مراسل “الشفاف” أمير مير
إسلام آباد: — نصحت القيادة العسكرية الباكستانية رئيسَ الجمهورية آصف زردار بسحب التصريح الذي ادلى به في الشهر الماضي ومفاده أن باكستان لن تكون البادئ باستخدام الأسلحة النووية في حال نشوب حرب مع الهند.
وقال مصدر حكومي مطّلع أن القيادة العسكرية قدّمت للقيادة السياسية شرحاً مفصّلاً حول حاجة باكستان إلى السلاح النووي وحول كيفية استخدام الخيار النووي. وقال العسكريون، الذين يمثّلون دولة في الدولة، لرئيس الجمهورية ورئيس حكومته أنه لا ينبغي لباكستان أن تنتظر حتى تقوم الهند بتوجيه أول ضربة نووية. وبالعكس، ينبغي أن تكون باكستان هي من يقرّر لحظة استخدام أسلحة الدمار الشامل في أي حرب مع الهند. وحسب مصادرنا، فقد ذكر الجنرالات أن الإحتفاظ بالخيار النووي أمر منطقي في حالة بلد مثل باكستان يملك خيارات موارد نووية محدودة وقدرةً محدودة على خوض حرب تقليدية ضد خصم أكثر منها بكثير. وخلص الجنرالات إلى أن “وضعية الغموض” تشكّل أفضل رادع للعدو الهندي.
وقال الجنرالات أن خيار توجيه الضربة النووية الأولى يعوّض تفوّق الهند في الأسلحة التقليدية. وكان زرداري قد فاجأ المراقبين الهنود وأحدث صدمةّ في صفوف المؤسسة السياسية حينما خرج، في 22 نوفمبر، بتصريح جريء قال فيه أن باكستان ستتخلّى عن خيار المبادرة إلى استخدام السلاح النووي، ودعا فيه الهند إلى التعاون مع بلاده لإبرام معاهدة تحظر إستخدام السلاح النووي في المنطقة. وبعد أربعة أيام من تصريح زرداري، قام إرهابيون من باكستان بمهاجمة مدينة “مومباي”، الأمر الذ وضع حدّاً لكل التقدم الحاصل على صعيد تحسين العلاقات بين البلدين. وهنالك تكهّنات عدة حول اللحظة التي سيقرّر فيها المسؤولون الإستراتيجيون الباكستانيون وضع يدهم على الزناد النووي، أو ما إذا كانوا يمكن أن يتّخذوا مثل هذا القرار فعلاً. فالرهان الأفضل لجيش باكستان هو ردع الهند عن الدخول في حرب تقليدية عبر التهديد بالمبادرة إلى استخدام الأسلحة النووية.
وحيث أن بنية الردع الباكستانية كلها تقوم على هذا الخيار، فإن الإستراتيجيين العسكريين يعتبرون أن مصداقية إسلام آباد النووية قد ضعفت بسبب إلتزام زرداري بعدم إستخدام السلاح النووي سوى في حالة الردّ على هجوم نووي. ويعتقد هؤلاء الإستراتيجيون أن استخدام السلاح النووي بعد خسارة حرب تقليدية سيكون بمثابة الإنتحار. ولهذا السبب، فقد طالبوا القيادة السياسية بأن تسمح باستخدام السلاح النووي في الحالات التالية: (أ) قيام الهند بمهاجمة باكستان واحتلال قسم كبير من أراضي باكستان (“عتبة المساحة)؛ (ب) نجاح الهند في تدمير قسم كبير من القوى البرية أو الجوية الباكستانية (“العتبة العسكرية”)؛ (ج) لجوء الهند إلى خنق باكستان إقتصادياً (“العتبة الإقتصادية”)؛ (د) أن تتسبّب الهند بزعزعة الإستقرار السياسي الباكستاني أن أن تتسبّب بعمليات تخريب داخلية واسعة النطاق (“العتبة الداخلية“).
إن الرئيس آصف زرداري هو، نظرياً، الشخص الذي يضع يده على الزناد النووي، ولكن القيادة العسكرية القوية جداً هي التي تسيطر في الواقع على “سلطة القيادة الوطنية” التي تعود لها الكلمة الأخيرة في قرار المبادرة إلى هجوم نووي. وقد تأسّست “سلطة القيادة الوطنية” هذه في أبريل 1999 بقرار من رئيس هيئة أركان الجيش الجنرال برفيز مشرّف، وهي مسؤولة عن رسم السياسات، كما تشرف على استخدام وتطوير القوات النووية والهيئات الإستراتيجية. وتشرف هذه السلطة على الترسانة النووية للبلاد، ورئيسها هو رئيس الجمهورية آصف زرداري في حين يشغل رئيس الحكومة (يوسف رضا غيلاني) منصب نائب الرئيس. وتضم الهيئة قادة الجيش والبحرية والطيران، وهي تتحكّم بكل شؤون البرنامج النووي، بما فيها تطوير الأسلحة، وكذلك إستخدامها إذا ما دعت الحاجة.
أما عملياً، فإن المدير العام لـ”قسم التخطيط الإستراتيجي” (اللفتنانت جنرال خالد أحمد كيدواي)، هو الذي يسيطر على الترسانة النووية ويشرف على أمنها، تحت إشراف قائد الجيش (أشفاف برفيز كياني) بمساعدة الجيش الباكستاني. ويعتقد معظم المحللين في باكستان أن إرادة الرئيس آصف زرداري ورئيس حكومته يوسف غيلاني لن تكون هي الأقوى إذا ما آذنت لحظة اتخاذ قرار باستخدام الخيار النووي. ويعتبر المحلّلون أن آصف زرداري بصفته رئيساً للجمهورية لا يتحكّم بترسانة البلاد النووية، ولا بقواتها المسلحة، ولا بجهاز الإستخبارات المشترك لأنه ليس الجنرال مشرّف الذي جمع بين منصب قائد الجيش ومنصب رئيس البلاد. ويصح نفس التقييم تقريباً على رئيس الحكومة، غيلاني، الذي يُعتبر رئيس حكومة رمزياً، على غرار “مانموهان سينغ” في الهند، بعد أن صادرت رئاسة الجمهورية معظم صلاحياته.
وبناءً عليه، وأياً كانت تركيبة “سلطة القيادة الوطنية”، فالواقع هو أن ثنائي كياني- كيدواي وليس ثنائي زرداري- غيلاني هو الذي يتحكّم عملياً بترسانة البلاد النووية، وهو القادر على اتخاذ قرار باستخدام السلاح النووي. وكان الجنرال كياني قد عُيِّنَ قائداً للجيش بقرار من الجنرال مشرّف بعد اضطراره للخروج من الرئاسة إثر خسارة حزبه الإنتخابات العامة في أغسطس 2007. بدوره، فالجنرال كيدواي عُيِّنَ مديراً عاما لـ”قسم التخطيط الإستراتيجي” بقرارٍ من مشرّف نفسه.
amir.mir1969@gmail.com