تتقاطع المصلحة في تأويل الثورة السورية طائفياً بين النظام السوري والسعودية وايران وقطر!
فجميع هذه الأنظمة تدّعي أن الثورات الإجتماعية وهم، وما حركة الشارع إلا استجابة لإملاءات الخارج السياسية واستجابة لدغدغة العواطف الطائفية ورضوخاً للمال الأجنبي. هذا التأويل يوفّر على هذه الأنظمة جميعها التعامل مع ثورات شعوبها المحتملة على أنها حركات احتجاجية وفعل ذاتي حقيقي يعبّر عن رفض اجتماعي وسياسي لواقع متخلف نتيجة فشل سياسات التنمية أو غيابها، ورغبة في تغيير المعادلات السياسية والاقتصادية لتقاسم الثروات والسلطة. وللأسف، فقد استجاب السوريون في معظمهم، ثواراً وموالين، للتأويل الطائفي للثورة تحت ضغط وسائل الإعلام والدعاية عبر وسائل الإتصال الإجتماعية أو تحت ضغط حاجة الإغاثة، التي تحولت إلى إغاثة سعودية قطرية مشروطة. هذا التاويل يظهر الثورة السورية العظيمة وكأنها صراع بين سنة وعلويين، أو هو ثورة السنة على العلويين جميعاً وليس على الحكم” العلوي” فقط!
لم يتوقف الأمر عند التأويل الطائفي لهذه الأنظمة الشمولية وشبه الشمولية، بل سيتعداه وينتج عنه فكرة المطالبة بالإدانة ،الطائفية بدورها، وهذا ما سنركز عليه هنا…..
التجأ القذافي إلى طائفته (قبيلة القذاذفة)، وحاربت عشيرة صدام معه حتى النهاية، لكن أحداً لم يتّهم قبيلة القذافي ولا عشيرة صدام ولم يهددهما بالذبح والنفي من ليبيا والعراق.
بعض “الفيس بوكيون” السوريون، السذّج أو الجهلة، يفعلون ذلك مع طائفة بشار الاسد، لكن هذا ينسحب على قطاع ما من المجتمع السوري. يعتقد هذا القطاع أو الشريحة أن العلويين باعتبارهم داعمين للنظام اجتماعياً، يتحتّم عليهم إدانة النظام والإلتحاق بالثورة!
أحد أسباب هذا الوهم أن بشار الأسد وأركان نظامه يصوّرون عمداً ما يحدث في سورية كصراع بين الطوائف، تحديداً ما بين السنة والعلويين، في محاولة منهم لإطالة بقائهم. لكن هذا البقاء، إن طال، فهو يعني الإساءة للطائفة العلوية التي لا مصلحة لها في الإنجرار وراء بشار في معركة ليست معركتها وفي حرب لا طائل منها سوى تدمير سورية وتدمير مكانة وسمعة الطائفة وبذر الحقد والكره في الذاكرة والثقافة اليومية للسوريين الأمر الذي سيلوّن المستقبل السوري بالظلمة الحالكة.
أغرب الأشياء في هذه الحرب العبثية أن يطالب نفس هؤلاء الشبيحة الفيسبوكيون وبعض البسطاء من السوريين، يطالبون الطائفة بالإدانة، لكأن الطائفة تملك زمام أمرها، وليس مقبوضاً عليها من النظام، أو لكأن الطائفة ممسوكة من المعارضة!
لم يطالب أحدا من الليبيين طائفة القذافي، ولم يطالب أحدا من العراقيين طائفة صدام، إدانة جرائمهما، فلماذا يحصل ذلك في سورية؟
والسوريون هم الأكثر وعياً ووطنية من كل العرب بزعمنا!
قد يكون العامل السعودي والسلفي الذي دخل على الثورة عن طريق الإغاثة، المشروطة للأسف، هو أحد العوامل! قد تكون “قناة الوصال” والقنوات السلفية و”الجزيرة” سبباً ثانياً. وقد تكون جهة من المعارضة السورية على علاقة بالمال الخليجي عاملا ثالثاً. كل هذه الجهات لها منطق واحد: ما يجري في سورية هو صراع ايراني اسدي سعودي أو شيعي علوي سني، وهو المنطق السعودي في تأويل الصراع السياسي والإستراتيجي في المنطقة، وهو عين المنطق الإيراني الذي يوؤل الصراع السياسي على أنه صراع مذهبي طائفي.
إن خطورة هذا الطرح لا يتمثّل فقط في حرف الثورة عن أهدافها فحسب، بل قد يودي بها فتذهب ضحية هذا المنطق الوهمي المتعالي عن الواقع، الجاهل للشروط الاقتصادية الاجتماعية للصراع.
لقد لعب النظام الاسدي على هذا المنطق الطائفي وحاول الترويج له باعتباره أحد الاوراق القوية لبقائه، فعل ذلك عبر جيشه الالكتروني الذي اندسّ بين صفوف “الفيسبوكيين” الثوار وعبر صفحات انترنت موالية وعبر باحثين وصحفيين اجانب عنصريين او جهلة وعبر ابواق غربية وعربية مدفوعة الاجر أو لها ارتباطات…
في كل حال، على الثوار السوريين الذين هم على الأرض أن ينتبهوا كثيراً لهذه المسألة وأن يكتسبوا رباطة جأش ويعودوا إلى أصل الثورة وأسباب الصراع وكلها أصول وأسباب تتعلق بالقمع والقهر والفقر ومصادرة الكرامة والعيش والحرية. وأغلب الظن أنهم في استراحة ما بين معركتين سيفعلون لأنهم لإن لم يفعلوا فنحن جميعاً خاسرون.
من المؤلم أن ننسى مجازر النظام ونتذكّر اتهام طائفة مستلبة مقهورة، فقط لأنها طائفة النظام وبعض ابنائها يحاربون معه. من المؤلم أن يتراجع السوريون لهذا الدِرك بسبب مالٍ خليجي أو وساوس محطات متخلفة تعيش في الماضي وتقتات عقائد مبنية على الكره والإدانة والجهل، ترى من خلالها الحاضر على انه استعادة لحروب القبائل والعشائر والمذاهب…. وان كل فعل اجتماعي او سياسي احتجاجي أو ولائي ما هو سوى تعبير عن ولاء لعقيدة دينية أو طائفية؟
وليس اولئك فقط من يطالب العلويين بإدانة النظام والإلتحاق بالثورة، بل يتعدى ذلك إلى مطالبة ثوار علويين ومعارضين قدماء طائفَتهم بإدانة النظام والإلتحاق بالثورة، وهم يقعون بذلك في نفس الوهم والمنطلق الطائفي لقراءة الحدث والواقع السوري. يغيب عن هؤلاء الثوار والمعارضين العلويين أن العلويين كحالة اجتماعية دخلت حالة الإغماء التاريخي (“كوما”). وهم بذلك يطالبون كتلة صماء لا حياة فيها بمال ا تطيقه أو تعيه، بفعل ما ارتكبه النظام الامني الإفسادي من قمع وقتل وتجفيف لكل مواقع المقاومة والحياة في هذه الكتلة، فأحالها إلى عطالة إجتماعية سياسية اقتصادية …
إذ، كيف تطلب ممّن يوالي النظام ويعتقد أنه حاميه، أن يدين تورطه في هذا الإعتقاد، على سخافته وتهافت حججه؟ فهو في زعمه يدافع عن الوطن، ويحمي مواطنيه من العصابات المسلحة،
الأنظمة العائلية تقوي تفسها بمافيات وعشائر وعائلات تمنحها شيئاً من المزايا والإمتيازات الإقتصادية والسلطوية. نتذكر مدى إخلاص أهل “درعا” للنظام خلال أربعين عاما! ومع ذلك، عند أول خطأ ارتكبه ضد أطفال وحرائر “درعا”، انتفضت المدينة عن بكرة أبيها! نحتاج لخطأ يرتكبه النظام مع الطائفة كي ترد عليه كما فعل أهل “درعا”! وعلى الرغم من دهاء النظام في التعامل مع الطائفة، لكن فكرة هيغل حول دهاء التاريخ، وهي ما يعبر عنه القرآن الإسلامي،”ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”، تبقى صالحة!
لاشك ان رؤية الثورة السورية بخلفية عنصرية تمييزية على أساس الطائفة أو العرق أو الجماعة أو الجهة او على أساس مذهب او إيديولوجيا، لا شك أن الإستناد إلى أيّ من هذه الرؤى والخلفيات في التحليل والتأويل، يؤدي إلى تدمير الثورة.
مأثرة الثورات أنها نقية من أي انتماء سوى رغبة الإنعتاق والتحرّر من العبودية والإحتلال والظلم… فهل تبقى ثورة السوريين كذلك؟
هذا ما ندعو الله والتاريخ والثوار معاً للمحافظة عليه …
كاتب سوري