لعلنا نلاحظ أن قانون ازدراء الأديان لا يستخدم في مصر للغرض الذي شرع من أجله، وهو تجريم من يقومون بإشعال الفتنة بازدراء أديان الآخرين والتحريض عليهم، لكنه يستخدم لقمع الفكر، ونفس الشيء مع تهمة الإساءة إلى مصر وتهديد الأمن القومي، والتي توجه لكل من يعلن ما يعرفه القاصي والداني من أحوال البلاد المتردية.
صار القانون سلاحاً قانوني المظهر بيد السلطات الرسمية، تؤدب به المعارضين، كما صار سلاحاً بيد مشايخ التكفير، أمضى من سلاح الإرهاب والقتل المباشر، إنه قتل وإرهاب قانوني، يستخدم الإرهابيون فيه الدولة والقانون، للقيام بما عجز عنه الإرهابيون بسيوفهم ومتفجراتهم، يطاردون به كل مفكر حر، وكل فكر مستنير، وبمسايرة الدولة لهم يحدث ما هو أسوأ من قتل المفكر أدبياً وتقييد حريته مادياً، إذ يستقر في روع الجماهير أن أفكار التنوير هي ازدراء للأديان، مما يزيد من حالة تغييب العقل والاحتقان الشعبي، وهو ما تعجز عن تحقيقه جماعات التكفير بجرائم القتل التي ترتكبها، والتي تؤدي غالباً إلى نفور الجماهير من تلك الجماعات وأفكارها.
الحالة تتطور من سيئ إلى أسوأ، فانتقلت عدوى إساءة استخدام القوانين من السلطات التي لا نمل من القول بأنها مستبدة، إلى مشايخ الإرهاب يستخدمون ذات السلاح لإرهاب الدولة والمفكرين معاً، ثم بدأ بعض الأقباط في استخدامها، ولم ينحصر استخدامهم لقانون ازدراء الأديان على الحالات التي تتضمن ازدراء للمسيحية وهي مع الأسف كثيرة في بلادنا، بل ومنتشرة في شرائط تذاع في وسائل المواصلات، وفي خطب الآلاف من الوعاظ بالمساجد في جميع شوارع مصر وحواريها، لكن الأمر تجاوز في الأغلب تلك الحالات، ليستسهل مطاردة المفكرين والمبدعين ومخرجي السينما والتليفزيون.
إساءة استخدام القانون من جانب طرف، لا يبرر أن تحذو حذوه باقي الأطراف، كما أن توجيه اتهام باطل لأقباط بازدراء الإسلام، فيما كانوا يعبرون عن آرائهم فيما يحدث بالوطن، لا يبرر أن يسير الأقباط على نفس النهج، ويحاولون استخدام قانون ازدراء الأديان لملاحقة الأعمال السينمائية والدرامية، وملاحقة كاتبي الكتب محدودة الانتشار، فيتيحون هم لها الانتشار بعرض مقولاتها والتنديد بها، ليقبل عليها الآلاف أو الملايين، فرب كتاب يصدر لكاتب مجهول، نرصد من الوهلة الأولى سعيه للشهرة، مثل ذلك الكتاب الذي صدر في طنطا، وانهالت المقالات والبلاغات عنه للنائب العام، فنكون بذلك قد حققنا له غرضه في الشهرة التي يسعى إليها، رغم أن الكتاب حسب المقتطفات المعروضة منه في مقالات التنديد يشبه قصص ألف ليلة وليلة، ورغم الجهل المستشري ببلادنا، إلا أن أمثال تلك القصص لم تعد تقنع حتى الأطفال، فمثل تلك الكتب بالتأكيد لم توزع إلا بضع نسخ، لكنها ربما تنفد طبعاتها كاملة بعد ذلك الترويج المجاني لها.
إذا كانت الدولة تصادر الفكر الذي يتعرض للخطاب الإسلامي، ويتهمه باطلاً بازدراء الإسلام، واستخدمت نفس التهمة مع نشطاء أقباط، فليس معنى هذا أن يقوم أحرار الأقباط (إن كانوا أحراراً بالحقيقة) بفعل نفس الشيء، وملاحقة كل من يتعرض للمسيحية من قريب أو من بعيد، فالكتاب المقدس ذاته لم يغفل ما قاله المضادون لما جاء به، كما لم يغفل الأخطاء التي وقع فيها رجال الله على مر العصور، فالإيمان الحقيقي والثقة بالنفس تجعلنا نعلو على أي هجوم أو انتقاد، خاصة المعالجات التي تكون أحياناً علمية، ويمكن أن نصححها بردود علمية مماثلة، فالمفترض أن ننادي بحرية كاملة، لا أن نسعى لكبت الحرية على جميع الأطراف وفي جميع المواضيع.
الفكر لا يرد عليه إلا بالفكر، وإذا كان السادة الغاضبون من كتاب مثل “العوانس”، يرون فيه قيمة فكرية تستدعي الرد، فليردوا عليه بكتاب، أما إذا كانوا يرون فيه مجرد خرافات وتهويمات فليتجاهلوه، فحرية الكلام الفارغ متاحة لجميع التافهين والجهلاء، ولن تستطيع دولة أو أمة ملاحقة كل من يكتب بضعة صفحات يضمنها الكثير أو القليل من العبارات المثيرة، جلباً للشهرة على حساب غوغائية المترصدين.
إن ما يحتاج للمتابعة والحسم في نظري هو فقط خطباء المساجد الذين يحرضون الجماهير على الكراهية والتدمير، ومانشيتات الصحف الصفراء، كما سبق وأن فعلت جريدة النبأ، أما أمثال محمد عمارة ومن هم دونه في الشهرة، فليكتبوا ما شاءوا في كتب يقرأونها وحدهم، فهم لا يستحقون مؤونة قراءة أعمالهم التي تكشف غثاثتها بنفسها، أنا شخصياً أكتب في جريدة يكتب بها محمد عمارة عموداً أسبوعياً، لم أفكر إطلاقاً في قراءته، وعندما لفت انتباهي أحد الزملاء لما كتب يوماً أرتفع ضغط دمي، لكنني لم أتابع بعد ذلك كتابات عمارة، توفيراً لثمن أدوية ضغط الدم.
كلمة في أذن إخواني وأهلي الأقباط: ماذا يضيرنا أن يقال أن المسيحية محرفة؟
نحن نؤمن بهذا الكتاب المقدس الموجود بين أيدينا الآن، ولا ننتظر من أحد غير مسيحي أن يعترف به معنا، لسنا في حاجة إلى إيمان أحد بنا لكي نؤمن بكتابنا، فاليهود أيضاً لا يعترفون بالمسيحية ولا بالإسلام، كما لا تعترف المسيحية بالإسلام، وتؤمن أن اليهودية صارت باطلة بعد مجيء السيد المسيح، هكذا جميع الأديان، فلماذا الانزعاج؟
هل لمجرد أن المسلمين يستطيعون أن يعبروا عن إيمانهم بتحريف المسيحية، فيما لا يستطيع المسيحيون التعبير بالمقابل عن رأيهم في الإسلام؟
هذه بسيطة جداً، ولا تستدعي كل هذا الحنق والغضب، وذلك لسبب بسيط، أن المسلمين يعرفون رأي المسيحيين جيداً دون كتابته كل حين وأوان!!
يا أهلي الأقباط لا تشتركوا في معارك الفاشية والمهاترات الدينية، وركزوا جهودكم على قضية الحرية والحداثة، فمصر في أزمة توفير الخبز والمياه النقية وسائر مقومات الحياة الكريمة، فلا تضيعوا وقتكم في دحض وشرح خرافات الجارية التي أسلمت وأسلم معها الرهبان، ولا خرافات أمنا الغولة أو حكايات ست الحسن والجمال والشاطر حسن، اللذين قد يسلم أحدهما بسبب هيامه بالآخر.
kghobrial@yahoo.com
* الإسكندرية