الحوار الوطني ليس مجرد كلام ينتظر الرد عليه؛ كما أنه ليس مجموعة أسئلة تحدد أجوبتها مصير البلاد. والمناخ السائد على طاولته حاليا ينبئ بالعجب، ويوحي أننا نخوض أغرب أنواعه.
ففي أكثر المراحل دقة و صعوبة، حيث الحاجة ملحة إلى قراءة معمقة وشاملة في التحديات الداخلية والخارجية للتفاهم على أولويات الوطن، تأتي المعادلة المطروحة على طريقة “شئتم أم أبيتم”! “هذا هو الموجود وهذا هو ما نريد؛ فإما القبول و إما..”يوم القيامة” الموعود.
نعم، هذا هو إقتراح حزب الله. وهذا هو عرضه على لسان مسؤوليه المفاوصين. فسلاحه ليس موضوع بحث ولا مدار نقاش. وهو “مايسترو” الإستراتيجية الدفاعية في حال أنجبها إتفاق ما، وإن كان ظاهريا يدعم المؤسسة العسكرية في خليط شعاراته الفضفاضة.
ما الجدوى من طاولة حوار كهذه مفخخة بالتموضعات الدولية – الإقليمية الضاغطة، صاعقها جاهز، فتيلها سريع الإشتعال، وخارطتها لعنة تفجر اللحظة والهدف؟
ما الجدوى من فكرة الحوار أساسا، طالما ليس هناك من بادرة توافق واحدة على مشروع حل لأي موضوع خلافي؟ وطالما هناك فريق متمسك بالمخرج الوحيد الذي يتناسب مع محور إرتباطاته؟
وطالما هذا المخرج هو الحفاظ على هيمنة قبضة السلاح الحاكم؟
ومع تسارع وقع الخطوات العسكرية في المنطقة، وتفاقم إرتداداتها على الداخل اللبناني، ترى ما هو المنتظر من حكومة “الوحدة الوطنية” المركبة من رؤيتين متناقضتين للبنان وسياساته، والمربكة بشريك أساسي فيها يحتكر صفات الوطنية ويتهم شريكه الآخر بالعجز و الغدر والتبعية، وتسري مفاعيل التخوين والغطرسة والمغامرة على كافة مطالبه وطروحاته؟ وكأنها “أمر اليوم” يوجهه مرشد “الحرس الثوري” إلى أتباعه في جمهورية “ولاية الفقيه” التي اعتادت طاعته.
وكيف التوصل إلى صيغة حل ناجزة قد تختم نزف الخلافات الأساسية، فيما الطريق إليها معبد بأكثر من مفاعل نووي وآلاف القنابل الموقوتة؟
قد لا يعبر الخطاب السياسي العنيف عن قوة الموقف والقرار، وليس من الضروري أن تعطي لغة التهويل والتهديد موقع المفاوض المنتصر لمن يستخدمها!
كما أن تعدد المخارج لا يخفف من حدة الأزمات، ولا تنتفي مع تعددها صورة الصراعات المستوردة.
tonyabourouhana@hotmail.com
* بيروت