مُضناكَ جَفاهُ مَرقَدُهُ
وَبَكاهُ وَرَحَّمَ عُوَّدُهُ
حَيرانُ القَلبِ مُعَذَّبُهُ
مَقروحُ الجَفنِ مُسَهَّدُهُ
يَستَهوي الوُرقَ تَأَوُّهُهُ
وَيُذيبُ الصَخرَ تَنَهُّدُهُ
وَيُناجي النَجمَ وَيُتعِبُهُ
وَيُقيمُ اللَيلَ وَيُقعِدُهُ
الحُسنُ حَلَفتُ بِيوسُفِهِ
وَالسورَةِ إِنَّكَ مُفرَدُهُ
وَتَمَنَّت كُلُّ مُقَطَّعَةٍ
يَدَها لَو تُبعَثُ تَشهَدُهُ
جَحَدَت عَيناكَ زَكِيَّ دَمي
أَكَذلِكَ خَدُّكَ يَجحَدُهُ
قَد عَزَّ شُهودي إِذ رَمَتا
فَأَشَرتُ لِخَدِّكَ أُشهِدُهُ
بَيني في الحُبِّ وَبَينَكَ ما
لا يَقدِرُ واشٍ يُفسِدُهُ
ما بالُ العاذِلِ يَفتَحُ لي
بابَ السُلوانِ وَأوصِدُهُ
وَيَقولُ تَكادُ تُجَنُّ بِهِ
فَأَقولُ وَأوشِكُ أَعبُدُهُ
مَولايَ وَروحي في يَدِهِ
قَد ضَيَّعَها سَلِمَت يَدُهُ
ناقوسُ القَلبِ يَدُقُّ لَهُ
وَحَنايا الأَضلُعِ مَعبَدُهُ
قَسَماً بِثَنايا لُؤلُؤها
قَسَمَ الياقوتُ مُنَضَّدُهُ
ما خُنتُ هَواكَ وَلا خَطَرَت
سَلوى بِالقَلبِ تُبَرِّدُهُ
>>>
طبعا أغنية عبد الوهاب وكلمات أمير الشعراء أحمد شوقي هذه تحتاج مذكرة تفسيرية. عنوان الأغنية لوحده يودي في داهية “مضناك جفاه مرقده” وظهرت هذه الأغنية عام 1938 وكانت مصر وقتها في أيام العز وكان عدد السكان حوالي 15 مليون نسمة، وكان كل سكان الشرق الأوسط والبحر المتوسط يرغبون في الهجرة والعمل في مصر. وبالرغم من انتشار الأمية وقتها إلا أن المتعلمين كانوا متعلمين بجد، وكانوا يفهمون معنى مضناك ومعنى جفاه ومعنى مرقده الأمر الذي شجع عبد الوهاب لتلحين وغناء تلك القصيدة الصعبة لأنه كان هناك مستمعون يفهمون ويقرأون الشعر..
….
الآن نتحرك للأمام (أو للخلف مش مهم) 85 عاما إلى عام 2023 وفوجئت بأغنية ليس لها عنوان، ولكنها معروفة باسم (حنسخن السخان) لزوج مطربين لا تجد أشد منهما لزوجة. الآن تعداد مصر أصبح أكثر من 105 مليون نسمة، مساحة الدلتا تقلصت ومساحة وادي النيل تقلصت ومياه النيل لم تزد، ولكن تضاعف عدد السكان سبع مرات. التعليم انتشر جدا ولكن مستواه انخفض جدا إلى الحد الذي أصبحنا نسمع تلك الأغنية ولها ملايين المشاهدات على اليوتيوب، وهذه هل الكلمات والتي أرجو ألا تسمعها لأطفالك حرصا على صحتهم النفسية:
كتر الكتمان يا ناس يفرتك الشكمان
بالذمة ناقص إيه وفاضل إيه كمان
حنسخن السخان ونكيف التكييف
وناكل نص لقمة عشان ننام خفيف
حنسلك المتسلك ونبلك المتبلك
ونتلج المتلج وخد حنان في رغيف
حنروح المروحة ونمرجح المرجحة
ونبلف البولوبيف…
ولم أستطع أن أكمل أكثر من هذا
…
هذا الكلام الذي يجد قبولا عام 2023 في الشارع المصري الذي قبل من 85 سنة كلمات مضناك جفاه مرقده، ولكن الشارع ليس نفس الشارع، ومشكلتي مع تلك الأغاني أنه ليس لها موضوع محدد، هل نحن نتكلم عن موضوع السخان أم التكييف أم البولوبيف؟
تصوروا أن أغاني أحمد عدوية من 50 سنة أصبحت أغاني كلاسيكية بالنسبة لهذا الهراء، يعني مثلا أغنية (حبة فوق وحبة تحت) أو أغنية (زحمة يا دنيا زحمة) كانت أغاني لها معنى حتى الأغاني الشعبية القديمة مثل (يا خارجة من باب الحمام وكل خد عليه خوخة) أو أغنية (يا شبشب الهنا يا ريتني كنت أنا) كانت أغاني لها معنى.
وبالطبع الفن هو مرآة المجتمع، ويبدو أن هذا هو المجتمع المصري اليوم، لا يدري كيفية التعامل مع التكييف أو السخان أو البولوبيف؟؟
كأني اقرأ نستولوجيا اسطوانة” الزمن الجميل”.
كأني اصدق أن اجمل القرون كان القرن التاسع عشر.
ملاحظات دقيقة جدا ، رائع كالعادة