لو كان النظام السوري قادرا على حلّ أيّ مشكلة من مشاكله، لما ورّط نفسه في قضية علي المملوك ـ ميشال سماحة التي لا بدّ أن يأتي يوم يدفع ثمنها غاليا. لن يفيده في شيء ممارسة ضغوط من أجل تخفيف الحكم على ميشال سماحة بهدف توفير فرصة أخرى له، أو تجديد رخصة حمل متفجرات، من أجل ارتكاب ما كان يفترضا به ارتكابه من اعمال اجرامية.
ثمّة جانب مفيد في الحكم المخفّف في حقّ ميشال سماحة. كشف الحكم النظام السوري في مجالين. الأوّل أنّه نظام لا يمكن أن يتغيّر نظرا إلى أنّه لا يعرف غير القتل وممارسة الإرهاب، والآخر تحوّله إلى نظام لا يستطيع العيش ولو لأيّام من دون الدعم الإيراني.
في آخر المطاف، ليس ميشال سماحة سوى اداة من ادوات النظام السوري الذي يرفض أخذ العلم بأنّه اداة عند ايران في لبنان وسوريا في آن. لولا ايران، لما كان في استطاعة هذا النظام أن يهبّ لنجدة ميشال سماحة الذي اعترف بالصوت والصورة بما كان يريد عمله بالأسلحة والمتفجرات التي جاء بها من عند علي المملوك بمباركة من بشّار الأسد.
كلّما مرّ يوم، يتبيّن أن النظام السوري اسير اساليبه التي تقوم على نشر الخوف والرعب، أكان ذلك في سوريا أو لبنان. هل تعميم الخوف يمكن أن يفيده في شيء؟ الجواب لا كبيرة.
ما لم يستوعبه النظام السوري أن اللبنانيين كسروا حاجز الخوف قبل السوريين. عندما انتفض لبنان في الرابع عشر من آذار ـ مارس 2005، كان ذلك دليلا على أن لبنان لا يمكن أن يقبل بالوصاية السورية إلى ما لانهاية. ردّ لبنان، وقتذاك، على اغتيال رفيق الحريري ورفاقه بالنزول إلى الشارع وإخراج القوات السورية من لبنان.
صحيح أن الإيراني ملأ، عبر “حزب الله، الفراغ العسكري والأمني الناجم عن الإنسحاب السوري. لكنّ الصحيح أيضا أن اللبنانيين اثبتوا أنّه لا يمكن إلّا أن يتخلصوا من الوصاية الأجنبية مهما طال الزمن. سيتخلّص اللبنانيون من الوصاية اكانت سورية أو ايرانية… جُدّدت رخصة ممارسة القتل ونقل المتفجرات لميشال سماحة وامثاله أم لم تجدّد.
يهرب النظام السوري من واقع جديد في سوريا نفسها. يهرب من واقع كسر السوريين لحاجز الخوف.
في درعا، كسر السوريون، قبل ما يزيد على اربع سنوات، حاجز الخوف. بدأ ذلك في درعا التي كتب اطفالها على جدران المدرسة عبارات من نوع “الشعب يريد اسقاط النظام”. فتحت درعا صفحة جديدة من التاريخ السوري.
تغيّرت سوريا ولم يتغيّر النظام الذي رفض أن يتعلّم شيئا من التجربة التي مرّ بها في لبنان. لعلّ أوّل ما رفض أن يتعلّمه أن لا فائدة من الإرهاب في التعاطي مع اللبنانيين. بعد التخلّص من رفيق الحريري، اغتيل الأخ والصديق سمير قصير وحصلت بعد ذلك سلسلة من الجرائم وصولا إلى إغتيال رجل الحوار والتواضع والعلم والمنطق السليم الذي اسمه محمد شطح. خسر لبنان خيرة ابنائه من جورج حاوي وجبران تويني إلى وليد عيدو وانطوان غانم وبيار أمين الجميّل ووسام عيد ووسام الحسن. هل أدّت أي جريمة من هذه الجرائم إلى جعل اللبنانيين يخافون النظام السوري ويعيدون النظر في رأيهم فيه؟
كلّ ما في الأمر أن كلّ لبناني يعرف ما هي الوظيفة الحقيقية لميشال سماحة وامثاله، كما يعرف وظيفة كلّ مسيحي من نوع ميشال عون يقبل تغطية مثل هذه الإرتكابات التي هي جرائم في حق كلّ مواطن لبناني يمتلك حدّا أدنى من الكرامة أوّلا.
كشف الحكم الذي صدر في حقّ ميشال سماحة حجم التحديات التي يتعرّض لها لبنان. كشف قبل كلّ شيء أن اعطاء فرصة ثانية لـ”أبو الميش” كي يمارس هوايته المفضلة في توزيع المتفجرات السورية في المناطق اللبنانية المختلفة صارت لعبة مكشوفة، بل مكشوفة أكثر من اللزوم. صارت لعبة مكشوفة، تماما مثل لعبة الإنتصارات الوهمية لـ”حزب الله” في القلمون وغير القلمون.
يمكن للحزب المساهمة في عملية الذبح والإبادة بالبراميل المتفجّرة التي يتعرّض لها الشعب السوري من منطلق مذهبي بحت إرضاء لإيران قبل أيّ شيء آخر. ولكن يظلّ السؤال المطروح في نهاية المطاف: ما أفق هذه اللعبة؟
هل يمكن لهذه اللعبة إنقاذ النظام السوري؟ لو كان ذلك ممكنا، لكان التنكيل باطفال درعا في آذار ـ مارس من العام 2011 أنقذ النظام واعاد عقارب الساعة إلى خلف. لو كان ذلك ممكنا، لكانت الثورة توقّفت في درعا ولم تتوسع لتشمل كلّ سوريا وصولا إلى دمشق نفسها وحمص وحماة وحلب وادلب…
يعرف اللبنانيون قبل السوريين أنّ اللعبة انتهت. يعرفون خصوصا أنّ النظام السوري لا يؤمن، هو ومن معه، في حقيقة الأمر سوى بشعار واحد. هذا الشعار هو أن الإنتصار على لبنان وسوريا وعلى اللبنانيين والسوريين بديل من الإنتصار على اسرائيل… يغطي النظام السوري شعاره الحقيقي، الذي لا يؤمن بغيره، بشعارات “المقاومة” و”الممانعة” وبميشال سماحة أو ميشال آخر!