حللتم، حرمتم، منعتم، قمعتم، عبثتم بقسم مجلس الأمة، تقدمتم بقوانين أكل الدهر عليها وشرب، تفتقت قريحتكم على تحريم «الأصنام» وهدم الكنائس، انشغلتم بمشاكل ثانوية تافهة، أشعلتم فتنة طائفية في أول جلسة برلمانية بعد ان بُحّت أصواتنا ونحن نحاول أن نطفئها… كل هذا وسكتنا! لكن أن تصل بكم الجرأة لتتدخلوا في أخص خصوصياتنا… فهذا والله فوق الاحتمال.
شاب يقود سيارته ويستمع لموسيقاه المفضلة عبر الراديو (ونوافذ سيارته مغلقة)، فيجرؤ «أحدهم» ويشير له أن يفتح النافذة، ليجد نفسه أمام رجل ملتح يطلب منه أن يغلق الراديو ويتوقف عن سماع الموسيقى بدعوى أن الموسيقى حرام. عناصر من المباحث تقتحم معرضا لفنانة كويتية، مطالبين بإغلاقه بدعوى أن لوحاتها مخالفة للشرع والعادات والتقاليد. فيلم لمبدع كويتي كُرّم في كل أصقاع العالم، وجد نفسه ممنوعا في وطنه. ناهيك عن قانون الحشمة المخزي، وقانون تنظيم عمليات التجميل، اللذين تقدمت بهما كتلة برلمانية تريد ان تدس انفها في فساتين وخشوم نساء الكويت.
بصراحة.. الخطأ ليس بالكامل خطأكم… فأنتم تفعلون ما يرضيكم، وتنفذون ما يملى عليكم، ومقتنعون ـ أو أقنعوكم ـ بأنه واجبكم المفروض عليكم.. لكن العتب علينا نحن أولا، فنحن من أوصلناكم إلى هنا، ونحن من سكتنا عن تطاولكم وفرض وصايتكم علينا. واللوم الأكبر يقع على كاهل حكوماتنا ومسؤولينا الذين تركوا لكم الحبل على الغارب لتتحكموا بحيواتنا وتفرضوا أجنداتكم علينا. اللوم علينا لتخاذلنا عن تجميع جهودنا ومبادئنا وإعلانها باعتبارها رأياً آخر لا يقل أهمية عن رأيكم.
يؤسفني الاعتراف بأن هذا المد الذي يجتاحنا يبدو كإحدى نتائج «الربيع العربي» المفترض. وأحاول قدر المستطاع عدم تصديق مخارج الثورات في كل الدول العربية التي أخذت منحى دينيا متزمتا متطرفا، بعيدا كل البعد عن أهداف الثورات الأصلية المنادية بالحرية والديموقراطية والدولة المدنية، قياساً بمصر وتونس وليبيا، وما يجري على الارض في سوريا.
يقول الشاعر سعد بن ثقل العجمي «لو علم البوعزيزي ما أحدثَ بعده سُراق الثورات وبائعو الأوهام، لأدار خده الشمال لتلقي الصفعة الثانية». لقد كانت صدمتي فوق الوصف عندما وجدت نفسي أقف تحت علم «القاعدة» في الكويت.. نعم في الكويت، في تظاهرة لنصرة ثوار سوريا. لم أكن أتوقع أن ينتهج الناس ذاك التطرف مستغلين حاجة الأبرياء للكرامة. ففي كل الدول العربية الثائرة، زُهقت آلاف الأرواح فداء للحرية، لتأتي تيارات الاسلام السياسي وبكل عنجهية لتخطف ثورات الأبرياء وتتربّع عليها وتحكم باسم تطرفها، متناسية الحرية المنشودة.
لكن عشم إبليس بالجنة… لن ندعكم تتحكمون بنا، ولن نترك لكم مجال التطاول على حرياتنا. نحن أحرار، ودولتنا دولة مدنية شئتم أم أبيتم، وقوانينها تضمن لنا حرية العيش والاختيار، نسمع الموسيقى، نغني، نرسم، نبدع، نلبس ما يحلو لنا.. لستم المسؤولين عنا ولسنا جسر عبور لأفكاركم. حسابنا وحسابكم (معاً) عند واحد أحد. وإن أحببتم حياة من دون موسيقى وفن.. فعندكم قندهار.. يمدحونها!
d.moufti@gmail.com
* كاتبة كويتية