إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
على هامش الانتخابات التي تجري في سوريا راهناً وجدت انه من الضروري والمفيد عرض تجربتي الخاصة في مجلس الشعب وما عانيته وكابدته في سياق دفاعي عن حقوق الناس وعن وطن متطور ومزدهر وخالٍ من القهر والفساد، عسى أن تشكل معيناً لكل الراغبين في التصدي للهموم العامة وتكشف واقع هذه المؤسسة وشكلية دورها.
البدايات….
كان النجاح في تجربتي الصناعية هو دافعي الأول والأهم لدخول معترك الشأن العام وخوض انتخابات مجلس الشعب في الدور السادس عام .1994 وما أعتبره نجاحاً تسلسل من ورشة لصناعة القمصان عام 1963 الى تأسيس شركة أديداس الجديدة ، عام 1993 بعد حصولي على امتياز التصنيع من الشركة العالمية، وهو الامتياز الأول من نوعه في سورية، غطى انتاج المصنع السوق المحلي، وتم تصدير الفائض الى مختلف دول العالم. وبخاصة دول الاتحاد الأوروبي. وهو يحمل علامة أديداس العالمية وعبارة «صنع في سورية». وقد وفر هذا النشاط الصناعي أكثر من 1600 فرصة عمل منتجة حرصت أن تكون في جو راق من العمل الجماعي، مفعم بالحب وروح التعاون والانتماء. حيث كانت الشركة تؤمن للعاملين فيها الدخل المجزي والخدمات الممتازة كما تقدم لهم وجبات غذائية، وتوفر الرعاية الصحية من خلال عيادات للطب البشري والأسنان والعيون، إضافة إلى حضانة أطفال متميزة ومسبح وفرق مسرحية وموسيقية دون إغفال الخدمات الاجتماعية للعاملين وعائلاتهم، مما انعكس على الإنتاج كماً ونوعاً.
وكان أملي أن أتمكن في حال صرت نائباً، من تعميم هذه التجربة على مختلف مجالات الإنتاج والخدمات في سورية، عبر المؤسسة التشريعية التي يفترض أن تجمع الكل الوطني، وتراقب عمل الحكومة وأجهزة الدولة.
بدأت الفكرة تتبلور من خلال تمنيات عدد من الأصدقاء المهتمين والمطلعين على تجربتي الصناعية، وتشجيعهم لي لترشيح نفسي متيقنين من نجاحي، خاصة أن أجهزة السلطة قامت بحملة واسعة تروج لوعود الإصلاح التي ستبدأ مع انتخابات مجلس الشعب. وقد زارني في نفس الفترة مدير منطقة داريا لنفس السبب علما أنني لم أكن في يوم من الأيام لأهتم بأي انتخابات لقناعتي التامة بأنها شكلية ومرتبة ومعروفة النتائج سلفا.
جاء بياني الانتخابي مقتضباً، يؤكد على توظيف الصناعة لحماية الإنسان وتوفير حاجاته وحفظ كرامته، ويحث على عدالة التوزيع التي تضاعف الإنتاج وتحقق الرفاه. وكنت أعتقد كما يفعل غيري بأن كسب الأصوات يتطلب افتتاح مضافة تعلو فيها أصوات الطبول وعامرة بالعراضات وفرق السيف والترس، وتقدم فيها الأراجيل للزائرين، إضافة لاشهار الاسم في مختلف أنحاء المدينة على لافتات كبيرة مع عبارة انتخبوا مرشح مدينة دمشق.
في يوم الانتخاب، توزع أكثر من 2000 شاب وفتاة من موظفي الشركة ومن الأهل والأصدقاء على مراكز الانتخاب للعمل فيها تطوعاً، مبرهنين عن كل ما لديهم من محبة وحماس، مما كان له التأثير الكبير على النتائج.
دخول مجلس الشعب….
بدأت عملية فرز الأصوات. وبسبب إرهاق الحملة الانتخابية، ذهبت إلى البيت لأخلد إلى النوم باكراً، دون أي اكتراث لما ستكون عليه النتيجة. حيث الأمر عندي سيان، النجاح أو الفشل. فالنجاح جميل لأنه يعطي الشعور بالانتصار ويضع قدمي في خطوة أولى على طريق تنفيذ ما أحلم به، لكن ثمنه سيكون اقتطاع جزء من وقتي وجهودي واهتماماتي بالشركة للقيام بما يتطلبه موقعي الجديد كعضو في مجلس الشعب.
استيقظت فجر اليوم التالي على ضجيج المهنئين الذين أعلموني بأني حصلت على أعلى الأصوات بين المرشحين المستقلين من الفئة ب عن مدينة دمشق. وكانت تلك اللحظة أحد أهم المنعطفات في حياتي، حيث عاهدت نفسي على أن أكون وفياً للثقة التي منحني إياها أبناء دمشق. وبدأت التحضير لهذه المهمة بتخصيص مكتبي الرئيسي في مركز المدينة للنشاطات المتعلقة بمهمتي الجديدة في مجلس الشعب، مع كادر يكون عوناً لي في جمع المعلومات وتحضير الدراسات.
كانت جهودي طيلة الفترة الأولى كعضو في مجلس شعب (1994ـ 1998) تنصب على المطالبة بالإصلاح الاقتصادي والمالي، وإزالة العقبات التي تعترض تنشيط الصناعة الوطنية، وإعادة التوازن بين الدخل وتكاليف المعيشة، والتركيز على محاربة الفساد الذي اعتبرته مصدراً لكل الشرور أو السبب الأول لكل التردي والإخفاقات والمصائب التي عانى منها الشعب السوري ولا يزال، ولم أكن قد توصلت بعد الى حقيقة أن الفساد نتيجة طبيعية للاستبداد وابن شرعي له. وهكذا دخلت معركة دونكيشوتية أو غير متكافئة مع الحكومة ومافيات الفساد، كانت نتيجتها الطبيعية في نهاية الدور التشريعي أن خرجت مهزوماً منها، وقد خسرت كل ما جنيت في حياتي، ومرتهنا لديون ولضرائب بعضها مفتعل وبعضها ظالم، إضافة إلى خسارتي الجسيمة بفقد ولدي إياد (21 عاما ) بظروف غامضة وملتبسة في 2 آب .1996
علمتني تجربة أربع سنوات في مجلس الشعب، أن لا علاقة لهذه المؤسسة بالتشريع ومراقبة السلطة التنفيذية ومحاسبتها، كما يفترض بأي سلطة تشريعية أن تمارس حقها الدستوري، وكما هي حال برلمانات العالم المتحضر. بل يقتصر دوره على الشكليات ربما لإنجاز عملية تجميلية، تظهر النظام بمظهر ديموقراطي تجاه العامة من المجتمع السوري والعالم الخارجي. خاصة أن دستور عام 1973 يعطي الحق لرئيس الجمهورية بإصدار مراسيم تشريعية أثناء انعقاد دورات المجلس وخارجها وبين الدورين التشريعيين.
كانت كل القوانين المقترحة من الحكومة تقر بشكل روتيني بعد إفساح المجال للأعضاء بمناقشتها صورياً، دون التمكن من إجراء أي تعديل جوهري على مضمونها. وكثيراً ما كانت الحوارات والنقاشات مفبركة من قبل رئيس المجلس. وكأنها تجري بطريقة مسرحية من قبل جوقة من الأعضاء أصحاب المواهب في الخطابة والتضليل الإعلامي من المنتمين لحزب البعث أو لأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، دون أن يكون هناك معنى حقيقي لعملية التصويت. وإذا صادف أن غرد أحد الأعضاء الجدد خارج السرب، وأصر على السباحة عكس التيار، فسرعان ما يعاد إلى الطريق المرسوم بالترغيب إن أمكن أو بالترهيب والتأديب إذا تطلب الأمر ذلك، وهنا تكمن مشكلتي مع المجلس والحكومة.
لقد بدأت معاناتي مع احتجاج وزير المالية على اول مداخلة قدمتها في المجلس بتاريخ 15ـ11ـ,1994 واستمرت من خلال مقاطعات متكررة لرئيس المجلس او احد الوزراء في غالبية المداخلات التي قدمتها الى أن بدأت تظهر جليا مضايقات وزير المالية بفرض ضرائب مجحفة او مفتعلة، وقد قبلت في هذه الفترة دعوة للقاء مدير مالية دمشق الذي بشرني على الهاتف انه سيعلمني بأمر يسرني كثيرا، وفي اللقاء بدأ حديثه اننا ابناء حارة واحدة وأنه يريد مساعدتي والتوسط لي لدى وزير المالية «ليكف بلاه عني» واضاف قائلا «انه لا مانع من بعض النقد وأنا سأنبهك على النقاط التي يمكن ان تنتقد بها كما فعلت مع بعض زملائك في المجلس» وبعد الانتهاء من جلسة الموازنة سأرتب لك لقاء مع الوزير!!.
تهديدات رئيس مجلس الوزراء:
بتاريخ 14ـ9ـ,1996 نشرتُ دراسة موسعة تحت عنوان «الركود الاقتصادي في سورية ـ الأسباب والحلول»، لاقت تلك الدراسة اهتماماً وانتشاراً واسعين، وتم نشر العديد من التحليلات والتعليقات عنها. منها ما نشرته «نضال الشعب» بتاريخ 6ـ2ـ,1997 بقلم الأستاذ محمد الجندي الذي ختم مقالته بالمقطع التالي «كل أنواع الخلل الاقتصادي المذكورة في نشرة السيد رياض سيف هي نتائج تفصيلية لكون إدارة الاقتصاد الحالية هي واقعياً غير وطنية وأول خطوة للخروج من ذلك هي أن تعمل الإدارة السياسية على بناء إدارة اقتصادية وطنية».
في اليوم التالي لنشر تلك الدراسة، قمت بزيارة رئيس مجلس الوزراء في مكتبه فشاهدت نسخة من المقالة المذكورة على طاولته. وفاجأني بقوله: « هل أنت الوحيد الوطني ونحن لسنا وطنيين.. حسنا يمكنك أن تقول وتكتب ما تشاء، ونحن سنفعل ما نشاء». وبالفعل لم يتأخر في تنفيذ تهديداته. ومن تاريخ تلك الزيارة وحتى نهاية عام 1997 تسلمت 32 إشعاراً حكومياً بين نزع ملكية وبيع بالمزاد العلني وحجوزات وفرض ضرائب وإنذارات تطال كل الشركات التي أنا شريك فيها، بما في ذلك مكتبي المخصص لنشاطاتي كعضو في مجلس الشعب. حيث وصل مجموع التكاليف الضريبية المفتعلة أوالكيدية والمبالغ فيها كثيراً إلى 112 مليون ليرة سورية. إضافة لتقصدهم عرقلة كل أعمالي التجارية والصناعية لدى دوائر الدولة. واستمرت تلك المضايقات وأشكال الأذية الأخرى حتى اليوم الأخير من عمر المجلس. وفي المقابل تكررت في نفس الفترة العروض السخية والمغرية لاستمالتي وضمان سكوتي من قبل رئيس مجلس الوزراء ووزراء المالية والاقتصاد والصناعة. ويبدو أنه كان من الصعب عليهم أن يتفهموا أو يستوعبوا رفضي لتلك العروض، فاعتبروا ذلك تمرداً و تحدياً حرضهم على مزيد من الحقد والانتقام.
الترغيب و الترهيب:
للمواطنين كل الحق في التساؤل عن سبب تهافت المرشحين للفوز بعضوية مجلس الشعب، ودفع المبالغ الطائلة لتغطية تكاليف حملاتهم الانتخابية التي وصلت في إحدى الحالات بمدينة دمشق عام 2003 إلى مئة مليون ليرة سورية كما صرح أحدهم. مع العلم أن الراتب الشهري الصافي لعضو مجلس الشعب في عام 2000 كان 7500 ليرة سورية يصل إلى 12500 ليرة سورية شهرياً بعد إضافة المهمات وكافة التعويضات. علماً أن تكاليف السفر والإقامة في دمشق للأعضاء القادمين من المحافظات الأخرى خلال انعقاد الجلسات تبلغ أضعاف ذلك المبلغ.
لا شك أن هناك العديد من الأعضاء الممثلين لأحزاب الجبهة والعديد من الأعضاء المستقلين يجدون في وصولهم إلى المجلس فرصة لخدمة من يمثلون من فئات الشعب والدفاع عن مصالحهم. وفي المقابل هناك فئة غير قليلة، تزداد وتتوسع في ظل الفساد المستشري، تجد في عضوية مجلس الشعب فرصة لتحقيق مكاسب شخصية على الصعيدين المادي والمعنوي، أو توسلاً للحماية التي يمكن أن توفرها لهم الحصانة البرلمانية.
إذ أنه من المعروف أن الاحتكارات والاستثناءات والسوق السوداء تشكل قطاعا كبيرا من مجمل الاقتصاد السوري، ويتحكم بها أصحاب النفوذ السياسي والأمني، ورئيس وأعضاء الحكومة لصالحهم وصالح شركائهم ومن يلوذ بهم. ويمكنهم أن يقدموا بعضاً منها لشراء الضمائر وكسب الموالاة. تبدأ من استثناءات للحصول على بضع أطنان من مادة الاسمنت أو غيرها من المواد التي تباع بالسوق السوداء، ولا تنتهي باستثناءات أو احتكارات تصل عائداتها إلى مئات المليارات، كما حصل في صفقة الهاتف الخلوي. وبين هذه وتلك آلاف الحالات التي يمكن أن تُشترى بها الضمائر وتُكتسب بها الموالاة.
انتخابات أخرى ومجلس آخر:
مع انتهاء الربع الأول من عام ,1998 لم أعد أحتمل ضربات الحكومة الموجعة. فقررت الاعتكاف و الانسحاب من المعترك السياسي. وقد كنت أعلم أن مزيداً من المضايقات سوف يمارس ضدي، إذا ما بقيت الحال على ما هي عليه. مقدراً أنني سوف أدفع ثمناً باهظاً دون جدوى. فعلى الرغم من كل كفاحي خلال وجودي في المجلس، كانت الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ، فالتدهور الاقتصادي يزداد، والفساد ينمو، ويعم الظلم.
في تلك الفترة، وفي هذا الجو، بدأ يسطع نجم الدكتور بشار الأسد كرائد للإصلاح. وراح الناس يضعون آمالهم في هذا الشاب الذي عرف عنه حسن الخلق والرغبة بالتحديث وقد عايش النظام الديموقراطي في بريطانيا أثناء دراسته هناك. وبدأ الشارع يتداول قصص تصديه لكثير من حالات الظلم والفساد ومبادراته لإعادة الحقوق لبعض المظلومين. وكثيراً ما كان الخيال الشعبي المتعطش للإصلاح يضخم تلك القصص.
لكن عند حلول موعد انتخابات مجلس الشعب عام ,1998 وبعد أن أجريت مراجعة شاملة لتجربتي أعدت النظر بقرار الاعتكاف وآثرت خوض الانتخابات غير عابئ بالنتيجة، متسلحاً بالخبرة التي اكتسبتها خلال السنوات الأربع الماضية، ومستنداً إلى ما حققته من تأييد ومصداقية في المجتمع.
بعد تسجيل ترشيحي وقبوله، حضرت الاجتماع الذي يقام على مدرج غرفة تجارة دمشق لإعلان بدء الحملة الانتخابية من قبل أمين فرع حزب البعث والمحافظ. وقدمت عند فتح باب الحوار، مداخلة تعبر دون مواربة عن الوضع المأساوي الذي نعيشه وضرورة جعل الدور التشريعي القادم بداية لمرحلة جديدة من الإصلاح والانتقال إلى عهد نواجه فيه الحقيقة ونعيد بناء ما تهدم. فما كان من أمين فرع حزب البعث إلا أن تصدى لي وهاجمني، واتهمني بالخيانة والسعي للتطبيع مع إسرائيل.
كان التحدي كبيراً، حرض كل ما عندي من قوة للاستمرار بتأدية واجبي الوطني والاجتماعي والأخلاقي، وشجعني اضافة الى رغبتي في الاستمرار كنائب على الانفتاح والمشاركة في حوارات وتفاعلات أخرى.
وقبيل بدء الحملة الانتخابية، حضرت لقاءً في المنتدى الحضاري الذي كان يقام في منزل الدكتور عمر أبو زلام، وتنبهت لضرورة الخروج من الطرق التقليدية والمبتذلة في الحملات الانتخابية واحترام عقول الناخبين. فطلبت من الدكتور عمر مساعدتي في إقامة جلسات للحوار في مضافتي المخصصة للحملة الانتخابية. ولم يتوانَ الرجل عن تقديم كل خبرته واستنفار كل علاقاته لإنجاح جلسات الحوار الوطني تلك، التي تناولتْ عدداً من أهم المواضيع التي تلامس هموم وآمال وتطلعات الشعب السوري. حيث أقيمتْ بنجاح كبير تسع جلسات للحوار في مضافتي الواسعة، كانت أهم عناوينها: اقتصادنا وتحديات المستقبل ـ الصناعة المتطورة صمام أمان لمستقبلنا ـ ثروتنا البشرية ـ الوحدة الوطنية ـ أهمية الإدارة ـ شفافية القوانين ـ المعاقون ـ الصحة ـ البيئة ـ وهناك كان الحضور يعد بالمئات وانطلقت ألسنة المتداخلين من عقالها في مداخلات جريئة.
إضافة إلى جلسات الحوار الوطني، كانت حملتي الانتخابية تتضمن إصدار بيان انتخابي و25 شعاراً تتضمن العبارات التالية:
«تعالوا نحقق الرفاه في وطن الأمن والأمان»، «الانتماء للوطن فوق كل انتماء»، لنجعل سوريا مكاناً محبباً للعمل»، «وحدتنا الوطنية نعمة فلنحافظ عليها»، «تعالوا نتعلم كيف نختلف ونصغي للآخر»، «مزيد من الديموقراطية لمزيد من التقدم»، «الصناعة المتطورة صمام أمان لمستقبلنا»، «تعالوا نحرر كل طاقاتنا الكامنة»، «لا قدسية للتعليم إلا بقدسية المعلم. ولا قدسية للقضاء إلا بإنصاف القاضي»، وغيرها.
اما البيان الانتخابي فقد جاء على الشكل التالي:
«لا شيء أهم وأبقى من إرادة الإنسان في التغيير وصولاً إلى أهداف الأمة»
من اقوال السيد الرئيس حافظ الاسد
البيان الختامي للمرشح رياض سيف
إنها لمناسبة سعيدة تدعو للتفاؤل أن نعيش ذكرى التصحيح ممزوجة بالاستحقاق الديموقراطي لاختيار أعضاء مجلس الشعب للدور السابع، هذا المجلس الذي نريد له أن يكون مختلفاً عما سبقه في استيعاب نهج التصحيح كي نتمكن من التغلب على ما ينتظرنا من التحديات الجسام.
لا بد لنا في هذه المرحلة من تفعيل حياتنا الديموقراطية بمزيد من حرية التعبير لنطلق العنان لعقول وإبداعات مواطنينا على اختلاف تياراتهم الفكرية فبتلاقح الأفكار تولد الحقيقة وبالنقد البناء تستمر مسيرة التصحيح، وإن تفعيل الديموقراطية يجب أن يبدأ من زيادة الوعي لدى كل مواطن بحرصه على انتخاب من ثبت كفاءته وأمانته من المرشحين.
لقد عقدت العزم على ترشيح نفسي لنيل ثقتكم وبهذه المناسبة أضع بين أيديكم ملخصاً مكثفاً يوضح الأمور كما أراها في وضعنا الحالي، وكيف يجب أن تكون لتحقيق هدفنا الأسمى في بناء مجتمع العدل والقوة والرفاه.
الاقتصاد الوطني: منذ عام 1990 انتهت مرحلة الحرب الباردة وسيطر اقتصاد السوق ولم يعد الاكتفاء الذاتي هدفاً وحل محله تشجيع وتنشيط التبادل التجاري وأصبحت قوة أي اقتصاد تقاس بمدى قدرته على التعايش مع اقتصاديات العالم في عصر سمي بعصر العولمة تتلاشى فيه الحدود الجمركية وتتقلص برامج الدعم للمنتجات المحلية. يمتاز بحرية انسياب البضائع والخدمات والأموال.
لقد أدركت أكثرية الدول النامية ودول ما كان يسمى بالمعسكر الاشتراكي ضرورة التأقلم مع المتغيرات ووضعت كل دولة برنامجها الخاص لإعادة هيكلة اقتصادها فمنها من نجح ومنها من تعثر ولكننا لم نحزم أمرنا حتى اليوم وما زلنا نشكك بضرورة إعادة هيكلة اقتصادنا الذي ما زال يفتقر إلى نظام مصرفي حقيقي وبيئة مناسبة لنمو الشركات المساهمة الكبيرة وسوق للأسهم والسندات.
إن فرصتنا في اللحاق بركب الاقتصاد العالمي لم تعد كبيره وربما نكون أمام الفرصة الأخيرة التي يجب أن لا نضيعها كي نتجنب الآثار المدمرة لاقتصاد صغير منعزل عاجز عن فهم لغة عصره. ولذا يجب علينا بالسرعة الكلية استنفار كل الخبراء والمفكرين ورجالات الاقتصاد لتشكيل ورشة عمل تشرف على وضع وتنفيذ برنامج متكامل لإعادة هيكلة اقتصادنا بما يحقق مصالحنا المستقبلية مع الحرص الشديد على أن يكون برنامجاً اقتصادياً اجتماعياً في آن واحد ويعتمد على شرطين أساسيين:
تفعيل ثروتنا البشرية: يبلغ عدد الأسر التي تعيش على راتب الدولة أكثر من مليون ونصف أسرة. ولا يزيد متوسط دخل هذه الأسر الشهري عن (5000) ل. س. وبمقارنة هذا الدخل مع تكاليف المعيشة نجد أن هناك خللاً كبيراً بات يشكل حاجزاً مانعاً أمام كل تطور ويؤدي إلى الإحباط الشديد لدى كل القادرين على العطاء ويخرب بنيتنا الاجتماعية ويخلق الأرض الخصبة لتفشي الفساد الإداري والرشوة من قبل الذين أفتوا لأنفسهم قبول الرشوة في البداية كضرورة لتعويض ما انتقص من رواتبهم لينتهي المطاف ببعضهم إلى جمع الثروات الطائلة بعد أن أصبحوا مدمنين على الرشوة.
وإن حجة عدم مقدرة الحكومة على توفير الموارد لزيادة الرواتب غير مقنعة لأن ما نخسره من أموال بسبب السلبيات الناتجة عن الرواتب الهزيلة هو أضعاف ما نتوهم أننا نوفره بانتقاصها. لا بد من زيادة الرواتب في الدولة ومعالجة مشكلة الأجور في القطاع الخاص وذلك لإعادة الأمور إلى نصابها ضمن خطة واضحة يفهمها ويشارك فيها كل مواطن وتعتمد على:
÷ إصدار القوانين اللازمة لإنعاش اقتصادنا ليكون أقدر على توفير فرص عمل منتج يساهم بزيادة موارد الخزينة.
÷ التخلص من تراكمات البطالة المقنعة وتحويل الفائض من موظفي الدولة إلى الأعمال المنتجة في القطاع الخاص.
÷ تحصين المال العام من الهدر والاختلاس وتحويل المبالغ الضائعة لتكون مصدر دخل للخزينة يساعدها على رفع الرواتب.
÷ إيجاد نظام ضريبي عادل يفعل النشاط الاقتصادي ويضاعف إيرادات الخزينة من الضرائب العادلة.
÷ وضع برنامج لرفع الرواتب لتصل إلى نقطة التوازن مع التكاليف المعيشية خلال خمس سنوات.
÷ إعادة المنطق السليم إلى الفرق بين الحد الأدنى والحد الأعلى للراتب والذي انخفض من سبعة أضعاف عام 1962 إلى 2.7 ضعف في وقتنا الحاضر مما سبب الإحباط لدى النخبة المثقفة من أبنائنا وشكل نزيقاً خسرت نتيجته مؤسسات الدولة الكثير من أصحاب الخبرات العالية.
÷ القيام ببرنامج مكثف للتدريب والتأهل لموظفي الدولة وإدخال المعلوماتية لجميع دوائر الدولة وربط ترفيع الموظفين بما يكتسبونه من مهارات جديدة وإلغاء سقف الرواتب لأن إمكانيات الإنسان وإبداعه لا سقف لها.
أما عمال ومستخدمو القطاع الخاص فإن وضع الكثير منهم ليس أحسن من وضع موظفي الدولة لما يحصلون عليه من أجور منخفضة حيث إنهم مضطرون لقبول أي راتب يعرض عليهم نتيجة البطالة الكبيرة في صفوفهم ولا بد لنا من أن نوفر لهم فرص عمل ذات مردود أفضل من خلال تنشيط وزيادة التدريب والتأهيل للوصول إلى ثقافة صناعية وثقافة زراعية وثقافة سياحية وثقافة في كل مجالات الحياة تمكننا من تفعيل واستثمار كل مواردنا البشرية.
توظيف ثروتنا المادية: لا بد لتطوير أي اقتصاد من العمل على تراكم رأس مال وطني واستثماره لمصلحة تحفيز الاقتصاد ونموه ويكون ذلك بالادخار الذي يشمل ادخار الأسرة من فائض دخلها وادخار المؤسسات الاقتصادية من فائض أرباحها وادخار ميزانية الدولة بما تقوم به من مشاريع استثمارية.
وإذا أمعنا النظر بنهجنا الاقتصادي الحالي سنجد أننا لا نسير في الاتجاه الصحيح بل في الاتجاه المعاكس.
فالأكثرية الساحقة من الأسر لا تحصل على الحد الأدنى الضروري لمتطلباتها وإذا توفر لبعضها فائض من المال فهي لا تجد الفرصة المجدية والمأمونة لاستثماره.
أما مؤسساتنا الاقتصادية فإنها غير مستقرة تعيش في قلق مما يخبئه لها المستقبل من مفاجآت ضريبة كما ترهقها المصاريف الطفيلية التي لا مبرر لها فتبدد قوتها وتأكل أرباحها وتجعلها عاجزة عن الادخار وبالتالي عاجزة عن النمو والتوسع.
أما الاستثمارات الحكومية والتي تغذى من الخزينة فلا يخفى على أحد سوء تنفيذها ونسب الهدر والضياع فيها.
لقد أدى قصور الأنظمة والقوانين إلى فقدان البيئة المناسبة للاستثمار المنتج وأجبر رأس المال الوطني في أغلب الحالات على الضياع في استثمارات وهمية أو الهجرة خارج البلاد حيث تقدر أموال السوريين في الخارج بعشرات مليارات الدولارات.
الفوضى الضريبية: إن ما نعيشه من فوضى اقتصادية ناتج بالدرجة الأولى عن الفوضى الضريبية فالموظف والعامل يدفع 11٪ عن راتبه الهزيل (5000 آلاف) ل. س. بينما نمنح لعدد لا يتجاوز المئة إعفاءات تزيد عن 20 مليار ل. س. لشركات تأجير السيارات تحت غطاء قانون الاستثمار.
لقد أصبحت القوانين الضريبية قاصرة عن استيعاب المتغيرات مما أجبر القطاع الخاص على التقوقع والتستر لاتقاء تلك القوانين والتي لها صلاحيات الحكم بالإعدام على أية مؤسسة اقتصادية مما حرم اقتصادنا من الشفافية اللازمة لنموه الطبيعي وإن التحصيل العشوائي كثيراً ما قضى ويقضي على المطارح الضريبية مما دفع الكثيرين إلى التوقف والهجرة لإقامة منشآتهم خارج القطر ومنع قدوم الاستثمارات العربية والأجنبية إلى بلدنا. يجب أن تكون من أولى مهمات مجلس الشعب القادم تحقيق العدالة الضريبية عن طريق إعادة النظر بالكثير من القوانين لخلق جو من الثقة تتفرغ فيه مؤسساتنا الاقتصادية لعملها فتتطور وتكبر لتساهم في بناء اقتصاد متين نحن بأمس الحاجة إليه.
صناعتنا الوطنية: نظراً لعدم توفر الشروط الضرورية لبناء مشاريع صناعية ضخمة فقد اقتصر نشاط القطاع الخاص الصناعي على الاستثمار في الصناعات الصغيرة والمتوسطة ذات المردود السريع والتي تعتمد على تلبية احتياجات سوقنا المحلي. ويقتصر نشاط قسم كبير منها على مجرد التجميع أو عمليات المزج وإعادة التعبئة. لقد بدأت هذه الصناعات تعاني من كساد خطير لكونها تتنافس ضمن سوق فقير وضيق وتقف عاجزة عن المنافسة في الأسواق العالمية. كما أن قسماً كبيرا منها مهدد بالانقراض عند فتح حدودنا الجمركية أمام البضائع العربية والأجنبية تطبيقاً للاتفاقيات التي وقعناها مع لبنان الشقيق ودول مجموعة التبادل الحر العربية وما ننوي توقيعه مع دول الاتحاد الأوروبي مضافاً إلى كل ذلك انعكاسات تطبيق اتفاقية التجارة العالمية سواء دخلنا في الاتفاقية أم لم ندخل.
إن ترك صناعتنا الوطنية الضعيفة تصارع قدرها دون أن نقدم لها ما تحتاجه من عون ورعاية سوف يتسبب باختناقات اقتصادية واجتماعية فنتحول إلى مجتمع استهلاكي فقير عاجز عن تأمين ما يحتاجه من فرص العمل.
القطاع العام: إن قطاعنا العام الصناعي الذي كان ركيزة لصناعتنا في العقود السابقة وأدى دوراً اقتصادياً واجتماعياً متميزاً أصبح اليوم يواجه تحديات خطيرة نتيجة عدم إعطائه هامشاً للتفاعل مع المتغيرات الاقتصادية العالمية والمحلية وبتنا نطالبه بالصمود دون أن نوفر له الحد الأدنى اللازم لذلك. فنظام الرواتب والأجور جعله يخسر الكثير من النخبة الفنية والإدارية وما يقيده من أنظمة وقوانين يفقده المرونة الضرورية للعمل كقطاع يخضع لمبدأ العرض والطلب. وإن الحل لن يكون بالخصخصة ولكن بإزالة العقبات عن طريق إعادة التوازن للرواتب وإعطاء المدراء صلاحيات تتناسب مع مسؤولياتهم حيث لا مسؤولية دون صلاحية.
أيها الأخوة: إن شعبنا فتي وعدد الوافدين الجدد على سوق العمالة يتجاوز المئتي ألف سنوياً بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من العاطلين عن العمل اليوم ومن يتوجب علينا تحويلهم من البطالة المقنعة إلى العمل المنتج كل هؤلاء بحاجة إلى عمل شريف يؤمن معيشتهم ويضمن كرامتهم، مما يعني أننا بحاجة إلى أكثر من 1.5 مليون فرصة عمل جديدة خلال السنوات الخمس القادمة. لا بد أن نأخذ ذلك على محمل الجد ونسعى بكل ما أوتينا من قوى لبناء صناعة وطنية متطورة وتحقيق نمو اقتصادي اجتماعي يعم خيره على الجميع.
إصلاح التعليم: يشكل التعليم مؤشراً حاسماً على سلامة بنية المجتمع فمستقبل الأمة مرهون بما توفره لأبنائها من تعليم سليم قائم على التطوير المستمر في المناهج والاختيار الدقيق للمعلم وتأهيله كي يحتل مكانته كمرب للأجيال. وان الوضع ألمعاشي غير اللائق الذي يعيش به المعلمون وينعكس على عطائهم لدرجة أن استمرار هذا الوضع بات يهدد مستوى التعليم عندنا في كافة مستوياته.
قدسية القضاء: أما نزاهة القضاء وقدسيته فلا مجال للتساهل فيها أبداً لأن كل مواطن شريف بحاجة إلى الاطمئنان والحماية من تعديات الآخرين من خلال القوانين العادلة التي تطبق على الجميع سواء بسواء ويجب أن نحذر كل الحذر من استفحال ما تسرب إلى قضائنا من تجاوزات وإن الطريق إلى ذلك يكون بانتقاء القضاة الأكفاء النزيهين وإعطائهم الحصانة الضرورية وتوفير العيش الكريم لهم في حاضرهم ومستقبلهم بما يتناسب مع الأمانة الملقاة على عاتقهم.
البيئة: إن تربة الوطن ومياهه وغاباته وهواءه ليست ملكاً لجيل أو فئة من المواطنين وإنما هي هبة من الله حافظ عليها أجدادنا وآباؤنا ومن الأمانة أن نحافظ عليها ونتمتع بخيراتها ونسلمها مصانة نظيفة لأبنائنا وأحفادنا من بعدنا.
وما نقوم به من استنزاف لمياهنا الجوفية وتلويث قسم كبير منها وتمليح مساحات شاسعة من أراضينا الزراعية وتلويث أنهارنا وشواطئنا وأجواء مدننا يعتبر جريمة بحق أنفسنا وحق الأجيال القادمة ولا بد من وضع حد لكل ذلك بإصدار وتطبيق مجموعة قوانين بيئية واضحة وصارمة ونشر الثقافة البيئية بين المواطنين.
فتعالوا نبن الوطن الأخضر بسواعد المنتجين.
تعالوا نبن وطن النور بعقول المثقفين.
تعالوا نبن وطن المحبة بالإيمان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رياض سيف
سلمت ثلاث نسخ من بياني الانتخابي والشعارات الخمسة والعشرين المذكورة، كما ينص عليه قانون الانتخاب، إلى رئيس الدائرة القانونية بالمحافظة ظهر يوم الخميس. وبعد قراءته المتأنية للبيان واستعراضه للشعارات، طلب مني التريث في نشر البيان وتوزيع الشعارات في أنحاء المدينة ريثما أحصل على موافقة خطية. وعندما طلبت منه إعلامي بالنص القانوني الذي يوجب ذلك، أجاب أنه ليس بقانون وإنما هو عرف نتعامل به دائما… فانطلقت على الفور، وباشرت بتوزيع البيان الانتخابي بكثافة، وأنجزت تعليق 1100 لافته في غضون ليلة الخميس ويوم الجمعة. وفي صباح السبت استدعاني محافظ مدينة دمشق ليبلغني بأن ما فعلته أمر خطير ولا يمكن السكوت عنه، و لا بد من التصرف حياله. ورأيت على طاولته نسخة من البيان الانتخابي الذي وزعته مليئة بالتظليلات كما هو مبين أعلاه، ودار بيننا سجال حاد حول طلبه بشطب أو استبدال العبارات المظللة، فأعلمته أن التغيير لم يعد ممكناً بسبب توزيع أعداد كبيرة من البيان، فوقف عاجزاً عن تقديم أي اقتراح آخر ريثما يستشير السلطات الأعلى.
اما بالنسبة للشعارات التي اعتمدتها كعناوين رئيسة لحملتي الانتخابية، فقد طالبني بإزالة معظمها من الشوارع، وخاصة شعار «الانتماء للوطن فوق كل انتماء». وبعد جدال دام ساعات لم نتفق على طريقة لمعالجة هذه المشكلة أيضا.
ورغبة مني في أن تصل القضية إلى المراجع العليا في السلطة، أعددت على عجل بعض النسخ من برنامج حملتي الانتخابية دون أي تبديل أو تعديل، وسلمتها إلى مكتب الدكتور بشار الأسد في جبل قاسيون حوالى الساعة الثانية عشرة ظهراً. وفي الساعة السابعة من مساء نفس اليوم، أبلغني مدير مكتب الأمين القطري المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي الدكتور سليمان قداح، بأن لي كامل الحرية في متابعة حملتي الانتخابية كما أريد ولن يتعرض لي أحد.
لقد وفر لي ذلك غطاءً للقيام بحملة انتخابية ناجحة، خلافاً لما جرت عليه العادة في انتخابات مجلس الشعب. ولكن قيادات الحزب الحاكم واتحاد العمال وبعض الوزراء قاموا بحملة مركزة ضدي ـ كل في مجاله ـ بغية محاصرتي وإفشالي. منها إقدام وزير المالية قبل أسبوع من الانتخابات على إقامة الحراسة المالية على شركة أديداس (التي كنت أحد مالكيها وأتولى إدارتها)، حيث أرسل إلى الشركة اثنين من موظفي وزارة المالية مع عدد من عناصر الشرطة، يقيمون فيها خلال ساعات العمل لمصادرة وارداتها النقدية. ومنها ما نشرته صحيفة «تشرين» قبل 48 ساعة من موعد الانتخابات وبأحرف كبيرة عن بيع مكتبي المخصص لنشاطات مجلس الشعب في المزاد العلني بحجة تحصيل ضرائب غير مسددة.
أعلمتني مصادر موثوقة، أن الجهة المسؤولة عن إدارة الانتخابات في مدينة دمشق كانت واثقة من نجاحها في محاصرتي، وقدرت بأن عدد الأصوات التي سأحصل عليها، لن يتعدى الثمانية آلاف في أحسن الأحوال. لكن فأجأتهم النتيجة بحصولي على 184500 مئة وأربعة وثمانين ألفاً وخمسمئة صوت.
ولكي أوثق ما لاحظته من تلاعب في عملية فرز الأصوات، طالبت بإعادة فرز الأصوات في صندوق تم اختياره بشكل عشوائي، وأظهرت عملية إعادة العد، أن عدد الأصوات التي انتخبتني كانت 320 صوتاً وليس 240 صوتاً كما كانت نتيجتهم المعلنة في الفرز الأول. في ذات الوقت، تبين أن عدد الأصوات المسجلة لأحد المرشحين الآخرين تزيد سبعين صوتاً عن العدد الفعلي الذي ناله. وهذا مثبت بمحضر رسمي في محافظة مدينة دمشق. وإذا علمنا أن عدد الصناديق في المحافظة يبلغ 1001 صندوق، ندرك عدد الأصوات التي يمكن أن تغفل لمرشحين تناوئهم السلطة أثناء العد أو التسجيل الذي يحتكره عادة موظفون من أعضاء حزب البعث الحاكم. كما يمكن إدراك حجم التزوير بزيادة أصوات لمرشحين آخرين، تريدهم السلطة أن يكونوا في برلمانها الجديد.
لقد شكل نجاحي صدمة لكل من وقف في طريقي من المسؤولين، فعمق حقدهم علي وزاد من شراستهم في محاربتي. فتصاعدت المضايقات والأعمال الكيدية لعملي الصناعي، وصارت سافرة ومكشوفة أكثر فأكثر، مما كبدني وكبد الشركة أضراراً بالغة جعلت مني عبئاً ثقيلاً على سير عمل الشركة، وهذا ما دفعني لبيع ما بقي من حصتي، والتخلي عن ملكيتي وإدارتي لها. فودعت الشركة التي أسستها وسهرت على رعايتها ونجاحها، كما تودع الأم طفلها وإلى الأبد.
انطلاقة جديدة :
منذ تلك اللحظة تفرغت للعمل في مجلس الشعب، وأصبحت أكثر إصراراً وجرأة في الدفاع عما أؤمن به من أهداف، غير عابئ بكل الصعوبات التي يمكن أن تقف في طريقي. فقد وضحت عندي الرؤية، وأيقنت أن الإصلاح السياسي هو مفتاح الحل وبداية كل إصلاح مأمول. وظهر ذلك جلياً في أول مداخلة قدمتها في الدور السابع في 11/1/1999 والتي قلت فيها مخاطباً الرئيس حافظ الأسد:
«نبايعك على إطلاق العنان لكل طاقات شعبنا الإنتاجية والإبداعية والاستثمار الأمثل لكل مواردنا وثرواتنا المادية لتحقيق العزة والمنعة والرفاه لكل أبناء شعبك الذي أحبك كما أحببته من خلال تطبيق وترسيخ تكافؤ الفرص وعدالة التوزيع وصون الحريات ومحاربة الفساد ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
نبايعك من أجل مجتمع يسود فيه القانون وتتحدد فيه الحقوق والواجبات ويترسخ فيه الانتماء للوطن وتذوب فيه الأنانيات».
وعلى هذه الطريق قدمت بدعوة من المركز الثقافي الألماني بدمشق بتاريخ 18ـ4ـ1999 محاضرة بعنوان «تطور القطاع الخاص في سورية وتحديات المستقبل»، جوهرها الثقة بأن تنشيط الصناعة هو القاطرة التي يمكن أن تقود الاقتصاد السوري، أعقبها حوار جاد وغني استمر لساعات. أثارت المحاضرة غضب القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، واعتبرتها عملاً معادياً للنظام، خاصة أنها ألقيت في مركز ثقافي أجنبي، مما دفعها إلى إلغاء محاضرتي الأخرى بعنوان «التصدير بين الحلم والواقع»، وكانت مقررة في برنامج ندوة الثلاثاء الاقتصادي في المركز الثقافي بالمزة، (وهي ندوة رسمية تقيمها جمعية العلوم الاقتصادية، يحضرها عادة عدد كبير من الرسميين والمختصين والأكاديميين). إلا أنه وفي الوقت الذي تبلغت فيه إلغاء المحاضرة، تلقيت هاتفاً من أحد القادة الأمنيين الكبار في البلد أبلغني فيه إعجاب الدكتور بشار الأسد الشديد بالمحاضرة وطالبني بتوضيحات حول بعض النقاط التي وردت فيها. وفي يوم 6ـ5ـ1999 قدمت تلك التوضيحات، مع قرار القيادة القطرية بإلغاء محاضرتي في ندوة الثلاثاء الاقتصادي. وفي صباح اليوم التالي تغير الموقف، حيث تلقيت تأكيدات من القيادة القطرية ومن وزارة الثقافة والمركز الثقافي في المزة بأن محاضرتي «التصدير بين الحلم والواقع» لا تزال على برنامج نشاطات المركز، وستقام في وقتها المحدد مع الترحيب الشديد.
وقدمت ارتجالاً وعلى مدى ساعة صورة عن واقع التصدير والعقبات التي تعترضه وطرق معالجتها. عقب عليها الأستاذ حسين القاضي وزير الصناعة السابق، وأيضاً أثنى عليها الدكتور كمال شرف (رئيس الجلسة وزير سابق ورئيس جمعية العلوم الاقتصادية). لكن الحكومة لم تعرها أي اهتمام ولقيت دراستي الإهمال وعدم الاكتراث كغيرها من المحاضرات والمساهمات القيمة التي كانت تقدم في ندوة الثلاثاء.
(٭) نائب سوري سابق
* السفير