حرب تموز 2006 قسمت مجتمع الضاحية إلى فئتين ترعى بينهما قطعان الفوارق المادية.
ففي حين كانت الطبقة المتوسطة في مجتمعها تتنامى وتتسع معتمدة على نتاجها الإقتصادي المستقل والمستقر، أتت حرب تموز لتقلعها من جذورها وتمحو ما بنته وأسّسته عن بكرة أبيه. وفاقم الأمر التلاعبُ والإحتيال في دفع التعويضات وتوزيع “الأموال النظيفة”، التي انتفع منها بالدرجة الأولى الحزبيون ثم المؤيدون والمقربون من الحزب. أما من لا يملك حظوة عند المقتدرين، فسكت تحت الضغط والترهيب، والوعود العرقوبية في الحصول على دفعة قادمة من تعويضات لا تأتي. وهكذا انحسر حضور هذه الطبقة وتراجع تأثيرها لحساب مقتنصي الفرص ومنتفعي الحروب. ودخل أغلب المصنّفين بـ”متوسطي الحال” في دوامة الفقر والفاقة أفواجاً.
وقد قام الإلهيون بمصادرة أغلب الشقق التي أعادوا بناءها، بعد أن دفعوا تعويضات لا تسمن ولا تغني من جوع لمالكيها الأساسيين. كذلك، وضعوا أيديهم على كل المستودعات والأقبية أسفل الأبنية، وأضافوها إلى ممتلكاتهم الخاصة. والحال هذه تنطبق على كثير من المحال والمؤسسات التجارية، والأراضي التي تستعمل كملاعب رياضية، لتصبح ساحات لإقامة احتفالاتهم الخاصة مثل “ملعب الراية”!
الفرز الإجتماعي المستجد الذي أصاب الطبقات الإجتماعية في الضاحية انسحب بطبيعة الحال على مظهرها العام.
فانتشرت فيها المطاعم والمقاهي والنوادي الرياضية، لكل فئة حسب مقدراتها المالية. فمن ناحية، احتل مهمشون اجتماعيا أرصفتها العريضة والدوارات الترابية عند تقاطع الطرقات والمساحات العامة أسفل الجسر الطويل الذي يربط طريق المطار بمنطقة الحازمية، وحولوها إلى مقاهٍ شعبية يرتادها ذوو الدخل المحدود والعاطلون عن العمل، وتتحول بعد منتصف الليل إلى أماكن للعربدة المكشوفة والسكر وتعاطي الحشيش وحبوب الهلوسة.
بالمقابل حظيت “طبقة حديثي النعم” بسلسلة من المطاعم والمقاهي الفخمة حملت أسماء بلغات أجنبية، على غير العادة، مثل “فاميلي هاوس” و”إل بونتيه” و”فانتازي وورد” و”سيزنز”! زبائن هذه الأماكن من البرجوازية الحزبية: نواب، ومسؤولون في الحزب، وعائلاتهم.
يضاف إلى ذلك هجمة مطاعم الوجبات السريعة الأمريكية على الضاحية!
ولا بد هنا من الكلام عن الإعلان الذي يروج لسلسلة مطاعم “كي أف سي” الذي يقول “تربعنا في الضاحية”، في إشارة إلى حصول المطعم الأمريكي على مكان مرموق في الضاحية في قلب مربعها الأمني! كما لا بد من الإشارة إلى أن مبيعات هذا المطعم في الضاحية تفوق نسب مبيعات فروعه في أي منطقة لبنانية أخرى!
تكثر في محيط المطاعم والمقاهي الشعبية “الموتوسيكلات” وهي وسيلة النقل الأساسية في الضاحية، والتي صار عددها يفوق عدد سكان الضاحية أنفسهم، وكلها غير مرخصة. بينما تتجمع حول مقاهي الدرجة الأولى السيارات الفارهة والحراس الشخصيون لمسؤولي الدرجة الأولى.
الفرز الإجتماعي يطال محلات الألبسة والإيشاربات ودكاكين البقالة والخضار والأفران والتعاونيات الإستهلاكية، وشركات تعبئة الشرب، حتى العيادات الطبية والمستشفيات لا تسلم من هذا الفرز. في أسواق الضاحية تلاحقك عبارات “هذا غالي”، “هذا رخيص”، في الوقت الذي تتوقف فيه سيارة جيب ضخمة مزودة بزجاج داكن تخرج منها “سيدة محجبة” ترتدي ملابس “سينيه” تدخل إحدى التعاونيات، وتخرج منها وقد ملأت أربع أو خمس عربات نقالة مما لذ وطاب!
مساكن الحزبيين في الضاحية تميزت، بعد إعادة إعمار ما دمرته حرب تموز، عن بقية مساكن اهالي الضاحية من غير الحزبيين! الأبنية الجديدة زينت واجهاتها بالحجارة الصخرية وبعض القرميد الأحمر، وانتقل الحزبيون من العيش في أحياء الضاحية الشعبية إلى السكن في أحياء “أرستقراطية”، مثل “الحي الأبيض” و”حي الأمريكان” و”شارع الجامو”، بينما ازداد الفقير فقرا والمحتاج غلبة.
هذا على الصعيد الإجتماعي أما على الصعيد الأخلاقي، والأمني، فالكلام لا يتوقف عند حدود، حيث يبدأ من الرأس ولا ينتهي عند القاعدة.
وقد ارتفعت في الآونة الأخيرة صرخة أصحاب المؤسسات التجارية في الضاحية الذين شكوا من ارتفاع قيمة الضرائب الشهرية التي يفرضها الحزب عليهم. وهذا، علاوةً على الضرائب البلدية التي تجبيها بلديات حزب الله، وتذهب بمعظمها لميزانيته الخاصة، والتي تشبه نظام “الخوّات” التي عرفتها هذه المنطقة أيام السيطرة العثمانية على البلاد.
ويرأس نظام الخوات الحزبي شقيق النائب “علي عمار”!
كذلك الشكوى من التفرقة في المعاملة على أساس ان “فلان حزبي” و”فلان غير حزبي”! فعند وقوع أي خلاف بين شخصين في الضاحية، يطوق على الفور من قبل عناصر “امن الحزب” الذين يخرجون من أوكارهم كما يهجم النمل ويباشرون بالتحقيق لمعرفة هوية المتقاتلين. فإذا كان أحد طرفي الخلاف يخصهم، ينحازون إليه مباشرة دون معرفة أسباب الخلاف. وإذا كان لا يخصهم بشيء، يغادرون على مهل كما أتوا، أو يتصل أحدهم دون الكشف عن اسمه وصفته بأقرب مركز أمني تابع للدولة طالبا التدخل.
من الناحية الأخلاقية أيضا ,اللافت أن أسماء الحزبيين وأبنائهم ونسائهم باتت تتصدر صفحات الملفات المتعلقة بالدعارة والمخدرات.
“المتعة” من سن 9 للبنات و14 للصبيان.. بموجب “فتوى”!
ولم تعد “بدعة المتعة” مقتصرة على أرامل الشهداء، بعد صدور فتاوى بتحليلها للراغبين من الجنسين شرط “البلوغ الشرعي”، أي تسع سنوات عند الإناث وأربع عشرة سنة عند الذكور. أما المخدرات فتجري الأحاديث عن تورط أبناء سياسيين من الوزن الثقيل في حزب الله في ملف المخدرات إدمانا وتجارة.
الفساد الإلهي المستشري في دويلة الضاحية شجع على نشوء دويلات عائلية في الأحياء، منها على سبيل المثال “دويلة أو حي آل المقداد”، المتاخم للمربع الأمني اتجاه مجمع سيد الشهداء و”حي آل زعيتر” القائم على حدود الجامعة اللبنانية لجهة حي السلم.
الداخل إلى “حي آل المقداد” مفقود والخارج منه مولود! بهذه العبارة المستهلكة يمكن وصف هذا الحي الخارج عن القانون الذي تسكنه أسر مقدادية من منطقتي البقاع وجبيل، حيث تنشط المخدرات تعاطياً وترويجاً وتجارة، وترتفع فيه قرقعة السلاح على أنواعه. تاجر المخدرات هو ذاته تاجر السلاح، يعرض ما يملكه من البضاعتين ويبيع سلعه ويؤمن المطلوب بغمضة عين. وهو المفاوض ذاته، في حال نشوب عراك أو حصول حادث أمني ما. بالإضافة إلى ذلك، لا يخشى سكان الحي من المجاهرة باستعمال السلاح الأبيض “السكاكين والشبريات” والمقالع والعصي لأتفه الأسباب. و يجري ذلك بمعرفة من حزب الله، الذي يفضل عدم التدخل في شؤون أبناء الحي، ويترك عبء ترطيب وترتيب الأجواء الأمنية المحتقنة عقب أي إشكال على عاتق الجيش اللبناني.
أما “دويلة الزعيترية”، أو حي آل زعيتر، فحدث ولا حرج!
سلاح وحشيش، وسرقة سيارات، و”خط عسكري” سالك بالإتجاهين من الضاحية إلى البقاع وبالعكس. آل زعيتر في “دويلتهم” يفرضون على باصات نقل الطلاب إلى الجامعة اللبنانية خوة تبلغ ألفي ليرة على “الدَخلة”. ومن يرفض دفع الخوة الإلزامية، يحرم من العمل على خط الجامعة! الحي معمل لبيع السلاح المهرب من سوريا، ومن مخازن حزب، الله بسعر أقل من سعر السوق، وللتجارة بكل أنواع المخدرات في السوق اللبنانية. وما يفيض عن حاجة السوق المحلية، يصرف عبر قنوات محمية إلى “مرفأ الأوزاعي”، ومن ثم إلى الخارج. أما السيارات التي تقنصها العصابات من مختلف المناطق اللبنانية، فيتم شحنها إلى الحي. هناك تتكفل ورش مجهزة لهذه الأغراض بتغيير لونها وفرشها ومسح رقمها الآلي ومن ثم بيعها مجددا.
هذا غيض من فيض مما يجري داخل دويلة الضاحية الجنوبية، التي حولتها سياسة “الأبارتيد” الإلهية إلى زاوية مغلقة على نفسها بعدما كانت رئة يتنفس من خلالها وطن بأكمله…..
انتهى حاليا
جمهورية الضاحية (3): مرجعيّتها معقودة لخامنئي ومعمّموها الجُدُد يمقتون خرّيجي “النجف”!
“جمهورية الضاحية” ممسوكة” (2): تُذكّر بعالَم جورج أورويل في رواية”1984″!
“جمهورية الضاحية” (1): لولا لهجة سكانها، لا يوجد في ملامحها ما يدل على أنها منطقة لبنانية!
جمهورية الضاحية (4): حرب 2006 رفعت أحوال “الحزبيين” وأفقرت متوسّطي الحالملاحظات تم مشاهدتها:يتم انطلاق غزوات للنهب والسرقة من الضاحية الى الشويفات وخاصة طريق صيدا القديمة بحيث اصبحت كل النساء التي يمروا بهذا الطريق يعلموا انهم لو حملوا اي محفظة في ايديهن فأنهن سيتعرضن للسرقة بسرعة لا مثيل لها.والمنطقة الثانية التي وقع اختيار ابطال الضاحية عليها لينهبوا مواطنيها هي بدارو التي تتعرض لغزوات كثيفة يتم فيها سرقة البيوت والنساء المارة بالطريق ملاحظة ثانية : اغلب التجار خاصة المستوردين للبضائع الاستهلاكية في منطقة الجاموس وملعب الراية لا يدفعوا رسوم جمركية على البضائع المستوردة ولا رسوم الضريبة المضافة وثالثة: تجارة التخابر: في الضاحية… قراءة المزيد ..
جمهورية الضاحية (4): حرب 2006 رفعت أحوال “الحزبيين” وأفقرت متوسّطي الحال _المقالة التي كتبتها وتم نشرها في مجلة “الشراع” مشكورة بتاريخ 9/12/2011 09/12/2011 الضاحية “الضحية”! الضاحية “الضحية”، ضحية حزب أشرف الناس القيمين عليها وأطهرهم، ضحية الشعارات المزيفة والمتزلفة التي تزين شوارعها وأزقتها المرفقة بصور لأسياد الضاحية ولأسياد طهران، الأحياء منهم والأموات، وللحظة تظن نفسك في طهران، ضحية التكاليف الشرعية والفتاوى الدينية. ضاحية بيروت الجنوبية، هذه المدينة وسكانها الشرفاء ضحية لعدد من العاطلين عن العمل وأصحاب السوابق في تجارة المخدرات، وسرقة السيارات، تراهم بأم عينك على جوانب الأزقة والطرقات. الضاحية هذه أصبحت جمهورية ل¯”حزب الله” ومأوى للخارجين عن القانون الذين ينتشرون… قراءة المزيد ..