“تأجيل” زيارة وزير خارجية فرنسا، برنار كوشنير، إلى دمشق وبيروت (أُعلِن “التأجيل” يوم أمس)، ليس “الحدث” الوحيد الراهن في العلاقات الفرنسية-السورية. فالأهم من تأجيل زيارة كوشنير، الذي يكاد الفرنسيون “ينسون” أنه وزير خارجيتهم بعد انتقال الشؤون الخارجية من “الكاي دورسيه” إلى الإليزيه، هو توقّف الحديث عن زيارة مدير الإليزيه، “كلود غيان” التي قيل قبل أسبوعين أنها كانت “وشيكة”، إلى دمشق.
وليس واضحاً حتى الآن ما إذا كان “غيان”، الذي يُعتَبَر مهندس العلاقات الساركوزية مع دمشق، سيقوم بزيارته أم لا! ولكن المؤكّد هو أن فرنسا تقوم حالياً بـ”مراجعة” لمجمل علاقاتها بدمشق، وأن التقييم الذي ستتوصّل إليه سيكون.. سلبياً. وتتداول أوساط مطّلعة أن الرئيس ساركوزي كان، قبل زيارته إلى واشنطن، قد حمّل مساعده “كلود غيّان” مسؤولية تدهور العلاقات مع سوريا، معتبراً أن السوريين “خدعوا” غيّان! وهذا عدا تحميل “غيّان” مسؤولية تدهور العلاقات مع الجزائر..
وتقول مصادر الإليزيه أن دمشق لم تنفّذ أياً من تعهّداتها في ما يتعلّق بلبنان. فالسفارة السورية في بيروت ليست سفارة “عاملة”، وما يزال “المجلس الأعلى” قائماً، ولم يتم إعادة النظر في الإتفاقات التي عقدت بين البلدين في ظل الإحتلال، ولم يتم ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان، كما أن السوريين عزّزوا شبكاتهم الإستخباراتية في لبنان.
وعلى مستوى العلاقات الثنائية، فإن كل ما قدّمه النظام السوري لفرنسا لم يتعدّ بضعة “أسماء” لإرهابيين صغار مزعومين..
من جهة أخرى، قرّرت فرنسا أنها لن تقبل بعد الآن أية “وساطة” سورية مع طهران، وذلك بعد أن اكتشفت باريس أن المعلومات التي ينقلها لها السوريون هي “من نسج الخيال” السوري!
وتقول مصادر فرنسية وإيرانية أن باريس أوفدت “موفداً غير رسمي”، ولكن رفيع المستوىـ، إلى طهران في الأسابيع القليلة الماضية، ولكن مهمته باءت بالفشل بسبب “الصلف” الإيراني. وهذا مع أن باريس أطلقت سراح المهندس الإيراني النووي “مجيد كاكافند” ورفضت طلباً أميركياً لتسليمه.
ولكن مصادر في بيروت تؤكّد أن موفداً فرنسياً حضر إلى دمشق في الوقت نفسه حيث تبيّن له أن سوريا تبنّت مطالب إيران كاملة. وتضيف هذه المصادر أن سبب تصلّب الإيرانيين هو اعتقادهم أن الرئيس ساركوزي مضطر لتقديم تنازلات بعد أن سجّلت شعبيّته إنخفاضاً كبيراً جداً في فرنسا!
وفي هذه الأثناء، فإن أوساط وزارة الخارجية الفرنسية لا تخفي “شماتتها” بقصر الإليزيه الذي انتزع منها الملفّ السوري، ثم يعود الآن ليتبنّى قناعاتها بخصوص العلاقات مع نظام بشّار الأسد.
محور قطر – دمشق
ويشير بعض الديبلوماسيين الفرنسيين إلى “تداخل” العلاقات الفرنسية- السورية بالعلاقات الوثيقة التي أقامها الرئيس ساركوزي مع أمير قطر (أحياناً، على حساب العلاقة مع السعودية..). فقطر تستخدم إمكاناتها المالية كـ”لوبي” لنظام الأسد في العالم. وقد دفع أمير قطر، نيابةً عن فرنسا، مبلغ 300 مليون دولار الذي طالب به العقيد القذّافي كـ”خوّة”، مقابل إطلاق سراح الممرضات البلغار والطبيب الفلسطيني, وهذا ما سمح لفرنسا أن تعلن أنها نجحت في الإفراج عن الرهائن المحتجزين في ليبيا “بدون مقابل”! وكشف هؤلاء الديبلوماسيون أن أمير قطر دفع، كذلك، أكلاف مؤتمر دول المتوسّط الذي انعقد في باريس وشارك فيه الرئيس السوري. وهذا ما يفسّر حضور دولة قطر الخليجية مؤتمراً مخصّصاً لدول البحر الأبيض المتوسط!