أحيت إسرائيل الذكرى السنوية الثانية عشرة لمقتل رئيس الحكومة وقائد الجيش السابق اسحق رابين، بشكل مهيب حقاً. فبالإضافة إلى أن السياسيين، من اليسار واليمين تنافسوا في تمجيد رابين فقد أقيم في في الساحة المركزية في تل أبيب مهرجان شعبي باشتراك أكثر من مئتي ألف إنسان تحية لذكرى الرجل وتاريخه ونضاله للسلام.
هذا على السطح. أما تحت السطح، فقد كانت أمور مقلقة ومثيرة للتفكير حقاً. ففي يوم السبت 3/11 كانت لعبة رياضية بين فريق بيتار القدس وفريق آخر. ورأى العريف أن يذكر أن يوم غد هو ذكرى اغتيال رابين ودعا الحضور إلى الوقوف دقيقة حداد تحية لذكرى الرجل. المفاجأة الصاعقة أن حشداً ضخماً من مؤيدي بيتار القدس (المحبوب على اليمين تقليدياً) تفوهوا بعبارات قذرة ضد رابين وقالوا كلمات مثل “حقير”، “ياللعار” و”قرف”!!
في اليوم التالي، في جلسة الحكومة قال أولمرت، رئيس الحكومة إنه، كمؤيد لفريق بيتار القدس فهو “خجول بالتصرف الحقير للفريق”. وقال: لا نخدعن أنفسنا، لم يكونوا قلة قليلة، بل مجموعة كبيرة جداً، تلك التي تفوهت بكلام حقير ضد رابين.
وفي اليوم التالي قال غاي داماك، الملياردير المهاجر الروسي، الذي هو صاحب الفريق : “إن الطلب من المؤيدين أن يقفوا دقيقة صمت وحداد كان خاطئاً”!!
ورويداً رويداً، بدأ الساسة من اليمين، مع التحفظ من مسلك مؤيدي الفريق اليميني يقولون إنه يجب عدم تأليه رابين، فقد أخطأ أخطاء فاحشة و”تنازل” لعرفات، وفتح أبواب “البلاد” لعشرات ألوف قادة م. ت.ف، “قادة القتلة” حسب تعبير أوباش اليمين.
إن كل هذه الصراعات في ذكرى مقتل رابين رافقها شيء آخر. فقاتل رابين، يغآل عمير، المحكوم بالسجن المؤبد، تزوج وهو في السجن، من سيدة مهاجرة من روسيا أيضاً، ورزق طفلاً وفي يوم ذكرى مقتل رابين، احتفل عمير مع زوجته وأقاربه، في السجن ، بختان الطفل حتى يصير “يهوديا خالصاً”!!
يوماً. بعد يوم، يتضح بما لا يقبل الشك أنه ليس هناك إجماع حول رابين، وبالنظرة إلى رابين على أنه “بطل قومي”. يوماً، بعد يوم يتسع ويتعمق التحفظ من “رابين بطل السلام” وفي أحسن الأحوال فإن اليمين يعترف بالدور “القومي” لرابين قائداً للجيش، قاتلاً للعرب، محتل أراضي مصر وسورية والأردن، في حرب حزيران 1967، أما نهجه السلمي فيما بعد، فهو مثار نقاش حاد، وأكثر فأكثر فإن القوى الفاشية والعنصرية والاستيطانية والمهووسة بحلم أرض إسرائيل الكاملة، تقول في رابين علناً، كلاماً حاداً، وتقول في الحلقات كلاماً قذراً، حاقداً، فاشياً، وتتهمه بأنه خان إسرائيل!!
علينا أن ننظر إلى اليمين في إسرائيل نظرة عميقة وشاملة حتى نكتشف أن هناك يميناً سياسياً برلمانياً “لا يقطع الخطوط”، يندد يقتل رابين و”يتمسك بالديمقراطية” ويريد العودة إلى الحكم، وهناك “يمين شعبي”، يمين القواعد المتطرفة الحاقدة التي تكره العرب والفلسطينيين، وتكره كل يهودي يدعو إلى السلام مع الفلسطينيين، خصوصاً المستعدين لما يُسمى “التنازل عن مناطق من الأراضي التي وعد الرب شعبه بها”!!
هناك في إسرائيل مناخٌ سياسيٌ واقتصاديٌ واجتماعيٌ يقود فئات من المهاجرين الروس وفئات من الفقراء الشرقيين المسحوقين بلا أمل، إلى المسارب المظلمة، الإرهابية، العنصرية المتعطشة للدم. بالمنافسة، كان يغآل عمير، اليهودي من أصل شرقي، الفاشل في حياته، الفاشل اقتصادياً نموذجاً للفاشية “الشعبية” التي لا تريد سلاماً مع الفلسطينيين والعرب، بل تريد كل فلسطين التاريخية “أرض الميعاد”، وطناً لليهود. إننا نلاحظ أن بعض الساسة العنصرييين، مثل أفيغدور ليبرمان (وزير الشؤون الاستراتيجية في حكومة أولمرت!!) بنوا قوتهم السياسية ووزنهم الانتخابي على الكراهية الفاشية العنصرية المعادية للعرب. وفي السنوات الأخيرة يروج ليبرمان نظرية مفادها أنه إذا أعادت إسرائيل مناطق للفلسطينيين يجب أن تأخذ من الفلسطينيين مناطق موازية. كما يدعو ليبرمان إلى سلخ المثلث (ذي الأكثرية العربية الساحقة) وضمه للضفة الغربية، مقابل “إعادة” مناطق من الضفة إلى إسرائيل.
إن اليمين الإسرائيلي يقوم أساساً على تغذية المشاعر البهيمية المعادية للفلسطينيين والعرب عموماً. “والهدف القومي” الذي تروجه أوباش اليمين العنصري هو طرد العرب وقتل العرب، ومنع سكنى العرب في المدن اليهودية، وإنقاذ أرض إسرائيل من تسلط الأغراب (العرب) عليها، وما إلى ذلك. أي أن العنصرية الراديكالية المتعطشة، للدم هي بالأساس عنصرية معادية للعرب. إن التطرف الرسمي لساسة اليمين، هو المغذي والمشجع للعنصرية الوحشية المعادية للعرب. بين العصابات الإجرامية والإرهابية والناس المأزومين الذين يشكل العداء البهيمي للعرب عقدتهم الإنقاذية الموهومة.
علينا أن نشير، أيضاً إلى أن المجتمع اليهودي كمجتمع مهاجرين، هو مجتمع مقسوم جداً داخلياً رغم الوحدة الظاهرية، الخارجية الجارفة. وإلاّ فكيف تبرز في مدينة بيتح تكفا (المقامة على أراضي قرية ملبس الفلسطينية) مجموعة نازية جديدة تمارس الطقوس التي يقوم بها النازيون الجدد في ألمانيا وفي أوروبا الغربية عموماً. كيف يمكن أن تقوم عصابة نازية جديدة، بالذات بين اليهود؟ هناك مَن يقول إن هؤلاء الشباب الذين جُلبوا إلى إسرائيل من روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، فشلوا في التكيف والانسجام مع المجتمع الإسرائيلي وتدهوروا وصولاً إلى تبني العقيدة النازية. كذلك هناك استقطاب طبقي حاد، يجعل الهوة بين النخبة الغنية جداً والفئات المسحوقة هوة عميقة جداً، مذهلة ومخيفة معاً. واليائسون من التقدم الشخصي يسقطون إلى مهاوي العنصرية البهيمية المعادية للعرب، أو إلى النازية الجديدة مباشرة!!
لذلك لا نبالغ، إطلاقاً، إذا قلنا إن الأزمات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي، اقتصادياً وسياسياً ونفسياً، تقود إلى تعزز التمزق والاغتراب اللذين يوصلان في أقصى حالاتهما إلى الإرهاب والعنف والفاشية والنازية.
إن هذه هي حقيقة ، مشكلة للعربً الفلسطينيين. فقد يقود انفجار الأزمة السياسية- النفسية –الاقتصادية بين اليهود، إلى إرهاب منظم وحشي ضد الفلسطينيين، ولكنه قد يقود إلى احتراب داخلي، يهودي- يهودي، أيضاً.
إن كل الدعاية الصهيونية التي تقول إن شعب إسرائيل عاد إلى أرضه القديمة هي دعاية فارغة. فقد قام المشروع من البداية إلى الآن بالقوة والعنف، ولذلك فليست مفاجئة الإفرازات الفاشية والعنصرية وحتى النازية لهذا المشروع.
salim_jubran@yahoo.com
* الناصرة
تيارات فاشية وعنصريةونازية تحت سطح المجتمع الإسرائيليبلا شك إن اسراائيل مبنية على نظرية مريضة أساسها العودة إلى الماضي بأي ثمن , من هنا الآن بعد مضي عشرات السنوات من ظهورها تواجه مشاكل من كل نوع وشكل , هي لن تستطيع السيطرة عليها في القريب العاجل, وربما بداية لنهاية لها , اليمين أغلبيتهم قادم من الدول التي تعرضت فيها اليهود إلى التفرقة العنصرية بشكل قاسي , من هنا” ليبرمان” يتزعم الموجة العدائية للفلسطيني لأنة من الاتحاد السوفيتي , حيث كان النظام السياسي فيها قاسي ضدهم , ومتعاطف مع العرب ,وكهدا الطريقة الوحيدة للحصول على الأصوات, الرخيصة, تمديد حياتهم السياسية , ويخدموا… قراءة المزيد ..