“الساحة العامة ملكٌ للجميع” هو عنوان مقال للباحث الإيراني مهدي خلجي، في ردّ له على المفكر الإيراني عبدالكريم سروش الذي اعترض على الهجوم الناقد ضد الدين الإسلامي من قبل العديد من الصحافيين والكتاب والباحثين والسياسيين الإيرانيين ممن يعيشون في خارج إيران.
ويأتي الهجوم كردة فعل منهم على السياسات “الاستبدادية” لقادة الجمهورية الإسلامية في ايران، والتي اعتبروها انعكاسا للدين. وقال سروش في بيان أصدره حول ذلك إن الإيمان الديني يمثّل رأس مال اجتماعي مهم داخل المجتمع الإيراني، معتبرا بأنه من الأفضل استغلال هذا الإيمان لدعم النضال الديموقراطي بدلا من التضحية بالدين في المعركة ضد الاستبداد، مؤكدا بأن الدين الإسلامي محفوظ وغير قابل للفناء وبالتالي لا توجد أي مصلحة لإشعال نار العداوة ضده. واعتبر سروش بأنه لا يخالف “النقد العلمي” للدين لأنه يصب في النهاية في صالح الدين، وأكد بأنه يخالف مساعي الكثيرين في معاداة الدين ونفيه وإلغائه من الوسط الاجتماعي العام تحت مسمى الحرية ومواجهة الاستبداد الديني.
وقد طرح خلجي نقاطا عدة في مقاله الذي نشره موقع “نيلغون”، ردّ من خلاله على اعتراض سروش. ونعرض هنا (وفي مقالات أخرى) جانبا من تلك النقاط:
يؤكد خلجي بأن سروش يرفض النقد “غير العلمي” للدين ولطقوسه ولفقهه الذي يمارسه بعض الناس العاديين ممن لم يكملوا تعليمهم الجامعي. ويعتبر خلجي السخرية جزءا أساسيا من النقد. ويتساءل: لماذا يُمنع هؤلاء – أي الناس العاديون – من ممارسة النقد بصورة طبيعية وحرة وعفوية؟ وهل الفقهاء ورجال الدين المسلمون هم من يحدّد مستوى الحريات وصور النقد، المباح وغير المباح؟
معروف أن معظم مجتمعات المسلمين تتميز بتنوع ديني ومذهبي وفكري واسع، ما بين منتمين إلى مذاهب دينية متعددة، ومنتمين إلى مدارس دينية مختلفة داخل المذهب الواحد، وبين توجهات داخل تلك المدارس، وكذلك توجهات رافضة أن تؤمن بالأديان والمذاهب. كيف يمكن ترسيخ نقد الدين داخل تلك المجتمعات في حين أن رجال الدين فيها يرفضون ذلك، ويستطيعون عن طريق استغلال القوانين المناهضة للحريات والمعادية للتنوع الفكري أن يسجنوا الناقد؟ (وكانت الكويت على موعد مع الكثير من أحكام السجن ضد مغردين في الفترة الأخيرة لأنهم انتقدوا مفاهيم وطقوس دينية معينة).
يطرح خلجي عدة أمثلة في إطار شرحه للأحكام الدينية الحاثة على التقيد بظاهر الدين لا الوصول إلى الايمان القلبي، معتبرا أن ذلك يشجع استبداد رجال الدين ويقوي وصايتهم الأخلاقية على المجتمع مما يساهم، وبقوة القانون، في إلغاء مختلف صور النقد ضد أرائهم وضد الظروف غير الطبيعية التي تحيط بممارسة الطقوس، ومنها “إجبار” غير المؤمن على ممارسة تلك الطقوس في مشهد تمثيلي غير واقعي وكأنه يتظاهر بالإيمان، أو بكلمات أخرى تشجع غير المؤمن على الكذب. من ذلك، مسألة الصيام في شهر رمضان. فقوانين العديد من المجتمعات المسلمة تعاقب المفطر علنا في هذا الشهر. لماذا؟ لأن على الجميع أن يكونوا صائمين في خارج بيوتهم، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وبالتالي لا يستطيع أحد أن يميّز المسلم عن غير المسلم والمؤمن عن غير المؤمن والصائم عن غير الصائم، أو الكاذب عن غير الكاذب – رغم أن الصدق والكذب لا يتدخلان في العلاقة الإيمانية – بل المهم لدى رجال الدين هو أن يخلقوا هيبة اجتماعية غير واقعية للطقوس الدينية، وفي المقابل أن يجعلوا غير المؤمن معبّرا عن الصيام ولو بصورة تمثيلية غير واقعية. وهذا الأمر ينطبق على الحجاب أيضا.
إن الدفع لأن يكون للدين هيبة وسطوة اجتماعية، ساهم في سيطرة رجال الدين المسلمين على الدين وعلى المجتمع، وتسبّب في هلع الآخرين من عدم تنفيذهم الأحكام الدينية، فبات هؤلاء مجبرين على ممارسة الكذب والتمثيل بدعمٍ وتشجيعٍ من رجال الدين وقوانينهم. فهذه القوانين إما يتم تنفيذها قربة إلى الله، أو يتم تنفيذها خوفا ورهبة وتمثيلا، ما ينتج عن ذلك مجتمع غير أخلاقي. فالمجتمع لابد أن يكون ملكا لهم، وتحت وصايتهم، وبالتالي فأي رأي مناهض لفهمهم الديني وأي سلوك فاسق في نظرهم يجب أن يكون مخفيا وبعيدا عن آذان وأنظار أفراد المجتمع. وبعبارة أخرى، لا يمكن لرجال الدين في ظل مفاهيم السطوة والهيبة ومزاعم المحافظة على الأخلاق، إلا أن يسعوا للسيطرة على المجتمع بصورة استبدادية، وأن يظهروا الدين وسط الحياة العامة بأنه ضد مختلف صور الحرية الفردية.
وفي الواقع فإن الشأن العام في العصر الحديث لا يمكن أن يكون تحت عهدة المسلمين فقط، ولا تحت وصاية رجال الدين وقوانينهم. وبالتالي لا علاج لهذه المسألة إلا بتبني منهج التسامح. أي أن يكون الشأن العام ملكا للجميع. فالجميع – لا فحسب من ينتمي إلى النهج العلمي – أحرار في أن يصبحوا مؤمنين وفي أن يكونوا غير مؤمنين بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى ومن ممارسة، وقادرين على نقد النص الديني ومهاجمة الفهم الديني بكل حرية وبمختلف الطرق ودون خوف من عنف أو مسعى للترهيب والإقصاء. وبنفس المقدار، على المتديّن أن يكون قادرا على نقد الأفكار والأيديولوجيات غير الدينية.
كاتب كويتي
fakher_alsultan@hotmail.com