في خضم التحليلات السياسية التي تستبعد ضربة إسرائيلية لإيران على خلفية ملفها النووي، وما يشكّله من تهديد لتل أبيب والمنطقة جرّاء التغييرات الجيوسياسية التي قد يخلقها، تسمع في حضرة رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع قراءة مختلفة عن تلك التي يقدّمها المحللون الذين يستهلون نقاشاتهم دائماً من زاوية أن إيران دولة تتقن فن اللعب على حافة الهاوية من دون السقوط، وتتمتع بصبر ونفس طويلين يمنحاها قدرة المناورة من دون المجازفة، وحنكة عقد الصفقات في اللحظة المناسبة. مقاربة جعجع تنطلق من قراءة العقل الإسرائيلي الذي يشعر أن هناك تهديداً كاملاً للكيان الإسرائيلي من قبل إيران. فمفعول الكلام السياسي الإيراني عن إزالة إسرائيل من الوجود أو رمي الإسرائيليين في البحر، يوازي القنبلة الذرية قلقاً بالنسبة إليهم. وهو لا يستخف بالمواقيت التي يجري الحديث عنها حول ضربة متوقعة ضد إيران بين نيسان وحزيران انطلاقاً من أن المسألة – من وجهة النظر الإسرائيلية – هي مسالة وجودية.
اللافت في مقاربة جعجع، التي عبّر عنها خلال لقاء مع مجموعة ضيّقة من الصحافيين، ربطه المشروع الفارسي بحلم «استرجاع السلطة إلى “أهل البيت” واستعادة خلافة المسلمين التي آلت إلى أهل السنّة منذ 1400 سنة. وتشكّل بوابة فلسطين المدخل لاسترداد الخلافة، ويتعاملون معها على أنهم “أهل البيت”. على الطاولة، هناك مشروع يتبناه العرب قائم على حل الدولتين: دولة يهودية ودولة إسلامية. وهناك في المقابل المشروع الإيراني بإنتاج قنبلة ذرية مع ما يحمله من تحولات جيوسياسية، معطوفاً على أدبيات الجمهورية الإسلامية الإيرانية حيال قضية فلسطين، التي تتجلى في إعلام قناة « المنار» التابعة لحزب الله ، حيث يتم دائماً في الأفلام الوثائقية إظهار أن القادة العرب السنّة هم من باعوا فلسطين وخانوا القضية، وأن الثورة الإسلامية الإيرانية ستسترد حق الأمة، وتالياً الساحة الإسلامية الأكبر، والتي هي نقطة الارتكاز في اللعبة الإيرانية».
كل هذا كفيل، في رأي جعجع، بوصول الصدام في النهاية إلى حرب، ليس بالضرورة أن تحظى برضى أميركي. تؤكد معطياته أن الأميركيين غير متحمسين لضربة عسكرية ضد إيران، وربما ينتظرون تغييراً يحصل من الداخل الإيراني على وقع الثورات العربية، ولكن مسار الأحداث المتعلقة بالشرق الأوسط بيّن سابقاً في أكثر من مرة أن إسرائيل «كاسرة» على أميركا، وتقدم في نهاية المطاف مصلحتها».
وإذا كان ثمة تقديرات عن عمل عسكري ضد إيران خلال الأشهر المقبلة، فإن جعجع الذي بدا حاسماً في قراءته بأن العام 2012 سيحمل معه نهاية النظام السوري، وإن توقّع أن تطول معاناة الشعب السوري أشهراً إضافية. فالمسألة اليوم لا تتعلق ببقاء الرئيس السوري أو عدم بقائه. فالأسد بات خارج إطار الصورة. وما يجري راهناً هو تجاذب إقليمي – دولي على مرحلة ما بعد الأسد، وعلى من سيخلف الأسد. وليست وتيرة التطورات الميدانية والدبلوماسية في الملف السوري سوى صدى لواقع التجاذب ومتطلبات إنجاز الاتفاق على البديل، والذي حين ينضج وتدقّ الساعة في سوريا، تتحرّك مجموعة أصدقاء سوريا لحسم المسألة سواء حصل تفاهم أميركي – روسي حول سوريا أو لم يحصل.
خلفيات الموقف الروسي مفهومة، وفق جعجع. تبدأ من «ردّ الصاع» للأميركيين والأوروبيين في ما خص الملف الليبي، حيث جرى تجاوز الروس وتُركوا على «قارعة الطريق»، وتمر برغبة فلاديمير بوتين في شدّ عصَب الناخبين بوسائل عدة عشية الانتخابات الرئاسية والظهور بمظهر مَن يواجه الولايات المتحدة ويحمي مصالح موسكو، لتصل إلى الموقف «الايديولوجي» لموسكو والتي تعتبر وجوب عدم تدخل مجلس الأمن في أيّ صراع على السلطة داخل أي دولة من الدول، على خلفية الخشية من تمدُّد «عدوى» الثورات إلى الاتحاد الروسي، وتنتهي بمجموعة المصالح التي تربط روسيا بالنظام السوري الحالي.
وفيما كانت ترد معلومات متضاربة حول الوضع الميداني في حمص، كان ثمة سؤال يوجّه إليه عما إذا كان يعتقد أن حسم المعركة في سوريا يستلزم حكماً مناطق عازلة؟ «إذا زمطت حمص، هي تصبح منطقة آمنة أو عازلة. وإذا لم تزمط، ستنتقل المواجهة إلى مكان آخر» أجاب رئيس حزب القوات اللبنانية المرتاح لموقفه المنسجم مع الثورة السورية، والذي تتجاوب معه القاعدة القواتية، على الرغم من حساسية الموضوع، حيث تتم عمليات تخويف المسيحيين من سقوط النظام السوري وتصويره على أنه يشكل الحماية لهم، تماماً كما جرى ويجري منذ العام 1975، حيث من هذا المنطلق، دخلت القوات السورية إلى المنطقة الشرقية، إذ يومها استطاعوا أن يقنعوا أركان «الجبهة اللبنانية»، أمثال كميل شمعون وبيار الجميل وإدوار حنين بهذه الكذبة.
المعادلة لدى جعجع بسيطة: لن يحصل أسوأ مما حصل خلال الأربعين سنة الماضية. وأسوأ الحالات أن نبقى محلنا، مع اعتقاده بأن مجرد العبور إلى الديمقراطية في الدول التي شهدت التغيير عن طريق الانتخابات، يشكل خطوة إلى الأمام. لا يُخيفه اسم القوى السياسية التي وصلت إلى السلطة، “إخوان مسلمون” أو غيره، إذ لا يمكن الحكم على هذه القوى من الاسم، بل على ما ستمارسه في الحكم. المهم وجود آلية تغيير ديمقراطي.
ارتياح جعجع حيال ما يشهده الإقليم يقابله ارتياح لما سيحمله المستقبل للبنان. لا يأخذ النقاش في شأن الحكومة حيزاً من الوقت. فهي باقية ما دمنا لم نسحب عنها الغطاء بعد. وسحب الغطاء رهن التوقيت الذي تراه قوى الرابع عشر من آذار مناسباً. فيما الكلام عن إمكانية «الخرْبطة» الأمنية في لبنان ربطاً بتطورات الوضع السوري، فهو كلام يندرج في خانة التهويل لا أكثر.
لا يختلف إثنان في رأي جعجع أن سلاح حزب الله «مرتبط بتوازن القوى على مستوى المنطقة ككل، وأيّ تغيير في هذا التوازن ينعكس تلقائياً على وضعية هذا السلاح»، الذي وظيفته هي وظيفة إقليمية أكثر مما هي تحقيق مكتسبات داخلية في إطار تعديل اتفاق الطائف، والذي هو أمر مرفوض كلياً، ولا سيما «أنني دافع حقه ثقلي ذهب».
rmowaffak@yahoo.com
* كاتبة لبنانية
اللواء