في 23 أيار/مايو، شن تنظيم «الدولة الإسلامية» تفجيرات انتحارية في طرطوس وجبلة، مما أسفر عن مقتل 154 شخصاً وجرح أكثر من 300 آخرين. وكانت هذه المرة الأولى التي تُستهدف فيها أي من المدينتين الساحليتين لمثل هذه الهجمات منذ بداية الحرب. وقد بدت طرطوس على وجه الخصوص وكأنها ملاذ [آمن] حتى يوم الاثنين. وكانت لا تزال وجهة سياحية جذابة بسبب شواطئها الواسعة، وكانت تعيش وسط حالة من الازدهار في البناء نظراً لقدوم الأشخاص المشردين داخلياً من مناطق أخرى من سوريا – وليس فقط زملاء نظام الأسد العلويين من دمشق، بل أيضاً أعضاء من الغالبية السنية من جميع أنحاء البلاد. وحتى أن العديد من اللاجئين السوريين عادوا من لبنان إلى طرطوس لأنهم اعتبروا الحياة أقل تكلفة وأكثر أماناً هناك.
وبإمكان نشطاء تنظيم «الدولة الإسلامية» شن هجمات متزامنة من هذا النوع بكل سهولة نظراً للفساد واللامبالاة المستشريان في نقاط التفتيش الأمنية الساحلية. وقد رأيتُ هذه المشكلة عن كثب عندما زرتُ طرطوس واللاذقية الشهر الماضي. فبعد أن عبرتُ الحدود من بيروت بسيارة أجرة، لم يَسألني أحد عن جواز سفري أو يقوم بتفتيش حقيبتي. وكان السائق يُعرف في كل نقطة تفتيش، ومن خلال قيامه بإعطاء 100-200 ليرة سورية (10-20 سنتاً) لأولئك الذين أوقفونا، كان قادراً على الاستمرار في السفر بهدوء من دون متاعب. وبفضل الفساد المستشري، كان قد حصل أيضاً على تصريح خاص لاستخدام الطرق العسكرية، الأمر الذي مكّنه أيضاً من تجنب الضوابط الصارمة. لذلك سيكون من السهل جداً أن يتسلل الإرهابيون بانتظام إلى معقل العلويين، الذي هو أيضاً موطن قواعد روسيا الرئيسية في سوريا. كما بإمكان تنظيم «الدولة الإسلامية» أن ينشئ بسهولة خلية نائمة بين أخوته في الدين من السكان السنة في هذه المناطق، والذي يقدر عددهم بمئات الآلاف (السكان المحليين والمشردين داخلياً على حد سواء).
ومن خلال قيام تنظيم «الدولة الإسلامية» بشن هجماته الأخيرة، تسعى الجماعة إلى توجيه رسائل مختلفة. الأولى للعلويين – حيث يريد التنظيم أن يبيّن لهم أن نظام الأسد لا يتمكن من حمايتهم. وفي النهاية، لم يهاجم التنظيم المدن الساحلية القريبة من بانياس واللاذقية، اللتان تسكنهما جاليات أكبر من السنّة. وفي حالة اللاذقية، أدت تدفقات المشردين داخلياً إلى جعل السنة الغالبية بين السكان، ومن المرجح أن يفضل التنظيم تجنب خطر وقوع إصابات كبيرة في صفوف السنة هناك. كما أن الجهود الأمنية التي يبذلها النظام هي أكثر جدية في بانياس واللاذقية، حيث ثارت الأحياء السنية في تمرد مسلح في الفترة 2011-2012، ولم يكن ذلك هو الحال في جبلة وطرطوس.
إن إرسال مثل هذه الإشارات العنيفة للعلويين، قد يكون لها العديد من التداعيات. فمن المرجح أن يأمل قادة تنظيم «الدولة الإسلامية» بأن الجنود العلويين الذين يخدمون في المناطق الساخنة على الجبهة الشرقية (في دير الزور، وتدمر، على سبيل المثال) سيرفضون القتال إذا لم تُمنح حماية أفضل لأسرهم في طرطوس وغيرها من المدن. وحتى أن النظام قد يقرر إعادة نشر القوات [في المناطق] الشرقية باتجاه الساحل. كما يهدف التنظيم إلى إثارة السخط ضد النظام وإلى قيام العلويين بالانتقام ضد السنة. وفي 21 شباط/فبراير، أثّرت هجمات التنظيم في حمص على الأحياء العلوية وأثارت استياءاً قوياً ضد السلطات المحلية والأجهزة الأمنية، حيث ندد الناس بفساد الضباط وعدم كفاءتهم. وفي الوقت الراهن، لا يشمل مثل هذا النفور بشار الأسد نفسه، إلا أن ذلك قد يتغيّر إذا استمرت الهجمات. وفي الوقت نفسه، إن قيام العلويين بالانتقام من السنة قد يقوّض النظام وجيشه، لأن العديد من أهل السنة لا يزالون يقاتلون إلى جانب الأسد. وفي يوم الاثنين، هاجم العلويون مخيم “الكرنك” في طرطوس، الذي هو موطن لـ 400 عائلة سنية من حلب وإدلب؛ ووفقاً لمصادر غير رسمية، قتل سبعة أشخاص من السكان السنة.
بيد أن الرسالة الأكثر أهمية التي يوجهها تنظيم «الدولة الإسلامية» يُفترض أن تكون إلى موسكو. فالقاعدة البحرية الوحيدة لروسيا في سوريا، متواجدة في [ميناء] طرطوس، في حين تقع جبلة بالقرب من القاعدة الجوية الرئيسية لروسيا في حميميم. وتحاول موسكو أيضاً إعادة تأهيل قاعدة الغواصات السوفيتية القديمة في جبلة. ووفقاً لمحطة “بي بي سي” أظهر تنظيم «الدولة الإسلامية» بالفعل نمطاً في استهداف البنية التحتية الروسية، كان آخرها مطار “طياس” بين حمص وتدمر. ويدرك قادة التنظيم جيداً أن مساعدة موسكو مكّنت الجيش السوري من استعادة تدمر، وهذا الأخير يركز حالياً على دير الزور، لذلك فإنهم يهدفون إلى تضخيم الثمن الذي يتكبده الروس نتيجة تدخلهم وفرض انسحابهم من ساحة المعركة السورية، أو على الأقل من الجبهات الشرقية.
وأخيراً، فإن التفجيرات التي وقعت يوم الاثنين توجه رسالة إلى الجماعات المتمردة الأخرى. فعلى الرغم من أن أهداف تنظيم «الدولة الإسلامية» وأساليبه تختلف في كثير من الأحيان عن تلك التي تتبعها مختلف الفصائل السورية المناهضة للأسد، إلا أنه لا يزال يريد أن يُعتبر بأنه زعيم الحرب ضد النظام وروسيا والطائفة العلوية. لذلك يستمر في محاولته إظهار نفسه بأنه أكثر فعالية وأكثر قسوة من «جبهة النصرة» – ذراع تنظيم «القاعدة – التي هي حالياً منافسته الرئيسية على هذا اللقب.