«تظاهرة ضد الحرب» لا أتذكر ان تظاهرة كهذه سبقت الحرب الأهلية. كنا يومها نافذي الصبر في انتظار الحرب. ولم نصدق انفسنا حتى تأكدنا انها وقعت. اغتظنا حين وجدنا البعض يؤخرونها واعتبرنا ذلك مؤامرة علينا. كنا نريد حرباً وأعطيناها. امضينا 15 عاماً فيها، ضجرنا نحن من العام الأول. انتقلنا من بيروت الى الجنوب ومن الجنوب الى بيروت مراراً، استطعنا ان نراوغها. القنابل التي وقعت في صيدا كانت بعيدة ونجونا، والتي وقعت في صور كانت بعيدة ونجونا، والتي وقعت في بيروت كانت أبعد ونجونا. نجونا، كان هذا امتيازاً لنا، في العامين الأولين انتظرنا ان تقف ولم نصدق أنها ستبقى طوال هذا الوقت يوماً بيوم بدون أن تتعب من نفسها. كنت في التاسعة والعشرين وهذا عمر ليس للمقاتلين. إنه للمفوضين السياسيين وهذا ما ارتجلته لنفسي، لكن الأصغر عمراً ذهبوا وبعضهم لم يعد. فرحنا بالعائدين لكن فرحنا اكثر بالذين لم يعودوا. صار لكل منا شهيده الخاص. ثم علمنا أنهم يسرقون في الحروب ويغتصبون ويقطعون آذاناً وينبشون قبوراً ويهدمون بيوتاً فلم نقل انها الحرب ولم نعذر أحداً ولم نفهم حين قال لنا إن الحروب العظيمة دائماً هكذا وأن هذه هي ضريبة التغيير. اكتشفنا أننا لعبنا لعبة خطرة، كنا نظن ان الأمر سيكون جميلاً وعنيفاً وحاسماً فرأينا ان الحروب بلا جمال وأنها مطاطة مضجرة طويلة الروح وانها بمهاربها ومخابئها ومخاوفها اكثر من اي شيء آخر، فكرهناها. مع ذلك لم نتجرأ الا بعد وقت على إعلان زهدنا بها، وزهدنا بالتغيير وزهدنا بالثورة وزهدنا بالخراب الجميل أيضاً، بعد وقت خرجت اول تظاهرة ضد الحرب وتلاقى الناس على الجانبين، اليوم هناك من يسبق إلى إعلان كراهيته للحرب. هناك من لا يريدونها ويعرفون قبل ان يجربوها وقبل أن تقع أنها قبيحة مطاطة مضجرة قذرة وغير صحية. بالطبع هناك مراهقون يريدون أن يغلقوا مدارسهم ويذهبوا إليها، هناك تجار سلاح ينتظرون ان نعلق. هناك لصوص يحلمون بأنها وقعت وان دوراً بكاملها صارت تحت غزوهم. هناك قتلة بالأجرة، وهناك مغامرون وانتحاريون وشهداء في الانتظار. مع ذلك قليلون، لم نكن بينهم، تعلموا منا. نزلوا الى الشارع ضد الحرب. الذين يريدون الحرب موجودون، لكنهم لا يجرؤون على ان يتظاهروا دعماً لها. مع ذلك الحرب لا تزال بعيدة. أخبار القاعدة تثير الرعب، اخبار اخرى ايضاً، لكن نعرف ان الحرب لا تقع الا لمن يريدونها. تظاهرة ضد الحرب ربما تلعب دوراً في منعها.
(السفير)