ما زالت أصداء العاصفة التي أثارتها مواقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي تترد في الاروقة السياسية اللبنانية المحلية والدوائر الفاتيكانية وإن بنسب متفاوتة.
ففي لبنان خشي البطريرك الراعي من عدم مشاركة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع والرئيس السابق أمين الجميل في اللقاء الذي دعا اليه في الثالث والعشرين من الجاري ما يجعل المشاركة مقتصرة على النائبين ميشال عون وسليمان فرنجية، فأوفد الى الدكتور جعجع من يستطلع موقفه الفعلي من المشاركة بعد ان تسرب الى الإعلام وعلى لسان مسؤولين في حزب القوات اللبنانية أن الحزب يدرس إمكان المشاركة في لقاءات بكركي في ضوء المواقف التي اعلنها الراعي.
الوفد البطريركي سمع في معراب كلاما يشبه مواقف الراعي نفسها، ومفاده أن القوات اللبنانية سوف تتعاطى مع الراعي بـ”القطعة”، أي يوميا وطبقا لتبدل مواقفه. كما سمع الوفد ما يشير الى أن القوات رفضت سابقا تصديق كل ما أشيع عن إستعدادات البطريرك الراعي للتنازل عن ثوابت الكنيسة المسيحية لجهة حصرية السلاح بيد القوى الامنية اللبنانية وبناء الدولة، إلا أن البطريرك الراعي هو نفسه من يسعى الى تأبيد سلاح حزب الله من خلال ربطه بإنسحاب إسرائيل من مزارع شبعا وعودة اللاجئين الفلسطينيين ..!! لذلك فإن الثقة العمياء لحزب القوات بالكنيسة المارونية وبرئيسها الحالي قد إهتزت وهو من سعى الى زعزعة هذه الثقة، ومن هنا فإن حزب القوات سيبني على مواقف الراعي المقتضى، وأن الحزب سيشارك في اللقاء بعد أن أبدى البطريرك الراعي إستعداداه للتراجع عن مواقفه الباريسية.
وفي سياق متصل يخشى البطريرك الراعي من ردة فعل القواتيين في الولايات المتحدة التي يستعد لزيارتها بعد أن بلغ مسامعه أن القوات اللبنانية سوف تتظاهر خارج الكنائس التي سيقيم فيها صلواته تنديدا بمواقفه، كما أن البطريرك يدرك أن ليس بإمكانه التعويل على جمهور العونيين في الولايات المتحدة لإنجاح زيارته كون غالبيتهم من اليسارين السابقين والذين لا يرتادون الكنائس بإنتظام لذلك هو في حاجة الى المسيحيين من العامة ومن القواتيين ليظهر التأييد الشعبي له ولكي تنجح زيارته، خصوصا وأن الراعي سمع أيضا أن تمويل زيارته من المغتربين والمقدرة بمبلغ مئة الف دولار لكل ولاية ستحجبها عنه الجالية اللبنانية بسبب مواقفه الباريسية، هذا فضلا عن الموقف الرسمي الاميركي الذي عبر عنه مسؤول اميركي بالقول “إنت تصريحات الراعي مخيبة للآمال”. ما يجعل من الزيارة رعائية وفاشلة، وهذا ما يقلق غبطته.
فاتيكانيا، تشير المعلومات الى ان السفير البابوي في لبنان غادر الى روما ولم يعد الى لبنان بعد، في إنتظار التعليمات التي سيتلقاها من وزير خارجية الفاتيكان بشأن لملمة التداعيات التي نتجت عن مواقف البطريرك الماروني. وتضيف ان وزير خارجية الفاتيكان والحبر الاعظم يمضيان إجازتهما الصيفية حيث أن الحبر الاعظم ما زال في إجازته في حين ان وزير خارجية الفاتيكان عاد الى ممارسة عمله وهو اعرب عن تحفظه على مواقف الراعي مشيرا الى كونها لا تنسجم مع تطلعات الكنيسة. وأضافت المعلومات ان الوزير ينتظر بدوره عودة الحبر الاعظم في الايام المقبلة الى الفاتيكان ليدرس معه الخطوات الواجب إبلاغها الى الراعي عبر السفير البابوي، الذي لن يعود الى لبنان قبل لقاء البابا بنديكتوس السادس عشر.
تحفّظ فاتيكاني على كلام الراعي و”القوات” تتعامل مع البطرك بـ”القطعة”!مآل حزين هو ما وصلت إليه الأمور بعد تصريحات البطريرك الراعي الصادمة لشرائح كبيرة من مسيحيي لبنان والاغتراب. خاصة أن التصريحات التخفيفية التي أدلى بها البطريرك فيما بعد لا تبدو صادقة فعلاً. إن كانت البطريركية تصطف بهكذا الشكل في المعسكر الذي ما زال في عيون غالبية اللبنانيين مسلمين سنّة ومسيحيين، رديفاً لفواجع وكوارث بشرية وأمنية واقتصادية وتهجيرية منذ أجيال، فلا بد من مواجهة هذا الشرود البطريركي بشكل حازم، وذلك مهما كانت دوافع البطريرك المكتومة أو المعلَنة. الأسد وميليشياته الإرهابية في لبنان يبقى العدو الأول، وسجله الدموي المديد يبقى البوصلة الأساس لتحديد… قراءة المزيد ..