(الصورة: الشرطة في ساحة “فاطمي” قرب وزارة الداخلية تضرب المتظاهرين الذين تجمّعوا أمام مبنى الوزارة إحتجاجاً على النتائج المزوّرة)
*
في اليوم الأول لمظاهرات الإحتجاج ضد تزوير الإنتخابات في إيران، لاحظ الصحفيون والمتظاهرون شخصاً اعتقدوا أنه
كان يستعد لـ”الإنتحار” بإلقاء نفسه من طابق مرتفع في مبني وزارة الداخلية، وذلك قبل أن تتلقّقه أيدي مجهولة وتقوده إلى داخل المبنى! وحسب التقارير الصحفية، فقد علّق متظاهرون بأن الشخص المجهول كان سينتحر إحتجاجاً على التزوير! وفي الأيام التالية، لم يعد أحد يذكر شيئاً عن موضوع “المنتحر” الغامض..
ويوم الثلاثاء، قال المعلّق الإيراني المعارض، “علي نور زاده”، كلاماً لم يلاحظه كثيرون في برنامج “بانوراما” على قناة “العربية”: “اليوم تم اغتيال السيد عسكري أحد مدراء وزارة الداخلية الذي سبق أن أرسل إلى السيد موسوي وثائق بشأن التلاعب بالأرقام وبنتائج الانتخابات، وفي ظروف غامضة، ما أعرف من قتل عسكري، ولكن قتل..”.
ماذا حدث في وزارة الداخلية الإيرانية؟ وهل الشخص الذي حاول أن يلقي نفسه من مبنى الوزارة هو نفسه “السيّد عسكري الذي تحدّث عنه “علي نور زاده”؟
ربما يكمن الجواب في مقال نشرته اليوم جريدة “ليبراسيون” الفرنسية، بتوقيع “جان-بيار بيرّان”.
ماذا يقول مقال ليبراسيون (النص الكامل بالفرنسية على صفحة “الشفّاف” الفرنسية):
“يوماً بعد يوم، تشهد عناصر جديدة على مدى فداحة التلاعب بالإنتخابات. وحسب معلومات حصلت عليها “ليبراسيون”، ففي ساعات بعد ظهر يوم الإنتخاب، وتحديداً حوالي الساعة 5 بعد الظهر، قام عناصر من “الباسيج” (“متطوّعي” الميليشيات الإسلامية) بالسيطرة على أجهزة الكومبيوتر التي تقوم بجمع أصوات المقترعين في مبنى وزارة الداخلية، وطردوا الموظّفين الذين كانوا يعملون على هذه الأجهزة. فقام موظّف في وزارة الداخلية بإبلاغ معسكر الإصلاحيين بما حصل. وجاءت تسريبات أخرى لتكشف الأرقام الحقيقية التي حصل عليها المرشّحون الأربعة:
فقد حلّ موسوي أولاً بأكثر من 19 مليون صوت (من أصل 42 مليوناً)، قبل المرشح الإصلاحي الثاني مهدي كرّوبي الذي حصل على 13،38 مليون صوت، ثم محمود أحمدي نجاد الذي حلّ في المركز الثالث وحصل على 5،77 مليون صوت. وحلّ رابعاً القائد التاريخي للباسداران محسن رضائي، وحصل على 3،74 مليون صوت.
وبعد إبلاغه أنه حلّ أولاً، فقد سارع موسوي إلى إعلان فوزه بالإنتخابات قبل أن يكذّبه تصريح لأحمدي نجاد أعلن فيه فوزه هو، ثم تصريح للمرشد خامنئي أكّد فيه فوز الرئيس نجاد بل وتحدث فيه عن نصر من السماء.
يبدو أن الشخص الذي قام بتسريب الأرقام الحقيقية، وهو موظّف في وزارة الداخلية، قد أوقف في اليوم التالي. فقد شاهده الناس والشرطة تلقي القبض عليه حينما حاول أن يلقي نفسه من الطابق التاسع لمبنى وزارة الداخلية. (التقارير الصحفية كانت أشارت تحديداً إلى “الطابق الحادي عشر أو العاشر- إضافة من “الشفّاف”) ومنذ ذلك الحين، فإن مصيره غير معروف.
“وحسب معلومات أخرى حصلت عليها “ليبراسيون”، فإن “الباسيج” صادروا قسماً من صناديق الإقتراع وقاموا بإخفائها… وذلك هو السبب في أن نتائج الإنتخابات في كل مدينة، وفي كل منطقة، على حدة ليست معروفة حتى الآن، حتى بالنسبة للعاصمة طهران! وقامت وكالة “إرنا” الرسمية باستبدال النتائج الناقصة بأرقام خيالية تماماً، ووصلت إلى حد زعم أن موسوي وكرّوبي ورضائي هُزِموا في موطن رأسهم.
“وإذا لم يقم “الباسيج” بإرجاع صناديق الإقتراع التي استولوا عليها، فليس مفهوماً كيف يمكن لمجلس الأوصياء أن يقوم بعمليات إعادة إحتساب حقيقية للأصوات. وهذا ما يدفع المعنيين لطرح فرضية أن الإعلان على إعادة عدّ بعض الصناديق ليس مقصوداً به سوى كسب الوقت.
“سوابق” لموظفي وزارة الداخلية
لماذا تبدو لنا رواية “ليبراسيون” ومعلومات “علي نور زاده” جديرة بالتصديق؟
أولاً، لأن هذه الرواية تتَفق مع معلومات وردت سابقاً، وجاء فيها أن “وزارة الداخلية أبلغت موسوي أنه الفائز“.
وقد جاء في نفس الخبر أن موظفي الداخلية نصحوا موسوي بأن لا “يتبجّح” بانتصاره لأن أنصار أحمدي نجاد مسلّحون.
وثانيا،ً لأن موظفين في وزارة الداخلية هم الذين كشفوا، في رسالة مفتوحة قبل الإنتخابات، خبر لقاء سرّي عقده وزير الداخلية مع حكام المحافظات واستبعد منه كبار موظفي وزارة الداخلية. والأهم، فموظفي رسالة الداخلية هم الذين كشفوا، في نفس الرسالة المفتوحة، خبر “فتوى التكليف الشرعي بالتزوير” التي أصدرها آية الله يزدي والتي تنص على أن التزوير “حلال” لصالح المرشح الذي أعلى “المبادئ الإسلامية في لبنان وفلسطين وفنزويلاً”!
ماذا الذي يجعل وزارة الداخلية الإيرانية “مخترقة” من الإصلاحيين؟ السبب قد يكون أن أول وزير للداخلية كان السيد “محتشمي بور” الذي بات الآن قريباً من “الإصلاحيين”. وثانياً، لأن ترؤس محمد خاتمي لإيران طوال 8 سنوات يعني حتماً أنه قام بتوظيف بعض أنصاره في هذه الوزارة الحسّاسة. وعدا ذلك كله، فما يسمّى “الخمينيين” يقفون عموماً في صف “الإصلاحيين”!
وزير الداخلية: المدير السابق لحملات نجاد الإنتخابية!
وقد يكون مفيداً إلقاء نظرة على سجلّ وزير الداخلية الإيراني الحالي، السيّد صادق محصولي.
صادق محصولي ضابط “باسداران” سابق كان “رفيقاً” لأحمدي نجاد. اقترحه نجاد وزيراً للداخلية في مطلع رئاسته ولكن “المجلس” رفض تعيينه بسبب “ثرائه” وقلة خبرته. تم تعيينه في نوفمبر 2008 رغم تحفّظ نوّاب اعتبروا تعيينه “جزءاً من التحضيرات لحملة أحمدي نجاد الإنتخابية”. وقد نبّه النائب حسين فلاحات باشيشه أن محصولي كان “مدير حملة أحمدي نجاد” في الإنتخابات السابقة. وقال أن “إختياره الآن وزيراً للداخلية هو أشبه بتشكيل مقرّ إنتخابي قبل الإنتخابات”. وبدا في حينه أن رئيس المجلس علي لاريجاني كان بين المتحفّظين على تعيينه!
بيار عقل
لقراءة المزيد: