يمكن توصيف هذه آلمرحلة التي نمر بها الآن، بحالة التشوش والإرتباك، وضياع بوصلتنا في متاهات لا منافذ لها. ومن مظاهر هذا التشوش الخلط أو ألتصنيف آلجائر وغير العادل بين بعض المفاهيم.
فالوطنية هي رديف للاسلاموية. والعلمانية هي رديف للالحاد والخيانة، وحيث تصنف على أنك مع آلحصار على غزة. فالوطنية والعلمانية -عند هؤلاء- يسيران في خطين متوازيين لا يلتقيان. والدفاع عن الأوطان، انما هو حكر على الأصوليين والطائفيين.
فقد نجح “أرعنان”، في تقسيم هذا العالم الى قسمين لا ثالث لهما .قسم الشيخ أسامة بن لادن العالم الى فسطاطين: خير وشر. وبالتأكيد فان أتباعه هم أنصار الخير، والآخر، كائنا من كان، هم أتباع الشر أو الشيطان. وأعلن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش جونير”بأن من ليس معنا فهو ضدنا”، عندما أعلن الحرب ضد ما أسماه الارهاب..
ووفقا لهذه التقسيمات فقد اتهمت بـأني مع الحصار على غزة، وذلك على خلفية النقد الذي وجهته لسلطة غزة، ودفاعي عن جزء أصيل من شعبي الفلسطيني، تدفعني الغيرة الوطنية، ومنطلقات انسانية بحتة. لأن الوجود الانساني أسبق في الوجود من كل الديانات، التي انما أنزلت لراحة الانسان، وللتقريب بين البشر.. وهذا ما يجعلني أصرخ مع الشاعر آلمصري “أحبك أيها الأنسان”، بصرف النظر عن دينه أو لونه أو عرقه..
ان نقد السلطة الفلسطينية في غزة يعني عند هؤلاء مباركة آلحصار وتأييده.. وأن تكون ضد الحصار فهذا يعني السير في قافلة الأصولية والطائفية..
والسؤال الكبير ألذي أطرحه على منتقديّ: هل شاهدتم كيف تقوم السلطة الحمساوية بتدمير بيوت الغزيين، ورميهم في الطرقات مع نسائهم وأطفالهم، فيضطرون لنصب خيامهم فوق أنقاض بيوتهم، بالضبط، كما يفعل الاسرائيلي مغتصب الأرض؟ صورتان تصلحان لمسابقة “أوجد الاختلاف” بين هاتين الصورتين المتطابقتين يا شاطر!
وفي ظل هذا الحصار الظالم وآللانساني.. والذي هو علة وسبب جريمة أسطول الحرية، تقوم السلطة الحمساوية، بفرض ضرائب جديدة، على شعبها المحاصر والمجوّع، في ذات الوقت الذي تتدفق فيه ألمساعدات السخية على السلطة.. ناهيك عما يروى عن الفساد المستشري فيها. هذا الفساد الذي عيب فيه على السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وجعل حماس تفوز في الانتخابات، على أنهم جماعة “تخاف الله”.. وهنا يحضرني قول الشاعر الفلسطيني عمر أبو ريشة:
لا يلام الذئب في عدوانه ان يك الراعي عدو الغنم!!
يبقى سؤال آخر في المسابقة: ما هو الفرق العملي بين طروحات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية والمتهمة بالخيانة والتفريط، وبين والسلطة الفلسطينية في غزة، ألتي بدأت بطرح دولة ضمن حدود العام 1967، وطلب هدنة طويلة مع الكيان المغتصب؟ بحيث أوقعونا في حيص بيص، في حل هذا اللغز!!
ان عدم ادراكنا وعدم اعتناقنا لفضيلة النقد، هي التي تجعلنا لا نقرأ العبر والدروس من تجاربنا، فترانا نقع في ذات مطبات أخطائنا..
ان أرض فلسطين هي لكل أطياف الشعب الفلسطيني على حد سواء، وليست حكرا لأي فئة ترى نفسها فوق أي طرف آخر..
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم!!!
albakir8@hotmail.com
* كاتبة فلسطينية