان محمد الثاني للمدينة في ١٤٦١. وقد غُطّيت لوحاتها الدينية المرسومة على الجدران بطلاء أبيض. وفي العام ١٩٦٤، تم تحويل الكنيسة-الجامع إلى متحف، ثم أعيد تحويل المتحف إلى جامع بعد ذلك بحوالي السنة.
وتقول جريدة تركية محافظة أن جموع المصلين من “المسلمين يتذمّرون من إجبارهم على الصلاة في “جامع” أمام إيقونات ولوحات جدارية دينية مسيحية”. وبناءً عليه، يطالب المسلمون برفض الحظر على تدمير مثل هذه المظاهر التاريخية من “جامعهم”. ولم يسأل أحد لماذا توجد مثل هذه المظاهر المسيحية في “جامع”، أساساً؟
إن الجامع الذي يحمل نفس إسم “أجيا صوفيا” في استانبول تم بناؤه في العام ٥٣٧، وكان كاتدرائية للروم الأرثوذكس ومركز بطريركية القسطنطينية (باستثناء الفتر ة بين ١٢٠٤ و١٢٦١ حينما تم تحويله إلى كاتدرائية كاثوليكية في عهد الإمبراطورية اللاتينية).
وفي العام ١٤٥٣، أمر محمد الثاني ”الفاتح” بتحويل الكاتدرائية إلى جامع. وتم إخراج الأجراس، والمذابح، والإيقونات، والآثار المقدسة، من المسجد. كما تم نزع الفسيفساء التي تصوّر يسوع، والعذراء مريم، والقديسين والملائكة المسيحيين أو الطلاء فوقها. وأضيفت ملامح إسلامية لمكان الصلاة الأرثوذكسي والكاثوليكي الذي أصبح عندئذ مكان صلاة إسلامياً. وفي العام ١٩٣٥، تم تحويل الكاتدرائية الأرثوذكسية الكاثوليكية التي أصبحت مسجداً إسلامياً إلى متحف. ومنذ ذلك تاريخ، يقوم المسلمون الورعون في تركيا بحملات تدعو إلى إعادة تحويل ”الكاتدرائية الإرثوذكسية، ثم الكاثوليكية، ثم الأرثوذكسية، ثم الإسلامية، ثم المتحف” إلى مسجد يصلي في المسلمون من جديد.
وحديثاً، طالب كبير مشايخ مسجد السلطان أحمد التاريخي بإعادة تحويل متحف آجيا صوفيا إلى جامع. وإذا ما اكتملت الدورة، فسننتهي إلى بناء ديني ذي ماضٍ وحاضر ”أرثوذكسي-كاثوليكي-أرثوذكسي-مسلم-ومتحف”!
لماذا يصرّ مسلمو تركيا الأتقياء، الذي يتمتّعون بنسبة مساجد لكل ١٠٠٠ مواطن تفوق نسبتها في ”دولة الشريعة” بإيران، على الصلاة في كنيسة تم بناؤها قبل ١٤٧٦ عاماً؟ إنه الزهو الذي يولّده الشعور الطفولي بـ”الفتح”. زهو من يفتح حصناً قديم وينتزعه من يد العدو، وليس الفرح بإداء صلاة إسلامية في بناء يملك تراثاً مسيحياً يعود إلى العام ٥٣٧.
…………
………..
كاتدرائية آيا صوفيا في اسطنبول تحرك مجددا التوترات
وكالة الصحافة الفرنسية-
منذ 15 قرنا لم تبق كاتدرائية آيا صوفيا في منأى عن العواصف بشتى اشكالها، لكن هذا المعلم التراثي الذي يجذب اكبر عدد من الزوار الى اسطنبول نجح في تجاوز الحروب ومقاومة الزلازل والجدل.
واصبحت الكاتدرائية مجددا محط جدل، ففي حين تتهم الحكومة التركية بالسعي الى “اسلمة” البلاد اشعل نائب رئيس الوزراء بولنت ارينتش فتيل ازمة باعرابه عن الرغبة في تحويل الكنيسة الارثوذكسية الاثرية العريقة التي اصبحت متحفا في 1934 الى مسجد كما كانت في ظل السلطنة العثمانية.
وقال ارينتش قبل اسبوعين بعد زيارة الكاتدرائية “اننا نشاهد آيا صوفيا حزينة. آمل في ان نراها تبتسم قريبا”.
وهذه العبارة الصغيرة التي اطلقها احد الاعضاء البارزين في حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا منذ 2002 تركت وقعا.
وكحارس للتراث الارثوذكسي والبيزنطي، سارعت اليونان الى التنديد بتصريحات “تمس بالمشاعر الدينية لملايين المسيحيين”.
وكاتدرائية آيا صوفيا التي شيدها الامبراطور يوستينيانوس في القرن السادس ميلادي كانت مقر بطريرك القسطنطينية الارثوذكسي. ثم حولت الى مسجد في القرن ال15 بعد ان استولى العثمانيون على المدينة في 1453.
وفي ظل نظام مصطفى كمال اتاتورك العلماني حولت الى متحف في 1934 يزوره اليوم ملايين السياح.
كما اعربت الطائفة الارثوذكسية الصغيرة في القسطنطنية سابقا عن صدمتها لتصريحات ارينتش.
وقال ميخائيل فاسيلياديس رئيس تحرير صحيفة ابويفماتيني اليونانية ومقرها في اسطنبول “البعض يرى آيا صوفيا حزينة منذ اكثر من 500 سنة ويريدون ان تصبح كنيسة مجددا”.
وقال فاسيلياديس الناطق باسم اليونانيين في اسطنبول ان لا حاجة لتحريك مجددا حرب اديان.
واضاف فاسيلياديس (74 عاما) “من اجل خير العلاقات بين المجموعتين من الافضل ان يبقى هذا المعلم رمزا للتعايش”.
واوضح “ليس من مصلحة احد اعادة فتح الجروح”.
وفي المعسكر الاخر يبدو ان ناشطي حزب الاتحاد الكبير الاسلامي والقومي في غاية التصميم.
وقال نائب رئيس حزب الاتحاد الكبير بيرم كرجان “ان عملية المسح تقول ان آيا صوفيا مسجد يضم مدافن واماكن عامة ومكان عبادة ومدرسة فقه”.
واكد “لم يقبل الشعب التركي ابدا تحويل آيا صوفيا الى متحف”.
وكان هذا الحزب طلب مرارا تحويل كاتدرائية آيا صوفيا المدرجة على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي، لكن دون نتيجة.
وعلى الساحة الكبرى في حي السلطان احمد الفاصل بين آيا صوفيا والمسجد الازرق، تتجمع الحشود التي فوجئت لاعادة تحريك هذا الجدل.
وقال الايراني غيلاري كيازند (32 عاما) “لا افهم لماذا يجب تحويل آيا صوفيا مجددا الى مسجد اذا بقيت لفترة طويلة متحفا استقبل الديانتين”.
وذكر احمد كوياس الاستاذ المحاضر في جامعة غلطة سراي في اسطنبول ان الدوافع السياسية للحكومة الاسلامية المحافظة قبل اشهر من الانتخابات المحلية وراء هذا القرار.
وقال “بدأت السلطة حملة لجذب بعض الاصوات من هنا وهناك لكنني لا اعتقد ان ذلك سيفضي الى نتيجة”.
ومنذ اشهر كثف اردوغان الذي بات يطلق عليه لقب “السلطان الجديد” اتخاذ القرارات ذات الطابع الديني، من فرض قيود على بيع الكحول واستهلاكها الى السماح بارتداء الحجاب في الوظائف العامة.
وحولت كنيستان مؤخرا في تركيا الى مسجدين. وفي اسطنبول سيحول دير مهجور يعود الى القرن الخامس الى مسجد العام المقبل.
وبات عدد المساجد في تركيا 83 الفا بزيادة نسبتها 7% منذ وصول اردوغان الى السلطة قبل 11 سنة. وعدد المساجد في اسطنبول ثلاثة الاف منها المسجد الازرق.
وقال فهمي سيمسك احد تجار الحي ساخرا “هناك الكثير من المساجد هنا ومعظمها فارغة”. واضاف “من سيشغل كل هذه المساجد اذا حولت آيا صوفيا الى مسجد؟ كما انه لن يكون هناك سياح”.
وقالت سيفداس المحجبة المقيمة في حي السلطان احمد “آيا صوفيا لنا وبالتالي يجب ان تكون مسجدا“.
ورد الاستاذ كوياس “يعاني البعض للاسف من عقدة النقص ويشعرون بالحاجة لتأكيد وجود الاسلام. لهذا السبب يريدون تحويل آيا صوفيا الى مسجد وسيكون ذلك ضربة جديدة الى النظام العلماني في تركيا”.
إقرأ أيضاً:
[
الشباب الأرثوذكسي احيا سقوط القسطنطينية “عاصمة الروم التاريخية” في ٢٩ أيار ١٤٥٣
->http://www.shaffaf.net/spip.php?page=article&id_article=18777&lang=ar
]
Burak Bekdil