اشادت قوى الرابع عشر من آذار عموما، والمسيحية منها تحديداً، بالنتائج التي تم تحقيقها في انتخابات المجالس الطلابية في الجامعات المسيحية، حيث حقق طلاب قوى 14 آذار فوزا مبينا على زملائهم من قوى 8 آذار في جميع الكليات والجامعات.
وانتخابات هذه السنة تميزت بمشاكل اقل بين طلاب التيار الوطني الحر، العماد الرئيسي لطلاب قوى الثامن من آذار، وطلاب القوات اللبنانية في الجهة المقابلة.
ولكن ما فات المشيدين بنتائج هذه الانتخابات هو انهم اغفلوا أمرا اساسياً، وهو ان الطلاب الذين يشكلوهم العصب الاكثر حيوية في جمهور قوى الرابع عشر من آذار وقوى الثامن من آذار ايضا، اثبتوا بما لا يرق اليه الشك أن وعيهم السياسي فاق مواكبة قياداتهم.
كما اثبتت هذه الانتخابات ان المزاج الشعبي المسيحي تعرض لتحولات دراماتيكية منذ الانتخابات السابقة، التي اثبت فيها التيار الوطني الحر حضوره في هذه الجامعات على حساب منافسيه المسيحيين من قوى الرابع عشر من آذار.
وفي معزل عن اسباب تحول المزاج الشعبي المسيحي، وإشاحة نظره عن عون وتياره، وهي اسباب لم تعد خافية على احد، وناتجة عن حال التخبط التي يعاني منها التيار الوطني الحر على مستوى التوجهات السياسية والخطاب السياسي للجنرال عون الذي انتقل بين ضفتي تبني ابوة القرار الاممي 1559، وورقة التفاهم مع حزب الله وزيارة ايران، ولاحقا سوريا. فقد اجمعت اصوات الاشادة على ان هذه الانتخابات هي مؤشر على ما ستكون عليه الانتخابات النيابية المقبلة في المناطق المسيحية، والغمز من قناة انتقال نسبة السبعين في المئة من ضفة عون الى ضفة قوى الرابع عشر من آذار المسيحية.
ولكن ما فات هذه القوى، المسيحية منها تحديدا، ان خلافاتها قد تحول دون انتقال التمثيل المسيحي بالجملة من ضفة عون الى ضفتها، بل على العكس من ذلك، قد يحتفظ الجنرال عون بالتمثيل المسيحي النيابي، وإن بنسبة لا تتجاوز اغلبية النصف زائدا واحدا، اذا لم تبادر قوى الرابع عشر من آذار، وفي الوقت المناسب، الى الخروج على جمهورها بخطاب موحد، وتتفق على آلية موحدة لخوض الانتخابات النيابية المقبلة بلوائح موحدة، تكون اكثر انسجاما مع طموحات جمهورها، الامر الذي يدحضه سلوك هذه القيادات حتى الآن. وما الخسارة التي منيت بها هذه القوى في انتخابات نقابة محامي الشمال سوى خير دليل على حال عدم انسجام هذه القوى، وانها ما زالت بعيدة عن الاتفاق واقرب الى التنابذ مع تغليب المصالح الشخصية حينا والحزبية الضيقة حينا آخرا على حساب الصالح العام الذي تقتضيه المعركة الانتخابية المقبلة.
وفي هذا السياق، نقل مصدر مطلع في قوى 14 آذار عن ان اجتماعها الاخير، يوم الاثنين الماضي، شهد نقاشا حادا، وتبادلا لتحميل المسؤوليات عن اسباب الفشل في انتخابات نقيب محامي الشمال، والاتفاق على اخذ تعهدات ووعود من القيادات بالتروي والتقاط انفاسهم، خصوصا اللاهثين منهم الى تكريس الامر الواقع واعطاء انفسهم احجاما قد لا تنسجم بالضرورة مع ما هم عليه، واعلان ترشيح محازبيهم في هذه الدائرة المسيحية او تلك، وتجميع اوراق واهية في مقابل الحلفاء ومتناسين ان التيار الوطني الحر يتربص بهم ايضا، وهذا حقه الانتخابي، وان انصاره وماكيناته واعلامه يعملون، ويتفرجون ويستفيدون من اي ثغرة في جدار القوى المناهضة لهم، خصوصا في الشارع المسيحي..
ويضيف المصدر ان المجتمعين في قوى 14 آذار اتفقوا على ترحيل خلافاتهم الى الرابع عشر من شباط، وهو الموعد الذي قالوا انهم سيعلنون فيه خطابهم السياسي الانتخابي ولوائحهم الانتخابية الموحدة. وهذا، بعد ان كانوا اعلنوا سابقا ان الخطاب السياسي سوف يتزامن مع الاحتفال بعيد الاستقلال في الثاني والعشرين من الجاري، بما يفسح في المجال امام هذه القوى لمعالجة التباينات والخلافات في وجهات النظر في ما بين مكوناتها.
ويعلق المصدر على خلافات هذه القوى بالقول انها قد تهدد وحدتها وتضامنها الذي يعزوه الى استمرار التهديات التي تطلق في حقها مجتمعة ومنفردة بين الحين والآخر من قوى 8 آذار وحلفائها في الداخل والخارج. والى انه لولا هذه التهديدات لكانت الخلافات كبر وربما معالجتها اصعب الى درجة الاستحالة.
ويشير المصدر الى ان افتعال ازمة صلاحيات نائب رئيس الحكومة وعودة العماد عون ونوابه ووزرائه الى الحديث عن “الفساد” وتركيز هجومهم على رئيس الحكومة فؤاد السنيورة فضلا عن التفجيرات الامنية الاخيرة في الشمال وتداعياتها التي برزت مؤخرا على شاشة التلفزيون السوري، هي التي تجبر هذه القوى على المحافظة على تماسكها، وتذكرها بالتهديدات التي تتعرض لها، والتي يبدو ان حسابات ربح مقعد نيابي هنا او هناك تطغى على عقل يعض قياديها، ففقدوا بوصلتهم الرئيسية وهي ضرورة تحصين البلاد اولا واخيرا في وجه التحديات التي تواجهها داخليا واقليميا ودوليا.
وبين انتخابات نقيب محامي الشمال وانتخابات اللجان الطلابية في الجامعات المسيحية تبرز الحاجة الملحة الى ان تبذل قوى الرابع عشر من آذار جهدا مضاعفا ومكثفا لانتاج خطابها السياسي، الذي يجب ان يأخذ في الاعتبار الوعي المتنامي لدى جمهور هذه القوى، وان ترتقي قوى الرابع عشر من آذار الى مستوى هذا الوعي لا ان تأخذه الى منحدراتها وخلافات ازقتها.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، لماذا لا تلتئم الامانة العامة لهذه القوى دوريا وتصدر بيانا اسبوعيا، وكل ما دعت الحاجة، يوضح موقف هذه القوى من المستجدات المحلية والاقليمية والدولية التي تنعكس على لبنان، ليشكل هذا الموقف اعلان اتحاد في الرؤية اولا، ومادة يزود بها جمهور قوى الرابع عشر من آذار ليحصن بها موقفه في سجالاته اليومية؟ انها امنية، قد لا تكون متاحة اليوم، ولكنها ايضا حاجة. الا يعقد تكتل الاصلاح والتغيير جلسة اسبوعية، كل يوم إثنين، يطل بعدها العماد عون على اللبنانيين؟
ألا يستحق جمهور قوى الرابع عشر من آذار موقفا اسبوعيا من قيادييه يكون مبنيا على الفعل السياسي واعلان الموقف بدلا من ممارسة واحتراف رد الفعل؟
انها مسألة برسم قوى الرابع عشر من آذار قبل ان يفوت أوان تدارك انفضاض جمهورها عنها والتحاق كل جماعة بحظيرتها المذهبية او الحزبية الضيقة او المناطقية.
richacamal@hotmail.com
* كاتب لبناني- الإمارات