علم إحصاء السكّان، وعلم إحصاء الأديان، والطوائف، (وحتى علم إحصاء أتباع المذاهب الفقهية في البلدان الإسلامية) هو أحد “المحرّمات” في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. “التجهيل” أو “الجهل” هو “العلم” المعتمد. ما هو عدد ونسبة الشيعة في البحرين، وفي السعودية؟ ما عدد ونسبة الأقباط في مصر (7 مليوناً أم 13 مليونا)؟ ما هي نسبة الشيعة في العراق (حتى الأميركيين أصيبوا بـ”داء الشرق الأوسط”، فتراوحت تقديراتهم للشيعة في العراق بين 60 بالمئة- وهي النسبة الأرجح- إلى 70 و80 بالمئة). ما هو عدد الشيعة اللبنانيون؟ (حسب إحصاءات جداول الشطب الإنتخابية في لبنان، فالسنّة هم أول طائفة عدداً. إما إذا صدّقنا قواعد حزب الله، وبعض مشايخه، فشيعة لبنان “ثلاث أرباع” العالم، والشيعة استوطنوا “لاسا” و”جبيل” قبل.. الفينقيين!)
وينطبق “علم التجهيل” على الأقليات العرقية (بعضها قد لا يكون “أقلية”): الأمازيغ أو البربر، والأكراد، بصورة خاصة.. وغيرهم.
“إحصاء يوك” هو المبدأ المعتَمَد! والأرجح أن “الربيع العربي”، في مرحلته “الإسلامية” (العابرة!) قد لا يغيّر كثيراً في هذا “اليوك”. سيتغيّر الوضع حينما يتحول العربي إلى “مواطن” بغض النظر عن دينه وطائفته. و”الربيع العربي” خطوة في هذا الإتجاه!
التقرير الذي أعدّه “معهد بيو” الأميركي يتناول الأديان في العالم. التقرير الأول عن المسيحية، وهي أول دين عالمي. ويليه قسم ثانٍ عن الإسلام. والتقرير يتمتع بمصداقية ممتازة لأنه لا يراعي الأديان، ولا الطوائف، ولا .. الخواطر!
الشفاف
*
تخلص دراسة صدرت قبل أسبوع لسكان اكثر من 200 دولة أن هنالك 2.18 مليار مسيحي من كل الأعمار في العالم، يمثلون قرابة ثلث البشرية التي أفادت تقديرات نهاية العام 2010 أنها بلغت 6.9 مليار نسمة. كما ان المسيحيين منتشرون في كل أرجاء المعمورة إلى درجة أن أي منطقة او رقعة جغرافية لا يمكن أن تزعم أنها مركز المسيحية الكونية.
ولم يكن الحال على ما هو عليه اليوم قبل قرنٍ مضى.
ففي العام 1910، كان ثلث المسيحيين يعيشون في اوروبا التي ظلّ يقطنها القسم الأكبر من مسيحيي العالم طوال الـ1000 سنة السابقة، وفقا لتقديرات مركز دراسات المسيحية الكونية. اليوم، فقط حوالي ربع المسيحيين يعيشون في اوروبا، (26%). ويعيش اكثر من ثلث مسيحيي العالم حاليا في اميركا الشمالية والجنوبية (37%). ويعيش 1 من كل 4 مسيحيين في افريقيا جنوب الصحراء الكبرى، (24%)، و1 من كل 8 مسيحيين (13%) في منطقة آسيا والمحيط الهاديء.
تزايد عدد المسيحيين حول العالم بنسبة 4 أضعاف خلال المئة عام المنصرمة. فزاد عددهم من 600 مليون نسمة في العام 1910 الى أكثر من ملياري نسمة في العام 2010. بالمقابل تضاعف عدد سكان العالم بوتيرة متسارعة، من 1.8 بليون نسمة في العام 1910 الى 6.9 بليون نسمة في العام 2010.
أي أن نسبة المسيحيين من إجمالي البشرية لم تتغير تقريباً: 32 بالمئة اليوم مقابل 35% قبل قرن مضى
هذا الثبات الظاهر يخفي نقلة أساسية. فمع أن الأميركتين واوروبا ما زالتا موطن أكثرية المسيحيين (63%) في العالم، فإن نسبة المسيحيين فيهما اقل بكثير مما كانت عليه في العام 1910 (93%). كما تراجعت نسبة الاوروبيين والاميركيين المسيحيين من 95 % في العام 1910، الى 76 % في العام 2010 في عموم اوروبا، ومن (96%) الى (86%) في مجمل الأميركتين (أميركا الشمالية والجنوبية).
في الوقت نفسه، حققت المسيحية نموّاً هائلاً جنوب الصحراء الافريقية الكبرى، وفي منطقة آسيا – المحيط الهادىء حيث كان المسيحيون يشكلون أقلية صغيرة في بداية القرن العشرين. فارتفع عدد المسيحيين في بلدان جنوب الصحراء الافريقية الكبرى من (9%) في العام 1910، الى (63%) في العام 2010، في حين ارتفع عددهم في آسيا من (3%) الى (7%).
المسيحية اليوم، تتميّز عما كانت عليه قبل قرن مضى بأنها أصبحت ديانة كونية فعلاً.
ما سبق هو بعض خلاصات دراسة “المسيحية الكونية: تقرير حول حجم وتوزّع سكان العالم المسحيين”
(Global Christianity: A Report on the Size and Distribution of the World’s Christian Population)
التي أعدّها “مركز (بيو) حول الدين والحياة العامة” في الولايات المتحدة.
يستند التقرير، بالدرجة الأولى، إلى تحليل لـ 2400 مصدر بيانات لدول العالم كل منها على حدة، بما فيها عمليات تعداد السكان وأعمال مسح القوميات. وفي بعض الدول، مثل الصين، أخذت الدراسة بالإعتبار، كذلك، الاحصاءات التي تعدها المجموعات الكنسية والتقارير الحكومية ومصادر أخرى.
نصفهم كاثوليك
وتخلص الدراسة إلى أن المسيحيين متنوّعون لاهوتيا وجغرافيا. ان نصف المسيحيين هم من الكاثوليك، في حين يشكل البروتستانت نسبة 37% ، والروم الارثوذكس نسبتهم 12%. ويمثّل “المسيحيون الآخرون”، مثل “المورمون” و”شهود يهوه” ما نسبته 1% من مجمل المسيحيين.
مع ذلك، إذا ما اعتبرناهم كتلة واحدة فإن المسيحيين يشكّلون أكبر جماعة دينية في العالم، يليهم المسلمون الذين يمثّلون أقل بقليل من ربع سكان العالم، طبقا لدراسات مركز “بيو”3.
ويعيش قرابة 48% من المسيحيين في 10 دول يشكل المسيحيون غالبية سكانها. وتقع 3 من هذه الدول العشرة ذات الغالبية المسيحية في الأميركتين (الولايات المتحدة الاميركية، البرازيل والمكسيك)، 2 في اوروبا، (روسيا والمانيا)، 2 في آسيا – المحيط الهادىء (الفيليبين والصين)، 3 في جنوب الصحراء الافريقية الكبرى، (نيجيريا، جمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا)، الأمر الذي يعكس ما يدل على الانتشار الكوني للمسيحية.
من الواضح، إذاً، أن المسيحية قد امتدّت إلى ما يتجاوز بكثير موطنها الأصلي:
* مع أن بدايات المسيحية كانت في الشرق الاوسط وشمال افريقا،فالمنطقة المذكورة تمثّل الآن أدنى نسبة تمركز للمسيحيين (حوالي 4 % من مجل سكان الشرق الاوسط وشمال افريقيا) وأقل عدد للسكان المسيحيين (حوالي 13 مليون نسمة) بالمقارنة مع أي رقعة جغرافية أخرى.
* إن إندونيسيا، وهي دولة ذات غالبية مسلمة، تضمّ عدداً من المسيحيين يفوق عددهم في 20 بلداً يتكون منها الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
* تضم نيجيريا عدداً من البروتستانت (بما فيهم الإنجلييين والكنائس المستقلة) يفوق ضعف عدد البروتستانت في ألمانيا، التي نشأ فيها “الإصلاح البروتستانتي”.
* تشتمل البرازيل على عدد من الكاثوليك يصل إلى ضعف عددهم في ايطاليا.
* مع أن المسيحيين يمثلون أقل بقليل من ثلث سكان العالم، إلا أنهم يشكلون أغلبية سكان 158 دولة وكيان ذي حكم ذاتي، اي ما نسبته ثلثي دول العالم وكياناته.
* يعيش90% من المسيحيين في دول ذات غالبية مسيحية في حين يعيش 10% من بينهم في دول يشكلون فيها أقلية سكانية.
توزع المسيحيين حول العالم
أين يتمركز الوجود المسيحي في عالم اليوم؟ يقترح معهد “بيو” أربع إجابات محتملة، تبعا للطريقة التي يتم بها تقسيم العالم.
منطقة جنوب الكرة الارضية
في الاعوام السابقة، ناقشت كتب ومقالات أكاديمية النمو السريع للمسيحية في الدول النامية “جنوب الكرة الارضية”، خصوصا في افريقيا وآسيا واميركا اللاتينية، وأثارت جدلا حول ما إذا كان نفوذ المسيحيين في نصف الكرة الأرضية الشمالي آخذ بالإنحسار أم لا.
فقبل قرن واحد، في شمال الكرة الارضية (المعـّرف بأوروبا أميركا الشماليةن استراليا، اليابان ونيوزيلندا)، كان عدد المسيحيين في تصف الكرة الشمالي (أميركا الشمالية، وأوروبا، وأوستراليا، واليابان، ونيوزيلندا) اربعة أضعاف عددهم في نصف الكرة الأرضية الجنوبي، (او باقي العالم) أما اليوم، فإن دراسة معهد “بيو” تخلص إلى ان اكثر من 1.3 بليون مسيحي يعيشون جنوب الكرة الارضية (61%)، مقابل 860 مليون مسيحي يعيشون شمالها
(39 %).
شمال الكرة الارضية
ومع ذلك، وعلى الرغم من ان المسيحيين جنوب الكرة الارضية هم الاكثر عددا على مستوى العالم، إلا أن نسبة تمركز المسيحيين شمال الكرة الارضية هي الاعلى، حيث يشكل المسيحيون نسبة 69% من السكان، في حين ان 24% من السكان الذين يعيشون جنوب الكرة الارضية هم من المسيحيين,
وهذا الامر يعكس واقعة أن عدد سكان بلدان جنوب الكرة الارضية يبلغ 4،5 أضعاف عددهم في شمال الكرة الارضية.
ويمكن اعتماد مقاربة أخرى لتوزع المسيحيين حول العالم إنطلاقا من التوزع المناطقي. ومن ناحية العدد على الأقل، لم تعد اوروبا تمثل المنطقة ذات الغالبية المسيحية، كما كانت قبل قرن من الزمن. فأغلبية المسيحيين في العالم يعيشون في:
القارة الاميركية (أميركا الشمالية وأميركا الجنوبية
إستنادا الى تقسيم العالم الى قارات خمس، يشكل المسيحيون في القارة الاميركية أكبر عدد وأعلى نسبة من المسيحيين. فأكثر من ثلث المسيحيين في العالم (37%) يعيشون في الأميركتين، حيث يمثّل المسيحيون 9 من كل 10 من السكان.
كما أن الدول الثلاث التي تقطنها غالبية مسيحية – الولايات المتحدة والبرازيل والمكسيك- تقع في قارة اميركا، حيث يشكل مسيحيو هذه الدول مجتمعة ما نسبته ربع المسيحيين في العالم، (24%)، مقابل قرابة نفس النسبة للمسيحيين الذين يعيشون في قارة اوروبا، (26%). ونفس النسبة للمسيحيين الذين يعيشون جنوب الصحراء الافريقية الكبرى (24%). ومع ذلك تراجع الوجود المسيحي قليلا في اميركا في العام 2010 قياسا الى عدد سكان القارة (86%) من مجمل السكان، قياسا الى العام 1910، حيث كانت نسبتهم (96%). الاميركيتان تمثلان أعلى نسبة تمركز للسكان المسيحيين، حيث ارتفعت النسبة من 26% عام 1910 الى 37% حاليا.
جنوب الصحراء الافريقية الكبرى وآسيا – المحيط الهادىء
يُقدّر عدد المسيحيين في بلدان جنوب الصحراء الافريقية الكبرى ومنطقة آسيا – المحيط الهادئ بـ 800 مليون نسمة، أي أن عدد المسيحيين في المنطقتين مجتمعتين يعادل عددهم في الأميركتين.
كما أن خمس دول من بين اول عشر دول ذات حضور مسيحي مركز هي على التوالي في افريقيا (نيجيريا، جهمورية الكونغو الديمقراطية، واثيوبيا)، او في أسيا (الفيليبين والصين).
ومع ذلك، سجل تزايد عدد السكان المسيحيين أسرع نسبة نمو جنوب الصحراء الافريقية الكبرى، خلال القرن الماضي، بزيادة ناهزت 60 ضعفا، من اقل من 9 ملايين مسيحي عام 1910 الى 516 مليون مسيحي عام 2010. في حين ان عدد المسحيين في منطقة آسيا – المحيط الهادىء تضاعف عشر مرات، حيث ارتفع عددهم من 28 مليوناً عام 1910، الى 285 مليون عام 2010
ملخّص التقرير بالإنكليزية ورابط التقرير الكامل على صفحة “الشفاف” الإنكليزية
إقرأ أيضاً: