جمهورية الإعدام

0

توَّعدُ الرئيس الإيراني أحمدي نجاد المشكوكُ في شرعيةِ انتخابه، المُحتجينَ على حكومته بـ” كسرِ أرجلهم”، خلالَ زيارته الأخيرة لمدينة تبريز، يبدو مُثيراً للضحك والسخرية، إذا ما علمنا أنَّ نظامه الثيوقراطي وحرسه الثوروي ومحاكمه الثوروية لا تكتفي بتكسير الأرجل، بلْ أبعدَ من ذلك تقومُ بتدلية الرقاب من المشانق وتصادرُ الأرواحَ والأنفاسَ وترجمُ النساءَ في الشوارع والساحات، لمجرَّد الاختلاف السياسي والثقافي والاجتماعي معَ الخطاب الرسمي السائد المُوغل في القروسطية. ولعلَّ الدلالة الصارخة على ذلك ما حظيتْ به واقعةُ إعدام الناشط الكوردي الشاب إحسان فتاحيان مؤخراً من اهتمامٍ إعلامي إقليمي وعالمي، كمؤشرٍ آخر على مدى اغتراب النظام الإيراني في الراهن العالمي الموَّار، مُضافاً إلى أشهرٍ من قمع السلطات الإيرانية للمتظاهرينَ والمُحتجينَ على التلاعب بنتائج انتخابات الرئاسة الإيرانية التي أسفرتْ عن تنصيبِ نجاد رئيساً مُجدداً.

الكثيرُ قيلَ عن إعدام الشاب الكوردي فتاحيان. ويمكنُ قولُ المزيد أيضاً، لجهةِ انتهاك إيران للمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وامتناعها عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتعليقِ تنفيذِ عقوبة الإعدام الصادر في 18 ديسمبر 2007، ورفضها الأعمى للمطالبِ والمناشداتِ الداخلية والخارجية كافةً بإلغاء عقوبة الإعدام، وتكريسُ نظام الملالي الإيراني بقاءه وطبيعته عبرَ مواصلته تنفيذ عقوبات الإعدام كعقابٍ رادعٍ وقمعي بإمتياز، مُسلَّطٍ على الرقاب لإجهاض القوى والحركات الساعية إلى إحداثِ تغييراتٍ في مجمل الظروف والأوضاع السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية وملحقاتها، فالإبقاءُ على سقف الإجراءات العقابية المتمثل بالإعدام في عُرفِ آيات الله المُتسلطة على إيران اليوم والمُصادرةِ لراهن إيران ومستقبلها القريب، هوَ إرهابٌ للكتل الجماهيرية الإيرانية، لتجريدها من أيِّ وعي بمنظومة الحقوق العديدة وتفكيرٍ بالتحرر، وإرهابٌ للنشطاء السياسيين والحقوقيين الذين يهجسونَ بغد أفضل، لإبقائهم بعيدينَ عن المُشاركة السياسية، لضمانِ تأييدهم ومبايعتهم الاستبداد الديني المذهبي المؤدلج القائم.

وإذا كانَ إيقاعُ عقوبة الإعدام على الأشخاص العاديين من الجُناة بحدِّ ذاته فعلاً شنيعاً، لحرمانه إياهم من الحقِّ في الحياة، ويُعدُّ مُعيباً للدول التي توقعه على المختلفين والمعارضين لخطابها السياسي، سيما وأنَّ إيران من الدول التي تلجأ إليه لأسبابٍ سياسية أكثرَ منها جنائية، فإن الإجراءاتَ الإيرانية التي سبقتْ إعدام الناشط الكوردي الشاب إحسان فتاحيان تحملُ في طياتها العديد من المؤشراتِ على تنصل السلطات الإيرانية من الإنسانية حتى، فقد استبدلت المحكمة الإيرانية عقوبة السجن لعشر سنوات بالإعدام لاحقاً، ويُشيرُ الشاب فتاحيان في رسالته قبيلَ الإعدام إلى أنَّ قاضي المحكمة الثورية الإيرانية أفهمه أنَّ الحكم الصادر بحقه سياسي لا قضائي، ولم يكن استبدال العقوبة الأخف بأخرى أشد ( الإعدام ) خاتمة المطاف في قضية ” فتاحيان “، إذْ قرَّرَ قاضي محكمة مدينة ” سنه ” ( سنندج ) في سلوكٍ غريبٍ ومُنافٍ للأعراف والتقاليد والأخلاق والسلوك الإنساني في حده الأدنى، أنْ يُحمِّلَ والد الشاب إحسان رسالةً مغلقةً إلى إدارة سجن مدينة ” سنه ” الكوردية الإيرانية، ولمْ تكن الرسالةُ تتضمنُ سوى قرارَ إعدام إبنه القابع في السجن منذ اعتقاله في يوليو 2008.

لم تكنْ واقعةُ شنق الشاب الكوردي إحسان فتاحيان هي الأولى من نوعها في إيران، فقد تكررت في السنوات الأخيرة حوادثُ الإعدام التي طالت نساءً ورجالاً وأحداث، وكانت القسمةُ الأوفرُ للنشطاء المُنخرطينَ في الشأن العام، وبتهمٍ شتى من بينها تهمةٌ سوريالية هي “مُحاربة الله ورسوله”. وقدْ أُعدمَ في إيران منذ 1990 وإلى الآن العشراتُ من الأحداث الذين لم يبلغوا سنَ 18 عاماً، وأعدمتِ السلطات الإيرانية في سجن إيفين خلال يوم 27 يوليو 2008 تسعة وعشرين شخصاً دفعة واحدة، ويُشيرُ تقريرُ منظمة العفو الدولية لعام 2007 إلى أن السلطات الإيرانية أعدمت خلال العام المذكور 317 شخصاً، فيما أعدمت الصينُ خلال العام نفسه 470 شخصاً، فيما سجل العام 2008 إيرانياً تنفيذ 346 عقوبة إعدام. وبإعدام المعارض الكوردي إحسان فتاحيان وصلَ تِعدادُ من أعدمتهم السلطات الإيرانية خلال العام الجاري إلى 266 شخصاً، وهذا يعني أنَّ السلطات الإيرانية تواصلُ السباحة عكسَ التيار العالمي فيما يتعلق بالموقفِ من عقوبة الإعدام، وتحاولُ جاهدةً وبكلِّ ما أوتيتْ من إعداماتٍ تصدُّرَ التصنيف العالمي لتنفيذِ تلكم العقوبة الحاطَّة بالكرامة الإنسانية.

تشيرُ الأنباءُ الأخيرةُ الواردة إلى أن السلطات الإيرانية قد ألغتْ عقوبة الإعدام الصادرة بحق الناشطين الكورديين “شيركو معرفي” و”حبيب الله لطيفي”، اللذين كانا يواجهان الإعدام بتهمة الانتساب إلى حزب الحياة الحرة الكوردستاني (بجاك) الذي يَشنُّ كفاحاً مسلحاً ضدَّ السلطات الإيرانية، فيما لم تُعرفْ تفاصيلٌ عن النشطاء الكورد الآخرين : فرزاد كمانغر، وفرهاد وكيلي، وعلي حيدريان، وفصيح ياسميني، ورستم أركيا، وزينب جلاليان، وفرهاد جاليش، ورمضان أحمد، وأنور رستمي، وشاكر باقي، الذين فرضَتْ عليهم محاكم الثورة الإسلامية الإيرانية عقوبة الإعدام بتهمة عضويتهم في حزبي العمال الكوردستاني والحياة الحرة الكوردستاني المَحظورين في إيران.

إلغاءُ تنفيذِ عقوبة الإعدام بحق الناشطين الكورديين “معرفي” و”لطيفي”، يُسجلُ تراجعاً للسلطات الإيرانية في ملف نصب المشانق، بعدَ أسبوعين من حركة الاحتجاج واسعة النطاق التي شهدتها كبريات مدن إقليم كوردستان إيران والعديدُ من العواصم الأوروبية، ردَّاً على تنفيذ حكم الإعدام بالناشط الكوردي إحسان فتاحيان في الأربعاء 11 نوفمبر، وتجاوباً مع الرسالة التي سطَّرَها النوابُ الكورد في البرلمان الإيراني إلى وزير العدل صادق لاريجاني، مناشدينَ فيها بوقف حملة الإعدامات التي تطالُ الشبان الكورد، وإعادة النظرِ في الأحكام الجائرةِ تلك، ومُحذّرينَ السلطات الإيرانية من مغبة توسيع الهوَّة بين الشعب الكوردي والنظام الحاكم.

mbismail2@hotmail.com

Comments are closed.

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading