إنَّ حديث «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويُؤتوا الزكاة، فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلّا بحق الإسلام، وحسابهم على الله»، يخالف القرآن الكريم في قوله تعالى:
1- (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ. وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) (يونس:99-100).
2- (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (هود:118-119).
3- (لا إكراه في الدين) (البقرة: 258).
4- (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء) (البقرة:272).
5- (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚوَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (القصص:56).
أمّا الاستدلال هنا بالآية 39 من سورة الأنفال (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، فليس في محله، لأنَّ الآية نزلت بشأن مشركي مكة الذين فتنوا المسلمين وعذّبوهم، وأجبروهم على الهجرة إلى الحبشة، ثم إلى المدينة؛ بعد تآمرهم على قتل النبي صلى الله عليه وسلم، وليس في قتال غير المسلمين إلى أن يسلم جميعهم.
فرغم كل هذا التعارض مع القرآن الكريم، إلّا أننا نجد مُعدِّي مناهجنا الدينية مُصّرين على تقريره في مادة التوحيد للتعليم الثانوي نظام المقررات (البرنامج التخصصي، مسار العلوم الإنسانية) في درس موانع التكفير، ص 31، وذلك لكونه أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان، باب «فإن تابوا وأقاموا الصلاة» 1/11، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلّا الله محمد رسول الله، ولم يأبهوا بمعارضته للقرآن الكريم، حتى الإمام مالك أسقطه من موطَّأه عبر عملية التهذيب، وذلك لمخالفته للقرآن الكريم؛ إذ أجمع علماء الحديث عدم اعتبار صحة الأحاديث المخالفة للقرآن الكريم، فهم يُقدسون صحيحي الإماميْن البخاري ومسلم أكثر من كتاب الله (القرآن الكريم).
كما نجد بعض العلماء قد أصدروا فتاوى تُكفِّر وتُبيح قتل أية طائفة امتنعت عن بعض الصلوات والمفروضات، مستدلين بهذا الحديث، فقد قال الإمام النووي تعليقًا: «فيه وجوب قتال مانعي الزكاة أو الصلاة أو غيرهما من واجبات الإسلام قليلًا أو كثيرًا»، بل نجد بعضهم أفتى بوجوب القتال حتى يكون الدين كله لله، هذا يعني أنّنا لو أخذنا بهذه الفتوى وجب علينا القتال إلى أن تقوم الساعة لفرض الإسلام على الخلق أجمعين، وهذه الفتاوى تعزز افتراءات المستشرقين بأنّ الإسلام انتشر بحد السيف، وقد استغل الدواعش هذا الحديث وفتاواه في استباحة دماء الناس بمن فيهم المسلمون الذين كفَّروهم، بل نجدهم أسرفوا في تكفير المسلمين وفي قتلهم وأَسْرِهم وتدمير ممتلكاتهم، وأَسْر واغتصاب نسائهم.
إلى متى سنظل أسرى لفهم وتفسير بعض القُدَمَاء للنصوص الدينية؛ رغم مخالفتها الواضحة للقرآن الكريم، والأخذ بصحة المرويات عن الرسول صلى الله عليه وسلم رغم مخالفة متونها للقرآن الكريم، والتسليم بصحتها لورودها في الصحيحين، رغم ثبوت عدم صحة متونها؟، ولمصلحة مَنْ تقرير هذا الحديث في مناهجنا، وفي زمن التنظيمات الإرهابية التي تستغل مثل هذه المرويات لتبرير أعمالها الإرهابية التكفيرية؟