شبَّه قيادي بارز في الأكثرية الجديدة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط «بشرطي السير الذي يقف على منعطف صعب ينظر الى ارتال السيارات المتسارعة لكي يحدد خط السير الذي سيختاره»، واعتبر القيادي «ان المواقف التي يعلنها جنبلاط بشأن الأوضاع في لبنان والمنطقة وسوريا تؤكد ان الأخير يراقب ما يجري من تطورات ومتغيرات لكي يحدد مواقفه النهائية، لكنه يحرص على ارسال اشارات ايجابية في كل الاتجاهات لكي يضمن خط العودة اذا لم تؤد الأحداث الى ما يتوقعه من متغيرات».
هذا التوصيف ينطبق أيضاً على المواقف التي اعلنها جنبلاط خلال انعقاد الجمعية العمومية الأخيرة للحزب التقدمي الاشتراكي، التي اعلن فيها نيته لعدم ترشحه مجدداً لرئاسة الحزب في نهاية العام المقبل وأشاد فيه بالنقاط السياسية المضيئة للحزب عندما كان جزءاً من قوى 14 آذار عام 2005، وأعاد طرح «خريطة الطريق» لمعالجة الأزمة السورية، التي وازن فيها بين دعمه للمعارضة السورية وحرصه على النظام ورفض التدخل الخارجي.
وأكد جنبلاط كذلك ضرورة تمويل المحكمة الدولية مع رفض تسييسها، وضرورة العمل لمعالجة «سلاح المقاومة» عبر خطة متكاملة مع وقف الانتهاكات الاسرائيلية للسيادة اللبنانية واستعادة الأراضي اللبنانية المحتلة.
واعتبر جنبلاط ان المجلس القيادي الجديد للحزب التقدمي الاشتراكي، الذي جرى انتخابه خلال الجمعية العمومية هو «مجلس انتقالي» لمدة عام بانتظار إجراء تغييرات جذرية تنهي التوريث الحزبي وتضع نظاماً جديداً للحزب.
فما هي أبعاد ودلالات المواقف التي يطلقها جنبلاط في هذه المرحلة؟ وهل سينجح جنبلاط في تقديم نموذج جديد للعمل الحزبي عبر إنهاء عملية التوريث السياسية وضخ الدماء الجديدة في قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي؟
دلالات المواقف وأبعادها
تقول مصادر سياسية مطلعة «ان المواقف التي اطلقها ويطلقها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من الأوضاع في لبنان وسوريا والمنطقة تنطلق من وجود معلومات ومعطيات لدى الأخير بأن الشهرين المقبلين سيشهدان تطورات هامة قد تؤدي الى حصول تغييرات أساسية في سوريا قد تطيح الرئيس بشار الأسد وسيكون لها انعكاسات مباشرة على الأوضاع اللبنانية والعربية، وان جنبلاط حصل على معلومات هامة من المسؤولين الفرنسيين والروس وبعض القيادات العربية عن أن الأمور لن تعود الى الوراء وان التغيير قادم لا محالة».
وتعتبر المصادر «ان جنبلاط بدأ يستعد للانتخابات النيابية في عام 2013، ولذلك اعلن رفضه لاعتماد النسبية في قانون الانتخابات وعمد الى ارسال اشارات ايجابية الى «تيار المستقبل» و«قوى 14 آذار» لكي يضمن دعم القاعدة الشعبية لهذه القوى لمرشحي الحزب إن بقيت الأمور على ما هي عليه على صعيد قانون الانتخابات ان لجهة اعتماد قاعدة النظام الأكثري أو بالنسبة لتقسيم الدوائر، وجنبلاط يريد الاحتفاظ بموقعه السياسي والشعبي ولذلك يحرص على ارسال الرسائل في جميع الاتجاهات وعدم الحسم النهائي في مواقفه».
وتختم المصادر «ان جنبلاط ينتظر ما ستؤول اليه الأوضاع في سوريا والعراق وانعكاسات ذلك على الوضع اللبناني والعربي ولذلك لم تكن مواقفه حاسمة ونهائية، بل هي مواقف مركبة ومتداخلة ومفتوحة على كل الاحتمالات».
الالتزام بالوعود
لكن السؤال الأهم الذي طرحه السياسيون والاعلاميون والمراقبون في لبنان هو: هل يلتزم وليد جنبلاط بوعده بإنهاء التوريث العائلي في الحزب التقدمي الاشتراكي؟ وهل سيتخلى جنبلاط عن رئاسة الحزب الحقيقية في عام 2012؟ ومن سيتولى رئاسة الحزب بديلاً منه؟ وكيف ستكون العلاقة بين الزعامة الجنبلاطية من جهة والحزب التقدمي الاشتراكي من جهة اخرى؟
مصادر حزبية لبنانية تقول «ان الحزب التقدمي الاشتراكي عندما تأسس في الخمسينات لم يكن حزباً درزياً أو جنبلاطياً، بل كان حزباً لبنانياً يضم عدداً كبيراً من القيادات الفكرية والسياسية من مختلف الطوائف والمذاهب. وأدى الحزب دوراً مهماً في كل الأحداث اللبنانية والعربية وتحوَّل زعيمه كمال جنبلاط الى أحد أهم القيادات اللبنانية والعربية والدولية لأنه كان يحمل فكراً اصلاحياً واجتماعياً، لا فكراً طائفياً أو مذهبياً».
وتضيف المصادر: «لكن مع الوقت وبسبب الحرب اللبنانية تحول الحزب الى حزب طائفي ومذهبي يضم اغلبية درزية مع وجوه قليلة مسيحية وسنية وشيعية، وأصبحت القيادة جنبلاطية محضة من دون أي تداول السلطة ولم يعد للحزب أي مشروع اصلاحي سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي، بل أصبحت مواقف الحزب ورئيسه تتغير وفق تغيير المصالح والحسابات».
واليوم تبدو الأمور صعبة على صعيد الفصل بين الزعامة الجنبلاطية والحزب التقدمي الاشتراكي بسبب التماهي الكبير بينهما، وهذا ما يقوله العديد من قيادات الحزب وأنصاره، وإذا تخلى جنبلاط وعائلته عن قيادة الحزب فإن القاعدة الجماهيرية ستتخلى عن الحزب وترتبط بآل جنبلاط.
ومن الصعب كذلك ان يتحول الحزب الى حزب غير طائفي أو مذهبي لأن اغلبية القاعدة الحزبية تنتمي الى الدروز وليس هناك قاعدة حزبية من الطوائف الأخرى، لانه لم يعد لدى الحزب أي مشروع سياسي وطني بل هو يعمل لحسابات طائفية ومذهبية، ولعل رفض جنبلاط اعتماد النسبية في قانون الانتخابات النيابية يؤكد هذا الاتجاه.
لكن رغم كل هذه الملاحظات السلبية والصعوبات التي ستواجه أي تغيير قد يحصل في الحزب سواء على الصعيد القيادي أو السياسي، فإن ما طرحه جنبلاط من مواقف وما أعلنه من استعداد للتخلي عن رئاسة الحزب ووقف التوريث العائلي والحزبي سيكون أمام امتحان مهم منذ اليوم وحتى تشرين الأول من العام المقبل.
فهل ينفذ جنبلاط رهان التغيير؟
وهل يبقى الحزب التقدمي حزباً فاعلاً ويتحول الى حزب وطني؟ أم يتحول الى مجرد ديكور سياسي لا فاعلية له، ليتحول العمل السياسي الى الزعامة الجنبلاطية بمعناها التقليدي المباشر؟
هذه الأسئلة برسم الحزب التقدمي الاشتراكي وقيادته وزعيمه وليد جنبلاط، بانتظار الاجابات بعد عام ان شاء الله.
kassem_1960@hotmail.com
* كاتب لبناني
مجلة الامان