لطالما ردد الدكتور فارس سعيد انه مع كل شخصية سياسية تصر على اجتياز “خط المتحف” الفاصل بين شرق بيروت وغربها، في إشارة منه الى ضرورة الغاء الحواجز الفعلية والنفسية بين اللبنانيين.
وكأنه كان دائماً يعد العدة لمواجهة قانون الانتخاب الحالي الذي شطر العاصمة اللبنانية للمرة الأولى بهذه الحدة بعد الحرب الاهلية، ولم يكتف بالعاصمة، ليتجاوزها مكرساً الطائفية عوضاً عن المواطنة، ويعيد الناخبين في كل لبنان الى تبعية مذهبية ضيقة، تتحكم بها قوى وأحزاب تستند الى شد العصب الطائفي الغرائزي لتبقى في السلطة وتواصل تحويل لبنان الى دولة فاشلة لا قيامة لها.
يعرف الدكتور سعيد جيداً فداحة ما يرتكبه هذا القانون الانتخابي، لكنه يعرف أيضاً ان العين الوطنية الحرة تستطيع ان تقاوم مخرز المستفيدين من هذا القانون لتواصل نهب الدولة ومؤسساتها لأن هناك من يتركها تنهب ويسكت عنها مقابل رهن لبنان لمحوره الممانع.
لذا يستمر في المراهنة على وعي اللبنانيين التواقين الى حرية القرار والتعبير. لذا يؤمن ان من خرجوا في “14 آذار” الى حلم كان يحسبه العالم مستحيلاً، قادرون على وضع الصوت المناسب في الصندوق المناسب لكسر حلقة الترهيب والترغيب التي يسعى اهل السلطة ليحكموها حول اعناق اللبنانيين ويبقوهم رهينة مصالحهم السلطوية.
لطالما كان فارس سعيد متحدياً وثائراً لمقاومة المخرز. كان دائماً مع الفريق المظلوم ، وقف الى جانبه ولم يتركه، كان مع كل سجين او منفي.
وهو لم يهتم عندما خرج السجين وعاد المنفي لينفياه من الحياة السياسية والبرلمانية ويسجناه في قفص ومن الاتهامات المزورة والمغشوشة، ويفضلان عليه من يجيد الانصياع للعبتهم الوسخة، ومن يقف وإياهم في الصف التماساً لرضى الاحتلال الجديد، سواء بحجة الاستقرار او بحجة حماية المسيحيين او بحجة الالتزام بالتعاليم الحزبية على الطريقة البعثية.
وهو تلقى بشجاعة غدر من وقف الى جانبهم، عندما فضلوا عليه من لا يعرف أهالي جبيل-كسروان شيئاً عن نضاله في “أيام الحزة”. مع ذلك، لا ننسى توجيه التحية للذي أعلن، من شاشة التلفزيون، عصيان بطاقته الحزبية للتأكيد انه سيمنح صوته للدكتور فارس “الذي لم يتركنا عندما كنا نحتاجه، واليوم لن نتركه وهو يحتاج الى أصواتنا”.
لذا يكتسب الاقتراع لصالح الدكتور فارس سعيد، ومنحه الصوت التفضيلي، بعداً قائماً على “مواجهة الاختزال داخل الطوائف” ودك “جدران الفصل” بين المواطنين، و”تثبيت العيش المشترك والعبور باتجاه دولة مدنية”، وليس مزرعة طوائف يديرها أثرياء لا هم لهم الا زيادة ثرواتهم من خلال السلطة القائمة على المحاصصة والصفقات المشبوهة ونهب المال العام.
والاهم ان الاقتراع لصالح سعيد ضرورة بعدما ثبت ان منتحلي صفة “الإصلاح” و”السيادة” و”حيث لا يجرؤ الآخرون” وما الى ذلك من شعارات جوفاء، ليسوا متصالحين مع خطابهم اليومي الممجوج، في حين بقي هو وبالوجه الشرعي للوطنية النظيفة، متصالحاً مع مواقفه وادائه ووفائه ودعمه لكل من احتاج الى هذا الدعم في التفاصيل المتعلقة بمنطقته، كما في المحطات الوطنية الكبرى.
فهو لم يتراجع او يخف لأن الهجوم عليه والمستمر منذ فترة، يدل على ان خصومه يخافونه، لأنه بمفرده وحيثيته، يشكل تهديداً لهم، ولأنه لا يؤمن بالصفقات التي تتم تحت طاولة الاحتلال الجديد الساعي لشرعنة وجوده من خلال الندوة البرلمانية، ولأنه “يريد العودة الى لبنان بشروط لبنان”.