وجدي ضاهر بيروت الشفاف خاص
اثارت مواقف النائب وليد جنبلاط دهشة واستغرابا وارباكا في صفوف المعارضة والموالاة على حد سواء، مما وضع الجميع امام تحديات جديدة فرضها انسحاب جنبلاط من قوى 14 آذار مما اعاد خلط الاوراق السياسية خصوصا لجهة احتساب لاغلبية النيابية والاقلية ومدى انعكاس ذلك على التشكيلة الحكومية المرتقبة.
مراقبون في بيروت اعتبروا ان موقف جنبلاط نابع من “دفتر شروط” سوري التزم جنبلاط بتنفيذه منذ ما قبل الانتخابات النيابية وعمل على الاشارة الى ما يصفه باعادة تموضعه السياسي من خلال توصيفه الانتخابات بانها ليست مصيرية، إضافة الى تسريب الشريط المصور حول “الجنس العاطل” واستهداف السنّة في الشريط نفسه الذي تحدث فيه جنبلاط عن الذين ارخوا ذقونهم وحفوا شورابهم في اشارة الى السنة المتزمتين او المتشددين.
ويضيف المراقبون ان جنبلاط لديه قراءة سياسية للوضع الاقليمي عبّر عنها في موقفه الاخير من خلال تراجعه وندمه على زيارة الولايات المتحدة ولقاءاته مع المحافظين الجدد في اميركا واعتباره ان المحافظين في ايران وسوريا استطاعوا الحاق هزيمة بالمشروع الاميركي في المنطقة مما يعني لبنانيا، وفي نظر جنبلاط، ان مشروع حزب الله انتصر وان نتيجة الانتخابات تفصيل في مشروع مهزوم وآخر انتصر.
وإضافة الى ما سبق، يقول المراقبون في توصيف موقف جنبلاط انه ايضا نابع من الخوف الجنبلاطي من اي ردة فعل حزب الهية في حال جاء القرار الظني للمحكمة الدولية منطلقا من روحية المقال الذي نشرته مجلة دير شبيغل الالمانية الذي اتهم حزب الله بالضلوع في جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الاسبق رفيق الحريري وسائر الجرائم التي اعقبت اغتياله. وان جنبلاط تلقى تهديدات مباشرة على خلفية ما حصل في السابع من ايار على يد حزب الله وحلفائه، ومفادها ان الحزب لن يرحم احدا اذا جاء القرار الظني على شاكلة تقرير دير شبيغل، وتاليا فان جنبلاط يسعى الى تحييد الدروز عن اي ردة فعل حزب الهية مرتقبة على القرار.
ويرى المراقبون ان موقف جنبلاط ربما كان نابعا من المعطيات السابقة مجتمعة لذلك هو قرر الانسحاب التدريجي من قوى 14 آذار والتموضع في مكان آخر لم يحدده جنبلاط .
ولكن، يضيف المراقبون بما يشبه العتب على جنبلاط تساؤلاً: هل يستلزم فك الاشتباك الدرزي الشيعي خلق اشتباك جديد مع السنة والمسيحيين في قوى الرابع عشر من آذار؟
ومن ثم اين هو “الانعزال” الذي تحدث عنه، واين هو اليمين، وعن اي يسار يتحدث؟ وهل يريد جنبلاط ان يحول الانظار عن اي خلاف درزي شيعي على خلفية القرار الظني المرتقب ليضع الشيعة في مواجهة السنة والمسيحيين، وهل لدى المسيحيين والسنّة القدرة على التأثير في قرارات المحكمة الدولية؟
وتستمر التساؤلات: هل هناك يمين ويسار في لبنان، وعن اي يسار تكلم جنبلاط بحنين عاطفي في ظل تفكك الاتحاد السوفياتي الذي دعمه في حروبه، ووفاة ابو عمار الذي انتقده جنبلاط مرارا، والتجربة الناصرية التي هي اليوم ومنذ سنوات بحاجة الى إعادة قراءة، فضلا عن ان انتقاده للاميركيين جاء في غير توقيته عندما تهرع سوريا الى ملاقاة الانفتاح الاميركي وايران تفتح اذرعتها للولايات المتحدة، وإزاء كل ذلك ما الذي يريده جنبلاط؟
يقول المراقبون: انتقد جنبلاط ولم يوفر احدا ولكنه لم يقدم اي مشروع بديل لمشروع تقويض 14 آذار. اذا ما الذي اراده والي اين سيتجه؟
ومع ان موقف جنبلاط كان مرتقبا وإن يكن احد لم يتوقع ان يكون بهذه الحدة، فان رد “تيار المستقبل: على جنبلاط وعلى خلاف جري العادة جاء سريعا وحادا الى درجة ان جنبلاط نفسه تفاجأ بالرد غير المتوقع لـ”المستقبل” وطلب توضيحات. فـ”المستقبل” اراد ان يبلغ جنبلاط ان حفلات الابتزاز قد انتهت الى غير رجعة، واذا كان جنبلاط مقتنعا بما يقول، فله الحق في ذلك. واذا اراد المضي قدما في اعادة تموضعه فان تيار المستقبل غير منزعج من اعادة التموضع هذه، وليتحمل وليد جنبلاط منفردا مسؤولية مواقفه وتقلباته، ولا مشكلة لدى المستقبل ان يكون عبد الرحيم مراد رئيسا لحكومة لبنان المرتقبة لذلك جاء الرد من تيار المستقبل على قد الموقف الجنبلاطي.
اما سائر القوى في 14 آذار فموقفها وان لم يكن في حدة موقف تيار المستقبل فانها ايضا كانت جازمة في التعاطي مع جنبلاط من دون ان تنجر الى مواقف عدائية معه لتفويت الفرصة علية في الامعان في شرذمة صفوف الموالاة. الا ان منسق الامانة العامة لقوى 14 آذار اختصر الموقف بالقول ان مكان جنبلاط في 14 آذار سيبقى محفوظا له في اي وقت، في حين ان النائب السابق سمير فرنجية طالب جنبلاط بموقف اخلاقي يشرح فيه لجمهور قوى 14 آذار وشهدائها ما الذي يريده والى اين سيتوجه.
وانطلاقا مما سبق يرى المراقبون ان جنبلاط اختار التوقيت المناسب ليعيق تشكيل الحكومة انطلاقا من الاجندة السورية مما يجعل عملية التشكيل على كف عفريت. وتاليا، جاء موقفه ليستهدف دور ومكانة الرئيس المكلف سعد الحريري. فكان على جنبلاط ان يتوقع ردة فعل من الحريري ومن تياره تنسجم مع حجم الضرر الذي تسبب به جنبلاط.