رزقنا الله فى عالمنا العربى الجميل بأربعة مشايخ يتقاسمون الأدوار علينا، وهم شيخ القبيلة وشيخ الخفر وشيخ المنصر وأخيرا هلّ علينا شيخ الفتاوى. وهم، والله الحمد، يعرفون الوسائل اللازمة والرادعة للسيطرة علينا. فشيخ القبيلة يدّعي أنه أكثرنا حكمة وأنه ورث القبيلة أبا عن جدا وأنه يعرف مصلحتنا أكثر منا بكثير ويعاملنا معاملة الأطفال تارةً، ومعاملة العبيد تارة أخرى، ومقتنع بقول المتنبى رحمة الله عليه:
لا تشترى العبد إلا والعصا معه
وعلى ذكر العصا يظهر شيخ الخفر بعصاه أحيانا وبدباباته أحيانا أخرى وبسجونه فى أغلب الأحيان، وينفذ ما يأمر به شيخ القبيلة ويكون نصيبه هو الجزء الأكبر من الثروة فى شكل أكياس من الذهب والطحين وأحيانا سيارات فارهة وفيلات على البحر. أما شيخ المنصر فيراقب ما يحدث وهو أذكى الجميع ولكنه ليس أقواهم. وبذكائه إستطاع ويستطيع التعامل مع كل شيخ قبيلة مهما تغير. واستطاع التعامل أيضا مع شيخ الخفر، فهو مع شيخ القبيلة يسهل المسائل ويقوم بالعمليات الغير نظيفة والنظيفة وما بين النظيفة والقذرة لحساب شيخ القبيلة فى الأساس، ولكنه لا ينسى شيخ الخفر والذى لا بد أن يصله فى كل موسم دكرين بط على شوية فطير مشلتت وقفص فراح وصفيحة جبنة قديمة كل هذا يضعه فى السيارة المرسيدس 500 ويوصلها بنفسه حتى دوار شيخ الخفر، مع أنه فى الأصل أن من مهام وظيفة شيخ الخفر هى القبض على شيخ المنصر وأمثاله. ولا يبقى بعد هذا سوى شيخ الفتاوى وهو يسهل إرضاؤه والجميع يجلونه ويحترمونه على أساس أنه راجل بتاع ربنا!! لذا لا بد له من التعامل مع الشيوخ الثلاثة الآنف ذكرهم، ودائما يذكر عامة الناس بـ:”أطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم”. وما دمنا لانرى الله رؤى العين وكذلك لم نعش فى عهد الرسول الكريم، لذا وجب علينا إطاعة أولي الأمر منا وهم بدون جدال: شيخ القبيلة وشيخ الخفر وشيخ المنصر وبالطبع شيخ الفتاوى. ومؤخرا ظهر التمرد على بعض شيوخ الفتاوى ، لذا كان لابد من أرضائهم بمنحهم المناصب الدينية والإحتفال بهم فى المناسبات، وكذلك السماح لهم بنشر فتاويهم والتى تصل إلى حدالشعوذة فى بعض الأحيان من خلال القنوات التليفزيونية والكاسيتات. وكل هذا يلهى الناس عن بلاويهم ويتفرغوا لمناقشة موضوعات مثل إرضاع الكبير وبول الإبل وتحريم ميكى ماوس وتحريم الورد الأحمر فى عيد الحب، وكلها كما ترون موضوعات هامة وحيوية لا يستغنى عنها أى مجتمع متحضر فى القرن الواحد والعشرين.
….
وقد قرر المشايخ الأربعة الإجتماع مؤخرا بأحد الرعية لمناقشة أحواله وقد أدار الإجتماع شيخ القبيلة ، والذى إفتتح الجلسة قائلا:
اليوم نجتمع لمناقشة أحوال الرعية ويبدو أن الأمور متأزمة والله أوصانا خيرا بالرعية.
شيخ الفتاوى: كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته.
شيخ الخفر: هؤلاء الرعية لا ينفع معهم أى معروف ، فتحنا المدارس المجانية لأولادهم ولبناتهم، ونبيعهم الخبز برخص التراب، ويعيشون فى بلد الأمن والأمان، ورغم ذلك يتذمرون ويطالبون بالمزيد.
شيخ المنصر: بنى آدم لا يملأ عينه سوى التراب.
شيخ الخفر: الشعوب عادة تفضل أن تعيش فى الوهم، على أن تعيش فى الواقع، وتكره من يواجهها بالواقع المؤلم وتعشق من يخدعها بالأماني.
شيخ القبيلة: دعونا نستدعي هذا المواطن لكى نستعلم منه أحواله.
شيخ الخفر: تعالى يامواطن، قبل يد شيخ القبيلة.
(يدخل المواطن وهو ينظر حوله ويرتعد من الخوف ويتجه مباشرة إلى شيخ القبيلة يقبّل يده، ويفتعل شيخ القبيلة سحب يده قائلا: أستغفر الله)
شيخ الخفر: ماهى مشكلتك يامواطن؟
المواطن: ما عنديش أى مشكلة.
شيخ الخفر: لقد ضبطناك مشتركا فى مظاهرة ضدنا.
المواطن: لا أبدا دى ماكانتش مظاهرة ولا حاجة، ده أنا كنت واقف فى طابورالعيش.
شيخ المنصر: ولماذا تقف فى طابور العيش، لماذا لا تذهب إلى السوبرماركت لشراء الخبز.
المواطن: إيه السوبر ماركت ده يا بيه؟
شيخ المنصر: مواطن جاهل صحيح، لا يعرف السوبر ماركت!
شيخ القبيلة: كم لديك من الأولاد يا مواطن؟
المواطن: أنا عندى فضلة خيرك ثلاث بنات وولدين.
شيخ المنصر: وهل كان من الضرورى أن تخلف كل هذا العدد؟
المواطن: الأطفال أحباب الله، وشيخ الجامع عندنا دايما يقول حديث مش فاكره بالضبط لكن بيقول :”تناكحوا تكاثروا فإنى مباه بكم الأمم يوم القيامة”.
شيخ القبيلة: ما رأيك فى هذا الكلام يا شيخ الفتاوى؟
شيخ الفتاوى: الضرورات يبحن المحظورات، وإن كان الإنفجار السكانى سيسبب العوز والفقر فلا بأس من تحديد النسل.
المواطن: ياريت كان حد نبهنا للكلام ده.
شيخ القبيلة: هل يذهب أولادك للمدارس؟
المواطن: أنا عندى بنتين فى المدرسة الثانوى، وإبنى الكبير فى الجامعة، وبنت فى الإبتدائى وولد آخر العنقود عمره ثلاث سنوات.
شيخ الخفر: وهل تدفع أى مبالغ لتعليمهم؟
المواطن: التعليم مجانى صحيح.
شيخ الخفر: طيب ماذا تريد؟
المواطن: أنا بنتى فى آخر سنة فى الإبتدائى، وما بتعرفش تقرأ الجورنال، والدروس الخصوصية بتبلع فلوس ياما.
شيخ القبيلة: هل لديك مشاكل أخرى؟
المواطن: أنا عندى طلب واحد.
شيخ القبيلة: ما هو؟
المواطن: إدينى أيدك تانى علشان أبوسها!!
samybehiri@aol.com
• كاتب مصري
المصدر إيلاف
بين شيخ القبيلة وشيخ الخفر وشيخ المنصر وشيخ الفتاوى
That was nice ending