يتساءل أحد الأصدقاء: هل يصب موقف النائب الكويتي الفاضل حسن جوهر بتوقيعه على كتاب عدم التعاون مع الحكومة الكويتية، في مصلحة الوحدة الوطنية، أم يصب في مصلحة الطائفة الشيعية في الكويت؟
لقد قيل الكثير عن موقف النائب الفاضل، بين مدح وذم أو بين موافق وعدم موافق. غير أن اللافت هو الموقف الشيعي منه. فقد انطلقت مواقف الكثير من الشيعة الكويتيين المعارضين للنائب جوهر من أرضية طائفية، في حين طرح البعض الآخر معارضته من بوابة العلل الهامشية، كعدم مشاورة أبناء الدائرة الأولى، فيما رأى آخرون أن موقفه هو رد فعل مرتبط بحرمانه من بعض المصالح الخاصة، وهناك فئة اعتبرت بأنه بات مستسلما لمساومات سياسية بحتة. أي أن الغالبية من الشيعة استندت إلى أسباب بعيدة كل البعد عن شكل وحجم ومستوى القضية التي من أجلها جاء موقف النائب جوهر من كتاب عدم التعاون، وهي ضرب النواب والمواطنين في ندوة ديوان الحربش والتعدي على حقوقهم وانتهاك كراماتهم. لذلك كانت غالبية المواقف الشيعية، طائفية، فئوية، سياسية، في مقابل الموقف الحقوقي والوطني المرتبط بانتهاك حقوق الإنسان كإنسان كويتي لا كإنسان شيعي.
موافقة النائب جوهر على كتاب عدم التعاون مثّل، في تقديري، شرخا كبيرا في الموقف السياسي الشيعي الراهن المرتمي تماما في أحضان الحكومة. فمواقف النواب الشيعة التسعة، على الرغم من عدم تكتلهم، وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر بينهم في الكثير من التفاصيل السياسية، تحث بالكامل على الدفاع عن الأجندة السياسية الحكومية، بل تصب في الدفاع عن مواقف السلطة والنظام. ويعتبر موقف النائب جوهر من عدم التعاون دعوة لتشكّل رأي سياسي شيعي جديد، وتمرد – إن جاز التعبير – على الموقف السياسي القديم.
ويُعتبر تعدّد الرأي السياسي الشيعي وتنوّعه واختلافه، خاصة تجاه آراء تتعلق بالموقف من الدستور وترتبط بأحداث تمس كرامة الإنسان وتنتهك حقوقه، هو في مصلحة النشاط السياسي المعارض للحكومة، وفي نفس الوقت هو في الضد من التمنيات الحكومية بالمحافظة على وحدة الموقف الشيعي المؤيد لها، حيث تسعى الحكومة وسعت باستمرار إلى أن يكون الموقف الشيعي تحت عباءتها.
إن المواقف السياسية للأقليات في أي مجتمع من المجتمعات، عادة ما تبحث عن مصلحة الأقلية أكثر من سعيها للذوبان في المصالح العامة المرتبطة بالمواطن والوطن، وهو ما تستغله الحكومات من أجل السيطرة على تلك المواقف بغية تسهيل تنفيذ أجندتها السياسية. هذا ما لمسناه في معارضة الشيعة الراهنة لموقف النائب جوهر من كتاب عدم التعاون، حيث عكس ذلك استسلامهم للطرح الطائفي وخضوعهم للسياسات الحكومية الهادفة إلى جعل الموقف الشيعي طائفيا ومنطلقا باستمرار من مصلحة الأقلية، الأمر الذي يسهل المهمة الحكومية في التحكم في الموقف والسيطرة عليه وقيادته. وأعتقد أن هذه النتيجة التي خططت لها الحكومة، وتخطط لها جميع الحكومات مع أقلياتها، جاءت في اللحظة الحاسمة التي توفرت لها فرص التحقيق، أي مع أحداث تأبين المسؤول العسكري في حزب الله عماد مغنية. فقد رأت الحكومة بأنها اللحظة التي تتوفر معها فرص السيطرة والتحكم والقيادة، فتدخلت مدافعة عن المؤبنين وغير معترضة على التأبين، مما شكل للمؤبنين بل ولغالبية الشيعة فرصة للاحتماء بالحكومة من أجل دفع الدعوات الناقدة لهم والمهمشة لدورهم والساعية بعضها إلى إلغائهم.
بالتالي، فإن موقف النائب جوهر اليوم، انطلاقا من التفسير الفائت، يعتبر ضد مصلحة الطائفة الشيعية، ويتناغم مع الموقف السياسي الشعبي المدافع عن كرامة المواطن وحقوقه، ويتعارض مع المواقف الحكومية التي دافعت عن الشيعة على الرغم من قمعها المواطنين في ديوان الحربش.
فغالبية الشيعة رأت بأنها يجب أن تتخندق إلى جانب من يحفظ وجودها وحقوقها دون أي اعتبار للمصالح الأكبر والأشمل للمواطن والوطن، لذا ساهمت في فقد الطائفة موقع المبادرة السياسية غير الخاضعة للسلطة، وعززت المبادرات التي تصب في خدمة الحكومة لا في خدمة الوطن، أي أنها وصفت أي موقف حكومي تجاه القضايا والمشكلات بأنه يمثل موقفا وطنيا، ولم تستطع أن تضع خطا فاصلا بين الاثنين. وموقف النائب جوهر من كتاب عدم التعاون هو ثقب أحدثه في جدار الشأن السياسي، الذي من شأنه أن يسمح للمبادرة الشيعية بأن تتنفس من جديد في حياة الوطن لا في حياة الشيعة فحسب.
لقد وصف الكثير من الشيعة موقف جوهر بأنه متهور وخاضع للغوغائيين والمؤزمين والمتهورين، وأنه في نظرهم خدم الطائفيين، كما قسّم الموقف الشيعي. وقد استندوا في رأيهم هذا إلى مواقف مسبقة لنواب كتلة “إلا الدستور” مرتبطة بتصريحات وسلوكيات صادرة عن بعضهم، وتجاهلوا عن عمد بأن “إلا الدستور” ليست كتلة دينية طائفية، ولا تمثل طيفا سياسيا واحدا، وأنه يوجد أيضا بين النواب الذين أيدوا الموقف الحكومي من يسمى بالطائفي والخانع والمتمصلح والمرتشي إلى غيرها من الأوصاف.
إن من يسمون بالنواب “المتهورين” هم من جمعهم الدفاع عن كرامة المواطنين، في حين أن النواب الذين برّروا وأيدوا انتهاك حقوق المواطنين، والذين يسميهم البعض بـ”العقلانيين”، هم من أرادوا أن يستغلوا الأحداث لكي لا يفقدوا دورهم المدافع عن الحكومة بعدما كثر الحديث عن ضمانات تحقق لهم مصالح آنية ضيقة. بالتالي لم يكن موقف النائب جوهر من كتاب عدم التعاون إلا موقفا يخدم مبدأ رئيسيا من مبادئ احترام حقوق الإنسان ويصب في إطار مصلحة الوطن، لا موقفا خاضعا لمصالح سياسية أو مادية أو طائفية ضيقة، وأنه يصب في مسعى سحب الموقف الشيعي من تحت عباءة الحكومة بعدما كثر الحديث عن اختطاف الرأي الشيعي.
إن الاختلاف والتعدد في الموقف السياسي الشيعي هو شيء صحي، ولاشك سيصب “بعضه” في إطار الوطن والمواطن بدلا من أن يخضع “كلّه” للشأن الحكومي. لكن الاختلاف حول المبدأ، كمبدأ انتهاك حقوق المواطن والتعدي على كرامته، هو الأمر الخطير الذي لابد أن يتنبّه إليه الشيعة وغيرهم. فالاختلاف حول مساءلة حكومة الشيخ ناصر المحمد أو حول الموافقة على كتاب عدم التعاون وإسقاط الحكومة، لن يغيّر من صورة الإهانة وانتهاك حقوق الإنسان في ديوان الحربش. فالمسطرة التي لابد أن نقيس من خلالها صور الإهانة والانتهاكات يجب أن تكون واحدة للجميع، والدستور هو الذي يجب أن يحدد نوع هذه المسطرة لا الأوامر والطاعات.
كاتب كويتي
ssultann@hotmail.com