في حوار مع صديق حول العرب في بلاد الضباب، تحدثنا عن شارع «ادجوار» في لندن، فقال لي مستغرباً: لماذا لا تكتبين عنهم؟ سألته: عن ماذا أكتب بالتحديد؟ قال: عن كل تلك المساخر التي يقوم بها أولاد جلدتنا هناك. قلت: وما الجديد؟ لم يبق أحد لم ير أو يسمع أو يقرأ عما يحصل في ذلك الشارع، ثم أنت تعلم أنه لم يعد أحد يهتم، من يهتم هو فقط من سيهاجمني، وسيعتب علي رواد الشارع لنشر غسيلنا على صفحات الجرائد.. قال: لا تحددي جنسية معينة..اكتبي في العموم. «واللي على رأسه بطحة يحسس عليها».
رحت أتساءل: من أين أبدأ، وعن أي من تلك التصرفات الخادشة أتحدث؟ عن الاستعمار الرجالي لمقاهي الشارع حتى أصبح من المستحيل على أي امرأة «محترمة» أن تجلس لتشرب فنجان قهوة، أم عن الانفلات الأخلاقي لبعض شبابنا وبناتنا وكأنهم تركوا تربيتهم خلفهم عندما تركوا بلدانهم وراحوا يتسكعون في الشارع بكل ابتذال، أم عن الأطفال الذين تراهم يتراكضون بمفردهم إلى ما بعد منتصف الليل دون رقيب؟ هل أكتب عن المهاجرين العرب غير الشرعيين الذين يتفننون في أعمال الاحتيال والنصب على أبناء جلدتهم، أم عن العاهرات «العربيات» اللواتي يجدن مبتغاهن في الشارع في أقل من نصف الساعة بواسطة السماسرة. أم أكتب عن الرجال الذين ينزلون الى الشارع ببيجاماتهم (خلاص أصبح الشارع شارع أبوهم)، أم عن النساء اللواتي يجرجرن أرجلهن آخر النهار، حاملات أطنانا من الأكياس، مقتنعات أن لندن هي سوق فقط.
لا أقصد جنسية معينة، فهنا بالذات كلنا في الهم شرق..
ولأكتب من قلب الحدث – كما يفعل المراسلون الحربيون- قررت ان أقوم بجولة استطلاعية في الشارع. كان يوما مشمسا في لندن..لكن في «ادجوار رود»، كان لونه مختلفا بعد ان اكتسحه السواد بطوله وعرضه، فالعشرات من الرجال والنساء اتشحوا بالسواد من قمم رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم، ووقفوا يوزعون أوراقا وكتيبات ويجمعون تبرعات من المشاة. الرجال ملتحفون بجلابيب وطواقٍ سوداء، والنساء يلتحفن بعباءات سوداء (على نسق عباءات الأفغانيات) ولا يظهر منهن إلا فجوتان للعينين ..وجميعهم متجهمو الوجه، وكأن أصابتهم مصيبة. وقفت أستطلع الأمر فوجدت أن تلك الجماعة كانت تدعو إلى الإسلام.
شارع ادجوار، وكما يعرف القاصي والداني، هو شارع العرب في لندن وأغلبهم من مسلمي الخليج ومسلمي آسيا، وإن كانت هناك رغبة صادقة لدعوة غير المسلمين للإسلام فبقليل من التفكير المنطقي كان عليهم اختيار شارع آخر في المدينة، لهذا كانت لي وجهة نظر أخرى في «مشروع الجماعة» احتفظ بها لنفسي. لكن النقطة التي استفزتني هي أشكال وهيئات أفراد «التنظيم»، وكأن من ضرورات الإسلام السواد والبشاعة والتجهم. كيف يتوقعون جذب الناس إليهم وهم على هيئتهم السوداوية تلك وكأنهم في مأتم؟ كيف فكرت تلك النسوة بأنهن سيقنعن امرأة أجنبية بفضل الإسلام ومحاسنه وقد تحولن إلى خيام سوداء؟ كيف لرجل متجهم عابس أن يقنع غريبا أن الإسلام دين سماحة ويسر وسلام؟
وحتى تكمل «فرحتي» كعربية في لندن، تمت سرقة حقيبتي على يد عربي (ولن أذكر جنسيته حتى لا أستلم رسالة اعتراض من سفارة بلده)، وبعد أن تم إلقاء القبض على شريكه، الذي كانت مهمته اشغالنا بحفلة من الشتيمة والسباب حتى يتمكن رفيقه من سرقتنا، وقف يستعطف ويسترحم قائلا: «حرام عليكم أنا عربي مسلم». وددت أن أصفعه وأقول له حرام عليك أنت؛ فأنت وأمثالك من شوهوا العروبة والإسلام وسودوا وجوهنا، لكن الشرطي البريطاني المحترم منعني.
* * *
رحم الله ضحايا كارثة الجهراء وألهم ذويهم الصبر على مصابهم، وجعل هذا الشهر الفضيل رحمة وسكينة على قلوبهم أجمعين. وكل عام وأنتم بخير.
dalaa@fasttelco.com
*كاتبة كويتية
القبس