مع دخول إيران مرحلة العقوبات الدولية الثانية، فإن الحكومة الإيرانية أثبتت، من خلال السياسة التي يقودها رئيسها محمود احمدي نجاد، أنها مصرة على رفض التراجع أو تقديم التنازل فيما يخص ملفها النووي، ما يعني أن التصعيد في المنطقة سيكون عنوان المرحلة المقبلة. غير أن ما يترتب على العقوبات من ظروف سياسية مشوشة وعقوبات اقتصادية صعبة على الداخل الإيراني، قد يهيئ الأمور لأجواء إقليمية مغايرة وجديدة. أو بعبارة أخرى أنه رغم التوقعات بحدوث تصعيد سياسي إقليمي جراء تشديد العقوبات على إيران، حيث ستحّرك طهران أوراقها السياسية لممارسة مزيد من الضغوط على المصالح الغربية لاسيما الأمريكية في المنطقة، وعلى رأس تلك الأوراق ما يتعلق بالوضع السياسي والأمني في العراق، غير أن مراقبين يعتقدون أن العقوبات الجديدة سيكون لها أثر سلبي كبير على الوضع الداخلي في إيران، وبالذات على الأزمة الاقتصادية المتفاقمة والخلافات بين التيارات السياسية والتي من المتوقع أن يغذيها أداء نجاد في الملف النووي، وهو ما يضعضع موقف نجاد الرئاسي ويحمل تياره السياسي المزيد من التساؤلات.
وكان إعلان الولايات المتحدة أنها “ستتعامل سريعا” مع طلب الرئيس الإيراني الحصول على تأشيرة دخول لأراضيها، وإعرابها في الوقت نفسه في أن يستغل نجاد رحلته لبدء محادثات مع الغرب بشأن برنامج بلاده النووي، كل ذلك حمل في طياته توجها أمريكيا، وغربيا، لممارسة مزيد من الضغوط على طهران لحملها على تغيير موقفها من الملف النووي قبل أن يصوت مجلس الأمن الدولي على قرار ثان للعقوبات.
والعقوبات الجديدة التي يتضمنها مشروع القرار الجديد ستضاف إلى تلك المفروضة أصلا على طهران لرفضها وقف أنشطتها النووية الحساسة لتخصيب اليورانيوم بموجب القرار 1737 الصادر في 23 ديسمبر. وقد تجاهلت طهران ذلك القرار وقامت خلافا لذلك بتسريع أنشطتها لتخصيب اليورانيوم بحسب ما خلصت إليه الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وينص مشروع القرار الجديد على حظر مشتريات الأسلحة من إيران وعلى قيود طوعية لمبيعات الأسلحة إلى هذا البلد.كما يتضمن أيضا قيودا مالية وتجارية وقيودا على سفر بعض الشخصيات الإيرانية المرتبطة بالبرنامج النووي.
ويعتقد المراقبون أن خطوة نجاد بإلغاء زيارته إلى نيويورك، والتي كان من المقرر أن يتحدث خلالها أمام مجلس الأمن الدولي قبل التصويت على العقوبات الجديدة من أجل طرح بعض “المقترحات الجديدة”، كان الهدف منها هو تقليل خسائره السياسية على صعيد الداخل الإيراني والإيحاء للدول الغربية أن باب “النوايا الإيرانية الحسنة والمقترحات الجديدة” لم تغلقه طهران وإنما أغلقته واشنطن بتعمدها التأخر في إصدار التأشيرة ما جعل الوقت على نجاد غير كاف للقدوم إلى نيويورك والحديث أمام مجلس الأمن الدولي.
وكان نجاد قد خطط للظهور في مجلس الأمن الدولي للدفاع عن برنامج بلاده النووي، إلا أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية محمد على حسيني قال مساء الجمعة إن الرئيس الإيراني لن يحضر وحمل تبعة الموقف على “تجاهل” المسؤولين الأمريكيين إصدار تأشيرة دخول للوفد الرئاسي وطاقم الطائرة في الوقت المناسب.
ويقول المراقبون أن زيارة نجاد إلى نيويورك تعرضت إلى انتقادات في عدة دوائر سياسية داخل إيران بصفتها غير مجدية ويعتقدون أن مشكلة التأشيرة هي مجرد ذريعة لإلغاء الرحلة. وكان آخر انتقاد ضمني وجه لسياسات نجاد النووية في الداخل الإيراني صدر عن الرجل القوي في النظام الإيراني ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني الذي طالب أمس الجمعة الساسة الإيرانيين وعلى رأسهم نجاد “أن يكونوا شديدي الحرص وأن يستخدموا كامل حكمتهم لتطبيق القدرات الدبلوماسية وتبني معلومات تتماشى مع عصرنا”. وهي إشارة إلى أن تحركات نجاد تعيق الجهود التي تبذلها إيران لكسب الاعتراف الدولي بالطبيعة السلمية لبرنامجها النووي وتخلق مزيدا من البلبلة السياسية والاقتصادية في الداخل.
ويبدو أن الساسة في طهران، ومن ضمنهم نجاد، على قناعة بأن ضغوط المجتمع الدولي الراهنة هي الأقوى منذ مجيء الرئيس الإيراني إلى السلطة، وقد تفضي تلك الضغوط إلى مزيد من العزلة السياسية لحكومتهم وإلى عقوبات اقتصادية أشمل ضد شعبهم، ما قد يؤدي بهم الأمر أيضا إلى مزيد من الخلافات السياسية الداخلية، بل قد يؤدي أيضا إلى عزل نجاد عن السلطة.
وفي واشنطن قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن التأشيرات صدرت في سويسرا يوم الجمعة لنجاد ووفده بما في ذلك طاقم الأمن والطائرة للسفر إلى نيويورك. وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية توم كيسي: “إن أي افتراض بأن إصدار التأشيرات هي السبب في قرار الرئيس نجاد بعدم السفر إلى نيويورك افتراض كاذب”. وأضاف: “من الواضح إنه غير راغب في الوقوف أمام المجلس وتحمل مسئولية تحديه المستمر للمجتمع الدولي”.
وإذا ما اعتبر أن هدف نجاد الرئيسي من الذهاب إلى مجلس الأمن كان التأكيد على المواقف النووية الإيرانية السابقة، فإن ذلك كان سيؤشر على وجود رسالة إيرانية موجهة إلى الساسة الغربيين، لاسيما الأمريكيين، مفادها أن الملف النووي غير منفصل عن الملفات الأخرى وبالذات ما يتعلق بالوضع في العراق، وكذلك لبنان ومناطق أخرى كأفغانستان، وأن العقوبات الدولية الجديدة قد لا تخدم تلك الملفات.
وهو أمر كان نجاد يسعى من خلاله إلى تحقيق شرخ في الموقف الغربي ضد بلاده، وإلى ظهوره لدى الداخل الإيراني المتشدد كشخصية بطولية ترفض التنازل للشيطان الأكبر (أمريكا). لكن ذلك كان سيفضي أيضا إلى ظهور سيناريو آخر، سيناريو تغيير الرئيس حفاظا على مصلحة إيران العليا في ظل وقوف الغرب صفا واحدا ضد مشروع طهران النووي. وهو ما أدى في النهاية إلى إلغاء زيارة نيويورك من أجل تقليل الخسائر السياسية.
ssultann@hotmail.com
* كاتب كويتي