في شهر مايو 2008، كان الوطن العربي يشهد عدة حرائق، ألا وهي الصراعات المسلحة ـ في لبنان، والعراق، وفلسطين، والسودان، واليمن، والصومال. وفي هذه الصراعات المسلحة جميعاً، استخدم الفرقاء المتقاتلون “الإسلام” كشعار للتعبئة والحشد.
إنهم جميعاً مسلمون يحاربون مسلمين. وبعد أن كان بعضهم يرفع شعار “الإسلام هو الحل”، أصبح “إسلامهم هو المشكلة”. فبمجرد حصول أي عدد منهم على السلاح، فإنه يرفعه في وجه السلطة، حتى لو كانت هذه السلطة تحكم أو تتحكم باسم الإسلام أيضاً، على شاكلة ما رأينا في السنوات الأخيرة بين أنصار بن لادن وتنظيم القاعدة من ناحية، والسلطة في المملكة العربية السعودية، من ناحية أخرى، أو تفجيراتهم في المغرب، التي يحكمها ملك باسم الإسلام، ويلقب باسم “أمير المؤمنين”. أي كل منهم يقتل مسلمين آخرين باسم الإسلام.
وإطلالة سريعة على ما تطالعنا به وسائل الإعلام تؤكد كيف أصبح لفظ “الإسلام” ومشتقاته لعبة في أيديهم، فهناك، مثلا:
ـ الأخوان المسلمين، مصر، والجهاد مصر، الجماعة الإسلامية، مصر، كتائب الرحمن، مصر.
ـ حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في فلسطين، حركة الجهاد الإسلامي، في فلسطين.
ـ حزب الله، لبنان، فتح الإسلام، لبنان، الجماعة الإسلامية أيضاً في لبنان.
ـ الحوثيون الزيديون، في اليمن، حزب تجمع الإصلاح الإسلامي في اليمن.
ـ المحاكم الإسلامية، في الصومال.
ـ جبهة العمل الإسلامي في الأردن، حزب التحرير الإسلامي في الأردن.
ـ العدل والمساواة، في السودان، حزب الجبهة الإسلامية في السودان.
ـ القاعدة الإسلامية في المغرب العربي، العدل والأحزاب في المغرب، حزب العدالة والتنمية في المغرب.
ـ حركة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر، الكتائب الإسلامية المصلحة في الجزائر.
ـ القاعدة في بلاد الرافدين (العراق)، حزب الدعوة “الإسلامية” في العراق، جيش المهدي في العراق، جيش “بدر” في العراق.
والشاهد هو أن كل من حاول استخدام الدين لإضفاء الشرعية على نفسه، وهو يستبد ويتسلط على عباد الله في وطنه، فإنه يفتح باب جهنم على نفسه، وعلى شعبه، وعلى وطنه، ويسئ للإسلام. ومن ذلك:
* ما حاوله الرئيس الراحل أنور السادات في سبعينات القرن الماضي، حينما أطلق على نفسه صفة “الرئيس المؤمن”، وأدخل تعديلين على الدستور، ليجعل من “الشريعة الإسلامية” “مصدر للتشريع”، ثم “المصدر الرئيسي للتشريع”. ولكن ذلك لم يمنع من يزايدون عليه إسلامياً، إلى أن أردوه قتيلاً، يوم عيد انتصاره (6 أكتوبر 1981)، وكان قاتلوه ينتمون إلى تنظيم أطلق على نفسه اسم “الجهاد”.
* وما حاوله الرئيس السوداني جعفر النميري، الذي كان قد قاد انقلاباً عسكرياً، استولى به على السلطة، ثم حينما تزايدت الاحتجاجات على ممارساته الاستبدادية، قلّد الرئيس السادات، وأعلن “إسلاميته”، وتطبيق الشريعة، ووجد لنفسه مُنظراً إسلامياً إخوانياً، هو حسن الترابي، الذي كفّره مفكرين مسلمين آخرين، وحُكم على أربعة منهم كانوا يُعرفون باسم “الإخوان الجمهوريين الإسلاميين” بالإعدام، بسبب اجتهاداتهم السلمية في شئون الدين والدنيا، ثم اختلف النميري والترابي، فوضع النميري، الترابي في السجن. ثم قامت انتفاضة شعبية اقتلعت النميري نفسه من السلطة، فلجأ إلى مصر.
* وبعد فترة وجيزة تآمر الترابي مع ضباط في الجيش السوداني، باسم “الإسلام”، مرة أخرى للانقضاض على حكومة منتخبة ديمقراطياً، وكانت برئاسة صهره، الإمام الصادق المهدي. وأعلن الترابي وقائد الانقلاب الجديد، العقيد ـ اللواء ـ الفريق عمر البشير، تأسيس الجبهة الإسلامية، وتطبيق “الشريعة” على كل السودانيين، بما فيهم ربع السكان من غير المسلمين في الجنوب، فاشتعلت حرب أهلية طاحنة من جديد. وحينما شعر مسلمون آخرون الظلم على أيد مسلمي الشمال في الخرطوم، كوّنوا تنظيماتهم المتمردة، وأعطوها أيضاً مسميات إسلامية، مثل “العدل والمساواة” في إقليم دارفور.
* وحدث وما يزال يحدث شيء مشابه في اليمن. فالمتنافسون على السلطة وجدوا ضالتهم المنشودة في نفس الاستخدام للمسميات والشعارات الدينية، حتى لا يزايد عليهم النظام التسلطي دينياً. فحينما أطلق الرئيس اليمني العقيد على عبد الله صالح حزباً باسم المؤتمر الوطني، أسس فريق من مناهضيه حزباً معارضاً باسم (المؤتمر الإسلامي للإصلاح). وحينما اشتدت شوكت هذا الأخير أوعز علي عبد الله صالح لأحد الزعامات القبلية، وهو بدر الدين الحوثي، بتشكيل حركة إسلامية من أبناء المذهب “الزيدي”، لموازنة حزب المؤتمر الإسلامي للإصلاح، الذي ينتمي معظم أتباعه للمذهب الشافعي السني، المدعوم سعودياً. ثم شعر بدر الدين الحوثي بالقوة، وبأبعاد اللعبة الدينية التي يستخدمه فيها الرئيس علي عبد الله صالح، تحت غطاء الإسلام. فرفض الاستمرار في دور مخلب القط. وبدأ هو وأبناء قبيلته في شمال اليمن يطالبون بنصيبهم في الثروة والسلطة. أي أنهم يريدون أن يكونوا “شركاء” لا “أجراء” أو “عملاء” عند علي عبد الله صالح. ولما كان هذا الأخير، مثله مثل بقية المستبدين العرب، لا يريد شريكاً ولا حسيباً ولا رقيباً عليه، فقد أمر الجيش بتأديب بدر الدين الحوثي، واشتعلت معارك دامية، قتل في أحدها بدر الدين. ولكن شقيقه استمر في قيادة أبناء القبيلة ضد نظام علي عبد الله صالح. وتوسطت دول شقيقة، مثل قطر، بين الحوثيين والنظام. ولكن بعد أكثر من عام لم تتوقف المعارك بين الطرفين تماماً. ويقال أن بعض قيادات الجيش بدأت بدورها تطالب بثمن لخوضها المعارك نيابة عن علي عبد الله صالح. فما كان من هذا الأخير إلا أن أنشأ قوات خاصة بقيادة ابنه أحمد، موازية للجيش وللحوثيين، وهكذا بدأ السحر باسم الدين ينقلب على الساحر.
أما حزب الله، الذي قال لي زعيمه السيد حسن نصر الله في يناير من العام الماضي (2007) أن أتباعه لن يرفعوا السلاح أو يطلقوا النار على لبناني أخر، حتى لو أطلق عليهم لبنانيون آخرون النار، فمن الواضح أنه لم يحفظ هذا العهد. فقد أطلق مقاتلون من حزب الله النيران على لبنانيين آخرين، في معرض محاولة الدولة اللبنانية السيطرة على شبكة للاتصالات أقامها حزب الله حول مطار بيروت، بدعوى أنها ضرورية لجولات أخرى قد تتجدد مستقبلاً مع إسرائيل. أي أن حزب الله الذي خاض مقاومة مشرّفة ضد إسرائيل في الماضي، يريد أن تعترف له الدولة اللبنانية بشرعية أن يكون دولة داخل الدولة. وهو بذلك، بقصد أو بغير قصد، يتصرف مثل أنظمة عربية حاكمة تمارس سلطة مستبدة بدعوى الاستعداد للنضال ضد إسرائيل. رغم أنها لم تحرر شبراً واحداً من فلسطين في الستين سنة الأخيرة. بتعبير آخر، أي أن المطلوب على لسان حال هؤلاء هو الإذعان لاستبداد الأخوة الأقربون، على أمل الحماية من استبداد الأعداء الأبعدون.
* وهكذا تحوّل الشعار الذي رفعه الإخوان المسلمون منذ سنوات أن “الإسلام هو الحل” إلى واقع أن المسلمين الذين مارسوه، أصبحوا هم “المشكلة”. فهم حيناً يقاتلون به غير المسلمين، ولكنهم أحياناً أكثر يقتلون به مسلمين آخرين.
* من ذلك أيضاً أن من قتلهم تنظيم “القاعدة” في بلاد الرافدين من المسلمين العراقيين، يفوق عشرة أمثال من قتلوهم من الأمريكيين الغزاة.
فهل من يرفعون شعار “الإسلام هو الحل”، يفعلون ذلك إلى أن يتمكنوا، ثم يمارسون السيطرة والتنكيل بغيرهم من المسلمين وغير المسلمين؟
لا شك أن هناك مسلمون أتقياء مؤمنين يصدقون ويندفعون وراء هذا الشعار الروحاني الجذاب، دون السؤال: أين ومتى حقق مرددوه مجتمعاً بلا مشكلات؟
ولعلهم لا يدركون أن مجتمعاً بلا مشكلات لا يمكن أن يكون مجتمعاً بشرياً. ربما مجتمعاً من “الملائكة” فقط هو المجتمع الوحيد بلا مشكلات. والشاهد هو أن الذين يتلاعبون بهذه الشعارات الدينية، هم العرب دون بقية المسلمين غير العرب. وربما كان ذلك هو السبب أن ثلثي المسلمين في العالم اليوم يعيشون في ظل أنظمة منتخبة ديمقراطياً، أما الثلث الأخير الذي يعيش في ظل أنظمة استبدادية غير منتخبة فهو الثلث الذي يتشكل منه العرب المسلمون. أي أن العرب المسلمين، حتى لو استخدموا شعار” الإسلام هو الحل” فإنه يتحول في أيديهم إلى مشكلة.
والله أعلم
semibrahim@gmail.com
حتى إذا كان الإسلام حلاً.. فإن المسلمون العرب هم المشكلة
الحركات السياسيه الاسلاميه لم و لن تنضج،لأنها يوم أن تنضج ستفقد مبرر وجودها و ستفقد أيضا و هذا هو المهم أدواتها وأساليبها و أيضا خطابها الوحيد00!!
حتى إذا كان الإسلام حلاً.. فإن المسلمون العرب هم المشكلةالمقال جيد ومنطقي … ولكن كان من الأفضل أن يعلن الدكتور سعد للقراء أنه كان يعتقد (منذ سنتين ) فقط بغير ما ذكره فى هذا المقال … كان هو يقول أن الحركات السياسية الإسلامية قد نضجت وتحولت من حركات تحت الأرض إلى أحزاب سياسية عصرية تؤمن بالتعددية والغيرية والديموقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وتداول السلطة ؛ وكان آخرون يعتقدون أن الإخوان لم تتم عملية نضجهم الفكري بعد وأنهم لا يزالون بعيدين عن أن يعتبروا حزبا سياسيا يؤمن بالقيم آنف ذكرها . كان الحري بالكتور سعد أن يعلن ذلك جهارا… قراءة المزيد ..
ماهكذا تورد الابل يا دكتور سعد الاربع سطور الاخيرة من المقال هي الاكثر فائدة …واما ما سبق فيؤخذ منه ويرد …ما الغاية من تعداد الحركات الاسلامية باطيافها المختلفة وباسلوب ..السخرية ..وانت تعلم ان الاسلام يتسع فيه المقام من الطالبان الى اردوغان …مع الفارق في مستوى الفهم والثقافة والمدنية …ولكن عتبي على الدكتور هو في لي اعناق الكلام .. فحين يقول رفع الاخوان المسلمين شعار الاسلام هو الحل ..قفز ببراعة الكاتب على المفردات وقال ولكن المسلمين الذين مارسوه اصبحوا هم المشكلة .. فهم حينا يقاتلون به غير المسلمين .. ولكنهم احيانا اكثر يقتلون به مسلمين اخرين … وكل ما فعله الدكتور… قراءة المزيد ..
حتى إذا كان الإسلام حلاً.. فإن المسلمون العرب هم المشكلةقصص المستكبرين والمستضعفين -خالص جلبي المستكبرون والمستضعفون مصطلح قرآني أصيل مكرر دون ملل. وعندما يمرض المجتمع ويلج منعرج الوثنية، يتحول البشر إلى صنفين آلهة وعبيد، أو بتعبير القرآن مستكبرين ومستضعفين، وهي ظاهرة اختلال رافعة القوة في المجتمع. ويمكن أن يتسرب هذا المرض بجراثيمه الفكرية إلى كل طبقات المجتمع ومستوياته، حتى في علاقة الرجل بعائلته، فيعامل امرأته كعبدة، وأولاده كرقيق، ولا يمكن لأحد أن يعترض عليه؛ فكلماته لا معقب لها، وإذا أراد بهم سوءا فلا مرد له، وما لهم من دونه من وال؟! من هنا كانت المعارضة والنصيحة أساسية لإرساء العدل الاجتماعي،… قراءة المزيد ..