لا بد أن يكون الحديث عن التعذيب مقرفاً تشمئز منه النفوس ولكنه – في الوقت نفسه – لا بد أن يُعرف، ولا بد أن نقف منه موقفاً حاسمًا لأنه جمع إلى جانب الوحشية في العقوبة القيام بممارسات للإذلال ولإهدار الكرامة ولجعل الإنسان يفقد الإرادة تمامًا، بحيث ينفذ كل ما يطلب منه مهما كان شائناً، وأخيرًا لأن كل هذه الممارسات المقيتة لا تزال حتى الآن ــ أقول حتى الآن ــ تمارس. وأمامى أكداس من أوراق عن التعذيب تكفى لإصدار كتاب أسـود كبير عن التعـذيب، سأكتفى بالإشارة إلى ما يسمح به المجال.
فهذا المواطن السيد «محمد محمود سامى» يسجل لنا ما حدث فى مارس سنة ١٩٩٥ في سجن الوادي الجديد، حيث كان هناك مجموعة من المعتقلين السياسيين الذين لا تهمة لهم، بل أكثرهم اعتقل بديلاً عن أخ أو ابن عم أو جار. يقول السيد «محمد محمود سامى»: «في مارس سنة ١٩٩٥، في سجن الوادي الجديد العمومي، كان المعتقل قطعة من جهنم لا ملابس غير قطعة واحدة هي «الشورت» ولا طعام إلا بعض حبات الفول أو العدس مع طبق من الأرز لكل ١٥ معتقلاً، يلقى لنا ذلك الطعام على الأرض ونؤمر بأكله بأفواهنا من على الأرض مباشرة بلا طبق أو إناء، وكنا نجبر على تنظيف الأرض بألسنتنا، هذا بالإضافة إلى وصلات مكررة من الضرب بكل الوسائل والبطش المجنون، والمعتقلون عراة إلا من «شورت»، ويتأجج الألم في الدماغ فلا يكون به مكان لشىء آخر. وفى إحدى المرات أوقف الضباط فجأة الضرب وأمروا المعتقلين بتسمية أنفسهم بأسماء الإناث (راقصات غالبًا)، كما هي عادتهم في هذا المعتقل القذر، ولكن في هذه المرة اكتفوا بأن يُسمى بأسماء الإناث نصف الزنزانة فقط، وأمروا الآخرين بذكر أسمائهم التي تعبر عما خلقهم الله عليه من ذكورة، ثم أمروا المعتقلين بأن يرددوا وراءهم نشيدًا قذرًا وهو: «مكسوفة منك، مش قادرة أقولك، بلاش الليلادي»، وبعد وصلة من الإنشاد كانت فيها العصى التي في أيدي الضباط والأمناء تهتك أعراض المعتقلين المنهكين والمدمرين ماديًا ونفسًيا، أعلن أحد الضباط ما جاءوا من أجله هذه المرة، وهو أن يحتفلوا بحفلات زواج بين المعتقلين وبعضهم!! وقبل إدراك معنى الكلام انهال الضرب القاسي الوحشي المجنون مرة أخرى على عظام المعتقلين، وبعد وصلة الضرب اختار أحد الضباط معتقلين من كلا الفريقين اللذين قسموهما، وكنا محطمين للوقوف والتنظيم ورفع الأيدي، وذلك من السابعة صباحًا إلى الرابعة عصرًا».
مجموعة مكثفة من الضباط وأمناء الشرطة بضجة وجلبة، وقد أمسك كل منهم بعصا غليظة يقتحمون الزنزانة، وقد وقف جميع أفرادها ووجوههم إلى الحائط، رافعين أيديهم يمشون في أماكنهم (خطوة تنظيم)، وقد أغلقوا أعينهم وفق الأوامر، وتنهال العصي الغليظة على العظام بوحشية، وقد عزلوا كلا الفريقين (فريق الإناث بزعمهم وفريق الذكور)، وقال هذا الضابط بصوت كالفحيح: إن فلان سيتزوج بفلانة، وكان هذا الإعلان بمثابة إشارة للبدء في هجوم وحشي بالعصي على هاتين الضحيتين مركزين الضرب على عظامهم، وأمروهما بنزع «الشورت» وأن يبدآ «الدخلة»، أي الممارسة الجنسية، ولما حاولا الامتناع انهال الضرب الوحشي مرة أخرى إلى أن رضخا للأمر، وقد جاء أمناء الشرطة بالماء والصابون لتسهيل عملية الإيلاج، ووقف الضباط يصفون المباشرة الجنسية كالمعلقين الرياضيين واصفين ما يحدث بأنه فيلم سكس (جنس)، وأمر الضباط بأن تستمر المباشرة إلى أن يحدث «الإنزال»!! وفي أثناء ذلك أخرج بعض الأمناء مذاكيرهم، آمرين صغار السن من المعتقلين بالإمساك بها ووضعها فى أفواههم». انتهى.
وهذه شهادة من دكتور «هشام السيد مصيلحى عبد الله» وهو حاصل على الدكتوراة في العلوم البيولوجية والكيميائية.. نحن أمام عالم يعكف في معمله على بحوث بيولوجية، يقول: «بدأت قصة اعتقالى أثناء عودتي من عملي وأنا بالقطار، حدث خلاف بيني وبين ضابط بوليس (علمت بعد ذلك أنه أمن دولة) على أولوية الجلوس على الكرسى لازدحام القطار يومها، وبالرغم من الحجز مسبقاً، وتطور الخلاف حتى نزلنا في محطة بنها ولم أشعر بنفسي إلا وأنا في مستشفى المعادي، وذلك بعد حوالي يومين أو ثلاثة، حسب ما قيل لي بالمستشفى، بعد أن عادت لي بعض ذاكرتي (وكان تقرير المستشفى وهو موجود ويمكن طلبه من المستشفى للاطلاع عليه أنني تعرضت للضرب الشديد على منطقة الرأس مما سبب لى شللاً هستيرياً وفقداناً للذاكرة مؤقتاً)، وظللت بالمستشفى أكثر من شهر للعلاج وخرجت لقضاء عيد الأضحى ببيتي وأنا على قوة المستشفى (إجازة مرضية)، ثم عدت للمستشفى لاستكمال العلاج، ثم خرجت في إجازات متعددة، حتى فوجئت بقرار طردي من العمل، وكنت قد حرمت من الترقية التي كان يجب أن أترقى لها منذ ستة أشهر، وتم سحب الشقة التي خصصت لي بالفعل، وكنت قد سددت أقساطها ولم يبق إلا بعض الأقساط، وأخفى أهلي عني كل ذلك بسبب حالتي الصحية، وما إن تم فصلي وأصبحت بلا عمل – وكنت مازلت في حالة إعياء – أخرجوني من المستشفى، وفوجئت يوم ٢٨/٢/٢٠٠٠ وفي الساعة ٢ فجرًا بقوة من القوات الخاصة والأمن المركزي، لم أشهد لها مثيلاً أنا وأهلي وجيراني، تحيط بالمنطقة كلها وبالعمارة التي أقيم فيها، ودق باب شقتي بعنف مع كسره ودخلت قوة من مباحث أمن الدولة وقالوا لي إنهم مخابرات، وقلبوا الشقة رأسًا على عقب (ووالله لم يجدوا شيئاً مخالفاً للقانون يمكن أن يستخدموه ضدي) فأخذوا شريط فيديو ورسالة الماجستير والدكتوراة واقتادوني داخل سيارة، وبعد خروجنا من حدود بنها تم تعصيب عيني ووضع القيود في يدي من الخلف، ووصلنا إلى مكان في القاهرة (عرفت بعد ذلك أنه لاظوغلي بمبنى وزارة الداخلية)، وبمجرد وصولي تم خلع ملابسي تمامًا وبدأت رحلة التعذيب، وظلوا يعذبونني بوضع الكهرباء في الأماكن الحساسة، وأنا معصوب العينين ومكبل بالقيود ونائم على الأرض الباردة، مع إلقاء الماء البارد على جسدي، وعاودني الشلل الهستيري مرة أخرى، حتى إنهم كانوا يضطرون لحملي كلما أرادوا التحقيق معي، وفعلاً كدت أموت بين أيديهم، وكانوا يتهمونني بأنني على علاقة بمجموعة جهادية من المعادي، منهم أطباء ومهندسون (وعرفت بعد ذلك وأنا في المعتقل أن هؤلاء بحكم سكنهم في المعادى كانوا أصدقاء دراسة ابتدائي وإعدادي لأيمن الظواهري)، وقلت لهم «أنا من بنها وهؤلاء من المعادي ولا علاقة لي بهم، ولكن هيهات هيهات أن يستمعوا لي، وظلوا يعذبونني ولا رحمة لحالتي الصحية، حتى أنقذني قدوم عيد الأضحى (مارس ٢٠٠٠) فتركوني في أحد القبور الحديدية الباردة المظلمة وذهبوا لقضاء العيد، ثم تم عرضي على نيابة أمن الدولة وكانت التهم هي محاولة قلب نظام الحكم، وتصنيع قنبلة بيولوجية لإمداد الجماعات الإسلامية بها».
gamal_albanna@yahoo.com
* القاهرة
حديث «مُقرف» عن التعذيب (١) سورة المائدة الآية 33 إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم سورة الأعراف الآية 124 لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين سورة التوبة الآية 81 فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون مزيد من الآيات سورة محمد الآية 4 فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى… قراءة المزيد ..