شهد العالم في الايام الايام الاخيرة تهافتا سوريا ايرانيا وإن بنسب متفاوتة على استرضاء الاميركيين والاسرائيليين وتوسيط الاوروبيين في ما يبدو سيرا في عكس الاتجاه الذي اتحفتنا به القيادات السورية والايرانية من دروس في الممانعة ورفض الاستكبار والتصدي للامبريالية والصمود في وجهها.
لا بد اولا من الاشارة الى ان في الامر مدعاة استغراب لسببين وان كان اولهما مفهوما ولا يخرج عن السياق العام لسلوك القيادات صاحبة الحق الإلهي العالمة بشؤون شعوبها وقيادات الحق المطلق في ادارة البلاد وشؤون العباد وصاحبة دفاتر التخوين وتوزيع شهادات الوطنية على مواطنيها ودول جوارها.
وما هو غير مفهوم ثانيا اقله للآن هو لماذا هذه الانعطافات الدرامية نحو الادارة الاميركية ووفق اي اجندة تتم؟ والادارة الحالية دخلت مرحلة السبات واحتساب الايام المتبقية لإخلاء البيت الابيض وسائر مواقع القرار.
واذا اضفنا اليها ما تشهده حكومة ايهود اولمرت من تصدع يصبح الاستغراب اشد وادهى ومستعصيا على الفهم.
فالادارة الاميركية هي هي، ومواقفها تتكيف مع المعطيات الاقليمية ضمن الثوابت التي تنتقل من ادارة الى اخرى.
الحزبان الجمهوري والديمقراطي لا يختلفان في نظرتهما الى اسرائيل وسوريا وايران. والمتتبع لمسار الحملات الانتخابية الاميركية يجد ان التنابذ بين الحزبين مرده الى الشأن الداخلي والاقتصاد والاجتماع. وحتى السيناتور اوباما لا يختلف كثيرا في نظرته للبرنامج النووي الايراني عن الجمهوريين وصورته عند حائط المبكى وما اعلنه بشأن القدس كافيان للتدليل على موقفه من اسرائيل. وقد يبدو ما هو خلاف بين الحزبين تباينا في وجهات النظر على الاولويات في الحرب على الارهاب التي اصبحت سمة المرحلة الحالية والقادمة: فهل يتم التركيز على افغانستان وباكستان اولا كما ينادي السيناتور اوباما، ام يجب الانتهاء من العراق وتحقيق الاستقرار الدائم فيه قبل العودة الى باكستان على ما تقوم به الادارة الحالية من دون إغفال الشأن الباكستاني الطالباني؟
هذا طبعا دون الحاجة للرجوع الى مواقف الجمهوريين المعروفة من خلال إدارة الرئيس الحالي جورج بوش والتي ستستمر بمعظمها في حال فوز المرشح جون ماكين.
اذا، ما الذي تغير لكي يصرح نائب الرئيس الايراني المكلف منظمة السياحة، اسفنديار رحيم مشائي، ان “إيران اليوم هي صديقة الشعب الأمريكي والشعب الإسرائيلي، وان ايران نعتبر الشعب الأمريكي بمثابة أحد أفضل شعوب العالم” بحسب ما نقلت صحيفة “اعتماد” ووكالة أنباء فارس المعروفة بقربها من المحافظين في إيران الأحد 20-7-2008.
وللعلم مشائي مقرب جدا من الرئيس الإيراني نجاد وتجمعهما روابط عائلية، حيث أن ابن مشائي متزوج من ابنة الرئيس الإيراني!
وما الذي تغير لكي يرحب نجاد نفسه بفتح مكتب اميركي لتسيير الاعمال في طهران وتاليا سيرفرف العلم الاميركي على الاراضي الايرانية للمرة الاولى منذ قيام الثورة الاسلامية؟ فهل اصبح الايرانيون مستعدون لمثل هذه الواقعة بين ليلة وضحاها واصبح الشيطان الاكبر ملاكا ابيض؟
اما على الجانب السوري فالتهافت اسرع وكان اخر تجلياته قول السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى ان بلاده تتطلع لانهاء حالة الحرب مع اسرائيل مطالبا تل ابيب بالانسحاب من الجولان لتحقيق السلام علما ان الرئيس السوري بشار الاسد كان سبقه الى اعلان استعداده لاقامة علاقات عادية مع اسرائيل في حال انسحابها من الجولان؟
ويضاف الى هذه التصريحات تسارع وتيرة المفاوضات غير المباشرة بوساطة تركية بين اسرائيل وسوريا وسعي الوفد السوري في واشنطن الى لقاء مسؤولين اميركيين ومنظمة ايباك وتصريحات الوفد التي يفترض انها مثيرة للجدل لو انها صدرت عن مسؤولين عرب من غير السوريين.
بالعودة قليلا الى الوراء، كانت القيادات الايرانية والسورية اشهرت دفاتر تخوينها واتحفت رؤوسنا حشوا بقرع طبول الحروب المتنقلة من مضيق هرمز الى جنوب لبنان مرورا بغزة والعراق طبعا مع الحرص الدقيق على عدم اثارة القلاقل من اي نوع في الجولان وعدم الاقتراب من الحدود الايرانية او استقرارها الداخلي على حساب الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين.
فهل تخلى الرئيس الايراني عن رغبته الدفينة بازالة اسرائيل عن خارطة العالم؟ وهل تخلت سوريا عن المقاومات المتنقلة في غزة ولبنان والعراق؟ وتاليا عن الصمود والتصدي والممانعة لاسترداد الارض بالقوة ،لانها اخذت ،وان يكن ليس على حين غرة بالقوة؟
واذا كان الامر كذلك، لان ايران وسوريا جنحتا للسلم، اعتقد انه يحق لضحايا التجارة السورية الايرانية في لبنان وسوريا وفلسطين والعراق ان يتساءلوا بأي ذنب ضربنا وانتهكت اعراضنا وكراماتنا وارزاقنا ومسيرة تقدمنا وتطورنا وتم تخوين قياداتنا وارهابها واغتيالها وهي التي كان سقف مطالبها ادنى بكثير من طموحات الايرانيين بصداقة الشعب الاسرائيلي والسوريين بعلاقات عادية مع اسرائيل؟
وما يزيد الخيوط تشابكا هو موقف الصف الثاني في قيادات الممانعة والتصدي في غزة ولبنان والعراق خصوصا بعد ان صدرت المواقف العلنية من ان هذا الصف لا يعدو كونه ورقة يسهل التخلص منها بايدي سوريةوايرانية كضحايا على مذبح التفاوض لكسب ود الاسرائيليين والاميركيين بعد طول ممانعة.
ففي غزة تزداد حركة حماس تصلبا وتمعن اعتقالات في صفوف مواطنيها الاسرائيليين من حركة فتح. وفي لبنان ما زال حزب الله يعيش على امجاد انتصارات ماضية، غير قابلة للصرف داخليا ولا اقليميا ، لانه بحضور الاصيل الاقليمي السوري ينتفي دور الوكيل المحلي. وفي العراق المتجه نحو الاستقرار لا تزال بعض شراذم المسلحين التي تستفيد من دعم الممانعة الايرنية والسورية تتلفظ بين الحين والآخر ارهابا وقتلا للعراقيين الى حين صدور الاوامر بوقف الدعم والتضحية بهم وفق الاجندة الايرانية والسورية على حد سواء.
ويبقى السؤال الاهم هو هو اين تقف الشعوب والقيادات اللبنانية والعراقية والفلسطينية من الانتهازية السياسية السورية والايرانية والتي دفع ثمنها الجميع إلا السوريين والايرانيين؟
الم يحن الوقت لتغليب المصلحة الوطنية واعادة قراءة مواقف دقيقة ومتأنية تنتج مصالحة لبنانية وفلسطينية وعراقية على حساب التطفل الايراني السوري؟
انه موقف يحتاج الى قيادات تاريخية لا الى اتباع.
richacamal@hotmail.com
* كاتب لبناني- دبي
تحليل منطقي
شكرا للأستاذ كمال ريشا على هذا المقال الرائع والذي يطرح تحليل منطقي للتحركات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط. أتمنى أن يقرأ الأتباع مثل هذه التحليلات لكي يعوا ما يجول في عالم السياسة، ولكي لا يكونوا كبش فداء لأوراق سياسية تعلبها أطراف أقليمية لا يهمها سوى مصالحها الخاصة. والعبرة دوما للعقلاء..
تهافت عكسي سوري ايراني فهل يعي الاتباع؟
مقال رائع.اسرائيل تريد الحفاظ على الانظمة الديكتاتورية في العالم العربي الى ان يتم تدمير الشعوب العربية بها. مع الاسف العالم العربي متشرذم ضد الديمقراطية واحترام الانسان بكل احزابه السياسة والدينية والوطنية والعلمانية لانهم كلهم يشربون من كاس واحد وهو عدم احترام الانسان والايمان بالعنف وان ما اؤمن به هو الصحيح المطلق وان السلطة غنيمة لنهب الشعب واستعبادهم والى الابد الى الابد…..نعم لا اكراه في الدين لا اكراه في السياسة لا اكراه في الزواج.