-١-
لا تكذب!
الخطاب “اللطيف” الأخير لمسيو حسن نصرالله[[قال نصرالله في خطابه الذي نقلته قناة المنار “في هذا الزمن أصبحنا بحاجة ماسة إلى الحديث عن الرسول بسبب سلوك بعض الجماعات الإرهابية التكفيرية التي تنسب نفسها إلى الإسلام وإلى رسول الإسلام وإلى راية الإسلام”.
واعتبر أن “هؤلاء أساؤوا إلى رسول الله كما لم تتم الإساءة إلى رسول الله طوال التاريخ”.
وأضاف أن هذه الجماعات “من خلال أقوالها وأفعالها وممارساتها المشينة الشنيعة والعنيفة واللا إنسانية والوحشية، أساءت إلى رسول الله، وإلى دين الله، وإلى أنبياء الله، وإلى كتاب الله، وإلى أمة المسلمين أكثر مما أساء إليها أعداؤها، حتى هؤلاء الذين قاموا بالاعتداء على رسول الله من خلال تأليف كتب مسيئة وصنع أفلام ووضع رسوم مسيئة للرسول”.
ويشير نصرالله إلى كتاب “آيات شيطانية” لمؤلفه سلمان رشدي الذي أصدر آية الله الخميني فتوى بإهدار دمه (1989)، وإلى شريط الفيديو “براءة المسلمين” الذي نشر على الإنترنت (2012) وأثار حركة احتجاجات عالمية في دول ومجتمعات إسلامية تطورت إلى حوادث دامية، وإلى الرسوم الكاريكاتورية التي نشرت في صحف أوروبية عدة (2005)، بينها “شارلي إيبدو”، وتناولت النبي محمد، وكان نصرالله دان هذه الرسوم بشدة..
وتابع نصرالله الجمعة “عندما تقطع الرؤوس وتشق الصدور وتلاك الأكباد وترتكب المجازر ويذبح الآلاف في دقائق وساعات ويصور هذا للعالم.. عندما يقتل الناس في اليمن وفي غير اليمن لأنهم يحيون مولد رسول الله، وفي نظر هؤلاء أن هذا كفر وخروج عن الدين. هل يصح أن يقدم هؤلاء أنفسهم على أنهم مدافعون عن رسول الله؟”]]
يتناسى بضعة تفاصيل! أولاً، أن معلّمه “الخميني” كان أول من أصدر “فتوى اغتيال“، ما زالت قائمة، بحق كاتب. ثانياً، أن عناصر حزبه وزّعوا “البقلاوة” عند سماعهم خبر اغتيال جبران التويني. وثالثاً، أن حزبه ما زال يشارك في قتل ألوف السوريين! هل كان نصرالله “لطيفاً” لأنه يريد “تشجيع” الدولة الفرنسية على “فتح خط” مع بشار الأسد؟
الشيخ القرضاوي أيضاً اكتشف أن “الإسلام لا يبيح القتل”[[أدان الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الخميس، الهجوم الإرهابي على مقر صحيفة “شارلي إيبدو” الفرنسية بباريس، والذي راح ضحيته 12 من العاملين بها.
وقال في تدوينة بحسابه على موقع “تويتر” إن الإسلام يراعي حرمة النفس الإنسانية ويحرّم الاعتداء عليها، مضيفًا “ندين بقوة ونرفض نحن علماء الأمة وجماهيرها كل عمل يريق دماء الأبرياء، ويزهق أرواح الآمنين، وينشر الفساد في الأرض، أيًّا كان منفذ وأيًّا كان دينه».
وأكد رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إن الدين الإسلامي «يحترم النفس الإنسانية ويرعى حرمتها، ويحرّم الاعتداء عليها، ويجعله من أكبر الكبائر، ولا يجيز بحال القتل العشوائي للناس»]]
! قصة القرضاوي أعقد قليلاً.
في أكتوبر ونوفمبر وديسمبر ٢٠٠٥ زاره وفد يرأسه الشيخ الدانماركي “أبو لبن”. طلب “أبو لبن” الإنتقام للرسول بعد نشر الرسوم الكاريكاتورية في مجلة دانماركية. رفض القرضاوي، حسب معلومات الأجهزة الغربية التي كانت تتابع الموضوع. لماذا؟ لأن “الإخوان” بمصر وحركة “حماس” في غزة كانوا مقبلين على انتخابات حاسمة. حقق “الإخوان” نجاحاً كبيراً في انتخابات مجلس الشعب المصري، وانتصرت “حماس” في غزة.
بعد النجاح “الإخواني” في مصر وغزة، تغيّرت مواقف قطر والقرضاوي. ألهبت “الجزيرة” حماس المسلمين للإنتقام “الفوري” للنبي. قامت مظاهرات في كل أنحاء العالم، وسقط قتلى، وأحرقت سفارات. في شهر فبراير، استهول حتى دعاة الإنتقام للنبي ما يحدث. أصدر علماء مسلمون بعضهم محسوب على “الإخوان” بياناً طالبوا فيه بوقف التظاهر مقابل اعتذار معقول. رفض القرضاوي، وطالب بالتصعيد!
لماذا؟ لأن القرضاوي كان يريد أن يفهم الغرب أن “الإخوان” و”قطر” هم “موجة المستقبل”. أي أن مظاهرات الدفاع عن الرسول كانت “عرض عضلات إخواني-قطري”.
بين “القاعدة” و”النظام السعودي الهرم”، كان “الإخوان” و”قطر” يريدون تقديم “أوراق اعتمادهم” للأميركيين والأوروبيين. فعلاً، جاء “الربيع العربي” واستفاد “الإخوان” و”قطر” من خطوطهم المفتوحة مع الغرب: في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن.
عملية “شارلي إيبدو” التي سقط فيها ١٣ قتيلاً، معظمهم صحفيون هي من “بقايا” التصعيد الإخواني-القطري في العام ٢٠٠٦.
الآن، سقط المشروع “الإخواني” بالضربة العسكرية القاضية في مصر (مدعومة من السعودية، والإمارات، والكويت)، وبالضربة الإنتخابية في تونس. وبالضربة الحوثية في اليمن. ولم يبقَ سوى ليبيا!
مسكين القرضاوي لم يعد عنده “مشروع”. حتى “قطر” دخلت في “ساعة التخلّي” وأرسلت رئيس مخابراتها للإجتماع مع رئيس مصر!
وحتى “مشايخ قطر” شاركوا، اليوم، في تظاهرة باريس الكبرى. ربما لأن “ضميرهم غير مرتاح”! وربما، حتى لا يسألهم أحد عن دورهم في “تصعيد” قضية رسوم النبي في العام ٢٠٠٦.
هذه كله من الماضي. هنالك أهم.
-٢-
مسلمو فرنسا تظاهروا دفاعاً عن “الجمهورية “!
الجديد اليوم للذين شاركوا في مظاهرة باريس الكبرى، أو في مظاهرات المدن والبلدات الفرنسية، هو أن العرب الفرنسيين، والمسلمين الأفارقة الفرنسيين، شاركوا بنسب كبيرة إلى درجة غير مألوفة.
هذا ما شهدناه بأعيننا في مظاهرة باريس اليوم. وشهدنا أيضاً “ظاهرة تضامن” إسلامي مع اليهود الفرنسيين الذين سقط منهم ضحايا على يد الإرهابي المجنون الذي احتل “سوبر ماركت كاشير”.
(في ألمانيا: طلبت، اليوم، أهم جمعية دينية تركية من الإئمة الأتراك الألمان أن يقفوا حرساً امام المجلات والجرائد التي تتعرض لتهديد!)
لم يتظاهر مسلمو فرنسا هذه المرة كـ”جالية”، أو كما يسمّى “مجموعة إسلامية”، ولم يتظاهروا ضد الشرطة، أو ضد إسرائيل، أو من أجل قضية عربية إو إسلامية. تظاهروا كـ”مواطنين فرنسيين” مكتملي “الحقوق”… و”الواجبات”!
تظاهروا “دفاعاً عن الجمهورية”! مثل أي فرنسي “عتيق”. وأنشدوا “المرسيّيز” مثل أي مواطن فرنسي آخر!
هذا جديد لم نتوقّعه! وإذا صحّ تقديرنا، فهذا يعني أن نسبة “اندماج” المسلمين في فرنسا أعلى بكثير مما كنا نتصوّر. (بالمناسبة، هذا ما يصرّ المؤرخ “اوليفييه روا” على إبرازه في كتاباته الأخيرة).
ما زال مبكراً، ربما، الحديث عن “يقظة إسلامية” في الغرب الأوروبي. ولكن ما حدث اليوم كان ملفتاً.
-٣-
بداية النهاية للإخوان-الخمينيين!
اليوم كانت فرنسا “أم الدنيا”، وعاصمة العالم. وربما كان اليوم، أيضاً، يوم “صحوة إسلامية” في شمال البحر المتوسط! “صحوة” ليس على طريقة “الصحوة السعودية-الإخوانية”، بل على الطريقة “الجمهورية”.
نقول “ربما”! لكنها “ربما” كبيرة لأنها قد تكون، إذا صحّت، الضربة القاضية لمشاريع “الإخوان المسلمين” و”الإخوان الخمينيين”! أي بداية البداية لإسلام “بروتستانتي” منزّه من اختراعات فقهاء و”ملات” السوء! إسلام “قرآني”.
ومن يعش يرى!
metshaffaf@gmail.com
تظاهرة باريس: مسلمو فرنسا، عرباً وأفارقة، فاجأونا!
كأنني أنا الذي كتب المقال.. لا أستطيع أن أتفق معك أكثر مما تعبر عنا أستاذ بيار..