بعد مرور ستة أشهر وأربعة وعشرين ساعة على أحداث معتقل “كهريزك” الواقع جنوب طهران تمت قراءة تقرير لجنة تقصي الحقائق التابعة للجنة الحقوقية البرلمانية في أروقة البرلمان الايراني (مجلس الشورى الاسلامي) يوم الأحد 10/01/2010. وأعقب قراءة هذا التقرير نقاش حاد بين المحافظين أنفسهم من موالين ومعارضين لنهج حكومة أحمدي نجاد؛ ويتضمّـن التقرير إعترافاً واضحاً بمقتل ثلاثة معتقلين من بينهم نجل قائد سابق في الحرس الثوري ومستشار المرشح الرئاسي الخاسر محسن رضائي إثر التعذيب وتلقـّي لكمات من قبل السجّـانين، وسوء العناية. ويلقي التقرير اللوم على المدعي العام السابق لطهران “سعيد مرتضوي”، ويشير الى تناقض واضح بين تصريحات مرتضوي التي توصّـلت اليها هذه اللجنة؛ من بينها إشارة “مرتضوي” الى سبب نقل المعتقلين السياسيين الى هذا المعتقل وهو عدم وجود مكان للمعتقلين في سجن “إفين”، وهو ما نفاه سجن “إفين” جملة وتفصيلاً قائلاً بآن السجن كان يتـّسع لعدد أكبر من هؤلاء الذين نقلوا الى “كهريزك”. والتناقض الاخر الذي تشير اليه اللجنة هو تبرير “مرتضوي” قتل المعتقلين في “كهريزك” كان يعود الى إصابتهم بمرض الـ”المننجيت = إلتهاب السحايا”، وهذا ما نفته اللجنة بأن الذين لقوا حتفهم توفّوا بسبب التعذيب وسوء المعاملة.
من هو مرتضوي؟: تدرّج بالمناصب واحدة تلو الاخرى بدءاً بقاض صغير وحتى مدعي عام طهران. فكان القاضي السابق في محكمة الصحافة الذي وجّه أحكاماّ قاسية ضد صحفيين إيرانيين بارزين وأصدر أحكاماً بإغلاق العديد من الصحف الاصلاحية حيث يعتبر العدو اللـّـدود للصحافة الحرة. وفي مرة واحدة، قام بإغلاق أكثر من 10 صحف بالجملة. وورد إسمه في العديد من تقارير المنظمات الدولية الحقوقية والصحافية، وكان متهماً بقتل الاعلامية الايرانية ـ الكندية “زهراء كاظمي” التي قتلت في سجن إفين إثر تلقيها ضربات في رأسها. ويرى البعض إن مرتضوي لم يقم بفعل شيء وأنه يتلقي أوامره من القيادة العليا في البلاد ويعتبر منفّذاً لا أكثر ولا أقل. و تمثّـل أحكامه التي صدرت بحق الناشطين هي أحكام القيادة نفسها، وأنه يعتبر ورقة رابحة في يد النظام بعد أن تحوّل ورقة محروقة سوف يضحّى بها من أجل المصالح العليا للنظام.
من بين أشدّ أعداء “مرتضوي” النائب المحافظ في البرلمان “زاكاني”، ويرى البعض أنه وراء توجيه التهم اليه في قضية كهريزك. ويعود العداء بين الرجلين الى السنوات الماضية عندما كان مرتضوي مدعياً عاماً لطهران ووجّه زاكاني التهم ببيع أسئلة إمتحانات تأهيلية للجامعات الايرانية وتلقّي رشاوى وفساد مالي. ومن بين المؤيدين الاشدّاء له مدير عام المخابرات السابق “روح الله حسينيان” العضو الحالي بالبرلمان والمؤيد الشديد لحكومة نجاد. وقام الاخير، نهاية الاسبوع المنصرم، بتقديم إستقالته من البرلمان للإحتجاج على إمكانية أن يمثل هذا التقريرإدانة لـ “مرتضوي”. ومع ذلك، تمت قراءة التقرير وذُكِر إسم مرتضوي فيه ووجهت التهم اليه. ولكن كيف يمكن لرئيس جمهورية أن يختار شخصاً ضالعاً بقتل وتعذيب ومتهماً بقضايا فساد في منصب رفيع (يوم أمس أصبح حكم مرتضوي ساري المفعول بإعتباره رئيس لجنة مكافحة تهريب العملة الصعبة التابعة لرئاسة الجمهورية). وهو مدان بقضايا فساد من قبل نفس أعضاء النظام في حين يدعي نجاد أنه يسعى لمكافحة الفساد. هذه النقطة تضاف إلى تناقضات وخداع أحمدي نجاد للرأي العام الايراني ويتوجب عليه الإجابة عليها.
الخطوة الاخيرة للبرلمان هل تأتي في إطار الكشف عن حقيقة ماجرى في البلاد من إنتهاكات؟ أم أنها جاءت للبحث عن ضحية لإلقاء اللوم عليه وتبرير أفعال قادة بارزين؟ إنّ اللجنة البرلمانية المذكورة تسلّط الضوء وتقدم وجهة نظرها حيال قضايا مصيرية تهم البلاد دون أن يكون لها حكم تنفيذي بمعاقبة أي شخص. ولكن، لو كانت اللجنة تسعى للحصول على الحقيقة، فلماذا لم تتناول في تقريرها أحداث حي الجامعة حينما اعتدت قوى أمنية على الطلبة أثناء الاحتجاجات التي جرت ما بعد الانتخابات الرئاسية في إيران. وقد قامت تلك القوى بقتل العديد من الطلبة المحتجين وألقت البعض منهم من طوابق السكن الطلابي في حي جامعة طهران! ولماذا لم تتناول إعتداء القوى الامنية على سكن النواب الاصلاحيين أثناء المظاهرات الاحتجاجية؟ ولماذا تجاهلت قتل المتظاهرين في الشوارع من قبل القوى الامنية؟ وفقط سلّطت الضوء على ” كهريزك” ودور مرتضوي بما حدث في هذا المعتقل؛ لأنه، كما يبدو، فإن البرلمان يسعى للبحث عن ضحية كما فعل سابقاً عندما عثر على ضحية أثناء حكومة “خاتمي” في قضية إغتيال الناشطين السياسيين والمفكرين المعارضين. وكانت الضحية، في حينه، مديراً عاماً سابقاً في المخابرات هو “سعيد إسلامي”، أو كما يقال “سعيد إمامي”، بعد أن أصبح يلقي خطباً يهدد عبرها بكشف ملابسات الإغتيالات. وقد اتهموه بأنه كان يعمل من تلقاء نفسه وقتلوه، وقيل عنه أنه “انتحر”.
falahiya25@yahoo.com
* طهران
* محمد علي فلاحية صحفي إيراني ومعتقل سياسي سابق أطلق سراحه قبل أسابيع قليلة
إقرأ أيضاً: