لا يرمز قرار الرئيس الأميركي جورج بوش برفع الحظر عن توجه الطيران الأميركي إلى لبنان لأغراض الشحن التجاري (وهو رفع جزئي للحظر) إلا الى ان ثمة قراراً جدياً لدى الإدارة الأميركية بتغيير جذري في سياستها إزاء لبنان. ولا يرمز قرار إرسال روسيا اسلحة وذخائر الى الجيش اللبناني، جزء منها هبة وأخرى بأسعار تشجيعية، إلا إلى ان ثمة قراراً دولياً، روسيا جزء منه، بأن الوضع اللبناني بات يحتاج الى اسنان وأظافر لمؤسساته الأمنية التي كانت أظافرها مقلّمة، بل مقطوعة.
ولا ترمز التلبية العربية السريعة لمطلب السلطة السياسية في لبنان، تزويد الجيش بالأسلحة والذخائر في مواجهة مجموعة «فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد إلا الى قرار باستعادة المسؤولية العربية عن الشقيق الصغير بعد عقود من التخلي عنه في شكل اتاح نمو المجموعات المسلحة وانتشار السلاح فيه.
ولا يرمز إبلاغ وزير الخارجية الأوروبي ماسيمو داليما المسؤولين السوريين ان أوروبا ستعتبر لبنان تحت حمايتها اذا استمر تقويض الاستقرار فيه، إلا الى قرار دولي جدي يتحمل موجبات قرار مجلس الأمن الرقم 1701 في الجنوب زائداً الاستعداد لإقامة مظلة أوروبية على الداخل اللبناني، أمنية وسياسية. ولا ترمز استجابة فرنسا السريعة الى طلبات التسليح التي قدمها الجيش اللبناني إلا الى هذا التوجه وليس فقط الى العلاقة الخاصة لباريس مع لبنان.
يجب الاعتراف بأن ثمة تطورات دراماتيكية تحصل في لبنان منذ 20 أيار (مايو) الماضي، تاريخ بدء المواجهة بين الجيش اللبناني وتنظيم «فتح الإسلام». فقد كان الجميع يتوقع ان يقتصر ارتقاء درجة الاهتمام بهذه الرقعة الجغرافية التي تقع بين اسرائيل وسورية والبحر الأبيض المتوسط، على إصدار هذه الكمية من القرارات عن مجلس الأمن (أكثر من 7 قرارات حتى الآن) التي لن يكون لها سوى صفة الضغط المعنوي على سورية، وفي أحسن الحالات بعض الضغط السياسي والاقتصادي الذي لا يؤثر فيها ولا في حلفائها اللبنانيين، ما دامت إيران أصبحت راعية للجانبين معاً.
لقد تدرج الموقف الدولي حيال لبنان منذ تاريخ صدور القرار 1559 في ايلول (سبتمبر) 2004 حتى الآن وصولاً الى ما نشهده اليوم، ببطء، يبدو معه ان ما حذّر منه المعارضون للسلطة الحالية، الذين هم حلفاء دمشق، منذ سنتين قد بدأ يتحقق، لكن بفضل جهود هؤلاء انفسهم، أي سورية وحلفائها وليس بفضل السلطة اللبنانية والأكثرية الحاكمة. فتحت ستار مقاومة – ومعارضة – المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري لأنها ستستخدم للضغط على سورية ادت كل الضغوط على حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، الأمنية والسياسية، الى تعميق التضامن معها من جانب الدول العربية الفاعلة والمجتمع الدولي وإلى تطوير المظلة الدولية فوق لبنان وتوسيعها. ثمة استثناء واحد حصل هو ان «حزب الله» استطاع هزم اسرائيل للمرة الأولى على الشكل الذي حصل الصيف الماضي، وهو استدرج مع سورية، القوات الدولية الى جنوب لبنان.
ان ارتقاء الموقف الدولي على شاكلة ما نشهده هذه الأيام ليس سوى إصرار على عودة لبنان نظيفاً من المجموعات المسلحة التي نشأت وتنشأ على حساب الدولة بهدف ابقاء البلد مستباحاً وساحة تتوزعها القوى الإقليمية أوراقاً للمبادلة والمقايضة هنا وهناك مع النظام الإقليمي والدول الكبرى. اما مسألة سلاح «حزب الله» فهي متروكة لتسوية سياسية داخلية لم يكن المجتمع الدولي مستعجلاً عليها منذ البداية على رغم استعجاله اللبنانيين كي يبحثوها ويتخذوا في شأنها القرارات بالتدريج.
ان قرار تنظيف لبنان من المجموعات المسلحة الأخرى اصبح اكثر جدية مما كان عليه سابقاً. ويبدو ان تنامي هذه المجموعات خلال السنتين الماضيتين، يهدف، اضافة الى زعزعة الاستقرار رداً على المحكمة الدولية، الى تأخير البحث بسلاح «حزب الله» قدر الإمكان، فالخلاص من هذه المجموعات قد يدفع القوى المحلية والخارجية الى طرح هذا الموضوع على الطاولة. وعلى رغم ان قرار «التنظيف» قد يأخذ وقتاً ولن ينتهي قبل الانتخابات الرئاسية في الخريف المقبل بل قد يستغرق سنوات فإن ما يهم سورية وحلفاءها في لبنان هو مجيء رئيس للجمهورية يلتزم بقاء سلاح «حزب الله» الى ان يقضي الله أمراً كان مفعولاً. وبعبارة أخرى، فإن ما يهم المعارضة هو المجيء برئيس ملتزم بتأجيل البحث في هذا السلاح مدة ست سنوات، فإذا تعذر ذلك لا بأس بالفراغ وعدم حصول انتخابات رئاسية، حتى موعد الانتخابات النيابية في ربيع العام 2009 فيتأجل الأمر سنتين على الأقل.
هذه إحدى وظائف الفراغ الرئاسي، اضافة الى وظيفة الرد على قرار «تنظيف» لبنان وعلى المحكمة… إلا ان السؤال هو هل ان الساعين الى ذلك الفراغ درسوا احتمالات الرد الدولي عليه؟ ام انهم سيكتفون باتهام السنيورة بالسعي الى المزيد من التدويل عندما يرتقي التدخل الدولي إلى درجة جديدة بعدها؟
(الحياة)