يكتمل هذا الأسبوع مرور عامين على الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بحكم حسني مبارك الذي دام ثلاثين عاماً. ولا شك أن الثورة المصرية لا تزال مستمرة وأن البلاد الآن في حالة استقطاب حاد بين جماعة «الإخوان المسلمين» الحاكمة، التي تبنت العديد من اتجاهات مبارك الاستبدادية في محاولة لتوطيد سلطتها، وبين المعارضة غير الإسلامية التي تخشى من الحكم الثيوقراطي في مصر من جانب آخر. ورغم ذلك فإن جماعة «الإخوان» ومعارضيها لا يختلفون فقط حول الشكل السياسي لنظام ما بعد مبارك في مصر؛ لكنهم يختلفون كما يظهر حول الموعد الفعلي لبدء الثورة المصرية، وما ثار المصريون ضده فعلياً.
وفي الواقع، يرى «الإخوان» أن الثورة المصرية كانت مستمرة على مدار قرون وأنها ترجع بصفة أساسية إلى مساعي طويلة الأجل لمقاومة النفوذ السياسي الغربي والعلمانية، التي تراها مفاهيم ثقافية مستوردة.
وفي سبيل فهم هذه الرؤية التاريخية العدائية، يستحق الأمر أن نتناول بالفحص الحديث الأخير للقائد في حزب «الإخوان المسلمين» عبد الموجود الدرديري أمام “مجلس العلاقات الخارجية” الأمريكي. فقد قال الدرديري أمام جمهوره من خبراء السياسة في واشنطن الأسبوع الماضي “إن كثيرين يرون أن الثورة المصرية لم تبدأ سوى في 25 كانون الثاني/يناير [2011]، لكنني أرى أن الثورة كانت تختمر لعقود طويلة قبل ذلك”. وبحسب الدرديري، استغرقت الثورة المصرية “213 عاماً”، بداية من مقاومة غزو نابليون لمصر عام 1798 واشتدت مع مقاومة الغزو البريطاني لمصر عام 1882.
واستطرد الدرديري قائلاً “لقد خلقت هاتان المحاولتان الاستعماريتان حالة من الارتباك ليس في الثقافة والتطور السياسي المصري فحسب، وإنما داخل عقول المصريين أيضاً”، واستشهد بتأسيس المعتمد البريطاني لدى مصر، اللورد كرومر، لنظام تعليمي مصري يهدف، بحسب كلمات كرومر، إلى إنتاج “مسلمين بدون إسلام”. ثم تتبع الدرديري هذه المحاولة الخارجية لعلمنة مصر في كتابات المفكر الإسلامي طه حسين الذي “كتب كتاباً كاملاً عن … الاتجاه الذي ينبغي أن تسير فيه مصر. هل يتعين عليها السير على النهج الأوروبي أو النهج الإسلامي؟ وكانت رؤية طه حسين في كتاباته تقوم على أنه ينبغي على مصر أن تتبع النهج الأوروبي. كان عليها أن تفعل كل ما فعله الأوروبيون من أجل أن تكون قادرة على خلق نهضة جديدة لمصر”.
ويرى الدرديري أن اعتناق حسين للقيم الأوروبية والتطور الأوروبي “لم يلق الكثير من الترحيب بين صفوف المفكرين التقليديين والإسلاميين في ذلك الوقت المحدد”. لكن الانقلاب العسكري عام 1952 وأنظمة ناصر، والسادات، ومبارك المتعاقبة، حالت دون تقديم المصريين “إجابة شعبية” على السؤال المتعلق بما إذا كان ينبغي على مصر أن تتبع العلمانية الأوروبية أو النهج الإسلامي.
ومن ثم، قال الدرديري إن أهمية الانتفاضة المصرية عام 2011 تكمن في أنها مثلت الفرصة الأولى للمصريين لتقديم إجابة جماعية ونهائية عن “ما هو مستقبل مصر؟ وأين ينبغي أن تتجه مصر؟” كما أن الانتصارات الانتخابية المتتابعة لـجماعة «الإخوان» أضفت شرعية على صيغتها المفضلة التي تقوم على إحداث توافق بين “العادات الإسلامية و… التطورات الأوروبية الأمريكية“. وقد أرجع الدرديري هذا النهج إلى المفكرين الإسلاميين في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين من أمثال محمد عبده وراشد رضا، وكذلك مؤسس جماعة «الإخوان» حسن البنا الذين كانوا يهدفون إلى “أن يأخذوا من أوروبا أفضل ما نستطيعه، ويضيفونه إلى أفضل تقاليدنا ويحاولون إنشاء بديل ثالث”.
ويستحق الأمر هنا التأكيد على أن هذا “البديل الثالث” يأخذ “التطورات الأوروبية الأمريكية” — لا سيما التقدمات العلمية والإجراءات الإدارية الغربية، مثل السياسات الانتخابية — ويوظفها لتعزيز “التقاليد الإسلامية” لـ«الجماعة» التي تؤكد على “ترسيخ الشريعة” ثم بناء “دولة إسلامية عالمية”. وهذا النهج يميزها عن السلفيين التقليديين، الذين كانوا يرفضون بقوة حتى وقت متأخر التقدم الغربي ويعتبرونه “ابتكارات” محرّمة. لكن نهج «الإخوان» ينظر في النهاية إلى القيم الغربية — مثل العلمانية والتعددية السياسية — على أنها مفاهيم مستوردة يقاومها المصريون بحسب ما يراه الدرديري لفترة دامت 213 عاماً.
وهذا بطبيعة الحال ليس ما دفع معظم الثوريين الذين خرجوا بشجاعة إلى “ميدان التحرير” قبل عامين، مطالبين بالحرية السياسية ومروجين للتوحيد. لكن المؤسسة الإسلامية التي اختطفت الزخم الأولي للثوار تخوض معركة مختلفة جداً لما يقرب من قرن من الزمان، ويجب على واشنطن أن تلاحظ أن «الجماعة» تنظر بصفة أساسية إلى الثورة المصرية على أنها جزء من صراع مستمر ضد النفوذ والقيم الغربية. وعلى أي حال، فقد أفصح أحد المتحدثين باسم «الإخوان» عن الكثير من ذلك في واشنطن.
إريك تراغر هو زميل الجيل القادم في معهد واشنطن. كاتي كيرالي هي مساعدته لشؤون الأبحاث، وقامت بتدوين تصريحات الدرديري.