إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
ملاحظة: وردنا هذا المقال “المثير”.. “للإطلاع” من صديق سوري عزيز. نعيد نشرُهُ ليس للتحريض على “الأتراك الذين استقبلوا ملايين السوريين في بلادهم ، مثلهم مثل إبناء عمّنا “الجرمان” الذي استقبلوا أكثر من مليون سوري في “برلين” وضواحيها. ولكن لـ”وصف أحوال” ما يُسمّى “سوريا الأسد”! حافظ وبشّار طالبوا باستعادة “لواء الإسكندرون السليب” وانتهوا بتوزيع “أطراف سوريا”، وحتى عاصمتها، على الجيران الإسرائيليين والإيرانيين والأتراك و”الموسكوب”.
“ما يخالِفّ”، كما يٌُقال بالخليجي. أو “شرُّ البليَّةِ ما يُضحِك”.
(مع التحية لمحرري وكتاب موقع “فوكس حلب” الجديد)
*
*
صلاح الموسى
سبع سنوات كانت كافية لتحويل مدن كاملة في الشمال السوري إلى مدن تركية.. في كل المناطق والأحياء التي يمر بها الزائر تنتشر الأعلام التركية، وعبارة “التآخي ليس له حدود”، وشاخصات الطرق المكتوبة باللغة التركية والمئات من سيارات شحن البضائع تحمل لوحات بأرقام تركية.
كفّان كبيرا الحجم يتوسطان دوار المدينة، المعصمان ملفوفان بالعلم التركي، بالقرب منهما رُممت حديقة المدينة وسُمّيت “حديقة الأمة العثمانية” كُتبت فوق قوسٍ هلالي أحمر اللون على طول الجهة اليسرى لباب الحديقة، تقابله من الجهة اليمنى نجمة في المنتصف تكمل شكل العلم التركي.
ليس ببعيد عن هذا الدوّار تتوزع عدة محال تجارية وصيدليات لوحاتها الإعلانية كتبت باللغة التركية أيضاً، وصولاً إلى مركز “يونس أمره” الثقافي التركي، يليه شرقاً مركز البريد التركي PTT، وعلى الجهة المقابلة مركز السرايا تزين جدرانه الخارجية أعلام تركية أيضاً، وبالرغم من وجود علم الثورة السورية مع العلم التركي، إلا أن ما تراه يجعلك تعتقد أنك تزور مدينة تركية وليس مدينة إعزاز في ريف حلب الشمالي بالقرب من الحدود التركية.
معالم مدينة إعزاز وعدة مدن أخرى في ريفي حلب الشمالي والشرقي مثل الباب والراعي وجرابلس، بدأت تتغير مع انطلاقة العملية العسكرية التركية “درع الفرات” في الأراضي السورية منتصف عام 2016. كان الهدف المعلن من الأتراك يومها هو دعم فصائل الجيش الوطني السوري في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لكن المنطقة باتت اليوم تعرف باسم تلك العملية وتدار بشكل كامل مدنياً وعسكرياً من قبل السلطات التركية مع واجهة من السوريين.
حل دوار “التآخي” المعروف بدوار “الكفّين” في إعزاز محل دوار التمثال (تمثال حافظ الأسد) في عام 2019 ، العلم التركي الملفوف حول معصمي الكفين يعلو علم الثورة السورية وبالقرب منهما عبارة “التآخي ليس له حدود” المنتشرة في كل مكان شمالي غربي سوريا باللغتين العربية والتركية.
أما مركز يونس أمره الثقافي التركي، والذي افتتح عام 2020 بهدف نشر الثقافة التركية بحسب المجلة التركية turkmgz فقد حلّ محل بناء شعبة حزب البعث في إعزاز أيضاً، بينما سميت إحدى الحدائق باسم نائب والي إعزاز (حديقة نائب الوالي عمر يلماز) في شهر آب (أغسطس) من العام الفائت 2023.
القطاع الصحي.. أنت تركي، أنت الأفضل
غرب دوار الكفين ببضع كيلومترات يقبع مستشفى إعزاز الوطني تحت ظلال الأعلام التركية عند مدخله، مع ترجمة كل اللوحات الإرشادية خارجه وداخله إلى اللغة التركية بدءاً من اسم المستشفى حتى الأقسام كافة. تشرف على هذه المستشفى وزارة الصحة التركية حاله حال كافة المشافي والمراكز الصحية العاملة شمالي وشرقي حلب، تحديداً في المدن التي تمت السيطرة عليها عبر عمليات تركيا العسكرية الثلاث في المنطقة.
الأطباء والممرضون في هذه المستشفى يُعَيَّنون هم أيضاً من قبل الجانب التركي ويشتكون من “الرواتب المتدنية والإهمال وسوء المعاملة من الكوادر التركية للكوادر السورية” بحسب أحد الكوادر الطبية السورية التي دعت للإضراب عن العمل عدة مرات سعياً لتحسين رواتبهم وواقع عملهم. زياد الحسين (اسم مستعار) الذي يعمل في القطاع الصحي بإعزاز يؤكد أن “الموظف التركي يتقاضى أربعة أضعاف راتب الموظف السوري، وتضاف له حوافز وتعويضات مهمة خارجية بقدر الراتب، ما يجعل فرق الأجور بين الموظف التركي والسوري ثمانية أضعاف”.
ويوضح الحسين أن راتب الطبيب السوري المختص المتزوج بلغ 8575 ليرة تركية مطلع العام الفائت 2023 وسط حديث عن زيادة على الرواتب ستبدأ في العام الجديد، في الوقت الذي يزيد فيه الراتب بنحو أربعة أضعاف للأطباء الأتراك، يضاف إليها زيادة بنسبة 100% يتلقونها كـ “طبيعة عمل خارج تركيا”، ما يرفع رواتبهم لثمانية أضعاف ما يتقاضاه أقرانهم من الأطباء السوريين.
سوء معاملة موظفين أتراك لأقرانهم السوريين اشتكى منها عدد من موظفي القطاع الصحي ممن تحدثنا معهم، وجلهم أجمع على أن “الموظف التركي له الأولوية وهو الآمر الناهي مهما كان منصبه، وبعضهم يعامل الموظفون السوريون على أنهم أدنى منهم مكانة ومنزلة”.
التعليم.. تغييرات تطال اللغة والتاريخ
لم يكن التعليم في مدينة إعزاز أوفر حظاً من القطاع الصحي أو معالم المدينة الرئيسة، يصفه معلمون في مدارس إعزاز “بتتريك التعليم” موضحين أن مديرية تربية إعزاز التابعة لوزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة تدار من قبل منسق التعليم التركي، التابع لتربية ولاية كلس المجاورة لإعزاز، مع واجهة سورية تتولى منصب مدير التربية.
تطبع الحكومة السورية المؤقتة المناهج التعليمية مع تغييرات في بنية عدد منها أهمها التاريخ والجغرافية اللتان أزيل منهما مسمى الاحتلال العثماني، كما أقحمت مادة اللغة التركية كلغة أساسية من الصف الأول حتى الثانوية، إضافة إلى إدخال بيانات الطلاب كاملة لنظام التعليم التركي، وتحويل نظام الشهادتين الثانوية والإعدادية إلى النظام المؤتمت المتبع في تركيا. طلاب مدينة إعزاز يقبعون تحت نظام التعليم التركي الذي يختلف كلياً عما اعتادوا عليه في نظام التعليم السوري خاصة في الشهادة الثانوية.
محمد علي طالب أنهى الثانوية العامة العام الماضي، يؤكد أن هناك فرق بين الشهادة الصادرة عن المجالس المحلية والشهادة الصادرة عن الحكومة السورية المؤقتة. يقول العلي “لا تحتاج شهادة المجالس المحلية إلى اختبار اليوس (YÖS)، أي امتحان القبول المصمم للطلاب الأجانب الراغبين بالدراسة بمؤسسات التعليم العالي في تركيا حال رغبتهم بإكمال تعليمهم في الجامعات التركية، أما الطلاب من حملة الشهادة الثانوية الصادرة من الحكومة السورية المؤقتة، فلا يسمح للأحرار منهم بتقديم امتحاناتهم في مدارس إعزاز التابعة لمديرية التربية وتستقبلهم كل عام جامعة حلب في المناطق المحررة، وهم بحاجة لاختبار اليوس حال رغبتهم بدخول الجامعات التركية في الداخل السوري أو في تركيا”.
أين أنا؟
وأنت تتجول في المدينة قد يخطر لك أنك في مدينة تركية عندما ترى روضة “السلطانة حليمة” قرب حديقة “الأمة العثمانية” وروضة “السلطانة عائشة” خلف المجلس المحلي الذي تديره شخصية سورية تخضع لسلطة الوالي المعين من قبل الجانب التركي والذي يتبع لولاية كلس.
لوهلةٍ قد تتساءل عن سبب بقاء لافتات المحال التجارية باللغة العربية رغم حملة إزالتها في عدة ولايات تركية، لكن تساؤلك يصطدم بواقع أنك في مدينة سورية يتحول كل شيء فيها إلى المظاهر التركية تدريجياً باستثناء جامعة حلب في المناطق المحررة التي لم يرفع فيها العلم التركي دون معرفة السبب، إلا أن وجود جامعات تركية مثل أكاديمية “الأناضولي” و”غازي عنتاب” يعيدك للانطباع الأول: “أنا في مدينة تركية”.
بالانتقال شرقاً باتجاه مدينة الباب يمر الزائر بعشرات الحواجز بعضها للشرطة العسكرية التابعة لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة وبعضها للشرطة المدنية التابعة لوزارة الداخلية، وما يوحدها هو رفع العلم التركي بجوار علم الثورة السورية، وفي عدد منها يفوق عدد الأعلام التركية عدد الأعلام السورية، ولا يخلو الأمر أحياناً من أعلام تدل على الفصيل العسكري الذي يسيطر على المنطقة.
العلم التركي على صدور غالبية عناصر تلك الحواجز يجعلك تعتقد أنهم من الجيش التركي الذي يكثر وجوده على الحواجز، خاصة في مداخل المدن الرئيسة. يمر الزائر بمدينة مارع كأول مدينة رئيسة بين إعزاز والباب، فيشعر بأن هناك عملية “نسخ ولصق” لما شاهدناه في مدينة إعزاز، أعلام تركية فوق كل مكان، حواجز- مدارس- مراكز صحية- المجلس المحلي- الـ PTT.
شمالي حلب.. يحقّ للأتراك ما لا يحقّ لغيرهم
على خط سَيرِكَ بين إعزاز والباب تصادفك مدينة الراعي التي كانت تتبع إدارياً لمنطقة الباب قبل الثورة السورية، المدينة الرئيسة الثانية، يطلق عليها الأتراك اسم “جوبان باي”، كثير من مهجري المناطق التي سيطر عليها نظام الأسد لجؤوا إليها، جلّ سكان المدينة البالغ عددهم 44,893 يتحدثون اللغة التركية بسبب أصولهم التركمانية، وزاد التحدث بها مع وجود عناصر مدنيين وعسكريين أتراك.
تتميز الراعي عن سابقاتها برفع صور قتلى الجيش التركي في العمليات العسكرية في سورية. قبل الوصول لحاجز المدينة الشرقي ترى أن أسماء الشوارع والأزقة ترجمت جميعها للغة التركية، يُفسر من تحدثنا إليهم بأن كل ما نراه من تتريك جاء على خلفية أصول أهل المدينة التركمانية.
في صبيحة يوم الجمعة، منتصف شهر أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، ظهرت سيطرة العنصر التركي جلية في مدينة الراعي عندما قام ستة موظفين أتراك في قطاع التعليم بمهاجمة دائرة الرقابة والتفتيش وتحطيم لوحتها بعد إزالة العلم التركي ودون إزالة علم الثورة السورية عنها والدعس عليها بالأقدام، وكل ذلك نتيجة كشف فسادهم، بحسب ما نقله لنا معلمون في المدينة لم يتمكنوا من منعهم مبررين موقفهم بالقول: “من يجرؤ على الاعتراض أو منعهم عن فعل ذلك!”.
لم يحاسبهم أحد على فعلتهم تلك، على عكس ما حدث مع طلاب الشهادة الثانوية في مدينة إعزاز عندما أزالوا العلم التركي وشوهوا عبارة “التآخي ليس له حدود” على مبنى مديرية التربية جراء ارتفاع نسبة الرسوب دون وجود توضيح.
تحركت كل الأجهزة الأمنية السورية والتركية لاعتقالهم حينها، على غرار ما حدث لشاب سوري اعتقل لأنه أحرق العلم التركي في مظاهرات جمعة “لن نصالح” التي خرجت على خلفية دعوة وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو للمصالحة بين المعارضة والنظام في تموز (يوليو) من العام 2022، وقد خرج وزير الداخلية التركي في تصريح رسمي حينها للإعلان عن اعتقاله. وبشكل متزامن أقدم محتجون على إزالة العلم التركي من على معصمي الكفين في دوار التآخي (دوار الكفين)، ذلك ما دفع المجلس المحلي لإعادة رسمه بعد يوم واحد فقط من إزالته.
افتتاح المدينة الصناعية في مدينة الراعي استوجب دخول قيادات عسكرية وسياسية تركية على أعلى المستويات: وزير الداخلية، مدير منظمة الكوارث والطوارئ آفاد، قائد الفيلق التركي السادس، ووالي كيليس، وعنونت وكالة الأناضول التركية الخبر بـ ” المنطقة الصناعية في جوبان باي قلب الاقتصاد بالشمال السوري” ولم يغب عنهم تنفيذ وصية جندي تركي قتل في سوريا بإطلاق اسمه “موسى أوزالقان” على مدرسة في المدينة.
لو أغمض الزائر عينيه لحظات وأعاد فتحها بعد كل ما يراه في مدينة الراعي السورية، سيسأل نفسه أيضاً أين أنا؟ لماذا توجد كتابات عربية في مدينة تركية؟!
نسخ.. لصقآخر
لاشيء مختلف في مدينة الباب عن ما سبقها، ونفس الانطباع سيكون في المدينة التالية جرابلس في حال وصل إليها الزائر. أما مدينة عفرين وريفها التي سيطرت عليها فصائل الجيش الوطني بدعم من الجيش التركي في عمليته العسكرية الثانية في سوريا مطلع العام 2018، فعلى الزائر من مدينة إعزاز التوجه غرباً من دوار الكفين إلى المدينة.
بين مدينتي إعزاز وعفرين، قرية قطمة ضمن الحدود الإدارية لعفرين من جهة الشرق، في هذه القرية بناء عسكري كبير لافت للانتباه، يسبق وصولك إلى الحاجز الرئيسي على الطريق جهة اليمين، زُيّن بأشكال لُوّنت بألوان العلم التركي وبقربه علم الثورة السورية، يتجاوز حجم بعضها المترين ارتفاعاً وعدة أمتار طولاً.
إذا لم يجرؤ الزائر على السؤال عن طبيعة هذا البناء لن يعلم أنه مقر إدارة الشرطة العسكرية في عفرين التابعة للجيش الوطني في وزارة الدفاع بالحكومة السورية المؤقتة التي يقع مركزها على بعد مئة متر غرباً.
يعبر الزائر حاجز مدينة عفرين الرئيسي من جهة الشرق بعد عمليات تفتيش تزداد دقتها في حال حضور ضابط تركي في الكابينة المتمركزة منتصف الطريق، تعلوها عشرات الكاميرات للمراقبة. لا داع لذكر تبعيّة الأعلام المرفوعة، أو شرح ما يوجد على صدور العناصر.. نعم إنه “نسخ، لصق” آخر.
بحسب سكان المدينة هناك ثلاثة معالم أساسية غُير اسمها، عدا عن تسميتها هي وريفها بغصن الزيتون، أبرزها دوار “كاوا بات” يعرف باسم دوار غضن الزيتون، ودوار “النيروز” بات يعرف باسم دوار صلاح الدين الأيوبي، وأما الساحة أمام دوار المجمع الحكومي المعروف شعبياً بدوار السرايا فتحول إلى ساحة الرئيس رجب طيب أردوغان.
الصعوبة الحقيقية تكمن بالانتقال إلى مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي ورأس العين في ريف الحسكة شرقي الفرات، فالأمر يتطلب العبور داخل الأراضي التركية عبر معبرين حدوديين، و يتطابق اسم المدينتين الجديد مع مسمى العملية العسكرية الثالثة للقوات التركية في سوريا (نبع السلام) أواخر العام 2019، ويمكن تخيل ما سيراه الزائر دون زيارتهما.
في كل المدن التي يمر بها الزائر تنتشر الأعلام التركية، وعبارات “التآخي ليس له حدود”، ولافتات الطرق المكتوبة باللغة التركية، والمئات من سيارات شحن البضائع تحمل لوحات بأرقام تركية، فهي تدخل من كل المعابر إلى الداخل السوري وكانت سبباً بتوقف آلاف سيارات الشحن السورية عن العمل. وإذا فقد الزائر إشارة شبكة الجوال فجأة رغم أنها قوية، فعليه أن يعلم أن هناك رتل عسكري من السيارات التركية يمر بالقرب منه ترافقه سيارة تشويش إشارة.
الثقافة والتعليم “ليسا على الحياد”
في ثلاث مدن شمالي سوريا (الباب وجرابلس وعفرين) تم افتتاح ثلاثة مراكز ثقافية تركية جديدة عقب مركز إعزاز جميعها تحمل اسم مركز “يونس أمره” الثقافي، وهو قاضٍ وشاعر ومتصوّف تركي ترك أثراً كبيراً في الأدب التركي منذ وقته إلى عصرنا هذا، هدفها تعليم اللغة التركية بالدرجة الأولى، أيضاً شهدت المدن المذكورة تغيير مسمى مدارس في عدد منها.
تغيير مسميات المدارس اعتبرته نقابة المعلمين السوريين الأحرار في بيان لها في تموز (يوليو) من العام الماضي أنه “استفزازي ينم عن الجهل وعدم الإدراك للواقع وأن فيه عدم احترام الرموز التاريخية والدينية التي سميت باسمها المدارس منذ عشرات السنين”.
أثارت عملية تغيير مسميات حدائق ومدارس غضب سوريين كثر، فحاول مجهولون إزالة مسمى حديقة “الأمة العثمانية” عقب أيام من افتتاحها ما دفع المجلس المحلي لإعادة صيانتها بمسماها “حديقة الأمة العثمانية”، وإزالة اسم ضابط تركي “دوران كسكين” الذي قتل في معارك درع الفرات ضد تنظيم الدولة الإسلامية واستبدل الجيش الحر جثته رفقة جثة ضابط آخر مقابل ثلاث أسرى للتنظيم في أواخر عام 2016 عن مدرسة “آمنة بنت وهب”.
بسبب تصريحه المسبق بأنه سيقدم على إزالة اسم “دوران كسكين” عن مدرسة “آمنة بنت وهب” عبر صفحته على فيس بوك، اعتقلت الشرطة المدنية في مدينة الباب الناشط خليل أبو شيخو في أواخر شهر تموز (يوليو)، وشكل اعتقاله موجة غضب على وسائل التواصل الاجتماعي ما ألزم الشرطة المدنية بإطلاق سراحه.
مطالبات نقابة المعلمين الأحرار بإعادة أسماء المدارس لما كانت عليه ومحاسبة المسؤولين عن تغييرها لم تجد آذاناً صاغية رغم الدعم الشعبي والإعلامي لها بعشرات التقارير الإخبارية والوقفات الاحتجاجية وإزالة مسميات بعضها، إلا أن المجالس المحلية التي تتبع لسلطة الوالي التركي أعادت المسميات الجديدة ووضعت حرس من الشرطة عليها أحياناً، تلك التي “لا نعلم عنها شيء” حسب بيان النقابة.
ثلاثة أعلام
أثر التواجد التركي في مناطق الشمال واضحٌ حتى لدى تلاميذ المدارس، فعندما طلبنا من جنان ذات الثمانية أعوام أن ترسم لنا علم بلدها احتارت الطفلة. تنحدر جنان من مدينة دمشق لكنها أمضت سنوات الطفولة متنقلة من نزوح لآخر وصولاً إلى الشمال السوري حيث يعمل والدها ووالدتها في قطاع التعليم الحكومي.
أمسكت جنان بالورقة والأقلام وبدأت برسم “علمنا” كما تسميه ذي النجوم الثلاث قاصدة علم الثورة السورية، وضعت فوقه وجهاً تعبيرياً مبتسماً، ثم رسمت علم “الهلال” الذي تتوسطه نجمة والذي تسأل والدتها دائما عنه “ماما شو هذا العلم” لأنها تراه أين ما أدارت وجهها، في الشوارع والمدارس وعلى الحواجز والسيارات.
تتهرب والدتها منال من الإجابة لأنها تعلم أن أي كلمة تقولها لجنان قد تشكل ضرراً لها، “لا يمكن أن أشرح لها أن هذا العلم هو علم تركيا فلا أمتلك مبرراً أقدمه لها عن سبب وجوده بهذه الكثرة، خاصة أنها رسمت في مخيلتها صورة معينة عن ذلك العلم من خلال ما تراه وتسمعه من نقاشات عائلية عما يحدث لسوريين في تركيا”.
عبرت جنان عن حيرتها تلك بوجه تعبيري غاضب وضعته فوق العلم التركي، ثم رسمت علماً ثالثاً بنجمتين وفوقه وجه غاضب آخر وأخطأت في رسم ألوانه. فاجأت والدتها برسمه إذ أنها لم تره منذ تهجيرهم للشمال السوري، “علمنا الثاني اللي ما نحبه” بهذه العبارة أجابت جنان عن استفسار والدتها.
هل هو التملّق؟
يتساءل الزائر عن سبب كل ما يراه من تتريك للمنطقة، ولا إجابة واحدة عن استفساره. نسأل بعض الأهالي فيعزون ذلك إلى تملّق المسؤولين المدنيين والعسكريين السوريين للسلطات التركية للحصول على الامتيازات والمكاسب في حين يرى البعض أن تركيا هي الجهة الوحيدة القادرة حالياً على حماية المنطقة من أخطار عدة، ليس أقلّها خطر التنظيمات المتطرفة وقوات النظام السوري.
خطبة رئيس المجلس المحلي في إعزاز أثناء افتتاح المدرسة الشرعية مطلع العام الدراسي الحالي بحضور وفد تركي كبير، تخللها الكثير من التمجيد والتعظيم لتركيا، “ما لا يمكن لعقل تصديقه” حسب خالد أحمد مدرس كان في حفل الافتتاح. حاول الأحمد عدم تصديق أذنيه عندما قال رئيس المجلس المحلي “لولا تركيا لما شهدنا هذا التطور الحضاري، لولا تركيا لكنّا نُدرّس الأطفال على الحجارة والركام”، يؤكد الأحمد أنه لا يمكن لأحد أن يطالب رئيس المجلس المحلي بقول كلام كهذا إلا أنه “التملق” حفاظاً على المنصب.
تملق الجهات العاملة في المناطق التي ظهرت عليها ملامح التتريك وصل إلى الفصائل العسكرية التي تمنع أن يقوم حراك ثوري ضد ظاهرة التغيير وخاصة في مسميات المدارس حسب رأي الأحمد وغيره من المدرسين، فغاية الممجدين لتركيا في المنطقة المناصب ليس إلا، حسب تعبيرهم.
تختلف رؤية نشطاء لتلك الظاهرة مبتعدين قليلاً عن فكرة التملق ومؤكدين أن الجهات التركية المسؤولة عن كل شيء في تلك المناطق تسعى لتحقيق مصالحها فوجدت ضالتها في تعيين شخصيات لا تمجد إلا تركيا وادعاء نصرتها للسوريين.
حماية المناطق السورية التي يرفع فيها العلم التركي كان هدف عناصر الشرطة والجيش الوطني الذي تحمل بعض فصائله أسماء ذات دلالة تركية مثل “سليمان شاه”، “السلطان مراد” وغيرها، و في حال انتقد الزائر إحدى المظاهر قد يقع بمشكلة أمنية تتجلى باتهامه بإضعاف الشعور الوطني أو معاداة الإخوة الأتراك كما حصل مع نشطاء قبله.
إلا أن نشطاء اعتبروا التواجد العسكري التركي لا يقدم ولا يؤخر، فالنقاط التركية في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة لم تقم برد أي هجوم عن سكان الشمال السوري، كما حصل مطلع عام 2019، بل تعرضت هي ذاتها للقصف من قبل النظام السوري وميليشياته عدة مرات.
إدارة سلطات الأمر الواقع المفروضة جلها من قبل الجانب التركي تجعل الزائر يتساءل “من يمكنه إيقاف هذا التتريك؟” فالأجسام السياسية عاجزة عن الدفاع عن نفسها كممثل للسوريين، فكيف لها بالدفاع عن هوية أجزاء من سوريا يتم تحويلها تدريجياً لحديقة خلفية للدولة التركية؟