(الصورة: كابول 1972)
يوم جميل من أيام فبراير الخير.. طقس رائع.. جو عائلي جميل، وبشر من كل عمر، جنس، ولون يتمشون بين الحقول في مزارع الياسمين في الوفرة.. نهار رائق لم تفسده كثرة الذباب، ولا صراخ الأطفال، ولا رائحة الحيوانات، لم يفسده إلا جملة واحدة خدشت سمعي: «الحجاب يا حرمة، جزاك الله خيراً».
«الحجاب يا حرمة»؟! ألتفت لأجد رجلا ملتحيا يحمل عصا ويجر خلفه امرأة لا يظهر منها شيئا. شككت في نفسي، فالتفت إلى زوجي فأكد لي (ساخراً) أن الجملة خرجت من ذاك البني آدم، لكن الكلام لم يكن موجها لي، كان موجها لسيدة محجبة مرت بجانبنا ولابنتها «السافرة».
لم أمر بمثل هذا الموقف في الكويت، بل لم أسمع به، لذلك كانت صدمتي قوية. شعرت بشيء يغلي في داخلي فتوجّهت إلى حيث كانت السيدة وابنتها تهمان بركوب سيارتهما، فسألت المرأة: لماذا لم تردي عليه؟ فأجابت: ماذا عساي أن أقول؟ تجاهل هذا الصنف أفضل.
حينها لم أعد أتمالك أعصابي، ثرت من دون وعي: لا.. أبدا.ً هؤلاء لا ينفع معهم التجاهل..
فسألت المرأة: لماذا لم تردي عليه؟ فأجابت: ماذا عساي أن أقول؟ تجاهل هذا الصنف أفضل.
حينها لم أعد أتمالك أعصابي، ثرت من دون وعي: لا.. أبدا.ً هؤلاء لا ينفع معهم التجاهل.. إن تركتموهم يتجرأون عليكم بالنصح فسيتجرأون عليكم بالأمر، ثم بالمنع ثم بالعصا. سوف يتسللون رويدا رويدا إلى كل مناحي حياتكم، سيتدخلون في حرياتكم، لباسكم، أفكاركم، أقوالكم. سيدخلون بيوتكم ويتسللون إلى غرف نومكم. سيحللون ويحرمون حسب أهوائهم. سينفذون إلى رؤوسكم، سيقفلون عقولكم ويمنعونكم من التفكير. سيكتمون أنفاسكم، سيكبتون حرياتكم، سيقصونكم، سيحرمون الفن والموسيقى والابداع، سيوكلون أنفسهم اوصياء عليكم ويسرقون أفراحكم وحيواتكم.
الأخطر هو أن هؤلاء لا يعملون بمفردهم، هم جزء من تنظيم، فكري، عقائدي، سياسي يعمل وفق خطط مرسومة جيدا، ويحشد أتباعه بطريقة ذكية. هم لا ينتمون إلى فريق معين فحسب، بل يرفضون ويكفرون ويشيطنون كل الفرق الأخرى، وحتى إن كانت مسلمة وإن آمنت بأن لا إله إلا الله محمد رسول الله.
احذروا.. وانتبهوا. هذه بداية النهاية. بداية الانحدار إلى هوة التطرف والتزمت. هذه بداية الطائفية والإرهاب، هذه بداية الإقصاء. هذه ما أدى بنا إلى أن يقتل رجل من رجال الداخلية بدم بارد وهو يقف ببدلته العسكرية يحمي مواطنيه.
هذا ما أدى إلى تفجيرات «الصادق» وخلية العبدلي. هذا ما سيؤدي إلى القتل والنحر والرؤوس المقطوعة. فالإرهابي قبل أن يحمل المسدس والرشاش والسكين، حمل فكرا إرهابيا إقصائيا ناسفا.
نحن نعيش في دولة مدنية يحكمها دستور يكفل حرياتنا، ومجتمعنا مجتمع متنوع الثقافة والفكر والمرجعيات الدينية، ولن نقبل بأن يفرض أحدا علينا رأيه، فكره، دينه أو مذهبه. بيننا وبينكم رب واحد هو من سيحاسبنا جميعا.
قبل أن أترك السيدة وابنتها قلت: علاقتك مع ربك، دينك، مذهبك، حجابك، سفورك شأن خاص بك، وليس لأحد كائن من كان التدخل به، فلا تسمحوا لهم.
الصورة من كابول في 1972… ما الذي جرى في كابول منذ ذلك الحين؟…
الصورة تحكي لك عاقبة تجاهل ما أمر به الله عز وجل… هذه هي عاقبة هذا الهراء الذي تكبونه… أسأل الله أن يعاقبكم به عاجلاً غي آجل…
اللهم انتقم منهم فإنهم لا يعجزونك…