لا تعرف البلدان المُحيطة بليبيا كيف تتعامل مع حرب طال أمدها أكثر من المتوقَّـع بين الثوار وكتائب القذافي.
ففي البداية، طغت الإنتظارية على موقف كلٍّ من تونس والجزائر، لأن الأولى سمعت وعيدا على لسان القذافي نفسه بالإنتقام لصديقه زين العابدين بن علي، الذي اعتبره أفضل رئيس لتونس ومناه بالبقاء في سدّة الحكم مدى الحياة. ولولا أن الإنتفاضة فاجأت العقيد المتهوّر من بنغازي، لَأَقْـدم ربّـما على أعمال تُشبِـه “عملية قفصة”، التي نفذها في يناير 1980 كومندوس من التونسيين الذين تلقَّـوا تدريبات في معسكرات ليبية.
أما الجزائر، فحسمت موقفها منذ الأيام الأولى لاندلاع الإنتفاضة، إذ دانت الثوار عَـلنا وبقوّة، وساعدت في الوقت نفسه الحكومة الموالية للقذافي، رافضة أي شكل من التعاون أو حتى الحوار مع المجلس الوطني الانتقالي برئاسة وزير العدل السابق مصطفى عبد الجليل.
موقف التونسيين كان أكثر مخاتلة ومُـرونة في الآن نفسه. فهُـم فتحوا أبواب المراكز الحدودية أمام موفدي القذافي لكي ينطلِـقوا من مطار جزيرة جربة أو من مطار العاصمة تونس في مهمّـات خارجية. وفي الوقت الحاضر، تُشاهد يوميا عشرات الشاحنات الثقيلة ذات اللوحات المنجمية الصفراء (الليبية) على الطرقات الدولية، متجهة إلى طرابلس وهي مُحمَّـلة بالأغذية والمواد الأساسية وحتى بقوارير الماء المعدني، مما جعلها تُفقَـد من المتاجر التونسية في ذروة فصل الصيف. لكن السلطات التونسية تتعاون أيضا مع الثوار وتُسرِّب لهم المؤن، حسب الظاهر، وتم استقبال رئيس المجلس الوطني الإنتقالي استقبالا رسميا في أعلى المستويات، لكن من دون الإعتراف رسميا بالمجلس.
هنا يبرز الإختلاف بين الموقفيْـن التونسي والجزائري، إلا أنه يبقى عند هذا الحدّ، ليبدأ التوافُـق حول إطار التسوية، فالعاصمتان متَّـفقتان على أن مشروع الإتحاد الإفريقي هو المرجعية لأي حلٍّ سياسي في ليبيا. وتحوّل وزير الخارجية التونسي مولدي الكافي مؤخَّـرا إلى الجزائر للإعلان مع نظيره مراد مدلسي عن هذا الموقف المشترك.
تحديات عسكرية…
لم تقتصِـر تداعِـيات الصراع في ليبيا على الإنعكاسات السياسية الإقليمية، وإنما ترتَّـبت عليها أيضا تداعيات عسكرية شملت الجزائر وتونس معاً، إذ عزّز الجيش التونسي مواقعه مؤخَّـرا على الحدود الجنوبية الشرقية مع ليبيا. وأفادت وكالة الأنباء الرسمية التونسية في حينها، أن الجيش تمرْكَـز على الحدود الشرقية لمحافظة تَـطاوين الحدودية، ودعم قُـدراته الدفاعية بالعديد من الآليات الثقيلة “تحسُّـبا من كل تهوُّر يمَـس من حُـرمة التراب الوطني”، على ما قالت الوكالة.
وعزا التونسيون تلك الخطوة إلى وصول تعزيزات كبيرة من كتائب القذافي إلى منطقة “الغزايا” الليبية، ما شكَّـل مؤشرا إلى قرب هجوم آخر على المعبر الحدودي التونسي – الليبي “وازن – ذهيبة”، الذي يسيطر عليه الثوار منذ يوم 29 أبريل الماضي.
وحاولت كتائب القذافي أكثر من مرّة دخول التراب التونسي، للإلتفاف على الثوار ومباغتتهم من الجانب المقابل للمعبَـر، إلا أن القوات المسلحة التونسية “وقفت سدّا منيعا أمامها”، بحسب الوكالة، وحالت دون توغُّـلها في الأراضي التونسية في حال فِـرارها من قبضة الثوار. وأكَّـدت أن التونسيين “أرجعوا عناصر كتائب القذافي من حيث أتَـت كلما حصل توغّـل”.
وتزايدت أهمية معبر وازن – ذهيبة، بعدما أصبح حيويا لطرفيْ النزاع، لأن الثوار المُـنتَـسبين إلى مدن ومناطق جبل نفوسة (أو الجبل الغربي)، مضطرون للُّـجوء إليه، إذ لا منفَـذ لديهم من أجل التزوّد بالمؤونة والعلاج. وبالمقابل، لا يمكن لقوات القذافي الدخول إلى مناطق الجبل الغربي والتحكُّـم فيها، ما لم تسيْـطر على معبَـر ذهيبة وازن.
… ومهام عسيرة
بهذا المعنى، وجد الجيش التونسي نفسه في أعقاب الثورة التي أطاحت زين العابدين بن علي، مُكرَها على مواجهة مهمّـات متنوّعة ومتناقِـضة أحيانا، مع أنه من أضعف الجيوش في شمال إفريقيا عددا وعَـتادا (35 ألف رجل). واكتسب الجيش شعبية واسعة بعد رفضه تنفيذ أوامر بن علي بإطلاق النار على المتظاهرين، إلا أن عَـزل 47 من القيادات الأمنية بعد الثورة والإحباط الذي أصاب من تبقّـوا في مراكزهم، دفعا المؤسسة العسكرية لتولِّـي مهام أمنية عدّة. ويمكن للمتجوِّل في المدن التونسية اليوم أن يلحظ أن آليات الجيش رابضة أمام المقار الرسمية والمنشآت العامة، ومنها وزارة الداخلية في شارع الحبيب بورقيبة في قلب العاصمة تونس.
ورتب اندلاع الصراع في ليبيا بين كتائب القذافي والثوار اعتبارا من 17 فبراير الماضي، مهمّـات جديدة على جيش اتفق الرئيسان السابقان بورقيبة (1956 – 1987) وبن علي (1987 – 2011) على إهماله بسبب اعتمادهما سياسة دفاعية ترتكِـز على تحالف مَـتين مع كل من فرنسا والولايات المتحدة. ومع تصاعد المعارك في منطقة الجبل الغربي واقترابها من الحدود التونسية، صارت مُـدن تونسية، مثل الذهيبة، تتلقى حصّـتها من القذائف والصواريخ. وطال القصف في أكثر من مناسبة، وحدات الجيش التونسي المرابطة في المدن الحدودية، لأن المعارك بين الكتائب والثوار كانت تدور على الجانب الآخر من المعبَـر، للسيْـطرة على مدينة وازن الليبية، فضلا عن المدنيين التونسيين الذين كانت أحياؤهم وبيوتهم هدفا لقذائف الكتائب أيضا.
حشود حدودية وإنفاق عسكري متصاعد
أما في الجزائر، فألقت الحرب الدائرة في ليبيا بظلالها الكثيفة على الموازنة العسكرية، إذ أعلن عن خطة لتطوير القوات البرية وشراء تجهيزات متطوّرة لمراقبة الحدود. وفي هذا السياق، تم ترفيع ميزانية وزارة الدفاع وأجهزة الأمن ووزارة الداخلية إلى 15 مليار دولار تقريبا في قانون المالية التكميلي، أي بزيادة 6 مليارات دولار عن الموازنة السنوية المبدئِـية التي قرّرها قانون المالية لعام 2011. وتحتل الجزائر، طِـبقا للأرقام الجديدة، المرتَـبة الأولى إفريقيا والثانية عربيا، بعد السعودية، في الإنفاق العسكري، بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. وتضمَّـن قانون المالية التكميلي الذي صادق عليه البرلمان الجزائري أخيرا، ترفيع موازنة الدفاع إلى أكثر من 631 مليار دينار، وهو ما يعادل 9 مليار دولار، وموازنة وزارة الداخلية إلى أكثر من 425 مليار دينار، أي 6 مليار دولار.
كما قامت الجزائر بحشْـد قوات ضخمة من الجيش والدّرك وحرس الحدود قُـرب الحدود المشتركة مع ليبيا. وقال مسؤولون حكوميون، إن الوضع الجديد على الحدود الجنوبية الغربية، فرض على وزارتيْ الدفاع والداخلية، تخصيص موازنة إضافية لم تكُـن متوقَّـعة لإعالة وإسكان عشرات الآلاف من الجنود وعناصر الدرك والشرطة وأعوان الحماية المدنية، الذين نُـقِـلوا إلى الحدود الليبية. وكان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أعلن خلال ترؤُّسه اجتماع المجلس الأعلى للأمن في مارس الماضي، عن تخصيص مبلغ مالي عاجل لتمويل الجُـهد العسكري والأمني في الحدود، والذي تمَّـت إضافته إلى قانون المالية التكميلي لسنة 2011.
ويساوي الإنفاق العسكري الحالي في الجزائر، بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، أربعة أضعاف ما يُنفقه المغرب، غريم الجزائر، على جيشه. وتستأثر الجزائر بـ 8% من صادرات السلاح الروسية. ويشمل الإنفاق العسكري تطوير مؤسسات تصنيع ذات طابع مدني وعسكري، مثل مصنع العربات في محافظة تيارت. وأفيد أن وزارة الدفاع الجزائرية تخطّط لتطوير القوات البرية وتجهيزها ورفع كفاءة سلاح حرس الحدود، لمواجهة المتطلَّـبات الأمنية الجديدة التي فرضتها الحرب في ليبيا والأوضاع المتدهْـورة في منطقة الساحل والصحراء، وبخاصة في ضوء تواتر المعارك بين القوات الموريتانية وعناصر “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”.
وتتضمن خطة التطوير، زيادة القدرات الحركية لسلاح المُـشاة بتعزيزه بالآلاف من السيارات الخفيفة والعربات المصفَّـحة، التي يمكنها العمل في الصحراء. وتدرس وزارة الدفاع الجزائرية أيضا زيادة الاعتماد على وسائل المراقبة الجوية والإلكترونية للحدود في أقصى الجنوب، باقتناء طائرات استطلاع متطوّرة يمكنها البقاء في الجوّ أكثر من 12 ساعة، وتطوير وسائل الاتصال مع القوات العاملة في المناطق النائية في أقصى الجنوب، والتي تَـضاعَـف عددها في السنوات الأخيرة عدة مرات. وتحتاج وزارة الدفاع، حسب مصادر مطَّـلعة، إلى موازنة كبيرة لتطوير جهاز التصنيع العسكري الذي سيوفِّـر الآلاف من مناصب الشغل ويُـحوِّل الجيش إلى قوة منتجة، إذ تعمل الجزائر على إنشاء صناعة عسكرية ميكانيكية وتصنيع قِـطع الغيار والذخائر والأسلحة الخفيفة وصيانة السفن الحربية.
وفي سياق متصل، منعت قوات حرس السواحل الجزائرية ناقلة بحرية محملة بـ 4 آلاف طُـنّ من الوقود، موجهة إلى نظام القذافي، من الرّسو في ميناء عنابة وأجبرتها على مغادرة المياه الإقليمية الجزائرية إلى المياه الدولية قُـبالة سواحل البحر المتوسط على ما قالت صحيفة “الشروق”. وأوضحت أن ناقلة الوقود “قرطاجنة”، كانت تحمل عَـلَم مالطا وهي تدخل المياه الإقليمية الجزائرية، من دون أن تكون حصلت على إذن بالرَّسو في ميناء عنابة.
الأمن تحت جناح الجيش
وفي إطار تزايد سلطات الجيش على حساب المؤسسة الأمنية، قررت الحكومة الجزائرية إخضاع جميع أجهزة الأمن والاستخبارات المدنية إلى المؤسسة العسكرية تحت شعار توحيد الأجهزة العاملة في مكافحة الإرهاب.
وتضمَّـن مرسوم نُشِـر أخيرا في الجريدة الرسمية، إخضاع كل من قوات الشرطة والدرك والأجهزة الأمنية إلى “الجيش الشعبي الوطني”، في خطوة تدلّ على النفوذ المتزايِـد للمؤسسة العسكرية في الدولة والمجتمع. وعزت أوساط قريبة من الحُـكم هذا الإجراء إلى الوضع الجديد، بعد قرار رفع حال الطوارئ، الذي أعلن عنه في مارس الماضي. ومنح المرسوم رئيس أركان الجيش الشعبي الوطني سلطات واسعة لقيادة قوات الشرطة والدرك وتنسيق أعمالها في مكافحة الإرهاب والتمرد. وبموجب المرسوم أسندت لقوات الجيش، محليا ومركزيا، صلاحية اختيار الوسائل وطُـرق التنفيذ وقيادة العمليات العسكرية ضدّ من يُصنّـفون في خانة “الإرهاب”، إلا أن المرسوم أوضح أن أولوية التدخل في المدن، تعود إلى قوات الشرطة، لكن بتنسيق وتشاوُر مع القيادة العسكرية المحلية في المحافظة المعنية.
وتتكامل هذه التداعيات العسكرية مع الموقف السياسي المتشدّد، الذي اعتمدته الأحزاب الثلاثة المشاركة في الإئتلاف الرئاسي في الجزائر من الثورة الليبية، وهي جبهة التحرير والتجمّـع الوطني الديمقراطي وحركة “حمس” الإسلامية. وبعدما استهزأ أمين عام جبهة التحرير عبد العزيز بلخادم من الإنتفاضة في ليبيا في مناسبات مختلفة، بسبب تعاون قادتها مع الحلف الأطلسي وانتقد الثورة التونسية، أدلى ميلود شرفي، الناطق الرسمي باسم التجمع الوطني الديمقراطي، الذي يقوده رئيس الحكومة أحمد أويحيى مؤخرا بتصريحات تضمنت عداءً واضحا للثورة التونسية.
ونقلت صحف جزائرية عن شرفي، الذي يُعتبر الرجل الثاني في الحزب، قوله خلال اجتماع بدار الثقافة بالبيّض، تعليقا على ثورة الياسمين ”إن الثمانية ملايين جزائري الذين يلتحقون بمدارسهم يوميا في الجزائر، يعادلون عدد سكان تونس”. ولما سأل مندوب صحيفة ”الخبر” شرفي عن المغزى من تقويم الحركات والثورات بالعدد، اكتفى بالردّ ”إن التجمع ملتزم بموقف الدولة الجزائرية”.
تداعيات سياسية وعسكرية للصِّـراع الدائر في ليبيا على كل من تونس والجزائر
أما الجزائر، فحسمت موقفها منذ الأيام الأولى لاندلاع الإنتفاضة، إذ دانت الثوار عَـلنا وبقوّة، وساعدت في الوقت نفسه الحكومة الموالية للقذافي، رافضة أي شكل من التعاون أو حتى الحوار مع المجلس الوطني الانتقالي برئاسة وزير العدل السابق مصطفى عبد الجليل ؟ لعنت الله عل الكذب في رمضان
تداعيات سياسية وعسكرية للصِّـراع الدائر في ليبيا على كل من تونس والجزائر مقال كله مغاطات و إفتراءت … و له وجهة محددة وهو محاولة تصوير النظام الجزائري على أنه النظام الوحيد المتبقي المعادي للثورات العربية … رغم أن النظام الجزائري قدم مساعدات للحكومة التونسية الحالية أي حكومة الثورة … و كان موقفه من الأزمة الليبية موقف الحياد ولم يتحامل أبدا على الثوار كما يذكر المقال ولكن العكس هو الحاصل و لم يساعد القذافي ولم يثبت ذلك على الأقل لحد الآن… لكن الأمر وما فيه أن النظام الجزائري هو آخر نظام عربي يحسب على دول الممانعة التي آلت الصحافة والقنوات الخليجية… قراءة المزيد ..