هكذا هو منطق المتعصّبين… لا يتّعظون ولا يعون أن الفلسفة هي أهم قيم التقدم، لأنها تعتمد في منهجها على حرية التفكير النقدي، وتكسب الإنسان سعة الأفق، وتغرس فيه احترام الآراء وتقبّل التنوع والاختلاف وتعزّز فيه قيم التسامح.
بدأت هزيمتنا الفكرية والثقافية والحضارية قبل ثمانمئة سنة تقريبا، حين حُرقت كتب ابن رشد وانتصر الفكر التكفيري انتصارا ساحقا على فكر «فيلسوف قرطبة»، ذلك الفيلسوف المستنير الذي اعتمد على العقل منهاجا وعلى الحرية طريقا، محاربا من خلالهما تخلف الفكر وظلام الاستبداد.
وبينما ساهم فكر ابن رشد في إحياء دور العقل في أوروبا، مات العقل في شرقنا بموته، فمن سخرية القدر أن فكره مهد لعصر النهضة في أوروبا واستفاد منه الغرب أيّما استفادة، وقد قال المستشرق الإسباني ميغيل هرنانديز عنه إنه: «سبق عصره، بل سبق العصور اللاحقة كافة، وقدم للعلم مجموعة من الأفكار التي قامت عليها النهضة الحديثة».
فشروح ابن رشد لفكر الفيلسوف الشهير أرسطو، الذي أضاف إليها، أثرت تأثيرا بالغا في صياغة الفكر الأوروبي الذي نقل الأوربيين من عصور الجهل والظلام إلى عصر النهضة والأنوار الذي لايزالون ينعمون بخيراته، أما نحن فلانزال نتباكى على مجدنا الضائع، ولانزال نفاخر بكل غرور أن فيلسوفنا العربي المسلم كان سببا في نهضة أوروبا، متجاهلين فشلنا الذريع في استيعاب ما أتى به حين نبذنا فكره وكرهنا عقلانيته وكفّرنا فلسفته.
وعلى الرغم من تكفير كثير من الفقهاء التعامل مع الفلسفة والأخذ بها، فإن ابن رشد نجح في فلسفته في التوفيق بين الدين والفلسفة ودحض الادعاء بأن الفلسفة تتناقض مع الدين، وأنكر مقولة «من تمنطق فقد تزندق»، فقد رأى أن العقيدة تُبنى على العقل «فكلما عرفنا الموجودات معرفة أتم تكون معرفتنا بصانعها أتم».
كما أكد ابن رشد أهمية القياس العقلي وأسّس لدراسة المنطق من خلال الأدلة الدينية التي تدعو إلى النظر والاعتبار والتفكر والرؤية، وأشار إلى أكثر من آية تدعو إلى التفكر والتفلسف مثل الآية الكريمة: «واعتبروا يا أولي الأبصار».
ودعا إلى تأويل المعاني الحرفية للنصوص إذا ما تناقضت مع العقل، بالإضافة إلى ذلك، شدد على ضرورة الاستفادة من إنجازات الأمم الأخرى والأخذ بمعارفها وفلسفتها، حتى إن كانت على غير ديننا أو من ثقافة غير ثقافتنا.
وعلى الرغم من قوة حجة ابن رشد وعقلانية طرحه، فإنه هُزم من قبل التكفيريين، الذين حاربهم ورفض تعصبهم وضيق عقليتهم وجمود فكرهم ووصفهم «بالمقلدين»، فاضطهدوه وحاكموه وسجنوه وصادروا كتبه وأحرقوها.
في الواقع، يذكرني سعي لجنة استكمال تطبيق الشريعة في الكويت إلى إلغاء مادة الفلسفة بتلك المظاهر التاريخية، التي تتكرر، في شرقنا، مهما طال الزمان، من مصادرة واضطهاد وتكفير، وهكذا هو منطق المتعصبين… لا يتعظون ولا يعون أن الفلسفة هي أهم قيم التقدم، لأنها تعتمد في منهجها على حرية التفكير النقدي، وتكسب الإنسان سعة الأفق، وتغرس فيه احترام الآراء وتقبل التنوع والاختلاف وتعزز فيه قيم التسامح.
نحرِّم الفلسفة، وهي أساس العلم، ونجرِّم النقد، وهو أداة بناء المجتمعات المتقدمة، ونضطهد المختلف ونتعصب في أفكارنا وننبذ الرأي الآخر ونلعن الفكر العقلاني، ومن ثم نتساءل لماذا نتأخر ويتقدم غيرنا؟ أو ما هو سبب هيمنة الفكر الأصولي الإرهابي؟
«تموت روحي بموت الفلسفة»… قالها ابن رشد وكأنه يصف حال هذه الأمة.
lalothman@yahoo.com
* كاتبة كويتية
“من تمنطق فقد تزندق”
لجنة إستكمال الشريعة بالكويت تطالب بحظر تدريس الفلسفة
تموت روحي بموت الفلسفةتجارب لفهم الخلق د. خالص جلبي بقدر ما هناك من إحباط وظلمات في عالم العرب، بقدر ما يكبر الأمل العظيم بولادة الإنسان الجديد من خلال العلم؛ ففي سويسرا تم الإعلان عن التجربة الأعظم في تاريخ البشرية حتى الآن لمعرفة أمرين: متى بدأ الكون؟ ومم يتألف الكون؟ ومن جامعة “مك جيل” في مونتريال، يعلن فريق من البيولوجيين عن قلب لمفهوم الذاكرة والجينات، فالذكريات تنطبع على الجينات وتنتقل للأجيال اللاحقة، وهو علم جديد يأخذ اسم (Epigenetic). ومن جامعة “فيسكونسين” في ماديسون، يتم التوصل إلى قدرة الشفاء في الجوع من خلال تجارب أجريت على القرود طيلة سبعة عشر عاماً، وهو… قراءة المزيد ..
تموت روحي بموت الفلسفةمقال رائع. الدول الشمولية والعسكرية والدينية في العالم العربي والاسلامي قتلت الفن والابداع والمواهب وهجرتها وكان لبنان سابقا منفسا لابداع العرب قبل الحرب الاهلية ولكن مع الاسف انضم الى قائمة دول الخوف والرعب والفقر وخاصة وجود المليشيات الطائفية المسلحة. ان العالم العربي فقد بوصلته وهو يبحث لماذا وصلنا الى هذا الفقر في الحب والفقر في الاخلاق(مافيات مخابراتية) والفقر في العلم والفقر في كل شيء وحتى اصبح ضد الديمقراطية واحترام الانسان لجهله بها. ان هذه المسلسلات التركية ليست اسوء من فترة الستينات والسبعبنات العربية والتي كان هدفها في الفترة السابقة المال وتدمير الاخلاق وزرع الرعب والخوف والافكار الثورية… قراءة المزيد ..
تموت روحي بموت الفلسفة
http://www.asharqalawsat.com/sections.asp?section=27&issueno=10863
تموت روحي بموت الفلسفةمقال رائع ويتصل إتصالا وثيقا بمآسي واقع المجتمعات الناطقة بالعربية . فبدون الفلسفة ستقل الأسئلة وتكثر الأجوبة المعلبة (حسب تعبير السيدة لمي العثمان فى مقال آخر لها) … وسيضمر العقل العربي النقدي وسيصول أهل النص والنقل ويجولون فيستمر إنهيارنا الذى لم يبدأ بالإستعمار وإنما بإعطاءنا ظهورنا لإبن رشد ونظل الشعوب الوحيدة على ظهر الأرض التى تسمي رجالا بدائيين مثل السيد سابق وإبن باز والقرضاوي وزغلول النجار (وأمثالهم) بالعلماء (!!!) . إنني لا أندهش من محاربة رجال الدين فى عدد من البلدان الناطقة بالعربية لتدريس الفلسفة ؛ فبنيانهم مثل بيت العنكبوت ينهار أمام أول سيل من الأسئلة النابعة… قراءة المزيد ..
تموت روحي بموت الفلسفة
مقال حكيم ورائع. لكن لي ملاحظة وهي من الافضل قبل دراسة الفلسفة يجب دراسة المنطق الرياضي والعلاقات وكانت قديما يدرس جزء منها في جامعة دمشق عام 1970 على يد د. عبد الغني الطنطاوي استاذ المنطق والتحليل الرياضي. وهذه النصيح اشار اليها قسم من الفلاسفة