لفهم كيف فشلت إسرائيل في توقع وصد هجوم مثل الذي شنته فصائل المقاومة الفلسطينية يوم السبت الماضي. وكيف أدت الإخفاقات العملياتية والاستخباراتية التي ارتكبتها أجهزة التجسس والأمن؛ التي تُعتبر من بين الأفضل في العالم؛ السبب الرئيسي إلى وقوع أسوأ اختراق للدفاعات الإسرائيلية منذ نصف قرن، تحدث مراسلا “نيويورك تايمز” رونين بيرغمان وباتريك كينجسلي مع عدد من المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين الحاليين والسابقين.
ترجمة منى فرح
“قبل وقت قصير من بدء الإقتحام الذي شنَّه مقاتلو الفصائل الفلسطينية من قطاع غزة إلى داخل المستوطنات الإسرائيلية (فجر السبت الماضي)، كانت أجهزة المخابرات الإسرائيلية قد رصدت زيادة في نشاط بعض الشبكات التي تراقبها في غزة. وبعد أن أدركت أن شيئاً ما غير عادي يحدث، أرسلت تنبيهاً إلى الحراس الإسرائيليين المرابطين عند الحدود بين القطاع والمستوطنات”، وفق إثنين من كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين اللذين تحدثا إلى صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.
لكن الجنود الإسرائيليين لم يأخذوا بالتحذير ولم يلتزموا بالتعليمات، إما لأنهم لم يستوعبوا مضمونه جيداً أو لأنهم لم يقرأوه من الأساس.
لم يمض وقت طويل حتى أرسلت الفصائل الفلسطينية طائرات حربية مُسيَّرة استطاعت تعطيل عدد من محطات الاتصالات الخلوية وأبراج المراقبة التابعة لجيش الدفاع على طول الحدود مع غزة، الأمر الذي حال دون قدرة الضباط المناوبين على مراقبة المنطقة عن بعد بكاميرات الفيديو المنتشرة هناك. المُسيَّرات الفلسطينية دمّرت أيضاً مدافع رشاشة آلية يتم التحكم فيها عن بعد، نصبها جيش إسرائيل ضمن التحصينات الحدودية وكوسيلة رئيسية يُعتمد عليها لردع أي هجوم برّي.
وقد سهّل ذلك على مقاتلي الفصائل الفلسطينية الاقتراب من السياج الحدودي المحصن وتفجير أجزاء منه ومن ثم هدم أجزاء أخرى – عند نقاط عدة – بواسطة جرافات تقليدية بسيطة (يستخدمها عادة البنّاؤون والمزارعون). وهكذا تسلل آلاف المقاتلين الفلسطينيين بسهولة مدهشة ومن دون عوائق إلى عمق المستعمرات واقتحموا المقار العسكرية الإسرائيلية الشديدة التحصين.
“كانت هذه الإخفاقات ونقاط الضعف العملياتية من بين مجموعة واسعة من الهفوات اللوجستية والاستخباراتية التي ارتكبتها أجهزة الأمن الإسرائيلية، والتي مهَّدت الطريق لتوغل المقاتلين الفلسطينيين في أرجاء جنوب إسرائيل”، كما أكد أربعة من كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين تحدثوا لـ”نيويورك تايمز” شرط عدم الكشف عن هويتهم.
الإختراق الأكثر خطورة
التسلل المباغت إلى أكثر من مستوطنة وبلدة وقاعدة عسكرية هو الإختراق الأسوأ والأكثر خطورة الذي تعرض له “جيش الدفاع” طوال خمسين عاماً مضت. ما حصل (السبت في 7 تشرين/أكتوبر) صدم القادة الإسرائيليين- العسكريين والسياسيين على حد سواء- وجعلهم يشعرون بالخزي، كما حطَّم الشعور بالأمن والأمان لدى المواطنين الإسرائيليين: لساعات طويلة كان ما كان يُعرف بـ”أقوى جيش في الشرق الأوسط” عاجزاً عن القتال، وعن صد هجمات عدو أضعف منه بكثير. وظلَّت المستوطنات وغيرها من المناطق السكانية الإسرائيلية على امتداد الحدود بلا منظومة دفاع طوال يوم كامل. في حين نجح المقاتلون الفلسطينيون في فرض سيطرتهم على امتداد أكثر من 45 كيلومتراً، واقتحموا ما لا يقل عن أربع ثكنات عسكرية.
أكثر من 1200 قتيل إسرائيلي سقطوا خلال ساعات قليلة (وصل العدد حاليا إلى 1300)؛ بينهم جنود يرتدون ملابسهم الداخلية؛ ووقع أكثر من 150 رهائن، بينهم ضباط بمراتب عالية وجنود.
بحسب التقييم الأولي للمسؤولين الأمنيين الإسرائيليين الأربعة، الذين تحدثوا لـ”نيويورك تايمز”، فإن نجاح هجمات المقاتلين الفلسطينيين سببه جملة إخفاقات أمنية ارتكبتها مخابرات وجيش إسرائيل، أبرزها الآتي:
أولاً؛ فشل ضُباط المخابرات في رصد ومراقبة قنوات الاتصال الرئيسية التي تستخدمها الفصائل الفلسطينية والمقاتلون الذين نفذوا هجمات يوم السبت؛
ثانياً؛ الاعتماد المفرط على الأجهزة والمعدات الآلية في مراقبة الحدود والتي استطاع المهاجمون تعطيلها بسرعة وسهولة، ما سهَّل لهم التسلل ومداهمة القواعد العسكرية وقتل الضباط والجنود في أسرّتهم؛
ثالثاً؛ تجمع القادة العسكريين في قاعدة حدودية واحدة تم اجتياحها في المرحلة الأولى من الهجوم، مما شلَّ إمكانية التواصل مع بقية القوات المسلحة والأجهزة الأمنية؛
رابعاً؛ الانخداع بالتصريحات التي تَعَمَّد القادة العسكريون في غزة تكرارها في الآونة الأخيرة عبر قنوات خاصة يعرفون جيداً أنها تخضع للمراقبة من قبل إسرائيل، والقول بإنهم لا يخططون لشن أي هجمات ولا يستعدون لأي معركة.
حجارة الدومينو
وتعليقاً على هذه الإخفاقات، قال يوئيل جوزانسكي، المسؤول الكبير السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي: “إننا ننفق المليارات والمليارات على جمع المعلومات الاستخبارية عن حركة حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية.. ثم، وفي ثانية واحدة فقط، انهار كل شيء مثل قطع الدومينو”.
لكن هذا الفشل الذريع لم يكن وليد فجر 7 تشرين الأول/أكتوبر. بوادره بدأت قبل ذلك بأشهر طويلة، وتحديداً عندما وضع قادة الأمن افتراضات غير صحيحة حول التهديد الذي تشكله “حماس” وغيرها من الفاصائل الفلسطينية المقاومة من غزة على إسرائيل.
على سبيل المثال، في الجولتين الأخيرتين من المواجهات اللتين وقعتا في العام الماضي، اتخذت “حماس موقفاً، يكاد يشبه “النأي عن النفس”، مما سمح لـ”حركة الجهاد الإسلامي” الفلسطينية؛ وهي جماعة مسلحة أصغر حجماً من “حماس” في غزة، بمواجهة إسرائيل وحدها. وفي الشهر الماضي، عملت “حماس” أيضاً على تهدئة الاحتجاجات الفلسطينية التي اندلعت على طول الحدود، وذلك وفق اتفاق توسطت فيه قطر، مما أعطى انطباعاً بأن الحركة لا تريد التصعيد مع إسرائيل.
حتى أن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، كان قد وصف حماس بأنها “منضبطة للغاية، وتدرك جيداً عواقب أي عمل تحدي أو استفزازي قد تقوم به”، وذلك في مقابلة إذاعية أجريت معه قبل ستة أيام فقط من هجمات السبت.
أيضاً قبل أيام قليلة من هجمات السبت، قدّم مسؤولو الاستخبارات الإسرائيلية وكبار قادة الأمن تقاريرهم الروتينية عن نوع ومصادر المخاطر التي تواجه إسرائيل وتُهدّد أمنها القومي ودفاعاتها، وفيها ركزوا فقط على المخاطر التي يشكلها المسلحون اللبنانيون على طول الحدود الشمالية.. وبالكاد جاؤوا على ذكر أي شيء عن المخاطر التي تشكلها الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة أو الضفة الغربية.
وشدَّد ضباط الإستخبارات على أن “حماس قد تم ردعها”.
بعد المواجهات العنيفة التي وقعت في أيار/مايو 2021، كان نشطاء الفصائل الفلسطينية المسلحة، عندما يتحدثون مع بعضهم عبر الهاتف وغيرها من وسائل الإتصالات، يتعمدون ذكر معلومات من قبيل أنهم يسعون إلى تجنب نشوب حرب أخرى مع إسرائيل، ويحرصون على تبيان أنهم يفضلون التهدئة والابتعاد عن أسباب التصعيد. “الفلسطينيون كانوا يعرفون جيداً أن الإستخبارات الإسرائيلية تتنصت عليهم، فقرروا إسماعهم ما يريدون”، كما قال إثنان من المسؤولين الإسرائيليين لـ”نيويورك تايمز”، وأضافا: “المخابرات الإسرائيلية الآن تحقق في ما إذا كانت تلك المكالمات حقيقية أم مفتعلة”.
الثقة المفرطة القاتلة
كان الفشل التالي عملاتياً.
فبحسب المسؤولين الإسرائيليين الذين تحدثوا لـ”نيويورك تايمز”، كان نظام مراقبة الحدود يعتمد بشكل شبه كامل على الكاميرات الإلكترونية وأجهزة الاستشعار والمدافع الرشاشة الأوتوماتيكية التي يتم تشغيلها عن بعد.
لقد أصبح القادة الإسرائيليون واثقين بشكل مفرط من أن نظام الردع لديهم بات منيعاً. لقد اعتقدوا أن الجمع بين المراقبة عن بعد والأسلحة الأوتوماتيكية الحديثة والمتطورة، والحواجز الإسمنتية والمكهربة التي تم بناؤها فوق الأرض وتحتها لمنع المقاتلين الفلسطينيين من التسلل إلى إسرائيل أو حفر الأنفاق، كافية لمنع أي تسلل عبر الحدود الجنوبية.
“مع الاعتماد على نظام الردع هذا، بدأ جيش إسرائيل في تقليل عدد قواته على الحدود الجنوبية، وسحب القسم الأكبر منها إلى مناطق أخرى اعتبرها “أكثر توتراً” مثل الضفة الغربية”، كما قال اللواء المتقاعد في الجيش، إسرائيل زييف، لـ”نيويورك تايمز”. وكان زييف قد تولى قيادة القوات البرية في الجنوب لسنوات عديدة، وشغل منصب رئيس قسم العمليات في جيش الدفاع من عام 2003 إلى عام 2005 وتم تجنيده مؤخراً في الاحتياط مرة أخرى بسبب الحرب.
وأضاف زييف: “في البداية بدا أن سحب بعض القوات من على حدود غزة إلى أماكن أخرى كان قراراً معقولاً ومقنعاً، بالنظر إلى الروايات التي كانت تُنسج حول الجدار العازل والهالة التي خلقوها حوله، وكأنه جهاز ردع لا يُقهر، ولا يمكن لأي شخص أو شيء أن يخترقه”.
لكن نظام التحكم عن بعد شابته ثغرة أمنية: لقد تبين أن بالإمكان تدميره عن بعد، وبسهولة.
وقد استغل مقاتلو الفصائل الفلسطينية هذه الثغرة من خلال إرسال طائراتهم الحربية المُسيَّرة لمهاجمة الأبراج الخلوية التي تنقل الإشارات من وإلى نظام المراقبة، وفقاً لما يؤكده مسؤولون أمنيون وإستخباراتيون، وكذلك بحسب تحليل خبراء “نيويورك تايمز” للصور والأفلام التي التقطتها المُسيَّرات الفلسطينية.
ومن دون الإشارات الخلوية، أصبح نظام التحكم عديم الفائدة. ولم يعرف الجنود المتمركزون في غرف التحكم خلف الخطوط الأمامية أخبار اختراق السياج الفاصل، ولم يتمكنوا من مشاهدة مقطع فيديو يظهر لهم المكان الذي كان فيه مهاجمو حماس يقومون بهدم المتاريس بالجرافات. بالإضافة إلى ذلك، تبين أن اختراق الجدار أسهل بكثير مما توقعه المسؤولون الإسرائيليون.
الاختراق الأعجوبة سمح لأكثر من 1500 مقاتل من غزة بالتقدم بسهولة نحو أكثر من 30 نقطة عسكرية على طول الحدود، بعضهم وصل بإنزال جوي مستخدمين طائرات شراعية بسيطة كانت تحلق بحرية وراحة تامتين فوق المتاريس العسكرية المُدججة، وآخرون تسللوا عبر الفجوات التي أوجدوها في السياج الفاصل.. واقتحموا أربع قواعد عسكرية إسرائيلية على الأقل من دون أن يعترضهم أي أحد أو أي شيء.
وأظهرت الصور التي نشرها مسؤول إسرائيلي كيف أصيب عشرات الجنود الإسرائيليين بالرصاص بينما كانوا يغطون في نوم عميق داخل غرفهم، وكان أغلبهم لا يزال يرتدي ملابسه الداخلية.
ضياع تام
الفشل العملياتي الثاني تمثل في تجمع قادة فرقة غزة في جيش الدفاع في مكان واحد. وبمجرد اجتياح القاعدة، قُتل أو جُرح أو أُخذ معظم كبار الضباط كرهائن، وفقاً لاثنين من المسؤولين الإسرائيليين.
هذا الوضع، إلى جانب تعطيل الاتصالات حال دون مقدرة القوات الإسرائيلية على الرد. وقد منع كل هذا أي شخص على طول الحدود من فهم النطاق الكامل للهجوم، بما في ذلك القادة الذين هرعوا من أماكن أخرى في إسرائيل لشن هجوم مضاد.
وهذا ما أكده أحد القادة العسكريين الذين شاركوا في الهجوم المضاد، وهو العميد دان غولدفوس، بقوله: “إن فهم ما جرى وما كان يجري على الأرض كان أمراً صعباً للغاية”.
فعلى الأرض التقى غولدفوس – بالصدفة – قائداً من لواء آخر، وقررا لوحدهما ما هي المستوطنات والقرى التي ستعمل وحداتهما على استعادتها.
وقال: “لقد اتخذنا قراراتنا فيما بيننا فقط. كان من الصعب للغاية التواصل مع القيادة العسكرية العُليا في تل أبيب، خاصة في المراحل الأولى، كنا ندرس كل خطوة بخطوتها بغض النظر عن ما قبلها وما بعدها”.
ونتيجة لذلك، لم يشعر أحد هناك بالحاجة الفورية إلى غطاء جوي سريع وضخم، حتى عندما بدأت وسائل التواصل الاجتماعي تبث تقارير عن وقوع هجمات في العديد من التجمعات. “لقد استغرق الأمر ساعات طويلة حتى وصل سلاح الجو وأصبحت المنطقة آمنة جزئياً بالنسبة لنا، بالرغم من أن القواعد والمدرجات العسكرية قريبة جداً”، وفقاً لإثنين من المسؤولين الإسرائيليين وعدد من الناجين من الهجمات.
كانت تداعيات هجمات يوم السبت كارثية على أمن إسرائيل وسمعتها في المنطقة كـ”شريك عسكري” يمكن الاعتماد عليه.
وقال جوزانسكي (المسؤول الكبير السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي): “قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، كانت إسرائيل تُشكل سنداً للعديد من دول المنطقة فيما يتعلق بالقضايا الأمنية.. الصورة الآن أهتزت.. إسرائيل أصبحت ضعيفة ولم تعد محل ثقة”.
لا تجادل أجهزة الأمن الإسرائيلية في حجم الفشل الذي منيت به. لكنهم يقولون إنه لا يمكن التحقيق في الأمر إلا بعد انتهاء الحرب، على حد تعبير المتحدث باسم جيش الدفاع اللفتنانت كولونيل ريتشارد هيشت، الذي يقول: “قواتنا تحاول استعادة السيطرة على الأرض.. سننهي كل هذا.. وسيتم التحقيق في ما حدث”.
كلام فارغ الذي حصل تنسيق تام بين الاستخبارات الإسرائيلية وقادة حماس لتنفيذ الهجوم أهدافه ضرب التقارب الإسرائيلي السعودي الإماراتي ومن ثم التخلص من عناصر حماس الذين أصبحوا عبء ثقيل جدا على الإدارة المحلية لقطاع غزة … يذكرني هذا كما حصل عندما قتل إسحاق رابين أين وكيف ولماذا. (رابين مد يده لحافظ الأسد من أجل عملية السلام في ابشرق الأوسط)
لا تلعبوا مع رجال الدين هؤلاء جسم واحد مؤسسة واحدة ان كانت إيرانية يهودية مسيحية مسلمة، هم واضعي أسس هذا العالم.