ردود الفعل السلبية ، والإدانة القوية ، التي أبداها أعضاء نافذين في أروقة البرلمان البحريني ، إزاء فعاليات “مهرجان ربيع الثقافة” في دولة البحرين الشقيقة ، مدعومين في ذالك من قبل أوساط دينية (سنية وشيعية) واجتماعية متزمتة ، وإطلاق أقذع النعوت بحقها، والمشاركين فيها ، والقائمين على تنظيمها ، الأمر الذي اثأر استغراب و استهجان الجسم الثقافي، وممثلي مؤسسات المجتمع المدني ، وأطياف سياسية بحرينية مختلفة، وهنا لا يجري الحديث أو التشكيك في شرعية كون هؤلاء أعضاء منتخبين، و يعبرون عن خيارات ومواقف قطاع واسع من شرائح المجتمع البحريني، لكن ذالك ليس مدعاة وحق لهم، إن ينصبوا أنفسهم رقباء ، وحراس للفكر والثقافة، و تكميم وحجر الإبداع ، وتسطيح العقول أو تنميطها ، وفقا لقناعاتهم وتوجهاتهم الفكرية ،والاجتماعية ، والسياسة و الضرر بل الخطر هنا ،عندما يجري التركيز على محاربة الإبداع ، والثقافة الجادة ، ومصادرة الرأي الأخر ، وهي قضايا محورية ، تعد من مكونات الحرية والديمقراطية والتعددية ، التي كفلها الدستور والميثاق الوطني ، و الذي على أساسه انتخبوا ، وعلينا إن نتذكر ، ونستعيد ظروف صعود الفاشية أو الحركات الشعبوية ( إبان الأزمات الوطنية الكبرى) بمختلف تجلياتها القومية ، والدينية ، والمذهبية التي حظيت بدعم من أوساط شعبية واسعة ، وأحيانا فرضت نفسها عبر الديمقراطية ( التي انقلبت عليها لاحقا ) و صناديق الاقتراع الشعبي الحر ، من خلال تأييد ومساندة الفئات الاجتماعية المهمشة ، والمحبطة ، والسهلة القياد، في ضوء معاناتها ،و تزيف وعيها ، وتأجيج وشحن عواطفها ، ردا على استئثار رؤية وخطاب رسمي/شمولي ، وغياب ومصادرة وحصار المكونات الثقافية الأخرى ، الأمر الذي أنعش وقوى البديل المتمثل في المكونات الاجتماعية و الدينية والطائفية المحافظة ( على امتداد عقودمن الزمن ) عبر القنوات التقليدية المتاحة المعروفة . ما جرى في البحرين من محاولة حجر ومصادرة الفكر والإبداع الإنساني الراقي ، والثقافة الجادة ، سبق إن مارسته وفرضته أنظمة استبدادية بما فيها أنظمة دينية ، و كتل وجماعات إسلامية ومحافظة في كثير من المجتمعات والبيئات العربية والإسلامية ، ومن بينها مجتمعات دول مجلس التعاون الخليجي ،ونستعيد هنا مواقف الكتل الإسلامية المتشددة في مجلس الأمة الكويتي ، ضد معرض الكتاب والحفلات الموسيقية ومنعها عناوين كتب وأسماء فنانين وتحديد نوعية العروض والنجاح في فرض الرقابة والضوابط ” الشرعية ” عليها .
الأمر ذاته حصل في السعودية ، إثناء و في أعقاب معرض الرياض الدولي للكتاب. منذ البداية حاولت المجموعات المتشددة التشويش على سير المعرض ، من خلال استهدافها منع العديد العناوين والموضوعات في شتى صنوف المعرفة والإبداع المحلي والعربي والعالمي ، التي لا تتفق وتوجهاتها الفكرية المتزمتة ، وسعيها لمنع تواجد النساء والرجال في وقت واحد ، واستعراض قوتها من خلال الصلاة الجماعية بين الممرات الضيقة للمعرض رغم وجود أماكن مخصصة للصلاة ، وحين فشلت محاولاتها في ضوء الموقف الحازم للجنة المنظمة ، والإقبال الجماهيري ( من الجنسين ) الواسع ، الذي قدر بحوالي سبعمائة ألف زائر من مختلف مناطق المملكة ، لفترة المعرض الذي استمر عشرة أيام ، وبحجم مبيعات غير مسبوق وصل إلى أكثر من عشرة ملايين ريال وفقا للفواتير المقدمة فقط ، ومع إن اللجنة المنظمة استبعدت الموضوعات الإشكالية والحساسة ، التي قد تعطي المبرر لتلك المجموعة لإثارة الاضطراب والمشاكل على غرار ماحدث في معرض الكتاب العام الفائت ، غيران الهجوم على معرض الكتاب ، ومنظميه ، ومسئولي وزارة الثقافة والإعلام ، وعلى رأسهم الوزير الأستاذ إياد مدني ، استمر في المنتديات ، وخطب المساجد ، كما صدر بيان الـ 18 من المشايخ المتشددين الذي أشرت إلى محتوياته في المقال السابق ، وأخيرا وصلت تداعيات المعرض إلى أروقة مجلس الشورى يوم الاثنين 12 مارس الجاري ، بمناسبة مناقشة التقريرين السنويين لوزارة الثقافة والإعلام للعامين الماليين 1424/ 1425هـ – 1425/ 1426هـ ،حيث تعرضت أعمال الوزارة إلى هجوم ونقد حاد من قبل بعض الأعضاء من الإسلاميين و المحافظين المتشددين ، وشمل الهجوم الجوانب الشكلية والإجرائية ، و من حيث المضمون والمحتوى ، وخصوصا ما اعتبر ” رفع القيود و الضوابط الشرعية عن الحرية الفكرية الذي أدى إلى انتشار الأفكار المنحرفة ونشر المنكرات في المجتمع .. حتى دخلت في بلادنا ثقافات منحرفة خارجة على أحكام الشريعة الإسلامية ” كما هاجموا قناة الإخبارية والقناة الجديدة في جدة وخصوصا ” تبرج النساء في وسائل الإعلام من تلفزيون وصحف ومجلات وما يكون من تفتح وميوعة من المرأة في عدد من البرامج الإذاعية .. وسفورها وإبراز مفاتنها أمام الرجال الأجانب مما هو معلوم من أدلة في الكتاب والسنة ” وللتدليل على ” انحراف ” الوزارة سميت عناوين روايات لنجيب محفوظ ودواوين شعر لنزار قباني ، وفي خطوة تكتيكية للممارسة مزيدا من الضغوط على مسئولي الوزارة ، واستعداء الدولة عليهم ( خصوصا أ ن الجميع في انتظار التغير الوزاري المقبل) ركزوا على عدم تنفيذ قرار مجلس الوزراء ، بتحويل الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء السعودية إلى مؤسستين عامتين . ونذكر هنا الهجوم والتحريض والتهيج من قبل المتشددين ضد قرار الدولة بإدماج الرئاسة العامة لتعليم البنات في وزارة التربية والتعليم. ومن الواضح ان هذا الهجوم المنسق ، يعبر عن تزمت وتصلب عقائدي ، و يضيق بالأخر، ويسعى إلى فرض مرئيا ته وأجندته ، هو وراء ماتتعرض له وزارة الثقافة والإعلام وعلى رأسها الوزير، ويمتد ليشمل رفض كافة مظاهر الانفتاح ، وإرساء قيم التعددية والحرية في المجتمع ، وهو ما يتعارض مع منطق العصر، والحياة، والتطور، و قبل كل شيء مصالح المجتمع والدولة في الآن معا ،في الحاضر والمستقبل، فالتنمية الثقافية هي احد المكونات الاساسية في التنمية الشاملة، والإصلاح، الذي يحظى بدعم ورعاية الملك عبد الله بن عبد العزيز، وبالتالي هي تشكل حاجة موضوعية ومصيرية للوطن والمجتمع .
na.khonaizi@hotmail.com